الفصل التاسع - السبعون أسبوعاً - تقسم السبعين أسبوعاً
تقسم السبعين أسبوعاً
"فاعلم وأفهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع وستون أسبوعاً يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها. ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب." (دانيال 9: 25 - 27).
قسم جبرائيل السبعين أسبوعاً إلى ثلاث حقب:
الأولى: سبعة أسابيع أي 7 × 7 تساوي 49 سنة
الثانية: اثنان وستون أسبوعاً 62 × 7 تساوي 434 سنة
الثالثة: أسبوع واحد أي سبع سنين
ويصف جبرائيل الأحداث التي ستتم خلال هذه الفترة الزمنية التي ارتبطت ببعضها والتي مدتها سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً أي 49 + 434 تساوي 483 سنة. ولكنه أبقى الأسبوع منفصلاً وتحدث عن أحداثه الرهيبة.
الحقبة الزمنية الأولى: سبعة أسابيع
"فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها سبعة أسابيع" (دانيال 9: 25).
إذا فنقطة البداية في هذه الحقبة هي "خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها" أي خروج أمر أحد الملوك العظام لتجديد أورشليم.
وقد سجل العهد القديم ثلاثة أوامر ملكية:
الأمر الأول: أصدره كورش الملك سنة 538 قبل الميلاد (عزرا 1: 1 – 4 و 5: 13 - 17) [اقرأ أيضاً أشعياء 44: 28، 45: 1 – 4، 2 أخبار 36: 22 و 23] هذا الأمر الملكي كان محدداً بإعادة بناء بيت الله (عزرا 6: 3). ولأن أمر الملك كورش لم يذكر إعادة بناء أورشليم، بل بيت الله فقط، فنحن سنستبعد هذا الأمر لأنه يتفق في تفاصيله مع ما جاء في سفر دانيال (9: 25).
الأمر الثاني: أصدره الملك داريوس سنة 517 قبل الميلاد وهو مذكور في سفر عزرا 6: 1 – 12، وهو تثبيت من الملك داريوس لأمر الملك كورش، ولا نجد فيه ذكراً لإعادة بناء أورشليم.
الأمر الثالث: أصدره ارتحشستا الملك سنة 445 قبل الميلاد، وهو ينطبق تماماً على ما ذكره دانيال 9: 25 في تفاصيله، وهذا الأمر الملكي مذكور في سفر نحميا الإصحاح الثاني، ويذكر بدقة إعادة بناء سور أورشليم "سور المدينة" (نحميا 2: 8). وبعد أن أخذ نحميا هذا الأمر قال للشعب "هلم فنبني سور أورشليم ولا نكون بعد عاراً" (نحميا 2: 17). وقد "كمل السور" (نحميا 6: 15).
فأمر الملك ارتحشستا هو في اعتقادنا بداية إتمام نبوة دانيال، ومن صدور هذا الأمر إلى الانتهاء من تجديد أورشليم وبنائها مرت سبعة أسابيع أي 49 سنة بني خلالها سوق وخليج وسط الضيق الذي عاناه نحميا ومن معه من الشعب القديم. وقد استغرق تجديد أورشليم مدة 49 سنة. (يوحنا 2: 20).
الحقبة الزمنية الثانية: اثنان وستون أسبوعاً
ثم يستمر الارتباط بين السبعة أسابيع والاثنين وستين أسبوعاً.
"وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له"
تذكر النبوة أنه بعد اثنين وستين أسبوعاً من تجديد أورشليم وبنائها "يقطع المسيح وليس له" أي يقطع من أرض الأحياء لا بسبب ذنب جناه بل لأجل خطية شعبه، وخطايا العالم كله.
هذا القطع كان إتماماً لنبوة أشعياء "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا، كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا.. من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء أنه ضرب من أجل ذنب شعبي" (أشعياء 53: 5 - 8) وقد مات المسيح على الصليب بعد 434 سنة من تجديد أورشليم وبنائها.
"وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها" (دانيال 9: 26).
تنتقل النبوة إلى وقت خراب أورشليم سنة 70 ميلادية، ولكنها في دقتها تذكر أن الخراب سيتم بواسطة شعب رئيس آت، وهنا يجب أن نذكر أن النبوة هنا تتحدث عن رئيسين "المسيح الرئيس" (دانيال 9: 25) و"الرئيس الآتي" (دانيال 9: 26) وتؤكد أن "الرئيس الآتي" سيأتي من الشعب الذي سيخرب المدينة ويهدم الهيكل، وهو الشعب الروماني.
وقد جاء الرومان بقيادة "تيطس فيسباسيانوس" وخربوا مدينة أورشليم وهدموا الهيكل سنة 70 ميلادية.
وينتهي هذا الخراب بطوفان الغضب "انتهاؤه بغمارة" "وإلأى النهاية" أي إلى نهاية هذا الدهر فقد قضى الله على الشعب القديم أن يعيش وسط الحرب والخرب.
الحقبة الزمنية الثالثة: أسبوع واحد
هنا تتوقف عجلة النبوة ويبقى من الحقبة الزمنية أسبوعاً واحداً لم تتم حوادثه.
وليس بدعاً أن لا تتم النبوة كلها دفعة واحدة، فالكثير من النبوات المذكورة في نصوص واحدة لم تتم دفعة واحدة أو في وقت واحد، بل أن هناك فاصلاً زمنياً طويلاً يفصل بينها.
خذ مثلاً النبوة المذكورة في أشعياء 61: 1 و 2 و 3 "روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق. لأنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا. لأعزي كل النائحين. لأجعل لنائحي صهيون لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد ودهن فرح عوضاً عن النوح ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة فيدعون أشجار البر غرس الرب للتمجيد".
عندما دخل الرب يسوع إلى المجمع في الناصرة وفتح السفر، كان الموضع الذي وجده هو أشعياء إصحاح 61 وقد توقف عند "وأكرز بسنة مقبولة للرب" (لوقا 4: 16 - 19).
فهو في مجيئه الأول تمم الجزء الأول من نبوة أشعياء 61: 1 – 3، والجزء الثاني سيتم في مجيئه الثاني، مجيء يوم الانتقام، والعزاء للشعب القديم (أشعياء 63: 1 - 5). وبين إتمام الجزء الأول والثاني من هذه النبوة فاصل زمني وصل حتى الآن حوالي ألفي سنة مع أن النبوة جاءت في نص واحد.
خذ أيضاً نبوة زكريا "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان. وأقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب. ويتكلم بالسلام وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (زكريا 9: 9 و 10).
فقد تم النصف الأول من هذه النبوة حين دخل المسيح أورشليم (متى 21: 1 - 11)، أما النصف الثاني فهو ينتظر الإتمام في المجيء الثاني للمسيح، والفاصل الزمني بين النصفين وصل حتى الآن إلى حوالي ألفي سنة.
هناك نبوة ثالثة هي نبوة جبرائيل الملاك للعذراء مريم إذ قال لها "ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 31 - 33).
وقد تم الجزء الأول من النبوة عندما ولد المسيح من العذراء، ولكن النصف الثاني سوف يتم في ملكه الألفي السعيد حين يأخذ كرسي داود أبيه، ولا يستطيع أحد أن ينهي ملكه.
وصلنا الآن إلى الأسبوع الأخير الباقي من السبعين أسبوعاً، ولكي نفهم هذا النص لابد أن نربطه بنبوة ربنا التي قالها وهو جالس على جبل الزيتون.
فنبوة ربنا في إنجيل متى 24: 1 – 41 تنقسم إلى ثلاثة أقسام. أولاً: ما قبل الضيق العظيم (متى 24: 4 - 8). ثانياً: الضيق العظيم نفسه (متى 24: 9 - 28). ثالثاً: ما بعد الضيق العظيم (متى 24: 29 - 31).
وكل حوادث هذه النبوة ستحدث في هذا الأسبوع الأخير الباقي من أسابيع دانيال السبعين.
وينقسم هذا الأسبوع إلى قسمين مبتدأ الأوجاع، والأوجاع الفظيعة خلال النصف الثاني منه، ثم معركة هرمجدون ومجيء ربنا يسوع المسيح ثانية.
تقول النبوة المذكورة في دانيال "ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب" (دانيال 9: 27).
قال بعض المفسرين أن العهد المذكور هنا هو عهد المسيح الرئيس مع كثيرين، وأنه بموته على الصليب أبطل الذبيحة والتقدمة، وجاء الخراب إلى الهيكل القديم في أورشليم.
وتفسير كهذا لا يستقيم مع النص مع اعترافنا بصعوبته، فإذا كان المسيح قد أبطل الذبيحة والتقدمة بموته على الصليب، فلماذا ينتظر إلى وسط الأسبوع ليبطل الذبيحة والتقدمة، والمنطق يدعونا إلى أن هذا الإبطال كان يجب أن يتم فوراً بعد قيامته من الأموات. لكن التاريخ أثبت أن الهيكل ظل قائماً، وظلت الذبائح الدموية تقدم فيه حتى سنة 70 ميلادية؟
التفسير المستقيم في اعتقادنا أن العهد المثبت بين " الرئيس الآتي" والكثيرين من الشعب القديم التي تنفرد هذه النبوة بالحديث عنهم، هو أن هذا "الرئيس الآتي" هو الحاكم العالمي القادم، هو الأثيم الذي ذكره بولس في (2 تسالونيكي 2: 8)، وهو إنسان الخطية ابن الهلاك (2 تسالونيكي 2: 3) وهو الوحش الطالع من البحر (رؤيا 13: 1 - 8)، وهو أحد أباطرة الرومان السابقين، والذي سوف يصعد من الهاوية (رؤيا 17: 8 و 11).
سيثبت هذا الحاكم العالمي القادم عهداً مع كثيرين من المرتدين من الشعب القديم فيقولون "قد عقدنا عهداً مع الموت وصنعنا ميثاقاً مع الهاوية. السوط الجارف إذا عبر لا يأتينا لأننا جعلنا الكذب ملجأنا وبالغش استترنا" (أشعياء 28: 15).
وفي وسط الأسبوع "يبطل الذبيحة والتقدمة".. ويجلس نفسه في هيكل الله الذي سيبنى في أورشليم في مكان الهيكل القديم (2 تسالونيكي 2: 4) وهذه هي رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي، وهي الإشارة ببدء الضيقة العظيمة التي مدتها ثلاث سنين ونصف.
بجلوس الحاكم العالمي القادم في الهيكل يصبح الهيكل مكاناً لرجسة الخراب وتتم الكلمات "وعلى جناح الأرجاس مخرب" وقد أوقف إبليس يسوع على "جناح الهيكل" (متى 4: 5) وكان وقتئذ ما زال بيت الله، أما حين يجلس فيه الحاكم العالمي القادم مظهراً نفسه أنه إله فسيكون جناحه جناح الأرجاس لا جناح هيكل الله. ويستمر هذا الوضع الحزين الأسود حتى يتم ويصب المقضي على المخرب. أي حتى يتم قضاء الله المعلن في هذه النبوة على الهيكل أو على الحاكم العالمي القادم والذي أوضح الرب يسوع معناه لتلاميذه وهو جالس على جبل الزيتون.
إن عجلة النبوة تدور بسرعة مذهلة، والعالم اليوم يتدهور أدبياً، واقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً.. ويسرع إلى الضيقة العظيمة، وعلينا نحن الذين عرفنا الرب وكلمة النبوة أن نحفظ في قلوبنا كلمات ربنا "فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة. لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض. اسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا قدام ابن الإنسان" (لوقا 21: 34 - 36).
فمع أن مجيء ربنا يسوع سيكون كلص في الليل لغير العارفين "وأما أنتم أيها الأخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص" (1 تسالونيكي 5: 4).
- عدد الزيارات: 25629