Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل "وصفَةٌ مُختَصَرَةٌ للزَّواج" - مَبدَأٌ حَيَويٌّ في الإرشادِ الزَّوجِي

الصفحة 2 من 2: مَبدَأٌ حَيَويٌّ في الإرشادِ الزَّوجِي

مَبدَأٌ حَيَويٌّ في الإرشادِ الزَّوجِي

هُناكَ مبدَأٌ في الإرشادِ الزَّوجِيّ، مُتَضَمَّنٌ في هذه النَّصيحة المُوحاة التي يُقدِّمُها بُطرُس، وهي أنَّهُ على كُلِّ واحِدٍ أن يقِفَ في مكانِهِ. دَعُوني أَشرَحُ ذلكَ بهذه الطريقة: عندما هزمَ جِدعَون أكثَر من مائتَين وخمسينَ ألفاً من المِديانِيِّين، ولم يكُنْ معَهُ إلاَّ ثلاثمائة رجُل، كانَ مِفتاحُ نصرِهم العجائِبي قد تمَّ وصفُهُ بالقول أنَّ "كُلَّ واحِدٍ من الثلاثمائة رجُل وقَفُوا كُلٌّ في مكانِهِ." (قُضاة 7: 21) هُناكَ مكانٌ  ينبَغي أن يَقِفُ فيهِ كُلٌّ من الزوجِ والزوجَةِ في الزواج. فعندما يَقِفُ كُلٌّ منهُما في المكانِ المُعَيَّنِ لهُما من الله في زواجِهما، سوفَ يتغلَّبانِ بالتأكيد على المشاكل التي تعتَرِضُ سبيلَ زواِجهما.

بعدَ التَّركِيزِ على مُشكِلَةِ كون زَوج المرأة الذي يُخاطِبُهُ بُطرُس لا يَقِفُ في مكانِهِ، يُقدِّمُ بطرُس بضعَ طُرُقٍ تستطيعُ بها المرأَةُ أن تَقِفَ في مكانِها. ينبَغي علَيها أن تكُونَ رُوحِيَّةً، طائِعةً، خاضِعَةً وصامِتَة. وهُوَ يعني بكونِها خاضِعَةً، أن تدعَ زوجَها يرعاها كما يرعى المسيحُ الكَنيسة. ويعني بسُكُوتها أنَّهُ لا ينبَغي عليها أن تدفعَ زوجَها، ولا أن تسحَبَهُ أو تسخَرَ منهُ أو تَعِظَهُ أو تُخجِلَهُ ليَقِفَ في مكانِهِ.

فبُطرُس يَعرِفُ أنَّ هذه الطُّرُق لن تُجدِيَ نفعاً. وَهُوَ يعرِفُ أيضاً أنَّ المَرأة ليسَت مسؤولَةً عن وُقُوفِ زَوجِها في المكانِ المُخصَّصِ لهُ في الزواج. إنَّ ستراتيجيَّةَ نصيحة بطرس المُوحَى بها، هي أنَّهُ إن كانَ أيُّ شَيءٍ سيُحَرِّكُ هذا الزَّوج ليَقِفَ في مكانِهِ، فإنَّ ذلكَ سيكُونُ حياةَ التَّشَبُّهِ بالمسيح التي تسلُكُها زوجتُهُ. فهُوَ ينصَحُ الزَّوجَةَ بأن تقبَلَ المَسؤوليَّةَ المُلقاةَ على عاتِقِها عن الشخص الوحيد الذي تستطيعُ السيطَرَةَ عليهِ، وهي مسؤولَةٌ عنهُ، وهذا الشخص هُوَ هي نفسُها. إنَّ نصيحَةَ بُطرُس الحَكيمة هي أنَّهُ لا يتوجَّبُ على المَرأَةِ أن تتحمَّلَ المسؤوليَّةَ عن زوجِها، وتَتَخلَّى عن المسؤوليَّةِ عن نفسها. عليها أن تكونَ رُوحيَّةً، فتَثِقَ بالرَّبِّ ليُساعِدَها لتَكُونَ كُلَّ ما يُمكِنُها أن تكُونَهُ في المسيح. يُريدُ بطرُس أن يُعِيدَ تركيزَ أولوِيَّاتِها، لتَنتَقِلَ من التركيزِ على زوجِها وأخطائهِ، إلى التركيزِ على نفسِها وكيفَ يُمكِنُها أن تَكُونَ كما يُريدُها اللهُ أن تَكُونَ كزَوجَةٍ وكأُمٍّ مِثالِيَّة.

لَرُبَّما السَّبَبُ الأوَّلُ للخِلافاتِ في زيجاتِنا هي أنَّ الزوجَ يهتَمُّ أكثَر من اللازِم بإخبارِ زوجتِهِ بالأخطاء التي تقتَرِفُها، والزَّوجَةُ تهتَمُّ أكثر من اللازِم بإخبارِ الزوج بالأخطاء التي يقتَرِفُها. فالزَّوجَةُ تُحاوِلُ جرَّ زوجِها أو إستدراجَهُ إلى مكانِهِ، أمَّا هُوَ فلا يُريدُ أن يسمَعَ هذا منها. وبالطبعِ الأمرُ نفسُهُ يحدُثُ من ناحِيَةِ الزوجِ للزَّوجَةِ.

هذه النَّصِيحَةُ الحَكيمَةُ من بُطرُس، مَبنِيَّةٌ على تعليمِ يسُوع (متَّى 7: 1-5). لقد علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أوَّلاً أن نُخرِجَ القَذَى من عينِنا، وعندها قد نُصبِحُ قادِرينَ على مُساعَدَةِ الآخرين بإخراجِ القَذى من عيُونِهم. فيسُوعُ لم يُعَلِّمْ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أبداً أن نحكُمَ على الآخرين. بل كانَ جوهَرُ تعليمِهِ أنَّهُ علينا أن نحكُمَ على أنفُسِنا أوَّلاً.

من المُمكِنِ جدَّاً أن تطلُبَ أنتَ كزَوجٍ نعمَةً من الله لتُحِبَّ زوجَتَكَ وعائِلتَكَ، كما أحَبَّ المسيحُ الكنيسةَ؛ وأن تبذُلَ نفسَكَ لأجلِهم كما بذلَ المسيحُ نفسَهُ لأجلِ الكنيسة؛ وأن تكُونَ لهُم كما هُوَ المسيحُ للكنيسة؛ هذا قد يُحَرِّكُ زوجتَكَ لِتَقِفَ مكانَها.

وإن كُنتِ أنتِ كَزوجَةٍ تقِفينَ في مكانِكِ، فإنَّ هذا قد يُشَجِّعُ زَوجَكِ ليتحمَّلَ مسؤوليَّةَ نفسِهِ، وليَقِفَ في مكانِه. قد لا ينجَحُ هذا الأمرُ دائماً، لأنَّ زوجَكِ لديهِ إرادَة حُرَّة، ولكنَّ هذه الطريقة تنجَحُ أكثَر جداً من محاوَلتِكِ لدفعِ أو جرِّ زوجكِ ليقِفَ مكانَهُ.

بعد أن وجَّهَ الرَّسُول بطرُس ستَّةَ أعدادٍ للزَّوجاتِ، وجَّهَ عدداً واحداً للأزواجِ يقُولُ فيهِ: "كذلِكُم أيُّها الرِّجال كُونُوا ساكِنينَ بِحَسَبِ الفِطنة معَ الإناءِ النِّسائِيّ كالأضعَف مُعطِينَ إيَّاهُنَّ كرامَةً كالوارِثاتِ أيضاً معَكُم نَعمَةَ الحياةِ لكَي لا تُعاقَ صلواتُكُم." (1بُطرُس 3: 7). رُغمَ أنَّ بُطرُس لم يُوجِّهْ إلا عدداً واحداً للأزواج، إلا أنَّهُ يُعطيهِم مُهِمَّةً خاصَّةً ومُمَيَّزة في هذا العدد.

فعندما يقُولُ بطرُس للأزواجِ أن "يكُونُوا ساكِنينَ معَ زَوجاتِهم"، قد تَظُنُّونَ لأوَّلِ وَهلَةٍ أنَّهُ لم يُرِدْ أن يذكُرَ شيئاً صراحَةً، وأنَّ هذا لا يُشكِّلُ جُزءاً مُهِمَّاً من نَصيحتِهِ. ولكنَّ بطرُس يقصُدُ ما هُوَ  أكثَر من مُجرَّدِ أن يسكُنَ الزوجُ معَ زوجَتِهِ. فبعضُ الأزواج يقضُونَ أوقاتاً أقل من السابِق معَ زوجاتِهِم في حياتِهم الزَّوجِيَّة. أعتَقِدُ أنَّ الرَّاعي الشَّيخ بطرُس كانَ لديهِ من الحكمَةِ ما يكفي عندما قدَّمَ النصيحَةَ قائِلاً ما معناهُ، "أسكُنُوا معَهُنَّ، لأنَّكُم لهذا تزوَّجتُم بِهِنَّ."

ثُمَّ يُضيفُ بطرُس إلى هذه النَّصيحَةِ بقَولِهِ،"ساكِنينَ بِحَسَبِ الفِطنة معَ الإناءِ النِّسائِي." أتساءَلُ إلى أيِّ مدىً تعرِفُ زوجَتَكَ أيُّها الزَّوج؟ وإلى أيِّ مدىً تفهَمُ زوجَتَك أيُّها الزوج؟ تقصدُ وصفَةُ بطرُس القَول، "ساكِنينَ بحَسَبِ الفَهم." فهل تفهَمُ زوجَتَكَ؟ وهل تعرِفُ وتفهَمُ المرأةَ التي تعيشُ معها؟ قد لا تَفهَمُ دائماً زوجَتَكَ. وحتَّى هي قد لا تفهَمُ نَفسَها. ولكن بإمكانِنا أن نعرِفَ شريكَةَ حياتِنا، حتى عندما لا نفهَمُها.

ثُمَّ ينصَحُ قائلاً، "مُعطِينَ إيَّاهُنَّ كَرامَةً." أعتَقِدُ أنَّ هذا القَولَ عميقٌ. في بَعضِ الحضارات، يستَغِلُّ الرِّجالُ ضعفَ النِّساءِ جسديَّاً، فيستَخدِمُونَهُنَّ كَعَبيدٍ بدلَ أن يُعامِلُونَهُنَّ بمحبَّةٍ وإحتِرام. فهُنا، ينصَحُ بطرُسُ بفكرَةٍ ثوريَّةٍ اليوم، بقدرِ ما كانَت ثوريَّةً في أيَّامِه. لقد كتبَ يقُولُ ما معناهُ: "لا تَستَغِلُّوا ضَعفَهُنَّ؛ بل بالحَرِيّ أكرِمُوا ضَعفَهُنَّ."

ولكنَّ النساءَ هُنَّ أقوى من الرِّجالِ في عدَّةِ نواحٍ، مثل إحتِمالِ الألَمِ مثلاً. كانت والِدَتي التي أنجَبَت أحدَ عشَرَ طفلاً تقُولُ: "لو كانَت مسؤوليَّةُ إنجابِ الأطفالِ موضُوعَةً على الرِّجال، لما وجدنا أكثَر من ثلاثَة أطفال في كُلِّ عائِلَة." وهكذا ينصَحُ بُولُس قائلاً: "عندما ترى هذهِ الضَّعَفات، أكرِمَها، ولا تستَغِلَّها." أكِّدْ لزَوجَتِكَ أنَّكَ تُريدُ مُساعَدَتَها لِتَتَغلَّبَ على ضعفاتِها التي لاحظتَ وُجُودَها. لِهذا أعطَاها اللهُ زوجاً، لكي يملأُ الفراغَ الذي يُعوِزُهُ قلبُ المرأة.

ثُمَّ نصَحَ بُولُس بأنَّهُ علينا أن نَكُونَ "ورثَةً معاً لنعمَةِ الحياة." يُعتَبَرُ هذا أفصحَ تَعبيرٍ عنِ الزواج في الكتابِ المُقدَّس. فنِعمَةُ الحياة تُشيرُ إلى أنَّ لا أحدَ مِنَّا يستَحِقُّ الحَياة. فالحياةُ التي أخذناها في يومٍ من الأيَّام، أتَتنا نتيجَةً لنعمَةِ الله. فنحنُ لا نستَحِقُّ الحياةَ، ولا نُحقِّقُها بِنُفُوسِنا. تُعطَى الحَياةُ لنا بنِعمَةِ اللهِ. تُعرِّفُ هذه الإسِتعارَةُ المجازِيَّةُ الزواجَ كشَخصَين يَرِثانِ معاً نعمَةَ الحياة، يومَاً بعدَ يوم، خلالَ حياتِها الزَّوجِيَّة. والزَّوجاتُ هُنَّ المُستَفيدات من هذه الإستعارة المُوحاة التي ينصَحُ بها بطرُس الأزواج. فالذي ينصَحُ بهِ الزوجَ بالحقيقَةِ هُو، "أحِبِبْ زوجَتَكَ." ثُمَّ يُقدِّمُ الملاحَظَةَ التَّالِية، أنَّهُ إن كانت هذه الإستِعارَة صَحيحَةً في علاقَتِكُما، فإنَّ صلواتَكُما لن تُعاقَ.

يكتَبُ بُولُس الرَّسُول هذه النَّصيحة في إصحاحِ الزواج: "يُمكِنُكُما أن تمتَنِعا عن العلاقَةِ الجسديَّةِ من وقتٍ لآخر، لكَي تتفرَّغا للصلاةِ والصَّوم. ومن ثمَّ تجتَمِعانِ معاً مُجدَّداً، لتَجِدا أنَّ علاقَتَكُم الزوجِيَّة أصبَحَت أقوى من ذِي قَبل." (1كُورنثُوس 7: 3- 5) العَلاقَةُ التي تجعَلُ من زَوجَينِ واحداً في المسيح، ينبَغي أن تَكُونَ عامُوديَّةً، أي علاقَةً فَردِيَّةً معَ المَسيح قبلَ أن تَكُونَ علاقَةً يختَبِرانِها في إطارِ زواجِهِما.

بِمعنىً ما، العلاقَةُ الأكثَر حَمِيمِيَّةً التي نختَبِرُها في هذه الحَياة ليسَت علاقَتَنا الزوجيَّة؛ بل هي علاقَتُنا معَ الله. إنَّ رابِطَنا الرُّوحِيّ  كزَوجَين يكُونُ قويَّاً أو ضعيفاً بمقدارِ ما تكُونُ علاقَتُنا الفَرديَّة معَ يسُوع المسيح قَويَّةً أو ضعيفَةً.

المُؤسَّسَة الأكثَر أهمِّيَّةً على الأرض اليوم ليسَت الكَنيسة، بل العائِلة التي تُزوِّدُ الكنيسة بأشخاصٍ رُوحِيِّين. تُوجَدُ الكَثيرُ من الكنائِسِ اليوم التي تنقَسِمُ إلى مجمُوعاتٍ صَغيرَةٍ، لأنَّها لا تُؤمِنُ أنَّ الجماعَةَ الكبيرَةَ بإمكانِها أن تختَبِرَ المعنى الحقيقيّ للشَّرِكَة، أو للوحدَةِ الرُّوحيَّة التي يُريدُها المسيحُ للكَنيسةِ المَحَليَّة. فقَبلَ أن نُفكِّرَ بأن نفعَلَ هذا، كجُزءٍ من خَليقَتِهِ في العالَمِ وفي هذا الكَوكب، عندما أسكَنَ اللهُ الأرضَ بالسُّكَّان، وزَّعَهُم إلى مجمُوعاتٍ صَغيرَةٍ دَعَاها مجمُوعات الزواج أو العائِلة. يَصِفُ المُرنِّمُ خُطَّةَ اللهِ هذه بالقَول: "اللهُ مُسكِنُ المُتَوحِّدينَ في بَيتٍ." (مزمُور 68: 6).

أيَّتُها الزَّوجات، إعمَلَن معَ اللهِ لتجعَلنَ من أزواجِكُنَّ أهمَّ علاقَةٍ في حياتِكُنّ. فبَينما تعمَلانِ معاً على زواجِكُما، ينبَغي أن لا تُحاوِلا أن يتحرَّشَ كُلٌّ منكُما بالآخر ليُوقِفَهُ في مكانِهِ، بل أن تدعا اللهَ يُوقِفَ كُلاً منكُما في مكانِهِ، ومن ثَمَّ صَلِّيا أن يستخدِمَ اللهُ ذلكَ ليُحرِّكَ الشريكَ الزَّوجِيَّ الآخر ليَقِفَ في مكانِهِ أو في مكانِها. ثُمَّ راقِبا كيفَ يجعَلُ اللهُ البَركَةَ تجتازُ من خلالِكَ أو من خلالِكِ إلى الشريكِ الزوجيّ الآخر، وإلى زواجِكُما، وإلى كنيستِكُما، وإلى المدينَةِ والأمَّةِ والعالم (أنظُرْ المزمُور 127).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 6924