الفَصلُ السابِع عشَر قريبُكَ
نُتابِعُ فصلاً آخر من دراسَةِ قيمِ المسيح. في هذه الدراسة، سوفَ نتأمَّلُ بالقيمَةِ التي وضعها يسُوعُ على قريبِنا. تبدَأُ دِراسَتَنا بجوابِ يسُوع على سُؤالِ مُعلِّمِ نامُوس:
"وإذا نامُوسيٌّ قامَ لِيُجَرِّبَهُ قائِلاً يا مُعلِّم ماذا أعمَل لأرِثَ الحياةَ الأبديَّة. فقالَ لهُ ما هُوَ مكتُوبٌ في النامُوس. كَيفَ تقرَأُ. فأجابَ وقالَ تُحِبُّ الرَّبَّ إلهَكَ من كُلِّ قَلبِكَ ومن كُلِّ نفسكَ ومن كُلِّ قُدرَتِكَ ومن كُلِّ فِكرِكَ وقَريبَكَ مثلَ نفسِكَ. فقالَ لهُ بالصَّوابِ أجبتَ. إفعلْ هذا فتَحيا. وأمَّا هُوَ فإذ أرادَ أن يُبَرِّرَ نفسَهُ قالَ لِيَسوع ومن هُوَ قَريبي؟
فأجابَ يسُوعُ وقال: إنسانٌ كانَ نازِلاً من أُورشَليم إلى أريحا فوَقَعَ بينَ لُصُوصٍ فَعَرَّوهُ وجَرَّحُوهُ ومَضَوا وتَرَكُوهُ بينَ حَيٍّ ومَيت. فعرَضَ أنَّ كاهِناً نزلَ في تِلكَ الطريق فرآهُ وجازَ مُقابِلَهُ. وكذلكَ لاوِيٌّ أيضاً إذ صارَ عندَ المكان جاءَ ونظَرَ وجازَ مُقابِلَهُ. ولكنَّ سامِريَّاً مُسافِراً جاءَ إليهِ ولَمَّا رآهُ تحنَّنَ. فتقدَّمَ وضمَّدَ جراحاتِهِ وصَبَّ عليها زَيتاً وخَمراً وأركَبَهُ على دابَّتِهِ وأتَى بهِ إلى فُندُقٍ واعتَنَى بهِ. وفي الغَد لمَّا مضَى أخرَجَ دينارَين وأعطاهُما لِصاحِبِ الفُندُق وقالَ لهُ إعتَنِ بهِ ومهما أنفقتَ أكثَر فعِندَ رُجُوعِي أُوفيكَ. فأيُّ هؤُلاء الثلاثَة ترى صارَ قَريباً لِلَّذِي وقعَ بينَ اللُّصُوص. فقالَ الذي صنعَ معَهُ الرَّحمَة. فقالَ لهُ يسُوع إذهَبْ أنتَ أيضاً واصنَعْ هكذا." (لُوقا 10: 25- 37)
هُناكَ ثلاثُ فلسفاتٍ أو مفاهِيم للحياة، أو ثلاثَةُ مفاهِيم للقَريب في هذه القصَّة. الفلسَفة الأُولى نجِدُها في اللُّصُوص، الذينَ كانت فلسَفَتُهُم تقُول، "الذي لي هُوَ لي، والذي لكَ سيكُونُ لي، سُرعانَ ما أتَمكَّنُ من إنتِزاعِهِ منكَ." كثيرونَ لديهم هذه الفلسفة اليوم.
الفَلسفَةُ الثانِيَة في الحياة نجِدُها في الكاهِنِ واللاوي، أي رَجُلَي الدِّين، اللذَينِ إجتازاَ بدُونِ تقديمِ أيَّةِ مُساعَدة. كانت فلسفَةُ حياتِهما تقُولُ، "الذي لي هُوَ لي، والذي لكَ هُوَ لكَ. لدَيَّ مشاكِلي، ولديكَ مشاكِلَكَ. وأنتَ لديكَ مُشكِلَة مُعيّنَة، إذ أنَّكَ تنزِفُ حتَّى الموت في تلكَ الحُفرة، ولكنِّي تأخَّرتُ على موعِدِ الكنسية ولا أُريدُ التورُّطَ معكَ."
الفَلسفَة الثالِثة في الحياة والقَريب هي تِلكَ التي يُعلِّمُها يسُوع. هذه الفلسفة نجِدُها مُوضَّحَةً في شخصِ السامِريّ. ففَلسفتُهُ في الحياةِ والقَريب كانت، "الذي لكَ هُوَ لكَ، والذي لي هُوَ لكَ في أيَّ وقتٍ إحتجتَ إليهِ."
هذه القيمة التي علَّمها يسُوع لن تجعَلَ منكَ غَنِيَّاً. فعلى الأرجح لن تستطيعَ أن تُروِّجَ لهذه الفَلسفَة حيثُ تعمل. وقد لا تكُونُ في أعلى السُّلَم بمعنى النجاح في عَمَلِكَ بالإعتِماد على هذه الفلسفَة في الحياة. ولكن هذه هي فلسَفَةُ الحياة التي علَّمها يسُوع. فيسُوعُ يُريدُ تلاميذَ يعتَرِفُونَ بالقِيمَةِ التي وضعها على الأشخاصِ المُتألِّمين، مثل الرجُل المجرُوح في هذه القصَّة، ويُريدُ يسُوع أن يكُونَ هؤلاء التلاميذ جزءاً من جوابِهِ للمُتألِّمين.
في هذه القصَّة، أرادَ النامُوسيُّ أن يُبرِّرَ نفسَهُ، فسألَ يسُوعَ سُؤالاً مُؤثِّراً، "من هُوَ قَريبي؟" فكما ترون، بالنسبَةِ لليَهُوديّ، كانَ اليهُوديُّ الآخر فقط قَريبَهُ. وكُلُّ ما عدا ذلكَ فهُوَ عَدُوّ. وكانَ المبدَأُ الأساسيُّ عندَهم هُو: تُحِبُّ قَريبَكَ وتُبغِضُ عَدُوَّكَ. وهُم لم يأخُذُوا هذا المبدَأ من مُوسَى. بل كانَ هذا واحِداً من مئاتِ النَّوامِيس التي أضافُوها على نامُوسِ مُوسى. هذه القصَّة التي حكاها يسُوع تحدَّت مُعتَقَدَهُم، وأعلنَت أنَّ قريبَكَ هُوَ أيُّ شخصٍ مُتألِّمٍ تلتقيهِ في حياتِكَ. بهذه الطريقة أجابَ يسُوعُ على السؤال، "من هُوَ قَريبي؟" وهذه هي القيمة التي وضعها يسُوعُ على القَريب.
وبالطبع، الذي كانَ يفعلُهُ في هذا المَثَل العظيم كانَ ببساطَةٍ التعليم أنَّهُ علينا أن نعتَرِفَ بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ للمُتَألِّمين. إذ نقتَفي خطواتِهِ عبرَ الأناجيل، نجدُ أنَّهُ لم يستَطِع أن يتجاهَلَ أيَّ شَخصٍ مُتألِّمٍ. فعندما رأى المُتألِّمين، أشفَقَ عليهِم وساعدَهُم.
هُنا، في هذا التعليم العظيم الذي ندعُوهُ، "مثل السامِريّ الصالِح،" يتحدَّانا يسُوعُ بأن نعتَرِفَ بالقِيمةِ التي وضعها على الأشخاصِ المُتَأَلِّمين، وبأن نُعامِلَهُم جميعاً كَقَريبٍ لنا.
- عدد الزيارات: 2942