الحث على الوحدة ونكران الذات
27:1- 4:2
27فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِباً أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ، 28غَيْرَ مُخَوَّفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ،الأَمْرُ الَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاَكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاَصِ، وَذَلِكَ مِنَ اللهِ. 29لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ. 30إِذْ لَكُمُ الْجِهَادُ عَيْنُهُ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَالآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ. |
إنما سيروا كما يليق بأنجيل المسيح، حتى أنني سواء حضرت ورأيتكم أو كنت غائباً عنكم أسمع أخباركم أنكم تثبتون في روح واحد، مجاهدين جميعاً بنفس واحدة في سبيل إيمان الإنجيل، غير متخوفين في شيء من المقاومين- الأمر الذي هو دليل على الهلاك لهم وأما لكم فعلى الخلاص. وهذا من لدن الله لأنه قد أنعم عليكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أن تتألموا أيضاً من أجله مجاهدين ذات الجهاد الذي رأيتموه فيَّ وتسمعون الآن أني فيه. |
ص 2: 1- 10 |
|
1فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ. إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ. إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ. إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ، 2فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْراً وَاحِداً وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئاً وَاحِداً، 3لاَ شَيْئاً بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. 4لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً. 5فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: 6الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. 7لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. 9لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ 10لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، |
فإذا كان ثمة وعظ في المسيح أو تعزية بالمحبة أو شركة في الروح أو كان ثمة عواطف ومراحم فأتموا فرحي بأن تكونوا على رأي واحد ومحبة واحدة متفقين نفساً متحدين فكراً غير عاملين شيئاً عن تحزب أو عجب بل بتواضع، حاسب كل واحد منكم صاحبه أفضل منه، غير ناظر كل منكم إلى شؤون نفسه بل إلى شؤون غيره أيضاً فليكن فيكم هذا الفكر الذي هو أيضاً في المسيح يسوع الذي مع كيانه في صورة الله، لم يحسب مساواته لله غنيمة بل أفرغ نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وصار مطيعاً حتى الموت موت الصليب لذلك فأن الله أيضاً رفعه ومنحه الاسم الذي هو فوق كل أسم حتى باسم يسوع تجثوا كل ركبة ممن في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض، |
"إنما" كان ثبات الفيلبيين شديداً جداً إلى درجة لم يكن معها حاجة إلى الحث سوى على شيء واحد وهو السلوك بحسب إنجيل المسيح فقال "سيروا كما يليق بإنجيل المسيح" وهو حث عام على الوحدة كما يتضح مما يلي. والظاهر أن خطأ أهالي فيلبي كان الميل قليلاً إلى التنافس. أما لفظة ((سيروا)) في الأصل اليوناني فمعناها ((أسلكوا كمواطنين أو كأفراد جماعة)) وهي الجماعة المسيحية. أما المراد من ((إنجيل المسيح)) فقد يجوز أن يكون ((البشارة التي جاء بها المسيح))أو ((البشارة عن المسيح)).
"حتى أنني سواء حضرت ورأيتكم أو كنت غائباً عنكم أسمع أخباركم" السارة الوقع بالسماع أو المخاطبة "أنكم ثابتون في روح واحد" وهي الوحدة المشار إليها آنفاً "مجاهدين جميعاً بنفس واحدة في سبيل إيمان الإنجيل" ههنا تلميح إلى التنافس الذي كان عند الفيلبيين. وجهاد المسيحي إنما هو عبارة عن التصريح بالإيمان بالإنجيل أو البشارة المفرحة. وأما سيف الجهاد فهو كلمة الله لا سيف الحديد.
"غير متخوفين" هذه اللفظة مأخوذة في الأصل اليوناني من ذعر الحيوان أو ارتياعه.وقد نهى الرسول أصدقائه عن الارتياع "في شيء من المقاومين" وهم أهالي رومية الوثنيين واليهود الغير المؤمنين. ولا يخفى أن الإمبراطورية الرومانية جاهرت بعدائها للمسيحيين حتى أمر الإمبراطور نيرون بعد ذلك بسنتين بإحراقهم أحياء. وبناء عليه فقد كان تشجيع الرسول لأهالي فيلبي في موضعه.
"الأمر الذي هو دليل على الهلاك لهم" لأن نجاح مقاومي شعب الله إنما هو دليل على فشلهم "وأما لكم" شعب الله فإن مقاومة المقاومين هي دليل لكم "على الخلاص" أي أنكم مُخلصون في هذا العالم وستنالون الخلاص النهائي والمجد في الختام "وهذا من لدن الله" أي أن كون هذا دليلاً لكلا الأصدقاء والمقاومين إنما هو علامة إلهية "لأنه قد أنعم عليكم" بالنعمة التي هي علامة إلهية "لإجل المسيح" الأمر الذي هو أسمى درجات الشرف. "لا أن تؤمنوا به فقط بل أن تتألموا أيضاً من أجله" والناموس الذي ينطوي عليه هذا القول ظاهر من خلال عدة أقوال في العهد الجديد. أنظر الآيات التالية:-
((أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله)) (أعمال 22:14)
((فإن كنا أولاداً فإننا ورثة الله ووارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه)) (رومية 17:8)
((إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا)) (2تيموثاوس 12:2)
وقد فسر الرسول هذه الآلام بقوله "مجاهدين ذات الجهاد الذي رأيتموه فيَّ" فكأنه جعل جسده ميداناً للجهاد. أما ماهية ذلك الجهاد فتتضح من مراجعة ما وقع له في فيلبي (وقد أشار إليه في أعمال12:16-40) فأنه سُجن وجُلد وجاهد جهاداً روحياً كالذي أشار إليه بقوله ((الجهاد الذي رأيتموه فيَّ)) "وتسمعون الآن أني فيه" ذلك لأن الرسول كتب رسالته من السجن في رومية وقد كان يومئذ محاطاً بخطر وهو يجاهد جهاداً روحياً عظيماً "فإذا كان ثمة وعظ في المسيح أو تعزية بالمحبة أو شركة في الروح أو كان ثمة عواطف ومراحم فأتموا فرحي بان تكونوا على رأي واحد" كان الرسول شديد الغيرة على الوحدة ولذلك ناشد الفيلبيين محرضاً إياهم على السعي وراء الأمور التي أشار إليها وجميعها من عوامل الوحدة. فكأنه قال ((أود أن تظهر وحدتكم كظهور الوعظ في المسيح والتعزية بالمحبة والشركة في الروح القدس وكظهور العواطف والمراحم في قلب اللّه وقلوب أوليائه. ولا ريب في أن جميع الذين يفكرون بهذه الأشياء يكونون على رأي واحد "ومحبة واحدة متفقين نفساً متحدين فكراً" ويؤخذ من القرينة أنه كان لا يزال في أهالي فيلبي شيء من هذا القبيل يحتاج إلى الإصلاح وهو يظهر من خلال قوله "غير عاملين شيئاً عن تحزب أو عجب" أو غير ذلك من هفوات العقول الكبيرة. ولعل بولس حذر من هذه النقائص بسبب انتشارها في رومية (أنظر ص15:1 و1كو3:3-5) ولا يخفى أن التحزب هو الأنانية بذاتها متحولة من نفس الفرد إلى الجماعة فبدلاً من أن يقول الفرد ((أنا)) يقول ((حزبي)) أو ((زعيمي)) فيصبح الغرض أو الغاية أسمى شأناً من الفرد أو الحزب ذاته ويصير الفرد يعيش من أجل مبدإ حزبه. وبعبارة أخرى أن الغاية تصبح أعظم شأناً من الواسطة وهذا يؤدي إلى انتشار روح العجب والخيلاء الذي حذر منه الرسول.
ولكن لاحظ العكس: قال الرسول "بل بتواضع" وليس المراد من هذا التواضع إهانة النفس أو إذلالها بل استعمال الحكمة والعلم بإن كلا الفرد والحزب أمر تافه بالنسبة إلى ملكوت اللّه "حاسب كل واحد منكم صاحبه أفضل" ناظرين إلى كل ما هو حسن في غيره لا إلى ما هو نقص فيه "غير ناظر كل منكم إلى شؤون نفسه" كأنها أهم ما في العالم "بل إلى شؤون غيره أيضاً" وقد بنى على هذا القول حكماً هو على غاية الأهمية وهو قوله أن اللّه في المسيح أظهر مثل هذا التواضع أو الاهتمام بشؤون الغير.
- عدد الزيارات: 1730