إيمان التضحية
"بالإيمان قدّم إبرهيم إسحق" أقرأ القصة في سفر التكوين فصل 22 "وهو مجرب" فيمَ كانت تجربة إبرهيم؟ يتضح أن صوت الله، كما سمعه هو، دعاه أن يحب ربه فوق كل شيء أرضي، وأن يقدم ابنه أحب الناس إليه، دليلاً على هذا الحب. وكانت تقدمة الابناء من الذبائح التي فرضتها أحياناً الأديان في العالم لا سيما في فينيقية، وكان الذين يقومون بها موضع التجلة والإكبار. ويرى الناظر في متحف قرطاجنة (إحدى المدن التي استوطنها الفينيقيون قديماً) أوعية صغيرة عديدة تتضمن بقايا الأطفال الصغار الذين قدمهم ذووهم قرابين للآلهة. أما تجربة إبرهيم فلم تكن فقط في مبلغ استعداده لأن يقدم لله شيء لديه، بل كانت أقصى من ذلك وأشد. لأن إبرهيم كان قد تلقى وعداً من الله أن في اسحق هذا الذي ولد بطريقة عجيبة سيكمل له الموعد. فكيف يطلب الله الآن اسحق قرباناً له؟ وكانت تجربة إبرهيم عندئذ أن يتذرع بثقة كاملة في أن الله سيحقق له الوعد بطريقة ما. وهذا الأمر المعين بالذات لا يمكن أن يطاع إلا بطريق واحد أما الموعد فيمكن تحقيقه بطرق كثيرة لأنه صادر من الله، لذلك وهو واثق كل الثقة في حق الله قام بفعلة الإيمان الجريئة إذ "قدّم الذي قَبِل المواعيد وحيده" والكلمة المترجمة "قَبِل" لا تعني فقط أنه تلقى وعد الله، بل رحّب به وحياه. وفي صدد هذا الموعد كان اسحق هو الابن الوحيد من سارة الزوجة الحقيقية "الذي قيل له أنه بإسحق يدعى لك نسل" أنظر سفر التكوين فصل 21 آية 12- استند استسلام إبرهيم وخضوعه إلى هذا "الإيمان" الذي قيل أنه "الثقة بما لا يرى". وفي هذه الحالة يكون قد استند إلى قوة الله المحيية التي وثق فيها ثقة كاملة جعلته يقدم وحيده اسحق دون أن يفقد إيمانه في تحقيق الموعد الإلهي "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً" انظر كلمات البسالة في سفر دانيال ص3 آية 17- "الذين منهم" أي الأموات "أخذه أيضاً في مثال" لأن رجوع اسحق إلى الحياة كان في نظر أبيه، الذي أسلمه إلى الموت، أشبه بالقيامة
ومن هذا الإيمان الفائز المنتصر الذي رأيناه في إبرهيم، ينتقل بنا الكاتب إلى سلسلة من حوادث الإيمان تتوالى تباعاً من جيل إلى آخر "بالإيمان اسحق بارك يعقوب وعيسو" أنظر سفر التكوين 28:27و29و39و40- وكان الإثنان أخوين، عيسو هو الأكبر، وإليه تنتقل الولاية، وكان محبوب أبيه. ويبدو هنا إيمان اسحق في قبوله اختيار الله، لا اختياره هو. وقد تبارك الولدان. ولكن اقتضت مشيئة الله أن ينقلب النظام البشري. وتنقلب مشيئة الوالد. لذلك تعطى الأفضلية للأصغر، ويصير وارثاً للموعد. ومن ثمَّ يذكر الكاتب اسم يعقوب "الأصغر" قبل اسم أخيه الأكبر.
11: 21- 30 |
21بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ. 22بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ. 23بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَ مَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ. 24بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، 25مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، 26حَاسِباً عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلى الْمُجَازَاةِ. 27بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى. 28بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ. 29بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا. 30بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَ مَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ |
"من جهة أمور عتيدة" أي موعد البركة لجميع الأمم في نسل إبرهيم. وقد امتدت بركة اسحق إلى ما وراء المستقبل القريب الذي استطاع أبناؤه أن يشدوه في حياتهم. ومن ثمَّ عاش الكل في الإيمان الذي هو "اليقين بما يُجرى". وقد انتقلت حياة الإيمان إلى الجيل الآخر التالي ف "بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحد من أبني يوسف" وهنا ينتقل المشهد إلى مصر (أنظر تكوين 9:48) ومرة أخرى يُختار شخص، دون أخيه الأكبر، ليحمل إلى العالم بركة الله، ويعترف هذا بدوره أن الله رأى مرة أخرى أن يكون الاختيار حسب مشيئته المقدسة، لا بحكم تاريخ الميلاد ونظام الأسبقية في السن. فأن بين أولاد يعقوب الأثني عشر، كان رأوبين الأكبر، ولكن لم تعطَ البركة الخاصة للبكر، بل إلى أصغر الكل. وفي مباركة ولدي يوسف (وهما من أم مصرية تدعى أسنات إبنة كاهن منف) قد أعطى يعقوب ليوسف البركة المضاعفة للوالد البكر. ومن ثمَّ تستعلن دينونة الله العادلة ويقبل الله إيمان يوسف الذي جرّب في البوتقة. وهنا نرى أمامنا مواهب مصر يُعترف بها وتأخذ نصيبها في توارث البركة. ونرى الأخ الأصغر يُعطى المكانة الأولى، مع أن الأثنين قد غمرتهما بركة عظيمة
في هذا التعاقب، جيلاً فجيلاً، تتنقل أسرة إبرهيم في حياة الثقة واليقين في بركات الله غير المنظورة العتيدة، كما يبدو لنا في الإشارة الختامية إلى يعقوب حينما قيل "سجد على رأس عصاه" وهذا الاقتباس مأخوذ من اليونانية لسفر التكوين فصل 47 آية 31 حيث أشكل على المترجمين اليونانيين فهم كلمتين عبرانيتين ذات وضع واحد تقريباً، فكتبوا "عصا" بدلاً عن "فراش". على أن المعنى الجوهري واحد في الكلمتين، فأن يعقوب قد أدار شئون أسرته في مخافة الله وعبادته، الإله الذي أعانه في اضطرابات حياته، والذي آمن في صدق موعده
وكما كان في الأجيال السابقة، كذلك أيضاً في الأجيال اللاحقة، فأنه "بالإيمان يوسف عند موته ذكر خروج بني إسرائيل" من مصر. فأنه على الرغم من نجاح يوسف ورفعة شانه، قد نظر من بعيد إلى تحقيق الموعد المنطوي على الخروج من الأرض التي صادف فيها توفيقاً ورفعة. وكما فعل الآباء الغرباء الأولون الذين عاشوا في الخيام (آية 9) كذلك نرى الآن يوسف، الذي يعيش في قصر مصري، لا يأنف في أن يعترف بأنه غريب نزيل (آية 13) قائلاً للذين دعاهم هو بنفسه إلى أرض مصر، أن هذه البلاد ليست موطنهم. وقد حسب كل إخوته وكلاءً لتنفيذ مشيئة الله نحو الأسرة كلها "وأوصى من جهة عظامه" وهو لم يرد أن تستقر عظامه في أحد قبور الملوك والنبلاء، مثل تلك القبور التي يكشف عنها المنقبون في هذا العصر، بل أراد أن تستقر عظامه في أرض الموعد، كشعار يدل على أن الذي خدم الله في البلدان الأخرى سينال نصيبه في موعد ميراث أرض كنعان. وقد نفذ بنو إسرائيل هذه الوصية فعلاً (أنظر خروج 19:8 ويشوع 32:2)
ويجيء الكاتب الآن إلى قصة موسى، زعيم الشعب العبري وبطله. ولكن قبل أن يذكر مغامرات إيمانه بالذات، يرى أمامه ماثلاً إيمان شخصين عاديين، هما أبو موسى (أنظر خروج 8:1-10:2 حيث سطرت القصة كلها) ونحن نعرف اسميهما من آيات أخرى (مثل خروج 20:6) ولكنهما لم يذكرا بالاسم، لا في الفصل الثاني من سفر الخروج، ولا في رسالتنا هذه، ولكن ذكر "كأوائل الذين أغفلت أسماؤهم في سجل أبطال الإيمان"
"بالإيمان موسى بعد ما ولد أخفاه أبواه ثلاثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلاً" والعبارة الأخيرة مأخوذة عن الترجمة اليونانية لسفر الخروج، وليس من الأصل العبراني "ولم يخشيا أمر الملك" لأنهما نظرا إلى الله كحمى لهما، وحمى للطفل العاجز الذي لم يقدرا على إخفائه لما كبر
وبعد ذلك يبين الكاتب حياة الإيمان في موسى نفسه. وكما كان الحال مع إبرهيم، كذلك مع موسى، استتبع هذا الإيمان أن يهجر كلَّ ما كان مرغوباً فيه من الوجهة البشرية
"بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون" والكاتب يلخص هنا القصة التي وردت تفصيلاً في سفر الخروج (ص 11:2) والكلمة اليونانية المترجمة "أبى" تشير إلى أزمة في حياة موسى حين اتخذ القرار الفصل في هذا الشأن "مفضلاً بالأحرى أن يُذلَّ مع شعب الله" لأن دعوته كانت لأن يدمج نفسه في شعبه ويصير واحداً معهم، وزعيماً لهم، قارناً مصيره بمصيرهم، وقد آثر كل هذا "على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية" وليس معنى هذه الآية أن الحياة في البلاط الملكي المصري كانت بالضرورة شريرة آثمة، ولكن لذاذات حياة البلاط الملكي حسبها لذات الخطية- خطية رفض الدعوة، وهو قد دُعي (وعرف من دعاه) ليفرز نفسه لشعبه المتألم. وهنا فوز الإيمان الذي نظر (كما فعل الآباء الأولون) إلى وراء الأشياء المرئية، إلى الإله غير المنظور الذي دعاه، فاختار حياة العناء وآثرها على حياة الرخاء "حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر" وهذه عبارة مأثورة للكاتب لن تنسى، لا بد أنها مسّت قلوب المسيحيين العبرانيين الذين كتبت لهم أولاً (كما مسّت قلوب كثيرين غيرهم إلى هذا العصر) لأن الذين قرأوا هذه الرسالة، كما رأينا في فصل 33:10 قد احتملوا هم أنفسهم عار المسيح. ولكن بأي معنى اختار موسى عار المسيح وقد جاء قبله بأجيال طويلة؟ بنزوله من أمجاد القصر الباذخ واندماجه بين شعبه كأخ لقوم مضطهدين في أمة مستعبدة، ثم بعد ذلك بإنكار هذا الفضل عليه، ومواجهته بالتمرد والجحود من جانب الذين بذل لأجلهم نفسه (أنظر خروج 14:2 وغيرها من الآيات التالية) فموسى قد عرّض نفسه للعار الذي عاناه المسيح فيما بعد في أوسع مدى وأقصى مظهر، وهو الذي قد "جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله". تحمل موسى هذا، إذ رأى ما وراء الحاضر، إلى عالم الروح، حيث تدّخر له مجازاة أفضل مما عهده على الأرض، وفعل هذا كله كما يقول الكاتب "لأنه كان ينتظر إلى المجازاة". كذلك يقول الكاتب عينه فيما بعد أن المسيح احتمل الصليب "لأجل الفرح الموضوع أمامه" (أنظر فصل 2:12) وهذه كلمات عميقة المعنى سنعلق عليها في موضوعها
"بالإيمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك" نستخلص من قصة سفر الخروج (ص11:2-22) أن موسى خاف حين أحسَّ أن شعبه غير متحمس له، ويخشى عليه أن يغدروا به. ولعله لم يخشَ غضب الملك، قدر خشيته بني قومه لئلا يحبطوا سعيه ويفسدوا عليه مهمته بجحودهم وعدم إيمانهم. لأن القصة تبين لنا فيما بعد أنه كان باسلاً جريئاً أمام فرعون، ويقول كاتب الرسالة بصريح العبارة أنه لم يخف غضب الملك. وقد يبدو لنا لأول وهلة أن في تركه مصر معنى من معاني الهرب، ولكن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يذكر هذا الترك دليلاً على الإيمان، فكيف يمكن تعليل هذا؟ ترك ما حسبه مسرح عمله لله، وذهب إلى حيث السكون والجمود، ولكن كانت تلك خلوة الإيمان حين رأى الله في العليقة المشتعلة (خروج ص 3) ولعلَّنا ندرك سرّ الأمر فيما يقول الأستاذ بيك: "أن الشجاعة في ترك العمل الذي أشرب به القلب. وقبول حياة السكون بغبطة كإرادة الله، من الأعمال النادرة السامية حقاً، ولن يقدر عليها إلاَّ كلُّ من صفت رؤياه الروحية". ويقول كاتبنا أن موسى قد سما إلى تلك الرؤيا، ولذلك لم يخف أبان هربه وانتظاره، في سكون، تكميل دعوة الله إياه "لأنه تشدد كأنه يرى من لا يُرى"
والآن ينتقل بنا الكاتب إلى قصص في معرض الإيمان، وإلا أعمال ألهمها موسى، ولم تكن من عمله شخصياً. ونرى هنا أمة قد آمنت في الله، على الرغم من كل أخطائها، وسارت وراء زعيمها وملهمها في طريق مجهول. وكما أن إيمان إبرهيم اقترن بإيمان سارة ونسلها، كذلك اقترن إيمان موسى بإيمان بني إسرائيل
"بالإيمان صنع الفصح" أنظر الأوامر الإلهية في سفر الخروج 12-48 والفعل في اليونانية يفيد، لا صنع الفصح للمرة الأولى فقط، بل حفظه كفريضة وعيد سنوي يتوالى عاماً بعد عام كأثر من آثار الإيمان. فكل أسرة ذبحت خروفها ورشت دمه أنما شهدت لإيمانهم بأوامر الله المعطاة على يد موسى، ولقوته وإرادته في حفظ شعبه. لذلك كان حقاً أن يقال "ورشَّ الدم لئلا يمسهم الذي أهلك الإبكار" أنظر خروج 12:12
كذلك كان العمل الثاني أثراً من آثار الإيمان. وجاء الفعل هنا في صيغة الجمع دلالة على أناّ نرقب هنا إيمان أمة بأسرها إذ يقول "بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة" أنظر خروج 16:14، والعبارة "كما في اليابسة" مأخوذة عن سفر الخروج 29:14 وها نحن نى أمة من العبيد تنهض بناء على أمر الله على لسان موسى، وتهجر مواطنها القديمة مؤمنة أن الله يقودها، وبالإيمان عبرت طريق البحر اليابس. وهناك أشياء معينة لا يأتيها البشر إلاَّ بالإيمان، ومنها هذا العبور بعد انحسار ماء البحر بقوة الخالق (ربما باستخدام ريحاً جارفة) "الأمر الذي لما شرع فيه المصريون غرقوا"
وشاهدان آخران عن الإيمان من تاريخ شعب إسرائيل، الأول عن الإيمان الذي ساقهم إلى حيازة أرض الموعد، والثاني يبين أن الإيمان لن يمكن قصره على حدود كنيسة أو أمة مهما توافرت لديها من المزايا، ذلك لأن هذا الشاهد الأخير يشهد بذكر إمرأة وثنية من جنس آخر:
"بالإيمان سقطت أسوار أريحا" أنظر يشوع 1:6-20 "بعد ما طيف حولها سبعة أيام" لم تحاصر أريحا أولى مدائن أرض الموعد، فأن شعب إسرائيل طوعاً لأمر الله طافوا حولها مدة أسبوع- وهذا أثر من آثار الإيمان في الزعيم والكهنة والشعب. وبوسائل غير معروفة لدينا تهدمت أسوار المدينة
11: 31- 40 |
31بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ. 32وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضاً؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ، 33الَّذِينَ بِالإِيمَانِ قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، 34أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، 35أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. 36وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ. 37رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، 38وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ. 39فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، 40إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا |
وينتهي سجل الأسماء التي كرّمها الإيمان باسم هذه المرأة الأجنبية المنبوذة غير المتزوجة، وما أعظم المفارقة بين هذه وبين سارة زوجة إبراهيم (أنظر آية 11)وقد رويت القصة في سفر يشوع 1:2-21و25:6 ولسنا ندري ما الذي دفع راحاب دفعة واحدة لتؤمن أن الغلبة إلى جانب إله إسرائيل، ولكن إيمانهم كان إيماناً عملياً لأنه ساقها لأن تغامر بحياتها وتنقذ حياة الجاسوسين الإسرائيليين، ولذا تقول الرسالة "بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة إذ قبلت الجاسوسين بسلام" والحق أن جزاء راحاب كان أعظم من مجرد الإفلات من الموت، لأنها قبلت في زمرة شعب الله المختار وشاطرتها الإيمان في الله. وعلى الرغم من عار حياتها الأولى ارتفع اسمها في الأحاديث المتأخرة حتى تفاخر الكهنة في تسلسل نسبهم إليها (أنظر متى 5:1) ومن هذا نتعلَّم إلاَّ نحصر بركات الله الروحية في قيود وحدود معينة، إذ هو متأهب أبداً لأن يضفيها على بنيه بغض النظر عن الأمة أو الجنس أو ماضي التاريخ في الدين أو الآداب والأخلاق
ولضيق الوقت والمقام، يجمع الكاتب قصص الإيمان هذه في مجموعة واحدة وصعيد واحد- وهي مجموعة تثلج صدور القراء العبرانيين وتملؤها فخاراً وبشراً إذ يفكّرون في أعمال البسالة في تاريخ أمتهم. وبعبارة موجزة نستطيع القول أن الآيتين 33و34 تصفان ما قام به الأقدمون بالإيمان، وأما الآيات من 35-38 فتصف ما فعلوه لأجل الإيمان
وقد جاءت الآية 32 على ذكر ستة من الأسماء، لا بحسب ترتيبها التاريخي، بل بحسب تزاحمها في فكره وقلبه وهو يفكر في مآثر الإيمان القديمة:
"وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون" وقد جاءت قصته وترويضه في الإيمان بسفر القصاة (ص6-8) فأن قصة نصرته الحاسمة على المديانيين (وهي نصرة الإيمان) قد تردد صداها في تاريخ أمته المتأخر (أنظر الشواهد في اشعياء 4:9 و26:10 ومزامير 11:83) "وباراق" وهو منقذ آخر لشعبه وحليف دبورة (أنظر سفر القضاة 4و5) وهو الذي هزم الكنعانيين "وشمشون" (أنظر قضاة 16) وقد قامت مآثره العظيمة وفعاله أعداء شعبه من الفلسطينيين على اعتصامه بالإيمان في الله الذي دعاه من البطن ليكون نذيره فيعيش له "ويفتاح" أنظر قضاة 11و12 وهو منقذ شعبه من الأمويين. ويذكر الكاتب هؤلاء الأربعة كنماذج بارزة في تاريخ إسرائيل المدون في سفر القضاة. وقد حارب كل منهم بقوة أضعف من قوى أعدائه، ولكنه أعتصم بالإيمان في الله فكان له خير الجزاء
وإذ ينتقل الكاتب من سفر القضاة، يذكر أحد مشاهير ملوك إسرائيل، وأحد ساستهم الأنبياء كنماذج لهاتين الفئتين فيقول "وداود" الملك الذي بدأ حياته العامة بذلك القول المأثور المشبع بإلهام الإيمان، لغريمه الجبار الهائل: "أنا آتي إليك باسم ربّ الجنود" (1 صموئيل 45:17) "وصموئيل والأنبياء" الذين كان صموئيل زعيمهم، وهو وليد إيمان أمه وصلاتها، وهو الذي بدأ حياته بالإيمان حين تمتمت شفتاه في عهد صبوته بهذه الكلمات: "تكلم يا رب لأن عبدك سامع" (1 صموئيل 10:3)
وبعد ذكر الأسماء الستة، يسرد الكاتب مجموعة من المآثر أجريت بالإيمان "الذين بالإيمان قهروا ممالك" وهذا وصف يصدق على الأبطال الستة حين حاربوا وهزموا المديانيين والكنعانيين والأمويين والموآيين والفلسطينيين. وفي غزوهم وفوزهم "صنعوا براً" لأنهم جعلوا من هذا النصر وسيلة لاستتباب الحق والعدل والحكومة الأدبية الصالحة. وكان هذا عملاً ذا صبغة عامة، ولكن العبارة التالية تصف علاقة شخصية فردية كأثر من آثار الإيمان في الله حين يقول "نالوا مواعيد" وكأنه، بفضل هذا الإيمان، قد تحققت لهم مواعيد الله في اختباراتهم
ثم يعود الكاتب بعد هذا إلى ذكر بعض مآثر الإيمان التي لا تقتصر على هؤلاء الستة فقط، فيقول أن أبطال الإيمان "سدّوا أفواه اسود" أنظر دانيال 6 وسفر المكابيين الأول 60:2 ولعلّه يفكر هنا أيضاً في شمشون (قضاة 6:14) أو داود (1 صموئيل 34:17)
وأبطال آخرون قد قهروا قوى الطبيعة بالإيمان "أطفأوا قوة النار" أنظر دانيال 3 وسفر المكابيين الأول 59:2 وغيرهم "نجوا من حدّ السيف" والكلمة اليونانية المترجمة "نجوا" لا تعني النجاة مرة واحدة فقط، بل النجاة المتكررة من القتل كما حدث لإيلياء (ملوك الأول 19) واليشع (ملوك الثاني 6). ولم يكن كل هؤلاء أقوياء البدن بطبيعتهم ولكن بعضهم "تقووا من ضعف" وليست الإشارة هنا إلى بطل معين، ولو أن العبارة تصدق على كثيرين. ولعلَّ الكاتب يفكّر هنا قبل كل شيء في الصراع الباسل الذي قام به شعبه في عهد المكابيين، حين نهضت جماعة مستضعفة من الإخوان، وتقووا من ضعف مسوقين بقوة الإيمان الجسورة الغالبة حتى "صاروا أشداء في الحرب هزموا، جيوش غرباء" أنظر سفر المكابيين الأول 2و3 الخ
وفي هذه الآيات يتّجه الفكر إلى الرجال والنساء الذين تأملوا بسبب إيمانهم، وهؤلاء لم يفوزوا بالانتصار الخارجي على الأعداء، بل فازوا بانتصار داخلي في الاحتمال الباسل الصبور
"أخذت نساء أمواتهم بقيامة" كان هذا أسمى غلبة للإيمان، وهنا نرى الإيمان في مظهرين: إيمان النبي الذي أجريت به المعجزة، والإيمان السلبي الصامت الصابر، الصادر عن مخارج القلب المحب المتعاون مع إيمان النبي. انظر سفر الملوك الثاني فصل 4 آية 36- ويقول أحد الكتّاب: "لم يكن بلا معنى أن تكون حوادث القيامة من الموت المدونة في الأسفار المقدسة، هي للنساء قبل غيرهن" انظر أسفار الملوك الأول 2 17 والملوك الثاني ص 4 ولوقا ص 7 ويوحنا ص 11 وأعمال 9: 36
"وآخرون عذبوا" والكلمة المترجمة هنا "عذبوا" تعني الضرب الوجيع الثقيل المفضي إلى الموت، وقد استعملت للدلالة على الموت المريع الذي يربط فيه المتألم إلى سارية، ثم يأخذ المنفّذ بقضيب غليظ من حديد ويكسر به أضلاع الفريسة مبتدئاً من عظام الأكتاف والأذرع والأفخاذ جانباً بعد آخر. ويختم هذا العقاب بضربة في الصدر تدعى ضربة الرحمة"coup de grace" لأنها تضع حداً لنزاعات المتألم المسكين
"ولم يقلبوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل" كما نرى بنوع خاص في قصص شهداء اليهود الذين ماتوا في سبيل إيمانهم في عهد المكابيين (بعد كتابة نبوات العهد القديم وقبل مجيء المسيح). ويمكن الاطلاع على سير أولئك الشهداء العبرانيين، وهم الأسلاف الروحيون لأولئك العبرانيين المسيحيين الذين كتبت لهم الرسالة، في سفر المكابيين الثاني، الفصل السادس والسابع، ولاسيما في الفصل السابع حيث نقرأ قصة الأم وأولادها السبعة الذين "لم يقبلوا النجاة" وآثروا الموت جميعهم في سبيل الله، وكانت الأم تشجعهم وتبثُّ فيهم روح الثبات والصبر. ويروى لنا أيضاً فيلو الفيلسوف اليهودي قصص العذاب المريع الذي أصاب اليهود في الإسكندرية "وآخرون تجربوا في هزء وجلد" وأكبر الأولاد السبعة المشار إليهم جلد حتى الموت. والمعروف لنا في العالم الروماني(كما روى لنا في قصة آلام ربنا في يوحنا 19: 1 وفي قصة الرسول بولس في أعمال 16: 22 و23) أن الجلد كان من العقوبات المريعة التي تقع على الأجانب الذين لا يتمتعون بالرعوية الرومانية (انظر أعمال 16: 36- 39) وكان نصيب اليهود موفوراً في هذه العقوبة، فهم قد عانوا الآلام الحادة والضربات الوجيعة في النفس والجسد، ولكن آخرين أيضاً عانوا آلاماً بطيئة باردة بديل قول الكاتب "ثم في قيود أيضاً وحبس" وكثيرون ممن يقدرون على معاناة النزاع الحاد السريع يفشلون أمام معاناة السجن الطويل البطيء، ولكن المؤمنين صمدوا صابرين أمام هذين النوعين من العقوبات. وقد عرف المسيحيون العبرانيون أمثلة من هذا القبيل (أنظر سفر الملوك الأول ص 27:22 وارمياء 15:3-21 والمكابيين الأول 12:13 والثاني 7:7و10) ولعلَّ المسيحيين العبرانيين قد تذكروا أيضاً قصة يوحنا المعمدان الذي كان ممكناً له أن ينعم بالحرية لو اعترف بزواج هيرودس الملك من هيرودية زوجة أخيه (مرقس 17:6و18) كما أن كثيرين من المسيحيين العبرانيين الأولين في فلسطين وسوريا قد سيقوا إلى السجن في سبيل المسيح (أنظر أعمال 10:26)
وبعد أن يلقي الكاتب نظرة على إيمان الذين عانوا آلام السجن البطيئة، يعود إلى الذين جابهوا الموت بالإيمان في سبيل الله، لا في جهاد الحرب وساحة القتال حينما يهون لقاء الموت بسبب استفزاز العواطف وغليان الماء، بل في جهاد الآلام المفردة حينما يقف السجين مقيداً عاجزاً لا حول له ولا طول. وكان لدى العبرانيين عدد وافر من الذين قضوا شهداء، ويذكر الكاتب نماذج فقط من هؤلاء فيقول "رجموا" وكان الرجم من العقوبات اليهودية (متى 37:23) ونقرأ في سفر الأيام الثاني 20:24 كيف نفذت هذا العقوبة في رجل بار، ويروى لنا التاريخ اليهودي، في غير الكتاب المقدس، أن النبي ارمياء في مصر، والنبي حزقيال في بابل، قد قضى كلاهما بهذه العقوبة. وربما سمع أولئك المسيحيون العبرانيون عن قصة موت استيفانوس الشهيد الأول في المسيحية الذي قضى محكوماً عليه بالرجم. (أنظر سفر الأعمال 54:7-60) "نشروا" ويروي لنا التاريخ اليهودي (خارج العهد القديم) أن النبي اشعياء استشهد بهذه الوسيلة في حكم الملك منسى "جربوا ماتوا قتلاً بالسيف" وما أكثر الذين لقوا هذه الميتة. اقرأ أقوال إيليا، في سفر الملوك الأول 10:19 وارمياء 23:26، وهذه هي الميتة التي عاناها يوحنا المعمدان والرسول يعقوب
ثم ينتقل الكاتب من التحدث عن معشر الذين عانوا موت الآلام إلى الذين عانوا بالإيمان حياة الآلام، لاسيما آلام الطرد والتشريد التي قاساها أولئك الذين "طافوا في جلود غنم وجلود معزة" وفي عصر شهداء المكابيين لم يقتل الجميع، فقد كان نصيب كثيرين منهم الحياة الشقية المملوءة بالرعب والهول فكانوا يطاردون في الجبال والمغاور (انظر مثلاً سفر المكابيين الأول 2: 28 والثاني 5: 27 و6: 11 و10: 6). وفي العالم الروماني المتحضر الذي عاش فيه أولئك المسيحيون العبرانيون الذين أرسلت إليهم الرسالة تمتع القوم بالحياة الناعمة الرغيدة من حمامات ساخنة وفراش وثير وعيش هنيء. وليس وليس من شك أن المسيحيين العبرانيين الذين استوطنوا إحدى المدن الرومانية التجارية الكبرى، يرتجفون لدى سماعهم خشونة الحياة وشظف العيش، كما يقول الكاتب في وصف من كانوا "معتارين" وتعني في اليونانية الافتقار إلى ضروريات الحياة دع عنك كماليات الحضارة و"مكروبين" والكلمة في اليونانية لا تعني فقط ضنك الحاجة بل الضغط من الخارج مثل الأوامر الحكومية الجائزة، أو كراهة الناس لهم، أو الاشتباه فيهم الخ.و"مذلين" وتعني الكلمة اليونانية سوء المعاملة على أيدي الناس كأنهم لا يحسبون أهلاً للحياة
وهذه الأفكار التي جالت بأخيلة الكاتب عن الاحتقار والمشتقات وسوء المعاملة، قد استوقفته هنيهة ليضع بين قوسين في سياق حديثه عن الآلام فكرة رائعة فيقول "وهم لم يكن العالم مستحقا
ً لهم" كانوا أكثر قيمة من العالم كله ولكنهم اعتازوا كل شيء وخسروا كل شيء، عدا الله! ويروى حديث يهودي نبأ إنسان "كان مستحقاً لأن يسكن الله فيه shekinah، ولكن العالم لم يكن مستحقاً لشيء من هذا" ويقول أحد الفلاسفة المحدثين: "هناك طبقة من الناس يكون العالم دائماً مستحقاً لهم، هم الذين يرقدون ما فيه من نقائض وعيوب ويجسّمونها ويغذّونها، هم الذين يجعلون أنفسهم هدف الشهوات والميول الطامحة... هم الذين يداهنون ويتملقون النزاعات المتعصبة، ولكن ما أتعس الدور الذي يلعبه هؤلاء أما أولئك العبرانيون، الأبطال في الايمان، فلم يستسلموا إلى شيء من مطالب العالم، لذلك انتزع العالم منهم حقوقهم الوطنية، وبيوتهم، وحال بينهم وبين الاشتراك مع مواطنيهم، لذلك نراهم "تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق في الأرض" فلم يكن لهم ثمة مكان بين أصدقائهم، وحتى البراري المقفرة لفظتهم. وتلك الكهوف والمغاور التي تكثر في جبال فلسطين لم تكن ملاجىء لهم يعتصمون فيها (كما صارت كهوف الصحراء المصرية ملاجىء للنسّاك والعابدين) هل كان استراحات مؤقتة لحياتهم المطاردة المتنقلة
والآن ينتهي الكاتب من سرد مجموعة أبطال الإيمان، ويجيء إلى خاتمة حديثه فيلخصه بقوله "فهؤلاء كاهم مشهوداً لهم بالإيمان" من هابيل في آية 4 إلى الشهيد الأخير المعروف لدى العبرانيين المسيحيين "لم ينالوا الموعد" وقد كان لبعضهم مواعد خاصة أكملت في حياتهم، وأما موعد الحكم المطوّب بمجد الملك المسيا وسط شعبه فلم يفوزوا بنواله. ماتوا في الأيمان (آية 14) وهم ينظرون إلى الأمام. ولم يكن هذا العجز في نوال الوعد ناشاً عن نقص في إيمانهم أو في صدق الله، ولكن منشأة مقاصد الله العظيمة البعيدة المرمى نحوهم ونحو كل شعبه "إذا سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" والله من فرط عنايته قد احتفظ بكمال ملكوت المسيح حتى نستطيع أن نشاطره، وإلى أن يظهر المسيح مرة أخرى، علينا أن نعتصم بالإيمان كما فعل أولئك الآباء الأقدمون. ويشمل كمال ملكوت المسيح المبارك أولئك القديسين ويشملنا نحن أيضاً. فهم قد رأوا المواعد من بعيد، ونحن رأينا الموعود به، فكيف لا تحتمل مستبسلين كما فعلوا هم، ونحن قد رأينا جمال يسوع وخلاصه، ونستطيع أن نتصور أفضل منهم ملكه الذي معناه البر والمحبة والفرح. ولذلك يعود الكاتب إلى حضّ أصدقائه العبرانيين واضعاً نفسه معهم، بإيراده الأفعال في صيغة الجمع المتكلم
- عدد الزيارات: 1933