الفَصلُ السَّابِع "وَصْفَةٌ مِنْ أَجْلِ الطَّبْعِ"
"لقد طلبتُ القوّةَ كي أُتَمِّمَ مُهِمَّتي، لكنّي خُلقتُ ضعيفاً لأتعلّم الطاعة بكلّ تواضعٍ. طلبتُ الصحّة كي أتمكّن من القيام بأمورٍ عظيمةٍ، لكن حصلتُ على العجز كي أقوم بأشياءٍ أفضل. طلبتُ الثراء كي أكون سعيداً، لكن نلتُ الفقر كي أكون حكيماً. طلبتُ القوّة للحصول على تقديرٍ من البشر، لكنّي تلقّيتُ الضعف كي أشعر بالحاجة الى اللهِ. طلبتُ الحصول على كلّ شيءٍ كي أتمتّعَ بالحياة، لكنّي نلتُ الحياة كي أتمتّع بكلّ شيءٍ. لم أحصل على أيّ شيءٍ طلبتُه، بل حصلتُ على كلّ شيءٍ أمِلتُ الحصول عليه. رغماً عنّي، نلتُ الإجابة على الصلوات التي لم أتْلُها، وأنا الآن من بين الرجال المباركينَ بِغِنَىً". كتَبَ جُندِيٌّ هذا المقطع الشِّعري عام 1862.
إحدَى الأسباب التي من أجلِها تكُونُ حياتُنا وصلواتُنا كما يَصِفُها هذا الجُندِيّ، هُوَ لأنَّ اللهَ مُصمِّمٌ بِقُوَّةٍ على إتمامِ هذا الأمر. فهُوَ يُريدُ أن يرى شَخصِيَّةَ إبنِهِ الكامِلَة تنمُو فيكَ عبرَ قُوَّةِ يسُوع المسيح الحَيّ والرُّوح القُدُس. واللهُ سيسمَحُ لأيِّ شَيءٍ بأن يحدُثَ لِكَي يُنَمِّيَ فينا هذا الطَّبع أو هذه الشَّخصِيَّة.
فلنَقرَأ الآن بعضَ الكلمات العَميقة التي نطقَ بها يسُوع، عن كيفيَّةِ تكوين الطِّبعِ أو الشخصِيَّة. بينما تقرأُونَ هذه الكلمات، لاحِظُوا أنَّ يسُوعَ يُبَيِّينُ بِبَساطَةٍ وبطريقَةٍ أُخرى، الوصفَةَ من أجلِ المِحَن التي تأمَّلنا بها في الفَصلِ الأخير: "وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الفَرِّيْسِيُّوْنَ وَقَوْمٌ مِنَ الكَتَبَةِ قَادِمِيْنَ مِنْ أُوْرُشَلِيْمَ. وَلَمَّا رَأَوْا بَعْضَاً مِنْ تَلامِيْذِهِ يَأْكُلُوْنَ خُبْزاً بِأَيْدٍ دَنِسَةٍ أَيْ غَيْرِ مَغْسُوْلَةٍ لامُوْا. لأَنَّ الفَرِّيْسِيِّيْنَ وَكُلَّ اليَهُوْدِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوْا أَيْدِيْهِمْ بِاعْتِنَاْءٍ لا يَأْكُلُوْنَ. مُتَمَسِّكِيْنَ بِتَقْلِيْدِ الشُّيُوْخِ...
"ثُمَّ سَأَلَهُ الفَرِّيْسِيُّوْنَ وَالكَتَبَةُ لِماذا لا يَسْلُكُ تَلامِيْذُكَ حَسَبَ تَقْلِيْدِ الشُّيُوْخِ بَلْ يَأْكُلُوْنَ خُبْزَاً بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُوْلَةٍ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُم حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاْءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ المُرَاْئِيْنَ كَمَا هُوَ مَكْتُوْبٌ. هَذا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِيْ بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيْداً. وَبَاطِلاً يَعْبُدُوْنَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُوْنَ تَعَالِيْمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُوْنَ بِتَقْلِيْدِ النَّاسِ. غَسْلَ الأَبَارِيْقِ وَالكُؤُوْسِ وَأُمُوْرَاً أُخَرَ كَثِيْرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُوْنَ. مُبْطِلِيْنَ كَلامَ اللهِ بِتَقْلِيْدِكُمُ الذي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُوْرَاً كَثِيْرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُوْنَ. (مرقُس 7: 1- 3، 5- 8، 13)
ثُمَّ فسَّرَ يسُوعُ لِلشَّعبِ ما كانَ يَقُولُهُ لِرِجالِ الدِّين: "ثُمَّ دَعَا كُلَّ الجَمْعِ وَقَاْلَ لَهُمُ اسْمَعُوا مِنِّي كُلُّكُمْ وَافْهَمُوا. لَيْسَ شَيءٌ مِنْ خَارِجِ الإِنْسَانِ إِذا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ. لَكِنَّ الأَشْيَاءَ التِي تَخْرُجُ مِنْهُ هِيَ التِي تُنَجِّسُ الإِنْسَاْنَ. إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَاْنِ لِلسَّمَعِ فَلْيَسْمَعْ". (مرقُس 7: 14- 16).
"وَلَمَّا دَخَلَ مِنْ عِنْدِ الجَمْعِ الى البَيْتِ سَأَلَهُ تَلامِيذُهُ عَنِ المَثَلِ. فَقَالَ لَهُم أَفَأَنْتُمْ أَيْضاً هَكَذا غَيْرُ فَاهِمِيْنَ. أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لا يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ. لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ الى قَلْبِهِ بَلْ الى الجَوْفِ ثُمَّ يَخْرُجُ الى الخَلاءِ وَذَلِكَ يُطَهِّرُ كُلَّ الأَطْعِمَةِ. ثُمَّ قَالَ إِنَّ الذي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشَّرِيْرَةُ زِنًى فِسْقٌ قَتْلٌ سَرِقَةٌ طَمَعٌ خُبْثٌ مَكْرٌ عَهارَةٌ عَيْنٌ شِرِّيْرَةٌ تَجْدِيْفٌ كِبْرِيَاءُ جَهْلٌ. جَمِيْعُ هَذِهِ الشُّرُوْرِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ". (مرقُس 7: 17- 23)
عندما تكلَّمَ يسُوعُ بِهَذِهِ الكَلِمات، والتي كانت مُوَجَّهَةً إلى رجالِ الدِّين اليهود، كانَ يُقارِنُ بينَ كلمة الله المُوحى بها وَبَينَ "تَقاليدِهم." لقد كانَ يُواجِهُ هؤُلاء القادَة الدِّينيِّين عندما قالَ: "مُبْطِلِيْنَ كَلامَ اللهِ بِتَقْلِيْدِكُمُ الذي سَلَّمْتُمُوهُ".
يُقَدِّمُ يسوعُ هذا التحدّي بوضوحٍ كبيرٍ عندما يَصِلُ الى جوهر تعليمه حول كيفيَّةِ تكَوُّنِ الطبع. فبالنسبَةِ ليسُوع، يتحدَّدُ الطبعُ إمّا نتيجَةً لوصايا الناس أو لوصايا اللهِ. وبالطبعِ، إنَّ أعظمَ تعريفٍ للطبعِ أو لِلشَّخصِيَّة، سبقَ وعَرَفَهُ العالم، هو يسُوع المسيح. لهذا السبب لم يظهر فجأةً ليومٍ واحدٍ ومات من أجل خطايانا. كانَ بإمكانِهِ أن يعمَلَ ذلكَ في بعدِ ظُهرٍ يومٍ واحِد. ولكنَّهُ عاش على الأرض ثلاثةً وثلاثين عاماً لأنّه أراد أن يُظْهِرَ لنا طبعَ اللهِ وإرادته في ما يتعلّق بكيفيّة عيش الإنسان.
فكيف يتَكَوَّنُ ويتطوّر الطبع؟ لاحظوا أنَّ يسُوعَ يُقدِّمُ على الأقلّ بُعدينِ أو عاملينِ لتَحدِيدِ الطبع أو الشخصيَّة. ثمّة بُعدٌ أو عاملٌ يؤثّر على الإنسان من الدَّاخِلِ إلى الخارِج، وعامِلٌ آخر يُؤثِّرُ على الإنسان من الخارج الى الداخل، يُساهِمانِ في تَكوينِ الشخصيَّة. لقد شدَّدَ يسُوعُ على البُعدِ الأوَّل، أمَّا رِجالُ الدّين فكانُوا يُشَدِّدُونَ على البُعدِ الثَّانِي. اليوم، نُسمِّي البُعد أو العامِل الثَّاني "بالبِيئة." هُناكَ الكَثيرُ من عُلماءِ الإجتِماعِ والمُرشِدينَ الإجتِماعِيِّين الذين لديهم قناعَةٌ راسِخَةٌ بأنَّ تغييرَ البِيئة يُغَيِّرُ الشخصيَّةَ والطَّبع.
فلماذا عندما تُعَرِّضُ شَخصَين للبِيئةِ نفسِها، مثل الحياة العائِليَّة، أو الثَّقافة، أو الفقر والغنى، لماذا تنالُ تجاوُبَين مُختَلِفَينِ تماماً من ناحِيَة ردَّتَي الفِعل من الداخِلِ إلى الخارج؟ يُمكِنُ أن نَرى أنَّ الفَقرَ يُؤدِّي إلى تصرُّفٍ إجرامِيّ، وَلَكِنَّ الفقرَ أدَّى أيضاً إلى تكوينِ أعظَمِ الشخصِيَّات التي عرفَها العالم. فما هُوَ ذاكَ الشيء الذي يكمُنُ في داخِلِ الكائنِ البَشَريّ، والذي يصنَعُ الفَرقَ في طريقَةِ التجاوُبِ معَ بيئَةِ هذا الكائن البَشَريّ؟ قالَ يسُوع، "هذا هُوَ البُعدُ الحَيَوِيُّ من بناءِ الشخصيَّةِ أو الطبع." ثمّة تأثيرٌ من الخارج الى الداخل وهو مهمٌّ جدّاً. لا تقلّلوا من شأنه. لكنّ التأثير الحيوي ليس العامل الذي يؤثّر على الإنسان من الخارج الى الداخل، إنّما هو الردّ الذي يخرج من داخل الإنسان الى الخارج على التأثيرات الخارجيّة. هذا هُوَ البُعد الذي يَبني الشخصيَّة.
ما هُوَ الذي يُمَكِّنُنا بأن يكُونَ لدينا التجاوُب السليم من الدَّاخِلِ إلى الخارِج تجاهَ كُلِّ التأثيراتِ من الخارِجِ إلى الدَّاخِل؟ إنَّ التَّجاوُبَ الصَّحيح من الدَّاخِلِ إلى الخارِج على التأثيراتِ من الخارِجِ إلى الدَّاخل، والتي تُؤثِّرُ على حياتِنا، يتطلَّبُ مُعجِزَةً في قُلُوبِنا، بحسَبِ تعليمِ يسُوع وبِحَسَبِ تعليمِ الكتاب المُقدَّس بأكمَلِه.
نجدُ كلمة "قَلب" أكثَر من ألف مرَّة في الكتابِ المُقدَّس. وعندما يُشيرُ الكتابُ المُقدٍَّسُ إلى القَلب، يعني بهِ العقل، الإرادة، الدوافِع، والعواطِف التي تُحرِّكُ الكثير من طُمُوحاتِنا، قراراتِنا، وخياراتِنا. تأمَّلُوا بهذه الأعداد التي تتكلَّمُ عن القَلب في الكتابِ المُقدَّس: "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَاْرِجَ الحَيَاةِ... الإِنْسَاْنُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاحَ. وَالإِنْسَاْنُ الشِّرِّيْرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيْرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ القَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ... خَبَّأْتُ كَلامَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْ لا أُخْطِئَ إِلَيْكَ... لَكِنْ مَاذَا يَقُوْلُ. الكَلِمَةُ قَرِيْبَةٌ مِنْكَ فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ أَيْ كَلِمَةُ الإِيْمَانِ التِي نَكْرِزُ بِها. لأََنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلُصْتَ. لأَنَّ القَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاصِ". (أمثال 4: 23؛ متَّى 12: 34؛ لُوقا 6: 45؛ مَزمُور 119: 11؛ رُومية 10: 8- 10).
عندما يُشيرُ الكتابُ المُقدَّسُ إلى القَلب، يقصُدُ بهُِ بشكلٍ أساسِيٍّ ما يُسمِّيهِ بُولُس "الإنسان الدَّاخِلِيّ." فبِحَسَبِ يسُوع وبُولُس، لدى كُلِّ واحِدٍ منَّا إنسانٌ داخِليٌّ وإنسانٌ خارِجيّ. وفي إنسانِنا الدَّاخِلي نُقَرِّرُ كيفَ سنتجاوَبُ معَ كُلِّ التأثِيراتِ التي تُؤثِّرُ على حياتِنا. إنَّ جوهَرَ ما قالَهُ يَسُوعُ كانَ: "لا يُوجَدُ شَيءٌ من خارجِ الإنسان، يدخُلُهُ ويُنَجِّسهُ. بل ما يخرُجُ من داخِلِ قَلبِهِ، ذاكَ الذي يُنَجِّسُ الإنسان."
فيسُوعُ هُوَ الذي قال، "لأنَّهُ من فَضلَةِ القَلبِ يتكلَّمُ اللِّسانُ." (متَّى 12: 34). بكلماتٍ أُخرى، يُمكِنُكَ أن تَعرِفَ ماذا يُوجَدُ في قَلبِ الإنسان، من خلالِ ما يَقُولُهُ. فكُلُّ أعمالِ الناس تُحَدَّدُ على أساسِ ما يُوجَدُ في قُلُوبِهم.
في العهدِ القَديم، نسمَعُ أنبِياءَ مثل إرميا، يَعِظُ قائِلاً أنَّ قلبَ الإنسانِ نَجِسٌ، ومُخادِعٌ، واللهُ وحدَهُ يعرِفُ قُلوبَنا. ونسمَعُ داوُد يطلُبُ من الله أن يُرِيَهُ الحَقيقَة عن الناحِيَة الدَّاخِليَّة الدَّفينة في قَلبِهِ. وعندما قامَ اللهُ بتحقيقِ رغبَةِ داوُد، إعتَرَفَ داوُد مصدُوماً أنَّهُ كانَ خاطِئاً عندَما تكَوَّنَ في بَطنِ أُمِّهِ، وأنَّهُ كانَ خاطِئاً عندما حُبِلَ بهِ. لهذا نرى اللهَ في العهدِ القَديم يُعطي الناسَ قُلوباً جديدةً، ونسمَعُ داوُد يُصَلِّي طالِباً من اللهِ أن يُحَقِّقَ مُعجِزَةَ خَلقٍ في قَلبِهِ (إرميا 17: 9، 10؛ مَزمُور 51: 5، 6، 10).
بينما تقُومُ بتَربِيَةِ أولادِكَ من الخارِج إلى الدَّاخِل، عليكَ أن تُدرِكَ أنَّكَ إذا كان لديك ثلاثة أولاد، فأنتَ تحتاج الى ثلاث عجائب. وإذا كان لديك ولدان، تحتاج الى عجيبتينِ. والعجيبة أو المعجِزة التي تحتاجُ إليها هي أن يضعَ اللهُ في قُلُوبِهم عَطِيَّةَ الإيمان، وأن يُؤمنُوا بِقُلوبِهم بالإنجيل، ويعتَرِفوا بأفواهِهِم أنَّ يسُوعَ ماتَ وقامَ من الموت من أجلِ خلاصِهم. ينبَغي أن يُولَدُوا من جديد، وينالُوا مُعجِزَةَ الخلق التي صَلَّى داوُد من أجلِها.
إن كُنتُم بِصَدَدِ تربِيةِ أطفالٍ رُوحِيَّاً، تحتاجُون، وينبَغي أن تُصلُّوا، لمُعجِزَةِ أن يُشَكِّلَ اللهُ شَخصِيَّاتِهم الرُّوحِيَّة، بإعطائِهم الديناميكيَّة من الداخِل إلى الخارِج، ليتجاوَبُوا معَ كُلِّ التأثِيرات من الخارِج إلى الدَّاخِل، التي يُواجِهُونَها يوميَّاً. هُنا ينبَغي علينا جميعاً أن نَجِدَ القِيَم، والدِّينامِيكيَّة التي تُشكِّلُ شَخصِيَّاتِنا.
في بِدايَةِ هذا الفَصل، أشرتُ إلى أنَّ تعليمَ يسُوع هذا هُوَ طريقَةٌ أُخرى لإعطاءِ وصفتِهِ للمِحَن. قد تتساءَلُ كيفَ يرتَبِطُ هذان التَّعليمان معاً. يُساوِي الناس عُمُوماً سعادَتَهُم، سلامَهُم الدَّاخِليّ، وصِحَّتُهم بشكلٍ عام، بظُرُوفِ حياتِهم. في هذه الوصفة التي قدَّمها يسُوعُ عنِ الشخصيَّة، يُعَلِّمُ يسُوعُ بالحقيقَةِ تلكَ الصُّورَةَ المَجازِيَّةَ نفسَها، التي بها ختمَ موعظتَهُ على الجَبَل. فعندما رَسَمَ تلكَ الصُّورةَ الواقِعِيَّة للحيَاةِ في المنزِليَن اللَّذَينِ تعرَّضا للعواصِف نفسِها، كانَ يُعلِّمُ أنَّهُ ليست الظُّرُوف الخارِجيَّة ولا الضُّغُوطات من الخارِجِ إلى الدَّاخِل هي التي قرَّرت نوعِيَّةَ كُلٍّ من هذين المَنزِلَين. بل كانَ الأساسُ، أو إنعدامُ الأساسِ، والذي لا يُمكِنُ رُؤيتَهُ، هُوَ الذي شكَّلَ وقرَّرَ نوعِيَّةٍ كُلٍّ من المنزِلَين.
هذا التعليم هُوَ نفسُهُ، ولكن مُعَبَّرٌ عنهُ بطريقَةٍ أُخرى. فكما يرمُزُ المنزِلانِ إلى حياةِ إنسانَينِ، يُواجِهانِ المشاكِل نفسَها من الخارِجِ إلى الداخِل، هكذا ليسَ ما يُواجِهُنا من خلالِ ظُرُوفِنا الخارِجيَّة المُعادِيَة هُوَ الذي يُشَكِّلُ شَخصِيّاتِنا وطِباعِنا. بل عندما نجدُ داخِلَ قُلوبنا ديناميكيَّةَ التَّجاوُبِ معَ هذه الظُّروف الخارجيَّة، هذا هُوَ الأمرُ الذي يُحدِّدُ ويُشَكِّلُ شَخصِيَّاتِنا. بالنسبَةِ ليسُوع، وإرميا، وداوُد، إنَّ قُلُوبَنا هي المكان الذي نجدُ فيهِ أكبَر مشاكِلِنا، ولهذا فنحنُ نحتاجُ لأكبَرِ الحُلُولِ العجائِبيَّة أن تجرِيَ في قُلُوبِنا. لهذا، علينا أن نُوافِقَ مع داود وإرميا عندما يُظهِرانِ لنا مشاكِلَ قُلُوبِنا، ونُصَلِّيَ صلاةَ داوُد لمُعجِزَةِ الخَلقِ في قُلُوبِنا.
علَّمَ يسُوعُ هذه الحقيقَةَ نفسَها عن الطبيعَةِ البَشَريَّةِ، وعن الحَلِّ الوحيد للطبيعَةِ البَشَريَّة، عندما قالَ لنيقُوديمُوس، "المَولُودُ من الجسَدِ جسدٌ هُوَ [ليسَ إلا]، فلا تتعجَّبُوا إن قُلتُ لكُم ينبَغي أن تُولَدُوا من فَوق." عندما يستَخدِمُ الكتابُ المُقدَّسُ كلمة "جَسَد" بهذه الطريقة، يعني "الطبيعة البَشَريَّة، بدُونِ مُساعَدَةِ الله." عندما واجَهَ يسُوعُ رجالَ الدِّين، وعندَما إلتَقى بنِيقُودِيمُوس، علَّمَ بإستمرار أنَّ مُشِلكتَنا الأكبَر هي قَلبُنا، وحَلَّنا الوحيد هُوَ "ينبَغي أن تُولَدُوا من فَوق." إنَّ الولادَةَ الجديد هي وصفة يسُوع للشخصِيَّةِ والمحِنة.
أُشَجِّعُكَ أيُّها القارِئُ العزيز أن تَتَأمّلَ بهذهِ الفُصُولِ الثلاثة الأخيرة، عن وصفاتِ المسيح، التي شاركتُها معَك. فهل سبقَ وقَبِلَت وإتَّخذتَ وصفةَ المسيحِ للخَلاص؟ فلن يكُونَ بإمكانِكَ بتاتاً أن تقبَلَ وتنالَ وصفاتِ المسيح للمِحَنِ ولتكَوينِ الشخصيَّة، إلى أن تُطَبِّقَ وصفتَهُ ووَصِيَّتَه للخلاص. فأُشجِّعُكَ، كَوني خادِماً للمسيح، أن تتَّخِذَ القرارَ الأكثَر أهَمِّيَّةً لكَ في الدُّنيا، وأن تتَّخِذَ الإتِّجاهَ الأعظم في الدُّنيا، وأن تقبَلَ القُوَّة الديناميكيَّة الأعظَم في الدُّنيا. عندها وعندَها فقط سوفَ تستَرجِعُ خُطََّةَ اللهِ لِحَياتِكَ، وسوفَ يكُونُ لكَ الأساس القَلبِي لتصمُدَ أمامَ عواصِفِ الحياة. عندما تتَّخِذُ هذه الخُطوة المَصِيريَّة، أخبِرنا بذلكَ، وسوفَ نُساعِدُكَ على النُّمُوّ في حياتِكَ الجديدة في المسيح.
- عدد الزيارات: 3553