Skip to main content

الفَصلُ السَّادِسُ "وصفَةٌ لِلمِحنَة" - وصفَةٌ للمِحنة

الصفحة 2 من 3: وصفَةٌ للمِحنة

وصفَةٌ للمِحنة

يشعُرُ الناسُ عادَةً بأنّ المحنة تؤدّي مباشرةً الى العواقِب التي يُعانُونَ منها في حياتِهم. يَقُولُونَ مثلاً أُمُوراً كالتَّالِي: "لقد فقدتُ عملي وأنا كئيبٌ. أنا كئيبٌ الى حدٍّ أفكّر بِقَتلِ نَفسِي". إنَّهُم يَقصُدُونَ القَول، "إنَّ مِحنَتِي أدَّتْ إلى عاقِبَةِ إكتِئابِي الرُّوحِيّ."

إنَّ تَعليمَ يسُوع يُخَالِفُ وُجهَةَ النَّظَرِ هذه. فالمحنةُ لا تؤدّي مباشرةً الى العواقِب العاطِفيَّة أو غَيرِها، بالنسبَةِ ليسوع. لأنّه صوّر لنا رَجُلَينِ لديهما المحنة عينها. ولقد إستَخدَمَ الكلماتِ نفسِها لِوَصفِ محنَتِهِما: هَطَلَ المطرُ، وارتفع منسوبُ النَّهر وعَصَفَتِ الرياح وضربت المنزلينِ اللَّذَينِ يُمَثِّلانِ حياتَهُما. حدث الأمرُ عينُه في الحالتينِ لكنّ النتائج كانت متعارضةً.

هل لاحظتم يوماً كم مرّةً ناقش يسوع نظامَ معتقد تلاميذه عندما كان يحاول أن يعلّمهم هذا الأمر؟ هذا المقطع الرائع المأخوذ من نهاية الإصحاح السابع من إنجيل متّى تتبعه قصّةُ عاصفةٍ في الإصحاح الثامن: "أَمَرَ بِالذَّهَابِ الى العِبْرِ. ولَمَّا دَخَلَ السَّفِيْنَةَ تَبِعَهُ تَلامِيْذُهُ. وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيْمٌ قَدْ حَدَثَ فِي البَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِيْنَةَ. وَكَانَ هُوَ نَائِمَاً. فَتَقَدَّمَ تَلامِيْذُهُ وَأَيْقَظُوْهُ قَاْئِلِيْنَ يَا سَيِّدُ نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ. فَقَالَ لَهُمْ مَا بَالُكُمْ خَائِفِيْنَ يَا قَلِيْلِيْ الإِيْمَانِ. ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ والبَحْرَ فَصَارَ هُدُؤٌ عَظِيْمٌ".

لقد أذهلَتني هذه القصّةُ لمدّةٍ طويلةٍ. فهي تبدأُ بعاصفةٍ عظيمةٍ، وتنتهي بسكونٍ عظيمٍ. وبين العاصفةِ العظيمة والسكون العظيم، يُطرَحُ سؤالٌ عظيمٌ. وقد طَرَحَ لوقا السؤال على الشكل الآتي: "أين إيمانُكم؟". تطرَحُ إحدى الترجمات السُّؤالَ كالتَّالِي: "متى ستبدَأُونَ تؤمنون بي؟" إنَّ جَوهَرَ هذا السؤال العظيم عن الإيمان كانَ، "كيفَ يرتَبِطُ إيمانُكُم بهذه العاصِفة؟" لقد كانَ يتحدَّى بِوُضُوحٍ نظامَ إيمانِ رُسُلِهِ.

رأى آباءُ الكنيسةِ القُدَماء الكَثيرَ من الصور المجازيّة في الكِتابِ المُقدَّس. وعندما قالوا إنّ ثمّة شيئاً مجازيّاً لم يقصدوا أنّه خُرافة. بل عرَّفُوا الصورةَ المجازيّة بأنَّها قصّةٌ يحمل فيها الناسُ والأماكنُ والأشياءُ معنًى عميقاً يبنينا روحيّاً.

لقد إعتَبَرَ آباءُ الكَنيسةِ هذه القصَّةَ بأنَّها صُورَةٌ مجازِيَّةٌ عن الكنيسة، أو عن شعبِ اللهِ المَفدِيّ. عندما قال يسوع: "دعونا نعبر الى الجهةِ الأخرى"، كان ذلك صورةً ترمز الى يسوع يأخذنا الى الجانِبِ الآخر من الحَياة، أي الحياة الأبديّة. فهذا مجازٌ يُصَوِّرُ يسُوعَ معنا في المركب، ونحنُ جميعاً نُسافِرُ إلى الجِهَةِ الأُخرى. أمّا السؤال الذي يُطْرَحُ فهو: "كم عاصفة ستواجهكم في طريقكم الى الجهة الأخرى؟" إنّ يسوع يُعَلِّمُ أنَّ الحَياةَ صعبَةٌ، وأنَّهُ قد تُواجِهُنا عواصِفُ عديدة على طريقِنا نحوَ الجِهَةِ الأُخرى. ويعتَقِدُ البعضُ أنَّ يسُوعَ يُعَلِّمُ أنَّ الحياةَ نفسَها هي بمثابة عاصفةٍ نعبُرُ فيها في الوقت الذي ننتقل فيه من هذه الحياة إلى الحياةِ الأبديَّةِ في السماء.

قصّة العاصفة التي وردت في إنجيل متّى تتبعها قصّةٌ أخرى. نَقرَأُ أنَّهُ في تلكَ المُناسَبة، قالَ يسُوعُ لرُسُلِهِ أن يصعَدُوا إلى المركِب ويسبِقُوهُ إلى الجهَةِ الأُخرى من بحرِ الجليل. فبعدَ أن صرفَ الخمسة آلاف عائلة الجائعة، بعدَ أن أشبَعَهُم، إنسحَبَ بعُزلَةٍ إلى جانِبِ الجَبَلِ ليُصَلِّيَ (متَّى   14: 22- 33).

"وَبَعْدَمَا صَرَفَ الجُمُوعَ صَعِدَ الى السماءِ لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صارَ المَساءُ كانَ هُناكَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا السَّفِيْنَةُ فَكَانَتْ قَد صَارَتْ في وَسَطِ البَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمواجِ. لأنَّ الريحَ كانتْ مضادّةً. وفي الهزيعِ الرابعِ مِنَ الليلِ (أي حوالي الساعة الرَّابِعة صَباحاً)، مَضَى إِلَيْهِم يَسوعُ ماشياً على البحرِ. فلمَّا أبصَرَهُ التَّلاميذُ ماشِياً على البَحرِ اضطربوا قائلينَ إنّهُ خيالٌ. ومِنَ الخوفِ صَرَخوا. (يقُولُ النَّصُّ باللُّغَةِ الأصليَّةِ أنَّ صَيَّادي السمك هؤُلاء إرتَعَدُوا خوفاً عندما رأوا يسُوعَ يمشي على الماءِ في وسطِ تلكَ العاصِفَة الرَّهيبة.) فللوَقْتِ كَلَّمَهُم يسوعُ قائلاً تَشَجَّعُوا. أنا هُوَ. لا تخافوا."

فأجابَهُ بُطْرُسُ وقالَ يا سَيِّدُ إِنْ كُنتَ أنتَ هو فَمُرْنِي أَنْ آتِي إِلَيكَ على الماءِ. فقالَ تعالْ. فنزلَ بطرسُ من السفينةِ ومشى على الماءِ ليأتيَ الى يسوعَ. ولكنْ لمّا رأى الريحَ شديدةً خافَ وإذِ ابْتَدَأَ يغرقُ صرخَ قائلاً يا ربُّ نَجِّني. ففي الحالِ مَدَّ يسوعُ يَدَهُ وأمسَكَ بِهِ وقالَ له يا قليلَ الإيمانِ لماذا شككتَ. ولمّا دخلا السفينةَ سكنتِ الريحُ".

ثمّة أوقاتٌ في خدمتِنا ومُهِمَّتِنا كمُرسَلِين، يدعونا فيها يسوع "للسير على المياه". فعندما يدعوكم الى السَّيرِ على الماء – أي إلى عملِ المُستَحيل- تأكّدوا أوَّلاً أنَّهُ الربّ، وثانِيَاً أنَّهُ هو الذي يدعوكم لتَسيرُوا على الماء. لأنّكم سوف تَبتَلِعُون الكثيرَ من المياه إن لم تتأكَّدُوا من تطبيقِ هذين الشَّرطَين.

لكن ثمّةَ أمرٌ ثالثٌ تعلَّمَهُ بطرس في ما يتعلّق بالسير على المياه. كان عليه أن يُثَبِّتَ نظَرَهُ على الربّ. نقرَأُ أنَّ هذا ما فعلَهُ بُطرُس عندما رأى الرِّيح. بالواقِع، بطرُس لم يَرَ الرِّيح، وهكذا هي الحالُ معنا، عندما نُحَوِّلُ أنظارَنا عن يَسُوع، فنُصبِحُ نرى أمُوراً ليسَت مَوجُودَةً هُناكَ. ونبدَأُ بإفتِراضِ المشاكِل والعقبات في الحياة. بُطرُس رأى الأمواج في البَحرِ الهائِج. وعندما صرخ للرَّبِّ ليُنَجِّيَهُ، للحال، مدّ يسوعُ يدَهُ وأمسكَ بِهِ، ومنحه لقباً. كانَ قد سبقَ ومنحَهُ سابِقاً لَقَبَ "بطرس". كانَ إسمُهُ سِمعان عندما إلتَقى بيسُوع، فدعاهُ يسُوعُ "بُطرُس." كانَ بطرُس مُتَقَلقِلاً عندما إلتَقى بيسُوع، ولكنَّ يسُوعَ دعاهُ "بُطرُس" ("صَخرَة") لِمُدَّةِ ثلاثِ سَنواتٍ، قبلَ أن يُصبِحَ صَخرَة. هُنا أعطاهُ لَقَباً آخَر: "يا قليلَ الإيمان". أعتَقِدُ أنَّ يسُوعَ كانَ لديهِ حسٌّ فُكاهِيٌّ قَوِيٌّ، وأنَّهُ كانَ يبتَسِمُ عندما أعطى لِبُطرُس هذه الألقاب.

عندما سألَ يسُوعُ بطرُسَ باليُونانِيَّة "لماذا شَكَكْتَ؟" كانت تعني هذه الكلمات حرفِيَّاً، "لماذا فكّرتَ مرّتينِ يا بطرس؟". التطبيقُ الشخصيُّ هُوَ أنَّكَ عندما تعلَمُ أنَّهُ الرَّبّ، وأنَّهُ يدعُوكَ لتَمشِيَ على الماء – أي لتَعمَلَ ما تَظنُّهُ أنتَ والآخرُونَ مُستَحيلاً، إيَّاكَ أن تفكّرَ مَرَّتين. بَل سِرْ على الماءِ معَ يسُوع. عندما أمسكَ يسُوعُ بيَدِ بطرُس وقالَ، "يا قَليلَ الإيمان. لماذا فكَّرتَ مرَّتَين." أعتَقِدُ أنَّهُ كانَ يبتَسِمُ  ويقصُدُ القَولَ لِبُطرُس، "لقد نجحتَ تقريباً، فلماذا فكَّرتَ مرَّتَين وتردَّدتَ؟"

كيف تَظُنُّونَ أنَّ يسُوعَ وبُطرُسَ رَجَعا الى السفينة؟ هل تظنّون أنّ يسوع حمل بطرس كالطفل، أو تعتقدون أنّ بطرس مشى على الماءِ مع يسوع حتّى بلغا السفينة؟ إنّه أمرٌ مثيرٌ للإهتمام. لكنّها قصّةٌ تتخطّى المعجزة العظيمة. أنا أوافق معَ آباءِ الكنيسَةِ القُدامى، عندما يعتَبِرُونَ هذه القصَّة عن العاصِفة بمثابة صورة مجازيّة عن المُرْسَلِين. فبالنسبَةِ لأولئكَ الآباء، هذه القصّة كانت صورةً مجازيّةً تُظهِرُ تحدِّياتِ الإيمان لأُولئكَ الذين "يمشُونَ على الماءِ" معَ يسُوع، خلالَ طاعَتِهِم للمَأمُوريَّةِ العُظمَى.

أحدُ قادَةِ الإرسالِيَّاتِ دعا مُعجِزَةَ إشباعِ يسُوع للخمسة آلاف عائِلة الجائعة بطريقَةٍ عجائِبيَّة، دعاها، "صُورَةً مجازِيَّةً عن الرؤيا الإرساليَّة التي وضعها يسوع للعالم". إنّ الجمع الجائع يمثّل العالم وكلّ حاجاته. فأخذ يسوع غداء الولد الصغير وكسره وباركه. ثمّ مرّره الى التلاميذ الذين بدورهم وزّعوه على الجمع. إذا شَملنا النِّساءَ والأطفالَ، نجدُ أن يسُوعَ أطعم عشرين ألف شخصٍ بواسطة غداءِ الصَّبي الصغير، الذي كانَ مُؤلَّفاً من خمسةِ أرغفةٍ صَغيرَةٍ وسمَكَتَي سَردين.

بعد إطعام الخمسةِ آلاف شخصٍ، ذهب يسوع الى الجبل وصلّى حتّى الساعة الرابعة فجراً. لكن من أجل ماذا صلّى؟ أظنّ أنّه صلّى من أجل العالم المُمَثَّلِ بالجُموع التي أشبَعَها لتَوِّهِ بمُعجِزَةٍ عظيمة. وأَعتَقِدُ أنّه صلّى أيضاً من أجل أولئكَ الإثني عشَر الذين كانوا يقاومون تلك العاصفة. أنا مُقتَنِعٌ بهذا، لأنّ استراتيجيَّتَهُ ورُؤيتَهُ الإرساليَّة كانت إعطاء كُلِّ شيءٍ يملكه لهذا العالم المُحتاج، من خلال تلاميذه الإثنَي عشَر.

مُلَخَّص
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7475