Skip to main content

صورة الشركة السمائية

"لأنكم" أيها المسيحيون العبرانيون، يا من قد تحدثكم نفوسكم فتشتاقون إلى مزايا عبادتكم القديمة وطقوسها، وتنسون الموطن الروحي الذي تدخلونه بدينكم الجديد "لم تأتوا إلى جبل ملموس" بل إلى عالم أسمى، عالم أفراح الروح وجمالها. وقبل أن تفكروا في هذا الجبل الآخر غير الملموس، أذكروا تلك الصورة القاتمة الرهيبة التي بزغ فيها دينكم القديم فوق جبل سيناء: وكل عنصر من عناصر تلك الصورة يثير في النفس خوفاً ورعباً (والعبارات المستعملة هنا في وصف تلك الصورة القاتمة مأخوذة، كمألوف عادة هذا الكاتب، من الترجمة اليونانية للعهد القديم، بعضها من وصف الظلمة في مصر (خروج 21:10الخ) وبعضها من وصف ظهور الله في جبل سيناء كما ورد في (تثنية 11:4 و22:5 وخروج 16:19الخ) فكروا في أهوال ذلك الجبل المادي الملموس، الذي لم يكن في الإمكان "لمسه" في ساعة نزول الشريعة، بدون عقوبة الموت، لأنه كان "مضطرماً بالنار" فلقد كان فوق قمة ذلك الجبل خطف البرق ووهج اللهب، وفوق منحدراته السحب الكثيفة القاتمة. كان الجبل مطموساً بالنار والدخان، حتى لم يعد جبلاً، بل صار منظراً للجلال، ومقراً للعرش الذي تكلم منه المشترع الإلهي لبني إسرائيل، وشعاراً للحضرة الإلهية التي اقترنت دائماً في نظر ذلك الشعب بالنار والسحب. لم يعد هذا شأنكم أيها العبرانيون المسيحيون، فلا تأتون بعد الآن في حياتكم الروحية إلى أهوال ذلك الجبل "وإلى ضباب وظلام وزوبعة" والظلام الكثيف هو الذي جاز إليه موسى حينما ذهب لملاقاة الحضرة الإلهية (خروج 21:20) وأما الزوبعة (وما صحبها من نار أيضاً) فقد اقترنت بمظهر حضرة الله في يوم الخمسين (أعمال فصل 2) ولكن بينما تحدَّث جبل سيناء عن روعة الشريعة ورهبتها، فأن يوم الخمسين أعلن ملكوت الروح الجديد واكتسح الخوف من القلوب المرتاعة "وهتاف بوق وصوت كلمات" أنظر عن البوق سفر الخروج 16:19 و18:20 وعن "صوت الكلمة" سفر التثنية 12:4- و "بوق الله" اصطلاح مألوف لوصف مظهر علوي فجائي رهيب (أنظر تسالونيكي الأولى ص 16:4) ولكن ذلك الصوت الذي نقل إلى آذان السامعين كلاماً مفهوماً قد أدخل الرعب إلى قلوبهم حتى "استعفى الذين سمعوا من أن تزاد لهم كلمة" والإشارة هنا إلى الرعب الذي استولى على قادة شعب إسرائيل كما جاء في سفر التثنية 23:5الخ وعلى الشعب نفسه كما جاء في سفر الخروج 19:20

12: 21- 29

21وَكَانَ الْمَنْظَرُ هَكَذَا مُخِيفاً حَتَّى قَالَ مُوسَى: «أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ!». 22بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إلى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، 23وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، 24وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ. 25اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ، فَبِالأَوْلَى جِدّاً لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، 26الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً: «إِنِّي مَرَّةً أَيْضاً أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضاً». 27فَقَوْلُهُ «مَرَّةً أَيْضاً» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ. 28لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. 29لأَنَّ إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ

"لأنهم لم يحتملوا ما أمر به وأن مست الجبل بهيمة ترجم أو ترمى بسهم" أنظر سفر الخروج 12:19الخ. وفي مشهد الرعب والهول، كان محظوراً حظراً باتاً لمس الجبل الذي كان في ذلك اليوم عرش الله "وكان المنظر هكذا مخيفاً حتى" أن موسى المشترع نفسه أرتعب وارتعد كما حدث للشعب، ولذا نقرأ "قال موسى أنا مرتعب ومرتعد" وهذا حديث يهودي تردد صداه في القرآن. وقد استعمل البشير لوقا عبارة يونانية شبيهة بهذه عن رعب موسى في الرؤيا التي رآها في العليقة (أعمال فصل 7 آية 32)

والآن تجيء المقارنة، فيقول الكاتب: أنتم لم تأتوا إلى أهوال سيناء بل أنتم الآن واقفون في حضرة سماوية، ليست حضرة مادية ملموسة بل روحية- لا تطلع في مظاهر العناصر الطبيعية، من لهب وظلمة، بل في مظاهر الأجناد الحية، في ربوات من الأبرار وفي المحافل العذبة الهنيئة. وتلك الرؤية الروحية، لا تتخذ لنفسها أساليب الأمر والوعيد، بل وسائل المصالحة المنبعثة من المحبة حتى الموت، ولا تنفث الخوف والرعب، بل الرجاء والحب، وهي أقدس وأسمى من تلك الرؤيا القديمة، لأنها تعلن لنا المزيد من حياة الله ذاته. ويأتي الكاتب الآن على وصف تلك الرؤيا الروحية التي ينعم بها المسيحي في عالمه، وموطنه الروحي، وهو أشبه بقصيدة شعرية رائعة الجمال. وينضد الكاتب هذا الوصف في أفكار متصلة ببعضها، ومقاطع مزدوجة كل اثنين منها في عبارة واحدة، كما جرت به العادة في الأشعار العبرية القديمة

ويصف المقطع المزدوج الأول موطن المسيحي فيقول "بل قد أتيتم إلى جبل صهيون" بالمقارنة إلى أهوال جبل سيناء. وحسب عادته يستعير الكاتب صورته من العهد القديم حيث عرف جبل صهيون بجبل الله (أنظر أشعياء فصل 18 آية 7) "موضع اسم رب الجنود جبل صهيون" وأيضاً (ميخا 1:4) "جبل بيت الرب"، وذلك لأنه في الموضع الذي يجيء إليه المسيحي لا يستعلن الله كمظهر خاطف يحفه الجلال المريع كما حدث عند نزول شريعة موسى، ولكنه يستقر في موضعه ومسكن قدسه. ويمثل صهيون موضع عرش الله، ويصوّر بالمعنى الروحي الأساس الإلهي القوي يقوم عليه العالم الروحي المسيحي. ولكن الله لا يسكن هناك فقط، معزولاً عن الناس بأهوال النار والظلمة، بل يسكن وسط شعبه. لهذا اثبت الكاتب العبارة الثانية من هذا المقطع المزدوج "وإلى مدينة الله الحي" لأن جبل إلهنا لم يقم منعزلاً في صحراء سيناء، لا يقترب إليه بشر، بل هو بيت الله وقد جعله أيضاً مدينة شعبه. هذه هي "المدينة التي لها الأساسات" والتي انتظرها إبرهيم (فصل 11 آية 10) "وأساساتها على الجبل المقدس". إلى هذه قد جئنا، ولذا أصبحنا من مواطني هذه المدينة السماوية. وفي كل "خدمة" للشركة المقدسة نشترك معاً كمواطنين في هذه الوليمة السماوية. ومع ذلك فأن هذه الرعوية الوطنية تبلغ ذروتها العلية فوق، فيما وراء هذه الحياة، شأنها شأن "كل الأشياء الصالحة التي أعدّها الله للذين يحبونه". لذلك "ننتظر" نحن أيضاً تلك المدينة

وننتقل من هذا إلى المقطع المزدوج الثاني في وصف الجبل المقدس والمدينة المقدسة: أتيتم أيها العبرانيون إلى كل هذا الذي أسلفنا "وإلى ربوات هم محفل ملائكة" وتمثل الصورة أجناداً لا تحصى من الملائكة في محفل حافل، يزحمون جبل الله المقدس وهم يعبدونه بفرح. قرأنا فيما سبق عن حضور الملائكة عند نزول شريعة سيناء (فصل 2 آية 2 وتثنية فصل 33 آية 2) وتلك الأجناد التي لا تحصى ليسو الآن، كما كانوا يومئذ، رسل الرعب والهول، بل قد صاروا مواطنين مشاركين لنا في هذا الاستعراض الحافل، يقاسموننا أفراح الموطن الروحي وأنواره. وفي القديم قد انعزلوا فوق جبل سيناء عن البشر بحواجز هائلة مريعة، وأما الآن فقد اتحدوا معنا في محفل بهيج كما تقول العبارة الثانية في هذا المقطع "وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات" وهذا وصف للبشر من سكان المدينة التي جاء إليها المسيحيون، فهم "أبكار" وفي العالم الأرضي لا ينال البكورية إلاَّ ابن واحد، فأكبر أبناء شيخ القبيلة يصير شيخاً بعد أبيه، وأكبر أبناء الملك هو الذي يرث الملك، والابن الأكبر (في شرائع كثير من البلدان والأسر) هو الذي ينال النصيب الأكبر من الميراث. ولقد رأينا في قصة عيسو في بداية هذا الفصل أن أبناً واحداً هو الذي كان له الحق في بركة البكورية. فما أجمل هذه الصورة التي يرسمها الكاتب للحياة المسيحية في الله الذي يشترك فيها هو ومعشر إخوانه على قدم المساواة في مزايا الابن الأكبر- فالكل أبناء أبكار لذلك الملك العظيم، وللكل نصيب في إرث الملكية. الكل أبكار لله الغني العظيم، لأن غناه موضوع تحت إمرة الجميع. والعبارة تعني أن لكل نفس مسيحية الحرية في أن تدخل إلى الأمجاد الرفيعة، في عالم النور، الآن وفي الحياة الأخرى. والصورة لم تكمل بعد. فأن أولئك الأبكار "مكتو بون في السموات" والإشارة هنا إلى سجلات المدينة التي يدون فيها عادة أسماء المواطنين. وربما طرد، بعض القراء الأولين لهذه الرسالة، من المجامع اليهودية بسبب إيمانهم بالمسيح، كما حرم كثيرون في عصرنا هذا من حقوقهم الوطنية أو الاجتماعية لهذا السبب عينه. ولقد كتب أحدهم عن أولئك الذين يرغبون في المجيء إلى المسيح من دين آخر: "أن أخوف ما يخافونه ألاَّ ينتمون إلى أحد ما في يوم الدين". ولأمثال هؤلاء الذين يتألمون من جرَّاء الوحشة على الأرض، بل يخشون الوحشة في العالم الآخر، يجيء الرسول الكاتب بالخبر اليقين، فيقول أن أسماء شعب المسيح مكتوبة في سجل مواطني السماء. وقد استعمل اليهود هذه العبارة لوصف اليقين الأكيد في الخلاص، وقد استعملها ربنا وسيدنا فدعانا إلى الفرح والغبطة لأن أسماءنا مكتوبة في السماء (لوقا فصل 10 آية 20) وتشير العبارة إلى الأحياء في الأرض، لأنه يصح القول عن جميع المسيحيين الحقيقيين أنهم من مواطني السماء.

13: 1- 8

1لِتَثْبُتِ الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ. 2لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ. 3اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي الْجَسَدِ. 4لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ. 5لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» 6حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟» 7اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إلى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. 8يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ

ثم يستمر الكاتب في كلامه لتقوية الصلة التي لنا بالله. التي ستزاد توثقاً وإحكاماً فيما وراء هذه الحياة. ويذكر الطرفين في هذه الصلة: الله والإنسان. ثم ينتقل إلى التفكير في ذاك الذي كان همزة الوصل لإحكام هذه الصلة بين الله الديان وبين الإنسان المدين- ونرى في المقطع المزدوج الثاني طرفي هذه الحياة المشتركة، فيقول الكاتب: "أتيتم" إلى كل ما أسلفنا ذكره عن المدينة الرعوية الوطنية "وإلى الله ديان الجميع" لأن جبل صهيون هذا ليس مدينة يُفرط فيها في التسامح وتُغفل الخطايا إغفالاً ولكن يرأسها ذاك الذي لا تقلُّ دينونته المحبة الطاهرة في رهبتها وروعتها عن دينونة اللهيب والرعد فوق جبل سيناء فكيف إذاً نراه محوطاً، لا بمجرمين مرتعبين محكوم عليهم، بل بأنفس أناس ممجدين في الطهر، لأن العبارة التالية تقول "وإلى أرواح أبرار مكملين" وههنا أنفس الراحلين التي لم ترتدِ بعد أجساد القيامة، هم الأبرار الذين ذكروا في فصل 10 آية 38 الخ، وهم ليسوا بلا عيب ولكن إيمانهم قد اتصل بالله في حياتهم على الأرض. ولكنهم الآن "مكملون" فما معنى هذه الكلمة؟ قد أدركوا الغرض الذي خلقوا لإجله. وجدير بنا أن نفكر هنا أن في الوقت الذي كتب فيه الكاتب رسالته هذه، كان كل أبرار الإيمان تقريباً، الذين أستذكرهم الكاتب (كما رأينا في الفصل الحادي عشر) رجلاً ونساءً ممن عاشوا وماتوا قبل أن يكمل المسيح مهمته على الأرض. ولم يقدروا أن يكونوا "مكملين" إلاَّ بعد أن نطق المسيح في الجلجثة قولته الخالدة "قد أكمل" ولا تشير العبارة إلى المصارعات التي عانوها في تسلّق سلّم الكمال (وكانت تلك في أحيان كثيرة فشلاً لا فوزاً) بل بالأحرى إلى العمل المجيد الذي تمَّ لأجل الذين ماتوا في الأيمان، كما لأجلنا نحن أيضاً الأحياء بالإيمان فوق جبل آخر، لا هو جبل سيناء، ولا جبل صهيون، بل جبل الجلجثة. لذلك يختم الكاتب قصيده النثري عن الصلة المسيحية بتوجيه النظر إلى ذاك الذي استطاع أن يحكم الصلة بيننا وبين الله فيقول: قد أتينا إلى صلة جليلة بالله الديان، وبالإنسان المدين "وإلى وسيط العهد الجديد يسوع" وفي الصورة السابقة لجبل سيناء شهدنا موسى نفسه وسيط العهد القديم المعقود فوق ذلك الجبل في روعة ورعب بين الله وشعبه. أما في الصورة الممثَّلة لجبل العهد الجديد (الذي تكلم عنه الكاتب في الفصول 7- 10) فنرى الشعب، ولا خوف يرعبهم، يسيرون نحو جبلهم المقدس، لأن وسيط العهد الجديد اقتحم الموت من غير وجل لأجلهم. وكما سمع الشعب فوق جبل سيناء صوتاً يرعد ويرعب، ينطق بألفاظ لم يقدروا على احتمالها، كذلك هنا أيضاً سُمع صوت، كما يقول الكاتب "وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل" وهو صوت صامت، ولكنه يزمجر في صمته، لأنه صوت الدم المُراق فوق رابية الجلجثة. وذلك الصوت الصامت الغريب، الناطق من الدم المتفجر، يذكّر الكاتب بقصة هابيل (تكوين ص4 آية 10) الذي صرخ دمه إلى الله طالباً النقمة فردد صداه في قلب قايين الذي ثقل باليأس والقنوط، أما صوت دم يسوع الصارخ إلى الله في طلب الغفران، فيردد صداه في قلب الإنسان، ليجيء إليه بالتوبة والسلام

ومع أن لنا تلك الصلة "الأفضل" بالله، الصلة النى أحكم وشائجها وسيط العهد الجديد، فأنه مع ذلك قد نرتكب الأخطاء بعينها التي ارتكبها أصحاب العهد القديم، لذا يُعقب على قوله هذا بتحذير ضد إهمال هذا العهد "الأفضل" كما فعل أولئك. ويمكن تلخيص دليله فيما يلي:- أن الذي فعله بنا المسيح قد هيأ لنا صلة خالدة مع الله، صلة أبدية تبقى وأن زالت كل الأشياء الزمنية الأخرى، فكيف لنا أن نهمل خلاصاً هذا مقداره؟ "أنظر أن لا تستعفوا من المتكلم" فهو الذي يكلمكم الآن، كما يتكلم أيضاً دمه بالنيابة عنكم. لأنه ينعقد بين طرفين، فالله في المسيح قد قام بدوره، بقي عليكم أنتم أن تقوموا بدوركم "لأنه أن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا من المتكلم على الأرض" والإشارة هنا إلى الحالات الكثيرة التي عصا فيها الإسرائيليون وأمر الله المعطاة لهم عن طريق موسى، فأن تاريخ العهد القديم، حافل بالحوادث التي أهمل فيها الشعب وصايا الله، فجلب عليهم أوخم العواقب، ومع ذلك فأن الكلام المعلن لإرادة الله كان وحياً أرضياً، عن طريق الإنسان موسى فوق جبل سيناء: والذين سموه لم يسمح لهم بالتمتع بالصلة السماوية فوق الجبل، أما فوق صهيون، الذي كنا نقرأ عنه الآن، فقد نزل الوحي من رئيس الكهنة السماوي مباشرة "فبالأولى جداً لا ننجو نحن المرتدين عن الذي من السماء" أي الابن الإلهي الذي كلمنا بروحه في حياته على الأرض التي هبط إليها، ويكلمنا الآن من السماء "الذي صوته زعزع الأرض حينئذ" أي في سيناء (أنظر سفر المزامير فصل 114 وهذا وصف خيالي شعري للأرض المرتجفة المرتعدة أمام الحضرة الإلهية) "وأما الآن فقد وعد قائلاً أني مرة أيضاً أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضاً" أنظر حجي 6:2 فأن الزلزال الظاهري الأول كان رمزاً إلى زلزال ثان أكثر امتداداً وأقوى أثراً. فالسماء والأرض تهتزان أخيراً، والعبارة "مرة أيضاً" تشير إلى هزة نهائية فاصلة، ومع ذلك فأن هذا الحادث المرعب سيتم كوعد من مواعيد الله، لأنه سيؤدي أخيراً إلى نصرته التي تهفو إليها قلوب المؤمنين، "فقوله مرة أيضاً يدلّ على تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع" فقد يهتز العالم ويتزعزع ولكن جبل صهيون الروحي الذي قرأنا عنه سيبقى في هدوءه وجماله، وتناسقه وثباته. فأن تلك الأعالي المقدسة لا تتأثر بالإهتزازات الأرضية. وكل ما يكون قابلاً للزعزعة يزول ويمضي. فما الأرض والسماء المنظورتان إلاَّ صورة مادية "مصنوعة" للحقائق الخالدة. لذلك تزول الخيمة، والهيكل، والكنيسة، والكاثدرائية، أما المقدس الخالد في السماويات فباقِ مدى الدهور برئيس كهنته الأعظم. يا له من عزاء لأولئك العبرانيين المسيحيين الذين كانوا قد سمعوا، أو على وشك أن يسمعوا، نبأ خراب أورشليم، المقدس الذهبي، والمدينة القائمة على جبل صهيون الأرضي! بل ياله من عزاء لنا في هذا العصر، ونحن نرى أقدس الأشياء على هذه الأرض يتهددها الأعداء. ولكن أقدامنا قد رسخت، شأن المسيحيين العبرانيين، على الجبل، الذي لا يتزعزع. فلا يكون لزعزعة الأرضيات من أثر إلاَّ "لكي تبقى التي لا تتزعزع" وفي غيرة تثير النفس، ورهبة تستولى على القلب، ندرك أننا مواطنون في الملكوت الذي لا يتزعزع، فنحيا بموجبه، كما يقول الكاتب "لذلك ونحن قابلون" من يدي الله منحة الآن "ملكوتاً لا يتزعزع" وليس معنى الكلمة فقط أن الملكوت لا يتزعزع، بل أنه غير قابل للزعزعة أو الاهتزاز (أنظر دانيال ص7 آية 18) حيث نرى ملكوت القديسين يبقى بعد زوال الممالك الأربع القائمة على القوة. ولكن العبارة تقصد ملكية هذا الملكوت الذي لا يتزعزع، في الحاضر، وليس فقط في المستقبل. ونحن قد ارتبطنا مع الله بصلة جبل صهيون، التي سوف ندرك في المستقبل كمال معناها. وفكرة ثبات هذا الملكوت واستقراره في وسط عالم متقلب مضطرب تبعث إلى قلوبنا الشكر "ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية" وهنا تبدو لنا أهمية الشكر، فهو أساس الخدمة الحقة، وشعور المحبة هو الباعث إلى إظهار المحبة. والاعتراف بمجد الله وصلاحه مصدر قوة للإنسان، ومرضاة لله ذاته "بخشوع" لا بالرعب الذي يفسد الخدمة، بل بالرهبة الخاشعة "وتقوى" وهي المسلك المتسق مع شعور الخشوع الداخلي "لأن إلهنا نار آكلة" والعبارة مقتبسة عن تثنية ص4 آية 24 وقد رأينا أنا هناك فوارق من بعض الوجوه بين عهد جبل سيناء والعهد الخالد المعطى لنا في يسوع فوق جبل صهيون، ولكن الجبلين يتفقان في أن الله الذي قطع عهده مع الإنسان هو نار آكلة في كليهما. فأنه يطهر بالإحراق كل نفاية دنيئة في نفوس الذين يخدمونه، وكلَّ ما يكون غير أهل للبقاء في حضرته المقدسة. (أنظر ملاخي 2:3 الخ ومتى 12:3) فمن ثمَّ نرى الرهبة، لا الشكر فقط. عنصراً في موقف المسيحي تجاه ربه

 الختام

بهذه العبارة المأثورة يختم الجزء الرئيسي في الرسالة إلى العبرانيين. وما يتلو ذلك أشبه بتذييل غير رسمي يقترن برسائل شخصية أو نصائح للجماعة العبرانية

والآيات التالية ترسم لنا صورة لحياة كنيسة مسيحية عائشة في وسط غير مسيحي، سواء في تلك الأيام الأولى، أو في عصرنا هذا

"لتثبت المحبة الأخوية" وكانت الكلمة "أخ" قد امتدت في العهد القديم من معناها الضيق المشتمل على أفراد الأسرة، إلى معناها الواسع الشامل علامة اليهودية (أنظر سفر التثنية فصل 23 آية 19) وكانت "الأخوية" قد أصبحت في اليهودية شعاراً قومياً. أما في المسيحية فقد أضحت شعاراً "عالمياً". فرابطة الإيمان الواحد المشترك لا تقيم حاجزاً بين أمة وأمة. وحتى في الأيام الأولى التي كتبت فيها رسالتنا كانت "المحبة الأخوية" قد تخطّت حدود الجنس الشائكة- بين اليهود وغير اليهود- وحدود الطبقات الاجتماعية - بين العبد والمولى. وفي عصرنا هذا قد ذهبت إلى أبعاد من هذه الحدود، ولكن قوى الشرّ ما فتئت تعرقل هذه "المحبة الأخوية" وتغرينا على تضييق دائرتها حتى تخرج منها أخواناً لنا، أو على إطفاء جذوتها حتى تفقد معناها وقيمتها. ولذلك ينصح الكاتب العبرانيين وكل جماعة مسيحية أن اعتصموا بهذا. وقد اختيرت الكلمة "لتثبت" لغرض خاص، ليبين الكاتب ضرورة الاعتصام بهذه الرابطة، حتى لو كان الأخ الآخر شديد الوطأة لا تلين قناته

"لا تنسوا إضافة الغرباء" وكانت الضيافة من الفضائل المستحبة التي اعتز بها اليهود، كما اعتز بها العرب أبناء عمومتهم المتحدرين من سلالة إبرهيم. ولكن كانت ثمة أسباب خاصة تدعو المسيحيين إلى ممارسة هذه الفضيلة، ففي العالم اليوناني كان أصحاب النُزل (الخان) يحملون اسماً شائناً، ذلك أنهم كانوا يبتزون أموال النازلين عندهم، وكان تلك النُزل في أحيان كثيرة أوكاراً للشر ومباءات للرذيلة. فكان فرضاً واجباً على المسيحيين أن ينزعوا أخوانهم من هذه الأوساط غير المستحبة، الباهظة الكلفة، ويستضيفوهم في بيوتهم حيث يشتركون معاً في عبادة ربهم بلا خلاف. وكان بعض أولئك الإخوة من البشريين المتجولين (ونرى في قصة سفر الأعمال كيف كان المسيحيون المحليون يرحبون بالرسول بولس في البلدان التي نزل إليها. وكان بعضهم من الفارين بسبب الاضطهاد، أو من المتنصرين حديثاً الذين لم يختبر إيمانهم بعد وكان قبول هؤلاء لا يخلو من خطر، فقد يكون الضيف جاسوساً خائناً ينقل المعلومات والأخبار إلى رجال السلطة في أوقات الاضطهاد. ولعلَّ أقوى محك لتجربة طاعتنا هذه الوصية في عصرنا الحاضر، هو استضافتنا الإخوة المسيحيين المهتدين إلى ربنا من أديان أو أجناس نحسبها معادية لنا. وترى أي دهشة عرت صاحب الخان قديماً يوم رأى ألسامري الصالح يحمل إليه جريحاً غريباً من اليهود الذين كانوا أعداء جنسه. ومن الشيق أن نذكر هنا أن لوسيان الكاتب الوثني سخر من المسيحيين الأولين بسبب هذه الضيافة، لأنه لم يكن ليدرك مبعث الفرح فيها. أما كاتبنا المغرق في العهد القديم فيذكر مثالاً رائعاً لإسناد وصيته عن إضافة الغرباء، حين يقول "لأن بها أضاف الناس ملائكة وهم لا يدرون" والإشارة إلى سفر التكوين (ص 18) حيث زار إبرهيم نفر خالهم من مظهرهم رجالاً، وما لبث ت أن تكشفت حقيقتهم فإذا هم ملائكة علويون. وكأن الكاتب يقول أن الزائر الوضيع المتواضع قد يكون ملكاً من ملائكة ربنا. ويجيء المسيح نفسه في أقل الناس جاذبية وأخفضهم شأناً، مما نرحب بهم باسمه (أنظر متى 40:25 و45 ويوحنا 20:8). وقد رسم أحد الفنانين في دار الضيافة الأديرة بمدينة فلورنسا أخوين يستقبلان غريباً من عرض الطريق، وقد أمسك بيده عكازة، ووضع على منكبيه رداء من جلد الأغنام، وقد بين الفنان في صورته أن هذا الغريب إن هو إلا المسيح نفسه

يجيء الزائر إلى البيت، ولكن على الإخوة المسيحيين أن يفعلوا أكثر من مجرد الترحيب بالوافدين إليهم، عليهم أن يؤدوا رسائل المحبة للمحتاجين، لذلك يقول الكاتب "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم" وكان أمر المسجون في العالم القديم موكولاً إلى أصدقائه في الخارج لتدبي طعامه وكسائه، وكان مصرحاً بزيارته أكثر مما هو متبع في العصر الحديث (أنظر متى 36:25 و2 تيموثاوس 16:1 و17) ويجد المسيحيون في يومنا طرقاً كثيرة لتنفيذ هذه الوصية، ففي بلدان كثيرة يقومون بافتقاد المسجونين، وفي بلدان أخرى تنشأ الجمعيات خصيصاً للعناية بشئون المسجونين بعد الإفراج عنهم وتوفير أسباب العيش لهم في وقت يرمقهم الناس فيه شذراً. وتفصح الرسالة عن الطريقة التي تؤدي بها هذه الخدمة، لا كقوم صالحين نعين البائسين في عارهم وذلهم، بل كأخوة نعطف عليهم حتى لنحسب أنفسنا شركاء "مقيدين معهم". ومما تلقينا من الأدعية المسيحية الأولى، دعاء دُون في ختام رسالة اكليمندس نطلب فيه إطلاق المسجونين. وأنّا لنجد في كل نظم العبادة تقريباً (الخدمات الدينية) شرقية وغربية دعاء خاصاً بالمسجونين والأسرى. ولكن الرسول يطلب إلى قرائه أن يذكروا غير المسجونين أيضاً فيقول (والمذلين كأنكم أيضاً في الجسد) فأن كثيرين من غير المسجونين يُسامون الخسف في المعاملة، وعوضاً عن نسيانهم والركون إلى الحياة الهادئة المريحة، يطلب الكاتب إلى المسيحيين أن يذكروا هؤلاء، بكل ما في الذكرى من ألم ممض، ومن تكاليف والتزامات للعون والصلاة. والباعث إلى ذلك أننا كلنا معرضون بالجسد إلى آلام كهذه. وتصير الآية توسعاً في وصية الرب القائلة: "كما تريدون أن يفعل الناس بكم، أفعلوا أنتم أيضاً بهم هكذا"

ثم ينتقل الكاتب من الواجبات العامة نحو الذين في الخارج، إلى تكاليف الحياة الداخلية في الأسرى التي يعرفها. وكانت أولى مصارعاتهم في ذلك العالم الوثني النجس (وهو غير بعيد الشبه بالعالم في هذا العصر) مع الطهارة المطلقة في الحياة الزوجية، لذلك يقول لهم "ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد" فالزواج لدى المسيحي وما يقوم عليه من طهر وإنكار للذات ليس إلاَّ سراً مقدساً من أسرار المحبة، ثم ليكن "المضجع غير نجس" ما دام القران الزوجي قد اعتبر نموذجاً للإتحاد بين المسيح وكنيسته. ويجد القارئ في سيرة المرحوم الكاهن جردنر باللغة الإنكليزية دعاء الذي كان يرفعه الله في السنة السابقة لزواجه، وهو نموذج لما يفعله المسيحي الصادق في إطاعة ما تدعو إليه هذه الآية. وقد ظلَّ المرحوم الكاهن جردنر يصلي عاماً كاملاً قبل زواجه لكي "يصير أهلاً لهذا الشيء المقدس، المقدس، المقدس" على حد قوله. وإليك كلمات دعائه:-

"لأستطيع أن أقترب إليها، قربني إليك أكثر منها"

"لأستطيع أن أعرفها، عرفني ذاتك أكثر منها"

"لأستطيع أن أحبها حباً كاملاً بملء القلب، أجعلني أحبك أكثر منها وأكثر"

"من كل شيء آخر، آمين ثم آمين"

"لكي لا يفصلني عنها شيء، كن بيني وبينها في كل لحظة"

"لكي نكون معاً باستمرار، اجذبنا إليك منفردين"

"وحين نلتقي معاً، ضمنا إلى صدرك أنت، يا إلهنا. آمين ثم آمين"

وليعلم الذين لا يمتلكون هذا المثل المسيحي الأعلى أن إلهنا نار آكلة، نار الدينونة أو نار التطهير، إن أرادوا

"وأما العاهرون" والكلمة اليونانية تعني الشهوانيين إطلاقاً، والخائنين عهد الزواج بنجاستهم الشخصية "والزناة" والكلمة اليونانية تعني الخائنين الذين يعتدون على عهد زواج شخص آخر "فيدينهم الله" وبيت القصيد هو "الله" فلسنا نحن الذين ندينهم

حذر الكاتب أصدقاءه المسيحيين من الأخطاء والنقائص الناشئة عن جموح الإنسان عن طريق نزواته الجسدية، بيد أن للنفس البشرية أساليب أخرى ملتوية أشد مكراً ودهاء. وإلى هذه يشير الكاتب الآن: فالمسيحي الصادق يعيش في عالم يعبد المال. وحين يصام المرء بهذا الداء، داء محبة المال، يذبل فرحه الروحي وينخفض مستواه، لذلك يقول الكاتب "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال" وكثيراً ما يكون المسيحي "خالياً" من خطايا الجسد، ولا يكون "خالياً" من هذه الخطية المميتة التي تتهجم عليه، لا في حياته الفردية والعائلة فقط، بل أيضاً في حياته العامة وفي مجتمعات الكنيسة

وأن في الحياة الخالية من محبة المال، قوة وحرية يكللانها بالجمال والروعة. ولكن الكاتب يطلب إلى إخوانه العبرانيين أن يبلغوا هذا المستوى ويتابع حديثه في أسلوب عملي فيقول "كونوا مكتفين بما عندكم" وذلك لأن قسطاً كبيراً من الجزع في الشئون المالية مردّه الخوف من المستقبل، فاذكروا أن حاجتنا المالية في الحاضر وفي المستقبل موكولة في نهاية الأمر إلى أيدٍ رحيمة محبة "لأنه" أي الآب السماوي "قال لا أهملك ولا أتركك" وهذه العبارة المفرغة من اليونانية لعدة آيات من العهد القديم (أنظر مثلاً تكوين 15:28 ويشوع 5:1 وتثنية 6:31 الخ كانت من الأوضاع المألوفة للمواعيد المقتبسة من الكاتب اليهودي الشهير فيلو. وتحمل إحدى الكلمتين اليونانيتين المترجمتين "أهمل" و "أترك" فكرة الخلاء اليد من الشيء ما وتركه يسقط، وتحمل الثانية فكرة الهجر أو الترك وحيداً في ساحة القتال. وقد انصبَّ الوعد الأصلي على العون في القتال ولكن شاعراً مسيحياً يقول ما معناه:

"لا تخلع هذه العبارة على الملوك والكهنة فقط، ولكنها تهمس، بلحن شجي ندي، أنشودة القناعة في نفوس الجميع على السواء"

وان قلوبنا لتستجيب إلى هذه الرسالة الموجهة إلينا من الله "حتى أننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان" وحين نخلوا من متاعب وهموم أحوالنا المالية، لا عن طريق الإهمال وعدم الاكتراث، بل يقيناً أن الآب السماوي لا يهملنا، نتذرع بشجاعة غريبة فائقة واثقين أن ما يرسله لنا الله هو الأفضل. وهذه الكلمات التي نرددها في يقين وثقة مأخوذة عن مزمور 16:18 وهو مزمور كان قد سمعه المسيحيون العبرانيون في الأعياد الكبرى في دينهم القديم. وها هم يتابعون نشيدهم بمعنى أعمق في حياتهم المسيحية الجديدة وعبادتهم. إذ هو ينطق صارخاً بالفوز وسط الآلام

ومن ثمَّ يعود الكاتب بفكره إلى الجماعة الصغيرة في مجتمعاتها فيقول "اذكروا مرشديهم الذين كلموكم بكلمة الله" ويخيل إلينا أن كلمات الثقة القائلة "لا أخاف ماذا يصنع بي إنسان" قد نفثت في قلب الكاتب فكرة عن إبطال الإيمان الذين حملوا رسالة الإنجيل إلى أولئك العبرانيين المسيحيين، والذين جالدوا (شأن كثيرين غيرهم من أبطال الفصل الحادي عشر) حتى ختموا شهادتهم بدمائهم. وذلك لأن الكاتب يذكرهم بموت أولئك الأبطال فيقول "انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم". ومن ثمَّ نرى الكنيسة المسيحية، وهي ناظرة إلى يسوع، (كما رأينا في فصل 12 آية2) تستطيع أن تنظر أيضاً حتى في ذلك العصر المبكر إلى حياة الإيمان التي سلكها قادتها وزعماؤها، الذين استخدمهم الله مثل بطرس "لتقوية إخوتهم". وإن صحَّ هذا القول عن تلك العصور الأولى، فكم بالأولى في هذا العصر الذي توافرت لنا فيه، لا قادتنا فقط الذين نتعلم منهم، بل السير المسيحية التي حفلت بها شتى البلدان في كل العصور. والكلمة المترجمة "أنظروا" تعني الانتباه الشديد الدقيق. وهذه الوصية تحفزنا لأن نسأل أنفسنا: إلى أي حد ننتهز الفرص "وننظر" حقاً إلى أولئك القديسين في حياتهم وفي مماتهم. وتذكرنا الوصية التالية (تمثّلوا بإيمانهم) أم محاكاة روحهم تعمل لمجد الله لا مجرد التمثل بهم في أعمالهم. وتلك المحاكاة في الإيمان عميقة قوية في المماثلة، ولكنها على جانب عظيم من الحرية، لأن المسيحيين ليسوا مجرد ناقلين صوراً طبق الأصل. وكان القادة الأولون لتلك الكنيسة الصغرى قد جازوا إلى الحياة الأخرى، ولكن واحداً باقياً لا يتغير "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" ويأخذنا الكاتب في هذه الألفاظ إلى العبارة الاستهلالية في رسالته عن إعلان الله ذاته، إعلاناً حاسماً، نهائياً في "ابن". فيسوع لا يتفوق عليه أحد، ولا حاجة به لملحق يجيء بعد. والعبارة شاملة في صدقها، فلطالما قوت قلوب المسيحيين في كل الأجيال والبلدان. ولعل أقرب فكرة خطرت ببال الكاتب أن المسيح الذي هيأ الفوز "بالأمس" لأولئك المرشدين الذين أشار إليهم، يهيئ اليوم وفي الغداة نصراً مبيناً للمسيحيين العبرانيين في تجاربهم ومحنهم الحاضرة

وإيمان المسيحي ممكن في ذلك الذي لا يتغير، ومن ثم لا يتزعزع إذا وضع إنسان أمامه تعاليم متقلبة كما يقول الكاتب "لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة" وترى ما التعاليم التي يشير إليها في هذا المقام؟ ليست تعاليم الدين اليهودي القديم، فهذه لم تكن غريبة لدى المسيحيين العبرانيين. وأغلب الظن أنه كان ثمة طوائف دينية جديدة في العالم الروماني يومئذ، وربما حاول بعضها أن يدمج المسيحيين العبرانيين في زمرتها. وقد وضع بعض تلك الطوائف قواعد خاصة عن الأكل كوسيلة للحياة العليا، فحرمت أنواعاً من الأطعمة زعماً أنها نجسة، وحسبت أن حياة الجسد كلها دنيئة نجسة تفتقر إلى ضروب من التطهير والتقشف وتحريم بعض المآكل. وأمثال هؤلاء يحسبون أن المخلص الذي نزل بالجسد أوضع شأناً من الملائكة التي بلا أجساد. ومهما تكن الطائفة أو الطوائف التي جاءت بهذه التعاليم الغريبة إلى العبرانيين المسيحيين، فأنها لا شك وضعت أسس تعاليمها على قواعد تتعلق بالأكل والشرب، وأثر هذا في الحياة الداخلية، بدليل قول الكاتب "لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة لم ينتفع بها الذين تعاطوها" ويتبين من هذه الكلمات أن الإشارة هنا إلى بعض التعاليم المتعلقة بأكل الذبائح التي كانت تقدم بكثرة يومئذ في المواسم والأعياد الرسمية (أنظر1 كورنثوس 14:10- 33) ولذا يقول الكاتب أن القلب لا يثبت حقاً بقواعد الأكل والشرب التي تضعها الطوائف المختلفة لأعضائها وتمثل مجهودات الإنسان في سعيه إلى العلى نحو الاتصال بالآلهة، إنما بقوة روحية إلهية تعمل في داخل الإنسان وأن تكن توآتيه من العلاء. وهذه القوة يسميها الكاتب "النعمة" أي فيض المحبة الإلهية لإنعاش الإنسان وتقويته. وليست ثمة إشارة في هذه الآيات إلى "الشركة المقدسة" التي هي وسيلة من وسائل رب النعمة لسكب نعمته الروحية الداخلية الفياضة. إنما الإشارة هنا إلى القواعد المرعية لدى بعض الطوائف الشبه وثنية، وقد قورنت ولائمها بالشركة المقدسة في رسالة كورنثوس الأولى. أما هنا فيقارن الكاتب ذبائحها بذبيحة المسيح الكاملة الكافية، فيعود إلى فكرته الأولى العظيمة عن المسيح رئيس الكهنة الذي جاز إلى قدس الأقداس فيقول "لنا مذبح" ويتبين من الوضع اليوناني لهذه الآية أن الكاتب في صدد مقارنة، فأن بعض أصحاب تلك التعاليم الغريبة الجديدة كانوا يعيرون المسيحيين العبرانيين أن لم يكن لهم ذبائح، لا الذبائح اليهودية القديمة، ولا ذبائح الولائم التي اختصت بها تلك الطوائف الجديدة، ولكن الكاتب يجيب على هذا العبير بقوله: ولكن لنا مذبحاً، ولنا ذبيحة عديمة المثال لا نظير لها. ذلك الصليب القائم فوق الجلجثة هو مذبحنا، حيث قدمت لأجلنا الذبيحة التي لا عيب فيها، والذي قدم الذبيحة هو الكاهن نفسه، وقد قيل عنه أنه المذبح أيضاً. تأمل هذه الكلمة المأخوذة عن القديس توما اكويناس: "ذلك المذبح هو صليب المسيح، حيث قُدم المسيح لأجلنا، أو هو المسيح نفسه الذي فيه وبواسطته نقدم تقدماتنا. وهذا هو المذبح الذهبي الذي جاء ذكره في سفر الرؤية ص 8"

وأقوى إفصاح عن ذلك المذبح الجامع الشامل تضمنته عبارة خطيرة تقول "صلب خارج المدينة، لتنتهي بذلك الذبائح القديمة، وتوضع الذبيحة الجديدة على مذبح جديد، ومن ثم يصير صليب المسيح، لا مذبح الهيكل (في أورشليم)، بل مذبح العالم بأسره"

بيد أن الذبيحة المهراقة فوق ذلك المذبح، الذبيحة المليئة بالأمرار والحافلة بالحياة للعالم بأسره، ليست من نوع الذبائح الطقسية القديمة، التي كانت تقدم ثم يلتهمها أبناء الطبقات الممتازة من الكهنة وذويهم- وعن هذا المذبح يقول كاتب الرسالة "لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه" وكان هؤلاء أكثر طبقات اليهود امتيازاً. ومع ذلك فقد كان في الشريعة الموسوية القديمة ذبيحة واحدة- ولم يكن هذا خافياً على العبرانيين المسيحيين- لم يكن ليجوز حتى للكهنة أنفسهم أن يشتركوا فيها. وهو يشير في هذا إلى الذبيحة العظمى التي كانت تقدم في يوم الكفارة، وإلى المراسم المدونة في سفر اللاويين فصل 16 آية 27 حيث قيل "وئور الخطية وتيس الخطية اللذان أتى بدمهما للتكفير في القدس يخرجهما إلى خارج المحلَّة ويحرقون بالنار جلديهما ولحمهما وفرثهما" فلم يكن جائزاً لأي مخلوق بشري أن يأكل من ذبيحة الخطية. ونرى كاتبنا الآن يبرز هذه الحقيقة ناصعة أمام قرائه في قوله: "فأن الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس" ولم يكن مصرحاً بإدخال دم الذبائح الأخرى إلى الأقداس "بيد رئيس الكهنة" وبيده فقط بعد الصوم والاستعداد كما رأينا في الفصول المتقدمة "تحرق أجسامها خارج المحلة" إذاً لم يكن سائغاً حتى لرئيس الكهنة أن يأكل من لحم هذه الذبائح، فكم بالأولى أنتم أيها المسيحيون العبرانيون. ولو كنتم وقوفاً في وسط تلك الجماهير التي قدمت لأجلها الذبائح، لما استطعتم حسب أحكام الدين القديم أن تأكلوا من لحمها الرهيب، لا أنتم ولا غيركم من المخلوقات الحيّة

وموقفكم الآن أشبه بموقفكم بالأمس- مع الفارق العظيم- أمام ذبيحة الخطية الكاملة الكافية، ذبيحة مخلصكم وكاهنكم. فهو أيضاً، كأنه يكمل ذبيحة الخطية القديمة قد "أخرج إلى خارج المحلة" (لاويين 27:16) "لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب" وذلك لأن الصلب، شأن عقوبات الإعدام الأخرى في العالم القديم، كان ينفذ خارج المدينة. ولكن هذا الذبيح، وأن يكن قد مات، فهو ما يزال حياً، وهو مستطيع أن يدعونا إلى الصلة به في حياة عملية أعمق وأخصب من أية ذبيحة طقسية تقوم بها جماعات بعضها يهودي وبعضها وثني. وتلك الصلة الخصيبة العميقة لا تُنال بدون كلفة، فأنها صلة بإنسان أخرج خارج المدينة ليقضي كمجرم. والذي يدرك معنى الصلة بالمصلوب لا يسعه إلاَّ أن "يخرج" على طرق الحياة المألوفة في سبيل الاتصال به، لا يسعه إلاَّ أن يخالف الآخرين ويكون وحيداً مستوحشاً. فإن كان مسيحياً عبرانياً، كأولئك القراء الأولين الذين أُرسلت إليهم الرسالة، لا يسعه إلاَّ أن "يخرج" على طقوس دينه القديم وذبائحه، خارج محلة شعبه. وفي تلك الوحشة يجد صلة بربه في انتظاره "فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة" لأن المسيح، لا الذبيحة المائتة، بل الزعيم الحيّ ينتظر "خارج المحلة" لاستقبال شعبه، خارج محلة الدين القديم وأساليب الحياة القديمة. وقد نضطر في سبيله أن نعيش حياة مقلقة عرضة لاتهامات وإهانات من كثيرين. لذلك لنخرج "عاملين عاره" وكما خرج هو خارج المدينة حاملاً عبء صليبه، علينا نحن أن نخرج عن أساليب الناس المألوفة، ومدينتهم، وطرائق تكفيرهم، وطرائق عملهم، وسعيهم وراء أنفسهم، علينا أن نتجدد في أذهان أرواحنا. وهذا التبديل لا بدّ يحمل معه عاره. لأن الناس يكرهون عادة الخارجين على الأساليب المألوفة ويحسبوننا أغراراً حمقى، ويقطعوننا من الروابط الوطنية التي تربطنا بالمواطنين "لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة" قارن هذا بالفصل الحادي عشر آية 10 و14- 16 والفصل الثاني عشر آية22- فكل المؤسسات الأرضية من مدن، ومحلات، وأخويات، يشوبها النقص، هي صور زائلة للحقائق التي سوف تكون لنا عندما نبلغ مدينة الله الحيّ (فصل 12 آية 22) التي نحن من مواطنيها الآن وسندخلها آمنين فرحين في المستقبل. لذلك مهما بدا ممضاً حمل ذلك العار، فإنّا مستطيعون أن نفرح في مخلصنا الحيّ، الذي هو مصباح تلك المدينة "فلنقدم به" أي بواسطة المسيح رئيس الكهنة الذي به تقدم كل الذبائح على مذبح الله. والفعل اليوناني المترجم "نقدم" أصل الاشتقاق للكلمة المستعملة في "خدمات" العصور المسيحية الأولى، في الجزء الأوسط من خدمة الشركة المقدسة. وليس معناه "نقدم" فقط بل "نرفع". لذلك نرى مثلاً في النقوش المصرية القديمة التقدمات ترفع للآلهة. وفي كل الأوضاع الأولى لخدمة الشركة المقدسة نجد القائل يقول: "أرفعوا قلوبكم" فيجيب الشعب: "للرب نرفعها" "في كل حين لله ذبيحة التسبيح" حتى حينما نخرج عامدين خارج الباب لنحتمل العار. لأن الاختبار الحق دلنا على أن المسيحيين الذين يحتملون العار في سبيل ربهم يشعرون بفرح فياض، ويقدمون ذبائح الشكر أكثر من الذين يهجعون ولا يجاهدون أنظر أعمال ص 5 آية 42 وص 16 آية 25- وليست بعيدة عنا قصة الشهداء الأولين في كنيسة يوغندا الذين خرجوا للقاء موتهم وهم ينشدون "يوماً بعد يوم نشيد التسبيح". ويؤثر عن أحبار اليهود قول جميل: "في عصر المسيا تبطل كل الذبائح عدا ذبيحة الشكر. وتبطل كل الصلوات، عدا التسبيح".

وكعادته يتابع الكاتب كلامه باقتباس عبارة من العهد القديم ليشرح معنى "ذبيحة التسبيح" شرحاً مفصلاً فيقول "أي ثمر شفاه معترفة باسمه" والآية مقتبسة عن هوشع ص 14 آية 2 ويقول النص اليوناني "ثمر شفاهنا" بينما يقول النص العبراني "ثيران شفاهنا" مما يبين لنا أن نبي العهد القديم بلغ فكرة يعتبر فيها التسبيح الحق كذبيحة حقة، كمحرقة توضع على المذبح. ولكن الكاتب المسيحي يذهب إلى أبعد من هذا في شرح ذبيحة التسبيح بعبارة لم ترد في غير هذا الموضع من الكتاب المقدس "معترفة باسمه" ولكي نفهمها ينبغي أن نذكر أن "اسمه"—كما نعلم من الكتابات المسيحية واليهودية على السواء- هو "شخصيته المعلنة". فالمسيحي يرفع دعاءه "باسم المسيح" ومعنى هذا "بشخصيته المعلنة". ومن ثم نرى هنا جوهر ذبيحة التسبيح المسيحية، ألا وهو الاعتراف بشخصية الله المعلنة في المسيح، اعترافاً ممزوجاً بالفرح والغبطة. والحق أن هذا هو مصدر كل شكر، وكل فرح به تستنير كل الأشياء وتتلمع، كما يقول كاتب الأنشودة الإنكليزية:

"السماء فوقنا زرقاء صافية، والأرض حولنا خضراء يانعة

"وفي كل لون، شيء من الحياة لا ترى إلا عين المتباعدة عن المسيح

والأطيار تصدح بأناشيد مستحبة، والأزهار تتلمع بجمال فياض

"حين أعرف، كما أعرف الآن، إني له وإنه لي".

ثم إن ذبائح التسبيح الروحية ليست شيئاً جوهراً، ما لم تقترن بأعمال تسبّحه أيضاً. لذلك يقول الكاتب "ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يُسر الله" أي ذبيحة الروح الداخلية المعبر عنها في التسبيح وفي الأعمال المجردة عن الأنانية. والكلمة المترجمة "توزيع" ليس معناها مجرد التوزيع المستفاد من إعطاء الحسنات للفقراء "ولو أنها تتضمن هذا المعنى" ولكنها تغني المشاركة والتقاسم في الأشياء، كأنه يجيء المعوزون لمشاطرتنا، ليس حاجاتنا وحسب، بل أفراح بيوتنا، والكتب التي نجد فيها عوناً، والنزهات التي تنعش حياتنا وهلم جرّا. وكانت العادة في نظم العبادة اليهودية القديمة أن يحرق جزء من الذبيحة دلالة على أنها قدمت لله، ويُعطى جزء للكهنة، ويُقدم جزء طعاماً للفقراء. فالكهنة والفقراء كانوا يشتركون إذاً في الذبيحة. ولذلك يقترح الكاتب على المسيحيين الذين يقدمون التقدمات الروحية عوضاً عن الثيران والأغنام، أن يحتفظوا بهذه العادة القديمة الجميلة، عادة المشاركة والتقاسم، وهي مسرة لله كما كانت في القدم. والآن يعود الكاتب إلى الفكرة في آية 7 وكان قد ذكّر العبرانيين عن مرشديهم في الماضي الذين أقاموا لهم نموذجاً من نماذج البسالة. وها هوذا يقول كلمة عن المرشدين والقادة في عصره "أطيعوا مرشديكم واخضعوا" وكان المرشدون هم الذين بشروهم بكلمة الله (انظر الآية 7) ولم تكن الكلمة مما يُسمع فقط، بل كانت طريقاً للحياة تُنتهج، لذلك حق أن يُطاع المرشدون لا أن يُصغى فقط إلى أقوالهم. والكلمة المترجمة "أطيعوا" معناها طاعة الأوامر، وأما الكلمة المترجمة "اخضعوا" فهي أقوى في المعنى وتحمل فكرة الخضوع لرغبة. والذي يدرك ويفهم ويخضع لرغبات سيده وربه لا يفتقر إلى أوامر ونواه. فالكلمة الأولى إذاً تمثل لنا الطاعة الخارجية، وأما الثانية فتمثل الطاعة الداخلية، طاعة القلب. وأولئك المرشدون أحق الناس بهذه الطاعة "لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يُعطون حساباً" وقد وُصفت عناية المرشد المسيحي بالأنفس الموكولة في عهدته كأنها حراسة الحارس اليقظ. ونجد هذه اللفظة عينها في الترجمة اليونانية للعهد القديم (مز 127: 19) "إن لم يحفظ الرب المدينة، فباطلاً يتعب الحارس". فالمرشدون (وبينهم كاتب الرسالة) كانوا ساهرين يرقبون الصراع بين الحياة والموت في أنفس الذين علموهم، حاسبين أنفسهم كما سيعطون حساباً عن هذه الأنفس، وقد يشبّه موقفهم بموقف ربهم وسيدهم في يوحنا 17: 12.

"لكي يفعلوا ذلك بفرح لا آنين" أي لكي يسهروا بفرح، لأن العبارة "كأنهم سوف يعطون حساباً" جملة اعتراضية يصح أن توضع بين قوسين في كتابنا المقدس. وأفضل شرح للكلمة "آنين" نجده في بيت شعري لترنيمة إنكليزية:

"أعطنا قلوباً، تحب مثل حبك، ونحزن مثل حزنك، لأجل خطايا الآخرين، كثر من حزنها إزاء الإساءات التي نلقاها نحن على أيديهم".

فإن رؤية أعضاء الكنيسة يشردون عن الله وعن الإيمان وعن الشجاعة ينغض الحياة على مرشديهم الساهرين، ويملأ قلوبهم بالأنات والتنهدات. أما للأعضاء أنفسهم فلا خير لهم في مسيحية ضعيفة كهذه. لأن المسيحية دين لا يؤتى خيره إلا للذين يستسلمون إليه بكلياتهم. لذلك يقول إن مرشديهم يئنون "لأن هذا غير نافع لكم" وليس "غير نافع" وحسب، بل خسارة مريعة أليمة.

13: 9- 18

9لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَّوِعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا. 10لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ. 11فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ الْخَطِيَّةِ إلى «الأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. 12لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ. 13فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ. 14لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ. 15فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. 16وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ. 17أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ. 18صَلُّوا لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيراً صَالِحاً، رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَناً فِي كُلِّ شَيْءٍ

أما الكلمة التالية فعن الكاتب نفسه، وهو يستعمل صيغة الجمع كمألوف العادة اتلي يجري عليها المؤلفون فيقول: "صلوا لأجلان لأننا نثق أن لنا ضميراً صالحاً" وهو شاعر برغبة حارة تسوقه إلى العمل النزيه الأمين، فليس عليه من حرج أن يلتمس صلواتهم، لأن رغبته الأمينة المخلصة أن يخدم الله كما يقول "راغبين" والكلمة اليونانية تدل على رغبة حارة غيورة "أن تتصرف حسناً في كل شيء" وأغلب الظن أن هذه الكلمات الصادرة عن المرشد العظيم الذي أوشك الآن أن يفرغ من رسالته الرائعة، تدل على أن شخصاً ما قد وشى به عند أبنائه في الإيمان وتكلم سواً في حقه. فلم يكن رده المتواضع على هذه الوشاية إلا إبداء رغبة في التصرف الحسن والتماس صلواتهم. وعلّل بعضهم تغيبه عنهم ببواعث ليست شريفة، ذلك لأنه يتابع حديثه معبراً عن رغبته في العود إليهم قائلاً "ولكن أطلب أكثر أن تفعلوا هذا لكي أرد إليكم بأكثر سرعة" وفي غيرته المتحمسة يبدّل صيغة الجمع ويجعل التماسه شخصياً: أرجوكم أن تصلوا لأجل عودي السريع إليكم. ولسنا ندري ما الذي عاق الكاتب، ولكن الظاهر أن العائق عامل قوي لا سلطان له عليه، ولكنه يؤمن أن قوة الصلاة المتحدة كفيلة بإزالته.

وبعد إذ يسأل قراءه أن يصلوا لأجله، يضيف إلى هذا صلاة لأجلهم.

13: 19- 25

19وَلَكِنْ أَطْلُبُ أَكْثَرَ أَنْ تَفْعَلُوا هَذَا لِكَيْ أُرَدَّ إِلَيْكُمْ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ. 20وَإِلَهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، 21لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إلى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. 22وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَحْتَمِلُوا كَلِمَةَ الْوَعْظِ، لأَنِّي بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ. 23اِعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أُطْلِقَ الأَخُ تِيمُوثَاوُسُ، الَّذِي مَعَهُ سَوْفَ أَرَاكُمْ، إِنْ أَتَى سَرِيعاً. 24سَلِّمُوا عَلَى جَمِيعِ مُرْشِدِيكُمْ وَجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّذِينَ مِنْ إِيطَالِيَا. 25اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ

(إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ، كُتِبَتْ مِنْ إِيطَالِيَا، عَلَى يَدِ تِيمُوثَاوُسَ)

والآن يتوجه الكاتب إلى إله السلام، ليهب أصدقاءه وروح التناسق والانسجام، وقد كانوا في صراع مع أنفسهم في الدخل وفي الخارج (كما رأينا في الرسالة). فقد كان عليهم أن يصارعوا مع الشر (انظر فصل 12) ولن يكون سلام في هذا الصراع إلا سلام النصرة في الله. ولذلك يقول "وإله السلام الذي أقام من الأموات" هو مستطيع أن يعطيكم النصرة، فهو الذي انتصر حينما بدت كل الظواهر منبثة عن الهزيمة (وهنا الإشارة الصريحة الوحيدة عن قيامة المسيح في الرسالة كلها، كما أن الآية، في فصل 12، هي الإشارة الوحيدة عن الصلب. وذلك لأن الرسالة عالجت عمل المسيح السماوي الناجم عن الصليب والقيامة).

"راعي الخراف العظيم ربنا يسوع" ويسوع هو الراعي العظيم، إذ قد جعل نفسه مسؤولاً عن شعبه. حاسباً نفسه واحداً معهم على الرغم من الكلفة الباهظة ليخلصهم لله. ومن المحتمل أن لا يكون الكاتب قد سمع كلمات ربنا المسيح عن نفسه كراع. ويخيل إلينا أن الكاتب، بفضل تعمقه في العهد القديم، يفكر الآن في الله كراع لشعبه إسرائيل في البرية. والكلمة "راعي الخراف" مقتبسة عن أشعياء ص 63 آية 11 وكانت كلمة موسى ظلاً للمسيح، وكان خروجه مع شعبه عبر البحر الأحمر ظلاً لقيامة المسيح من القبر.

وبما أن الموت لم يرد قط في العهد القديم في صدد أوصاف الراعي الإلهي، فإن الكاتب يستعير عبارة أخرى من العهد القديم عن كفاية الدم المهراق ""دم العهد" (زكريا 9: 11) فيقول أن الله أقام يسوع "بدم العهد الأبدي" وهنا يعود الكاتب إلى فكرة خطيرة تخللت الرسالة كلها، فيقول أن يسوع قد قام ودخل العالم الأزلي الخالد (كما دخل رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس) بدم العهد، مقدماً دمه ذبيحة كفارية. وحينما قام من الأموات، كانت قوة حياته المقدمة لأجل العالم، بمثابة الجو الذي أحاط به وهو داخل نصرته. والعهد الجديد عهد خالد يتعلق بالعالم الخالد الذي جاز هو إليه لأجلنا.

"ليكملكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته" وإذ يذكر رئيس الكهنة العظيم الذي يصلي لأجلهم في العالم الخالد، يطلب الكاتب في جسارة، عظائم الأشياء للمسيحيين العبرانيين. والكلمة المترجمة "ليكملكم" خصيبة المعاني تشمل في حد ذاتها أفكاراً ثلاثة: (1) التكميل في طريق توحيد القوى والأجزاء المختلفة في تناسق منسجم، وهي صلاة يفتقر إليها أولئك الذين تتقاذفهم الأهواء الداخلية والخارجية (2) التكميل عن طريق تكملة النقص (3) التكميل عن طريق إصلاح العيب. بهذه الصلاة الخصيبة المعاني يطلب الكاتب لأجل أصدقائه، ونتيجتها تكميل إرادة الله في كل الأعمال الصالحة. وكل عمل هو في الوقت ذاته عمل الإنسان وعمل الله، فنعمة الله المكملة تجعل عمل الإنسان ممكناً، على شرط أن يقبل الإنسان هذه النعمة. لذلك بينما أنتم "تصنعون" فإن الله أيضاً يكون "عاملاً فيكم ما يُرضي أمامه بيسوع المسيح" وقوة الله في حياتنا تعمل بوساطة يسوع المسيح كما علمنا هو في يوحنا فصل 15 آية 4 "الذي له المجد إلى أبد الآبدين. آمين" ولا يتبين من اليونانية إن كانت هذه التسبحة موجهة إلى ربنا يسوع المسيح راعي الخراف العظيم، أو هي موجهة إلى إله السالم. وتتخذ تسبحات العهد الجديد كلا الوضعين في تسبيح الآب وتسبيح الابن الأزلي. وهي تدرس كشذرات في الرسائل وسفر الرؤيا، ولكنها تستعمل أيضاً في العبادة المسيحية في هذا العصر، ذلك لأنها ألفاظ للعبادة الحقة جرت على ألسنة المسيحيين الأولين، ألفاظ ملهمة تحلو لشفاهنا وقلوبنا، كما حلت لشفاههم وقلوبهم.

وبعد هذا يضيف الكاتب "حاشية" شخصية، لا بصيغة الجمع التأليفية، بل بصيغة المفرد الشخصية:

"وأطلب إليكم أيها الأخوة أن تحتملوا كلمة الوعظ"وهو هنا يصف رسالته. والكلمة اليونانية المترجمة "وعظ" تقترن بالكلمة المعروفة "فَراقليط" التي يمكن ترجمتها "المعزي" أو "المقوّي" ومن ثم كانت كلمات الرسالة للتعزية والتقوية. والظاهر أن الكاتب أحس أن الموضوع الخطير الذي يعالجه، لا تستوعبه رسالة تقرأ في ساعة من الزمن، لذلك يقول "... أن تحتملوا كلمة وعظ" "لأني بكلمات قليلة كتبت إليكم" "أطلب انتباهكم الصابر، فإنه كان مستطاعاً لي أن أُسهب في بسط أدلتي لولا خشيت ملالكم" والآن يوافيهم بالأخبار الخاصة: "اعلموا أنه قد أطلق الأخ تيموثاوس" وربما يكون هذا، وإن لم يكن مؤكداً، تيموثاوس زميل الرسول بولس (انظر أع 16 الخ.) والذي كتب إليه الرسول بولس رسالتين بعد أن أسندت إليه وظيفة خطيرة في الكنيسة. والكلمة المترجمة "قد أطلق" تعني على الأرجح الإطلاق من سجن، ولكنها قد تعني أيضاً "البدء في رحلة" ويرجو الكاتب نفسه أن يشرع مع الأخ تيموثاوس في الرحيل لرؤية الأصدقاء الذين كتب إليهم رسالته. فكلمات النصح المسطورة لا بأس بها، ولكنه يأمل أن يتبع كلماته المكتوبة بزيارة شخصية لتقويتهم ومعونتهم ومعه تيموثاوس كما يقول "الذي معه سوف أراكم أن آتي سريعاً" وحسب العادة المألوفة في رسائل العهد الجديد يختم الكاتب بتحية، هي التحية الوحيدة في العهد الجديد الذي طُلب فيها إلى أعضاء الكنيسة أن يسلموا على مرشديهم كما يقول "سلموا على جميع مرشديكم" والظاهر كما قلنا في مقدمة الرسالة أنها كتبت إلى مدينة كان بها عدد غفير من المسيحيين، يسوسهم نفر من المرشدين، والكلمة الثانية "جميع القديسين" تدل على أن الرسالة لم تكن موجهة لكل المسيحيين في تلك المنطقة، ولعلها أُرسلت إلى جماعة منهم كانت تجتمع أحد المنازل ولكنهم كانوا على صلة بالمرشدين المسيحيين في كل المدينة، وبالقديسين الذي اجتمعوا جماعات صغيرة في منازل مختلفة.

ولدى الكاتب تحية أخرى، إذ يقول "يسلم عليكم الذين من إيطاليا" والأرجح أنه كتب رسالته في مدينة كان بها مع من إيطاليا بعثوا سلامهم إلى المسيحيين العبرانيين المستوطنين إحدى مدن إيطاليا. على أننا لسنا واثقين من هذا تماماً. وبعد هذا يكتب الكاتب عبارة ألفها قراء رسائل العهد الجديد. وذلك لأن كل رسالة من رسائل بولس تختتم بطلب "النعمة" للقراء. وهو يجعل ختامها مسكاً فيقول "النعمة مع جميعكم" وكانت هذه العبارة التحية الوداعية المحببة لدى المسيحيين الأولين. ولما كان المقصود أن تقرأ الرسالة بصوت عال في العبادة فإن كلمة "آمين" أضيفت في كثير من النسخ الخطية (وإن لم يكن في كلها) وهي اللفظة التي يرد بها التحية أعضاء الكنيسة كما هو الحال في تسبحة آية 21، ورد الشعب في استعمال كلمة "آمين" من الآثار القليلة التي بقيت لنا من العبادة الأولى عند المسيحيين. وقد استعمل اليهود هذه الكلمة أيضاً في عبادتهم، ولعل الأسباب التي حببت اللفظة إلى المسيحيين الأولين أنها جرت مراراً على شفاه سيدهم وربهم (وهي المترجمة "الحق الحق")، وحين يقولها المسيحيون، رداً على صلاة يتلوها أحدهم نيابة عن الجماعة (كما في تحية هذه الرسالة) إنما يدمغون الصلاة بطابعهم ويشهدون أنها صلاتهم أيضاً، وليت نستطيع كلنا أن نسجل كلمة "آمين" رداً للنصائح والعظات التي تضمنتها هذه الرسالة اليونانية.

تنبيه - العبارة المذيلة بها الرسالة في النص العربي وهي: "إلى العبرانيين كتبت من إيطاليا على يد تيموثاوس" ليست جزءاً من الرسالة، ولكنها تذييل نقل عن حديث مسيحي قديم متواتر يتعلق بالرسالة.

  • عدد الزيارات: 1884