الفَصلُ الثَّالِث "وصفَةٌ للإكتِئاب"
بَينما نقرَأُ في الكتابِ المُقدَّس، نُلاحِظُ في الإصحاحِ الرَّابِعِ من السفرِ الأوَّل من أسفارِ الكتاب، أن قايِين، الذي كانَ أوَّلَ إنسانٍ يُولَدُ بطريقَةٍ طبيعيَّة، قد سُئِلَ سُؤالاً، "لماذا أنتَ مُكتَئِبٌ أو مُغتاظٌ؟" (تكوين 4: 6) وإذ نُتابِعُ القِراءَة، نَجِدُ أنَّ مُوسى مُكتَئِبٌ لِدَرَجَةِ أنَّهُ طلبَ أن يَمُوت (عدد 11: 15). وفيما بعد، نقرَأُ أنَّ النَّبِيَّ العَظيمَ إيليَّا جلسَ مُكتَئِباً تحتَ شَجَرَةِ عَرعَر، وصارَ يُصَلِّي طالِباً المَوت (1مُلُوك 19: 4). وإذا تابَعنا قراءَتَنا، نَلتَقي فيما بعد بأيُّوب الذي كانَ مُكتَئِباً جداً، نتيجَةً للحُزنِ والألم اللذين أَلَمَّا بهِ. نجدُهُ أيضاً يطلُبُ من اللهِ أن يأخُذَ حياتَهُ (أيُّوب 3: 11- 13). نقرَأُ أنَّ النَّبِِيَّ الشُّجاعَ يُونان صلَّى هذه الصلاة نفسَها (يُونان 4: 3).
كمُؤمِنٍ، إن كُنتَ تختَبِرُ الإكتِئاب، تأكَّدْ أنَّ هُناكَ الكثيرينَ من أبطالِ الإيمانِ كانُوا مِثلَكَ. فمُوسى، إيليَّا، أيُّوب، ويُونان هُم أبطالُ الإيمانِ في العهدِ القَديم، ورُغمَ ذلكَ إختَبَرُوا الإكتِئاب. فلا حاجَةَ للشُّعورِ بالخَجَلِ، ولا أن تعزُلَ نفسَكَ ولا أن تُخفِيَ مُشكِلَتَكَ عن باقِي المُؤمنين، لأنَّكَ تَظُنُّ أنَّ إكتئابَكَ يعني أنَّ لديكَ إيماناً ضعيفاً، أو قليلاً، أو ليسَ لديكَ إيمانٌ على الإطلاق. حتَّى رَبَّنا ومُخَلِّصَنا صلَّى قائِلاً: "نفسي حزينَةٌ جداً حتَّى المَوت." (مَرقُس 14: 34). صَلَّى يسُوعُ هذه الصَّلاة التي صلاها رجالاتُ اللهِ العِظام الذين أشرتُ لهُم سابِقاً.
عندما نقرَأُ المزامِير، نسمَعُ المُرنِّمَ القَديم يسألُ نفسَهُ هذا السؤال، "لماذا أنتِ مُنحَنِيَةٌ يا نَفسي، ولماذا تَئِنِّينَ فِيَّ؟" (مزمُور 42: 5، 11؛ 43: 5) بِكَلِماتٍ أُخرى، "أنا مُكتَئِبٌ، ولكن لماذا؟" الإكتِئابُ هُوَ مُشكِلَةٌ قديمَةٌ، عُمرُها من عُمرِ الكتابِ المُقدَّس. ولن نستطيعَ أن نجدَ حلاً لمُشكِلَةِ الإكتِئابِ في دقائِقَ معدُودة، ولكن بإمكانِنا أن نُرَكِّزَ على وصفَةِ اللهِ للإكتِئاب. وبينما نُركِّزُ على وصفَةٍ للإكتِئاب، من الواضِحِ أنَّ أوَّلَ شَيءٍ ينبَغي أن نُركِّزَ عليهِ هُوَ سببُ الإكتِئاب.
إنَّ مصدَرَ هذه المُشكِلَة يُمكِنُ أن يكُونَ جسديَّاً، كيميائِيَّاً، أو بيُولُوجِيَّاً، ويُمكِنُ أن يكُونَ هُناكَ حَلٌّ طِبِّيّ. هُناكَ عِدَّةُ مشاكِل جسديَّة يُمكِنُ أن تُسبِّبَ لنا الإكتِئاب. فالغِدَّةُ الدَّرَقِيَّةُ مثلاً قد تُسَبِّبُ الإكتئاب. وحرقُ الجسمِ للطَّعامِ، إن كانَ غيرَ مُتوازِنٍ، قد يقُودُ إلى الإكتئابِ وإلى إضطراباتٍ عاطِفِيَّةٍ حادَّة. وإن كانَت لديكَ مُشكِلَةُ السُّكر، فإنَّ المشروباتِ الرُّوحِيَّةَ قد تُسبِّبُ كَبتاً أو إكتِئاباً، وهكذا قد تُصابُ بالإكتئابِ لكَونِكَ تتعاطَىَ المَشروباتِ الرُّوحِيَّة. كما وأنَّ بعضَ العوارِضِ الجانِبيَّة لتَناوُلِ بعضِ الأدوِيَة قد يُشكِّلُ مصدراً للإكتئابِ.
من الفظَاظَةِ أن نَقُولَ لمُؤمِنٍ مُكتَئِبٍ أن يَقرَأَ كتابَهُ المُقدَّس ويُصَلِّي، عندما يكُونُ مَصدَرُ إكتئابِهِ الغدَّة الدَّرَقِيَّة مثلاً. فإن كُنتَ مُكتَئِباً، حتَّى قبلَ أن تذهَبَ لترى راعِي كنيستِكَ، إستَشِرْ طبيبَكَ أوَّلاً. دائماً تحقَّقْ من وضعكَ الجسديّ في الحياةِ أوَّلاً. فإن كانَ سببُ إكتئابِكَ مُشكِلَةً جسديَّةً، فإنَّ هذا سيتطلَّبُ حلاً طِبِّيَّاً. وغالِباً لا تَجِدُ الحَلَّ لمُشكِلَةٍ جسديَّةٍ في الكتابِ المُقدَّس، أو في الصلاةِ، أو في الصوم.
مصدَرٌ آخَر للإكتِئاب قد يكُونُ نَفسِيَّاً. تعني كلمة "نفسيّ" دراسة النَّفس أو العقل. عندما أقُولُ أنَّ مصدرَ الإكتئابِ قد يكُونُ نفسيَّاً، أقصُدُ أنَّ مصدرَ الإكتتئابِ قد يكُونُ كامِناً في عُقُولِنا.
هل تَظُنُّ أنَّ الأشخاصَ الذين يتحدَّثُونَ معَ نُفُوسِهم هُم مجانِين؟ قالَ صَديقٌ لي ذاتَ يومٍ أنَّهُ يتكلَّمُ معَ نفسِهِ، لأنَّ هذه فُرصَتَهُ الوحيدة ليتكلَّمَ معَ شخصٍ ذَكيٍّ، وعن شخصٍ ذَكِيّ. بالحقيقة، جميعُنا نتكلَّمُ معَ نُفُوسِنا طوالَ الوقت. وعندما نتكلَّمُ معَ نُفُوسِنا، تتكلَّمُ نُفُوسُنا معنا. عندما نتكلَّمُ معَ نُفُوسِنا، غالِباً ما نُكرِّرُ أفكاراً تَصِفُ التي نُظُنُّ أنَّنا نحنُ إيَّاها. أحياناً، نَظُنُّ أفكاراً رَديئَةً عن نُفُوسِنا.
عندما نقُولُ أشياءَ رَديئَةً عن نُفُوسِنا، فإنَّ هذه التصريحات قد تُؤثِّرُ على ذهنِنا بطريقَةٍ سَلبِيَّةٍ. سَمِعتُ أشخاصاً يقوُلونَ أشياءَ رَديئة عن أنفُسِهم لسنواتٍ طَويلة. عندما يأتي إليَّ النَّاسُ ليلتَقُوا بي، في كُلِّ مرَّةٍ نلتَقي فيها، يقُولُونَ إثنتَي عشرَةَ مرَّةً على الأقَلّ "أنا شخصٌ رَديءٌ." ولقد إستمرَّ هؤُلاء بقَولِ هكذا أُمُورٍ لأنفُسِهم لمُدَّةِ سنواتٍ طِوال. فإذا قُلتَ لِنفسِكَ أنَّكَ شخصٌ رَديءٌ، وكرَّرتَ هذا القول لنفسِكَ مئات المرَّات أُسبُوعِيَّاً، ألا تَظُنُّ أنَّ هذا سيُؤثِّرُ على نظرتِكَ نحوَ نفسِكَ؟ فإذا إستمرَّيتَ بقولِ هذه التصريحاتِ الرَّديئة عن نفسِكَ لسنواتٍ طَويلة، ولآلافِ المرَّات، لا عجبَ أنَّكَ ستشعُرُ بِكَونِكَ رديئاً بالفِعل.
كانَ هُناكَ مُزارِعٌ عجُوزٌ، وغالِباً ما كانَ يأتي لِزِيارَتي بسبب كونِهِ مُكتَئِباً. وكانَ يُكرِّرُ القَولَ عن نفسِهِ، "أنا أسوأُ من كَلب." كانَ يُكرِّرُ هذا القول عن نفسِهِ على الأقل عشر أو إثنتا عشرَةَ مرَّةً عندما كانَ يأتي لِزيارَتي. "أنا أسوأُ من كَلبٍ." إن كانَ هذا ما ستقُولُهُ عن نفسِكَ، فهل من العجبِ أن تبدَأَ بالشُّعورِ أنَّكَ فعلاً أسوأ من كَلب؟
هل تعرِفُ أنَّ كُلَّ فِكرَةٍ تُفَكِّرُ بها، تتسجَّلُ في خَزَّانِ ذاكِرَتِكَ وتبقَى هُناكَ إلى الأبد، وأنَّنا جميعاً لدَينا ذاكِرَة كامِلة؟ ولكنَّ قُدرَتَنا على إسترجاعِ الذكريات من خَزَّانِ ذاكِرَتِنا تختَلِفُ كثيراً من شخصٍ إلى آخر، ولكنَّنا في الواقِع لا ننسى أيَّ شَيء. وتحتَ تأثيرِ بعضِ العقاقِير أو المُخدِّرات، بإمكانِنا أن نستَرجِعَ أفكاراً خزَّنَّاها في أذهانِنا. فإن كُنتَ قد خَزَّنتَ أفكاراً سَلبِيَّةً في عقلِكَ اللاواعِي، آلاف وآلاف المرَّات، فإنَّ هذه الأفكار السَّلبِيَّة هي مثل شَريط مُسَجَّل يُعيدُ تكرارَ التصريحات الباطِلَة الكامِنة في عقلِكَ اللاواعي: "أنا لا منفَعَةَ منِّي، أنا لا منفَعَةَ منِّي."
ثُمَّ تبدَأُ تلكَ المُسجِّلَةُ بإسماعِكَ ذلكَ الشريط السَّلبِيّ المُسجَّل في عقلِكَ الواعِي. قد يَقُودُ هذا إلى ما يُسمَّى بالإكتِئاب. فالتصاريحُ التي تقُولُ فيها عن نفسِكَ أنَّكَ بلا منفَعَة، سوفَ تقُودُكُ عاجِلاً إلى التصريحاتِ اليائِسة التالية: "أنا لا أنفَعُ لِشَيء. ولم يحدُثْ أيُّ شيءٍ نافِعٍ لي، ولن يحدُثَ لي أيُّ شَيءٍ نافِعٍ في المُستَقبَل. فحياتي هي يائِسةٌ بل أمَل." فكما ترى، إن قامت "نفسُكَ" بالتصريحِ بأُمُورٍ مُماثِلَة لنفسِكَ عبرَ السنين، فهل سيكُونُ من المُستَغرَبِ أن تشعُرَ بالإكتِئاب؟
إسألْ نفسَكَ، "ما هُوَ أساسُ إكتئابِي؟" هُناكَ حقيقَةٌ تكمُنُ في القَولِ القَديم، "أنتَ ما تأكُلُ." فإن كانت لدَيكَ عادَاتُ أكلٍ سَيِّئة، سوفَ تتعرَّضُ للسُّمنَةِ أو للمَرَض. وإن لم تَكُن لديكَ عاداتُ تفكيرٍ سَليمة، فسوفَ تُصبِحُ شخصاً مُكتَئِباً. هذا ما يكُونُ أحياناً المصدر النَّفسِيّ للإكتِئاب. بعضُ أنواع الإكتِئاب قد يكُونُ بِبَساطَةٍ تراكُمٌ لعاداتِ تفكيرٍ غير مُنضَبِطَة.
قالَ يسُوعُ، "سِراجُ الجَسد هُوَ العَين." ولقد قَصَدَ بالعَين النظرة الخارِجيَّة، أو الطريقة التي ترى بها الأُمُور. لأنَّهُ تابَعَ ليَقُول، "إن كانت عينُكَ بَسيطَةً (أو سَليمَةً)، فإنَّ جسدَكَ كُلَّهُ سيكُونُ مملووءاً بالنُّور، ولكن إن كانَت عينُكَ شِرِّيرَةً (أي ناقِصَةً أو غيرَ كامِلَة)، أي إن كانت الطريقة التي بها ترى الأُمُور ناقِصَةً أو شِرِّيرَةً أو سَلبِيَّةً، فإنَّ جَسَدَكَ كُلَّهُ سيكُونُ مملووءاً بالظُّلمَة. وإن كانَ النُّورُ الذي فيكَ ظلاماً، فالظلامُ كم يَكُون؟" (متَّى 6: 22، 23) يا لِهذا الوصف الدَّقيق لما نَظُنُّ أنَّهُ مرض الإكتِئاب.
لاحِظُوا الحكمة المُوحاة التي يُقدِّمُها الرَّسُول بُولُس عندما يُعطِينا وصفةً للتفكِيرِ السَّليم. فهُوَ يُخبِرُنا أن نُفَكِّرَ بكُلِّ ما هُوَ حَقٌّ، كُلّ ما هُوَ جَليل، كُلّ ما هُوَ عادِل، كُلّ ما هُو طاهِر، كُلَّ ما هُوَ مُسِرّ، كُلَّ ما صيتُهُ حَسَن. وهُوَ ينصَحُنا أيضاً بأن لا نُفكِّرَ بكُلِّ ما هُوَ غير حَقّ وغير جَليل وغير عادِل وغير طاهِر وغير مُسِرّ (فيلبِّي 4: 8). فَكِّرْ بآلافِ الأفكارِ السَّلبِيَّة التي لن تَكُونَ في ذاكِراتِنا لو أنَّنا إتَّبَعنا وصفاتِ يسُوع وبُولُس هذه لِعاداتِ التفكيرِ السَّليم.
لكنَّني أُكَرِّرُ أنَّ سَبَبَ إكتِئابِنا قد يكُونُ جَسَدِيَّاً، كيميائِيَّاً، أو من الأعراضِ الجانِبيَّة لبضعِ العقاقير، أو تقصيرٌ في حرقِ أو إستهلاكِ الجسمِ للطعام، أو أيَّة مُشكِلَةٍ جسديَّةٍ أُخرى. ومن القسوَةِ أن نَقُولَ لمُؤمِنٍ مُكتَئِبٍ أنَّ إكتئابَهُ نَفسِيٌّ أو رُوحِيٌّ، عندما يكُونُ لدَيهِ مُشكِلَةٌ تُمكِنُ مُعالَجتُها من قِبَلِ طبيبٍ.
ولكن بالطَّبعِ، هُناك عدَّةُ مرَّاتٍ يكُونُ فيها سببُ إكتئابِنا رُوحِيَّاً. فإن كُنتَ لا تفهَمُ الإنجيل، وإن كُنتَ لم تسمَعْ بهِ قبلاً، لن أتعجَّبَ من كَونِكَ مُكتَئِباً. فإحدى أسباب الإكتِئاب الرَّئيسيَّة يُمكِنُ أن يكُونَ الشُّعُورُ بالذَّنب. فليسَ هُناكَ أيُّ حلٍّ آخر لمُشكِلَةِ الشُّعُورِ بالذَّنبِ إلا إنجيل المسيح. وحدَهُ إنجيلُ المسيح هُوَ حَلُّ مُشكِلَةِ شُعُورِنا بالذَّنب.
في المَزمُور 51، صَلَّى داوُد صلاةَ إعتِرافٍ وتوبَةٍ. في هذه الصلاة، قدَّمَ داوُد هذا التوسُّل العميق: "أُمحُ معَاصِيَّ." هذه الكلمات العِبريَّة يصعُبُ ترجَمَتُها. وأفضَلُ تفسيرٍ سيكُونُ، "إلغِ خَطِيَّتي،" أي "أزِلْها، إجعَلْها وكَأَنَّها لم تحدُثْ أصلاً."
من المُثيرِ أن نرى كيفَ أنَّهُ كانت لدى داوُد تلكَ البَصيرَة النَّبَويَّة ليَرَى أنَّ هذا بالتحديد ما خطَّطَ لهُ اللهُ. ففي الرِّسالَةِ إلى أهلِ رُومية، إستخدمَ الرَّسُول بُولُس كلِمَةً، كانَ داوُد قدِ إستخدَمَها أيضاً في مزمُورِ التوبَة (مزمُور 51: 4). هذه الكلمة هي "مُبَرَّرٌ،" والتي تعني "وكأنَّني لم أُخطِئْ أصلاً." فاللهُ قادِرٌ أن يجعلَ خطيَّتَنا وكأنَّنا لم نقتَرِفْها أصلاً. بإمكانِهِ أن يمحُوَها وكأنَّها لم تحدُثْ أصلاً. بإمكانِهِ أن يُلغِيَ خطيَّتَنا، وأن يستجيبَ لِتَضرُّعِ داوُد "إمحُ معاصِيَّ."
إنَّ أخبارَ الإنجيلِ السَّارَّة هي أنَّ يسُوع لم يأتِ لأجلِ الصَّالِحِين؛ بل جاءَ من أجلِ الخُطاة. وهُوَ لم يَمُتْ من أجلِ الأبرار؛ بل ماتَ من أجلِ الخُطاة. "لا يحتاجُ الأصِحَّاءُ إلى طَبيب، بل المَرضَى." (متَّى 9: 12) فإن كُنتَ شَخصاً شِرِّيراً، فالإنجيلُ مُوجَّهٌ لأمثالِكَ. وحياةُ وخدمَةُ يسُوع بجُملتِها عاشَها يسُوعُ واضِعاً خلاصَكَ هدفَاً لحياتِهِ وخدمتِه.
أتعجَّبُ من عددِ الأشخاص الذين آمنُوا بالإنجيلِ لِسنواتٍ، ورُغمَ ذلكَ، عندما يُصابُونَ بالإكتِئاب، ويتدخَّلُ الرَّاعي، للبَحثِ عن مصدَرِ إكتِئابِهم، رُغمَ ذلكَ تكُونُ هُناكَ خَطِيَّةٌ ما تَقُضُّ مضجَعَهُم، ويعتَقِدُونَ أنَّ اللهَ لن يغفِرَها لهم. وهُم يَظُنُّونَ أنَّ اللهَ لم يسمَعْ أبداً بخَطِيَّتِهم المُمَيَّزة. مهما كانت خَطِيَّتُكَ، فاللهُ غفرَ هذه الخَطيَّة آلاف المَرَّات.
الخَطِيَّةُ الوَحيدَةُ التي لن يَغفِرَها اللهُ، هي خَطِيَّةُ عدَمِ الإيمان. فإن كانَ منبَعُ إكتئابِكَ رُوحِيَّاً، لأنَّكَ مغمُورٌ بالشُّعُورِ بالذَّنبِ، وإن كُنتَ تُؤمِنُ بالإنجيل، فإنَّ هذا سيُحَرِّرُكَ من مُشِكِلَةِ إكتِئابِكَ. وإن كانَ الشَّيطانُ قد أقنَعَكَ أنَّكَ إقتَرَفتَ خَطيئَةً لا تُغتَفَر، أو خَطيئةً رَهيبَةً لا يغفِرُها حتَّى الله نفسُه، إغلِبْ الشيطانَ بِقُبُولِكَ عَطِيَّةَ الإيمان، وآمِنْ بالإنجيل.
هُناكَ بعضُ الوصفات الأكثر قُوَّةً، المَذكُورة في كلمةِ اللهِ، عندما يكُونُ مصدَرُ الإكتِئابِ في مجالِ الحربِ الرُّوحِيَّةِ. علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نُصَلِّي كُلَّ يَومٍ، "نَجِّنا من الشِّرِّير." (متَّى 6: 13) أحياناً، ينبَغي أن تُسمَّى المُشكِلَة "ظُلماً أو إضطِّهاداً،" الذي أقصُدُ بهِ أنَّ مصدَرَ إكتئابِنا هُوَ إضطِّهاد عَدُوِّنا، إبليس وشياطينه. عندما قالَ يسُوع، "نفسي حزينَةٌ حتَّى الموت،" كانَ مَصدَرُ هذا الحُزنِ إضطهاداً أو ظُلماً. فالشرِّيرُ لم يُرِدْهُ أن يذهَبَ إلى الصَّليب. فإن كانَ مصدَرُ مُشكِلتِكَ هو الظُّلم أو التسلُّط، فما هي الوصفة؟ إنَّها التحريرُ من خلالِ المسيحِ الحَيّ، والذي علَّمنا يسُوعُ كتلاميذَ أن نُصَلِّيَ من أجلِهِ كُلِّ يَوم.
لنَفتَرِضْ أنَّ هُناكَ أشخاصٌ في مُستَشفىً عقليّ، وأنَّ مُشكِلتَهم هي التسلُّط الرُّوحيّ. فهل سيُشفُونَ لمُجرَّدِ تناوُلِ العقاقِير لأعراضِهم؟ وكيفَ يُمكِنُ أن يختَبِرُوا شفاءً من إكتئابِهم، إن كانَ السَّببُ هُوَ التسلُّط الرُّوحي، وإن كانَ الأشخاصُ الذين يُعالِجُونَهم لا يعتَرِفُونَ حتَّى بحقيقَةِ المُشكِلَة، ولا بالحَلِّ الوحيد لهذه المُشكِلَة؟ هُناكَ أوقاتٌ ينبَغي أن يكُونَ الحَلُّ فيها رُوحِيَّاً، لأنَّ مصدَرَ المُشكِلَة هُوَ رُوحِيٌّ أيضاً.
لاحِظْ كم يتكلَّمُ الكتابُ عن فرحِ الرَّبِّ. فلِماذا يقُولُ نحميا وغيرُهُ من كُتَّابِ العهدِ القديم، "فرَحُ الرَّبِّ هُوَ قُوَّةُ شَعبِهِ؟" إنَّ ثمَرَ الرُّوح هُوَ محبَّة، وماذا بعدَها؟ الفَرَح!
كتَبَ أحدُ الكُتَّابِ المُفضَّلينَ عندي، "الألمُ والمُعاناةُ لا مَفَرَّ منهُما، ولكن بالنسبَةِ للمُؤمن، البُؤسُ هُوَ خيارٌ." فهل تعلمُ لماذا البُؤسُ خيارٌ بالنسبَةِ للمُؤمن؟ لأنَّ المُؤمنَ لديهِ الرُّوحُ القُدُس، وثمَرُ الرُّوح هُوَ فرح. هذا الفَرح سُمِّيَ، "السَّعادة التي ليسَ لها معنى" لأنَّ هذا الفرح هُوَ سعادَةٌ غيرُ مبنِيَّةٍ على أساسِ ما يحدُثُ لنا. فهل يُمكِنُ أن يمنحَنَنا الرُّوحُ القُدُسُ فرحاً، ذلكَ النَّوع من الفَرَح الذي يُمكِنُهُ أن يتغلَّبَ على الإكتِئاب؟
وعظَ إشعياءُ قائِلاً: "إستَبدِلوا الرُّوحَ اليائِسة بِرداءِ تَسبيحٍ." (إشعياء 61: 3) يا لِهذه الفِكرة! فإن كانَ لدَيكَ رُوحاً يائِسَة، وإن كُنتَ مُكتَئِباً، جَرِّبْ هذا. سَبِّحْ اللهَ على أيَّةِ حال. إبدأْ بتسبيحِهِ، حتَّى ولو لم تشعُرْ بالرَّغبَةِ بفعلِ ذلكَ، حتَّى ولو شعرتَ بأنَّ قلبَكَ توقَّفَ عن الحركة، سَبِّحْ الله. أُشجِّعُكَ أن تُجرِّبَ هذا الأمر.
إنَّ الحُلُولَ الرُّوحِيَّةَ والكتِابِيَّةَ التي قدَّمتُها هي الرِّسالَةُ التي كرزَ بها الأنبِياءُ والكَنيسةُ لآلافِ السِّنين. أُذَكِّرُكُم مرَّةً أُخرى بأنَّهُ من القَسوَةِ والفَظاظَةِ بأن نُقدِّمَ وصفَةً رُوحِيَّةً أو نفسِيَّةً أو عاطِفيَّةً لمُشكِلَةِ إكتئابٍ ذات مصدَر جسدي، وتتطلَّبُ بالتَّالي حلاً طبِّيَّاً. ولكن إن كانَ الإكتِئابُ رُوحيَّاً، تأكَّدْ بأنَّ وصفاتِ اللهِ الرُّوحيَّة سوفَ تَعمَلُ دائماً بِنجاحٍ.
- عدد الزيارات: 4472