الفصلُ الثانِي عشَر أَشخاصٌ ضالُّونَ ومُتَالِّمُون
نُتابِعُ معاً دارسَتَنا لقِيَم يسُوع المسيح، ونقصُدُ بذلكَ نظام أو مجموعة قيم يسُوع المسيح. ونحنُ الآن بِصددِ النظَر إلى القيمةِ التي وضعَها يسُوعُ على نفسِهِ، وعلى كلمةِ الله، وعلى أشخاصٍ نظِيرِكَ ونَظيري.
وبينما نُتابِعُ النظَر في القيمةِ التي أولاها يسُوعُ للأشخاصِ الضَّالِّين والمُتألِّمين، دعُونَا نرجِعُ إلى الفَصل الرَّابِع من إنجيلِ يُوحنَّا، والمُقابَلة الرائعة بينَ يسُوع والمرأة السامِريَّة عندَ بِئرِ سُوخار. هُناكَ أربَعَةٌ وخَمسُونَ عدداً في الإصحاحِ الرَّابِع من إنجيلِ يُوحنَّا، وإثنان وأربَعُونَ منها تتكلَّمُ عن هذه المُقابَلة. ممّا يعني أنَّهُ لا مجالَ لِذكرِ هذه الأعداد جميعها هُنا. ولكنِّي أَوَدُّ أن أقُومَ بِبَعضِ المُلاحظات حولَ الأعداد الإثنين والأربَعين التي تُعالِجُ المُقابَلة.
أوَّلاً، بينما ننظُرُ إلى هذه المُقابَلة بينَ يسُوع والمرأة السامِريَّة، ولتَحقيقِ أهدافِنا، دَعُونا نتأمَّلُ بالقِيمَةِ التي أَولاها يسُوعُ لهذه المرأة، كونها ضالَّةً ومُتألِّمة. نقرَأُ أنَّهُ عندما كانَ يُرتِّبُ هذا اللِّقاء، كانَ عليهِ أن يجتازَ السامِرة في طريقِهِ من اليَهُوديَّةِ إلى الجَليل. ومن المعرُوف أنَّ اليهوديَّةَ كانت في جَنُوبي الأراضِي المُقدَّسة، أمَّا الجليل ففي الشمال، وبينَ هاتَين المِنطَقَتين كانت تقَعُ منطَقةُ السامِرة.
لقد كانَ لدى اليَهُود أحكامٌ مُسبَقة ضِدَّ السامِريِّين، ولهذا عندما كانُوا يُريدُونَ أن يقُوموا بهذه الرِّحلة، كانُوا يخرُجُونَ عن هذه الطريق عدَّةَ أميالٍ لكي يتحاشُوا المُرُور عبرَ السامِرة. لقد كانَ اليَهُود يحتَقِرونَ السامِريِّين، وكانُوا يكرَهُونَهُم لدرجة أنَّهم كانُوا يتجنَّبُونَ المُرُورَ في السَّامِرَة. أمَّا يسُوع، فعندما أرادَ أن يقُومَ بهذه الرِّحلة، تعمَّدَ أن يجتازَ مُباشَرَةً عبرَ السامِرة. عندما كانَ في قَلبِ السامِرة، توقَّفَ وسطَ النَّهارِ عندَ بِئر. نقرَأُ أنَّهُ كانَ قد تعِبَ من الرَّحلة، فجلسَ عندَ بِئر.
عندما تدرُسُ شخصيَّةَ يسُوع المسيح في ناسُوتِهِ، تجدُ أنَّهُ عانَى من كُلِّ ما نُعاني منهُ نحنُ. لقد عانَى من التعَبِ ومن العَطَش. وعانَى حتَّى من الإرهاقِ بسببِ إرتِفاعِ حرارَةِ الطقس، الأمرُ المألُوفُ جداً في هذه المنطَقة من العالم. ويبدُو أنَّهُ أرسَلَ الرُّسُل بعيداً لكَي يشتَرُوا طعاماً، وعندما رَجَعُوا حامِلين الطعامَ الذي إشتَروهُ، لم يُردِ أن يأكُلَ. أعتَقِدُ أنَّهُ من الواضِحِ أنَّهُ أرادَ أن ينفَرِدَ بعضَ الوقت لكي يتسنَّى لهُ اللِّقاء معَ هذه المرأة.
إن كانَت لدَيكَ أدنى فِكرة عن الإرشاد أو حتَّى مُقابَلة الناس، تعرِفُ مِقدارَ قيمةِ اللقاء على إنفِراد معَ النَّاس. فهُناكَ أشياء لن يبُوحُوا بها مُطلَقاً، طالَما كانَ هُناكَ شخصٌ ثالِثٌ يجلِسُ معكُما. هُناكَ درجَةٌ من إنفِتاحِ القَلب نشهَدُها في اللقاءاتِ المُنفَرِدَة بينَ شَخصَين، التي لن نَشهَدَها أبداً عندَ وُجُودِ شخصٍ ثالِث. ولقد عرفَ يسُوعُ هذا الأمر.
ولكن لاحِظْ قبلَ كُلِّ شَيء، كم أعطى يسُوعُ أهمِّيَّةً وقيمةٍ لهذه المرأة، من خِلالِ الوقت الذي قضاهُ معَها. لقد تجاهَلَ يسُوعُ الكراهِيَةَ بينَ اليَهُودِ والسامِريِّين – خاصَّةً إمرأةً سامِريَّة، وخاصَّةً إمرأَةً ذاتَ سُمعَةٍ مَشبُوهة. وتجاهَلَ تعبَهُ وعطَشَهُ، وتأكَّدَ من عدَمِ وُجُودِ أحدٍ يُشوِّشُ هُدُوءَ لِقائِهِ معَ هذه المرأة. بإمكانِكَ أن تَرَى يُقَيِّمُ يسُوعُ هذه المَرأة، وكيفَ يُقيِّمُ مُقابَلَتَهُ معَها.
أتَساءَلُ كيفَ كانت يا تُرى المُقابَلة وجهاً لِوَجهٍ معَ يسُوع المسيح. تصوَّرَ كيفَ كانَ الأمرُ لو نظَرَ يسُوعُ مُباشَرَةً إلى عَينَيك، كما فعلَ معَ الشَّابِّ الغَنِيّ، حيثُ نقرَأُ: "فنَظَرَ إليهِ يسُوعُ وأَحَبَّهُ..." (مرقُس 10: 21) أتَساءَلُ كيفَ كانَ يشعُرُ الإنسانُ الذي عرفَ أنَّ يسُوعَ أحبَّهُ. فكُلُّ من إلتَقَى بِيسُوع عرفَ أنَّ يسُوعَ أحَبَّهُ. وأعتَقِدُ أيضاً أنَّ هكذا أشخاص كانُوا جميعاً مُتَيَقِّنِينَ من محَبَّةِ يسُوع لهُم. لقد نقلَ يسُوعُ لهؤُلاء الحقيقَةَ الجمِيلَةَ أنَّهُ أحَبَّهُم بدُونِ شُرُوط. وأنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ هذه حالُ هذا اللقاء معَ المَرأَةِ السامِريَّة.
- عدد الزيارات: 7278