Skip to main content

الفصلُ الحادِي عشَر صلاةُ خاطِئ

لا نزالُ نُتابِعُ دراستَنا لقِيَمِ المَسيح. في هذا الفَصل، سوفَ نتأمَّلُ بالقيمةِ التي يضعُها يسُوعُ على صلاةِ الخاطِئ. يُظهِرُ لنا يسُوعُ في أحدِ أمثالِهِ الجَميلة القِيمَةَ الكُبرى التي يَضَعُها يسُوعُ على صلاةِ الخاطِئ. إن كلمة "مثَل"، Parable مُركَّبَةٌ من جزئين، إذ هِيَ تجمَعُ الكلمتَين Para  و ballo معاً. تعني الكلمةُ الأُولى، "إلى جانِبِ شَيءٍ ما" والثانية تعني "أن نُلقِي." فالمَثَلُ هُوَ قصَّةٌ يُلقِيها مُعلِّمٌ إلى جانِبِ حقيقَةٍ يُريدُ أن يُعلِّمَها. لقد كانَ يسُوعُ أفضَلَ مُعَلِّمٍ للأمثال. في القِصَّةِ التالِيَة، يُلقي يسُوعُ قصَّةً إلى جانِبِ القيمة التي يَضَعُها على صلاةِ الخاطِئ. ونُخبَرُ أنَّ يسُوعَ علَّمَ هذا المثَل للشعبِ الذين كانُوا يِثِقُونَ ببِرِّهِم الذَّاتِي للخلاص، وكانُوا يحتَقِرونَ الآخرين:

"إنسانانِ صَعِدا إلى الهَيكَل لِيُصَلِّيا، واحِدٌ فَرِّيسيّ والآخَرُ عَشَّارٌ. أمَّا الفَرِّيسيُّ فوقفَ يُصَلِّي في نفسِهِ هكذا. أللَّهُمَّ أشكُرُكَ إنِّي لَستُ مثل باقي الناس الخاطِفينَ الظالِمينَ الزُّناة ولا مثل هذا العشَّار. أصُومُ مرَّتَين في الأُسبوع، وأُعشِّرُ كُلَّ ما أقتَنيه. وأمَّا العشَّارُ فوقفَ من بَعيد لايَشاءُ أن يرفَعَ عينيهِ نحوَ السماء. بَل قرعَ على صَدرِهِ قائِلاً اللَّهُمَّ إرحَمني أنا الخاطِئ. أقُولُ لكُن إنَّ هذا نزلَ إلى بَيتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذاك. لأنَّ كُلَّ من يرفَع نفسَهُ يتَِّضِع ومَن يضَع نفسَهُ يرتَفِع." (لُوقا 18: 9- 14)

هُنا نَجِدُ إيضاحاً رائعاً لقِيَمِ يسُوع. فهُوَ يَصِفُ رجُلَين، وصلاتَين، وما يُمكِنُ تسميتُهُ وقفَتَين. لقد أولى يسُوعُ قيمةً كُبرى لصلاةِ ووقفَةِ واحِدٍ من هذين الرَّجُلَين، والقليل من القيمةِ لِصلاةِ ووَقفَةِ الرجُلِ الآخر. لقد أعطَى يسُوعُ تعمُّداً قيمةً لأحدِ الرَّجُلَين أكثَرَ جِدَّاً من القيمةِ التي أعطاها للآخر. ولقد أخبَرَ يسُوعُ بِقَصَّةِ هذين الرَّجُلَين لأنَّهُ أرادَ أن يُعلِنَ القيمةَ التي أولاها لِصَلاةِ الخاطِئ.

واحِدٌ من هذين الرَّجُلَين هُوَ فَرِّيسيٌّ، عُضوٌ في جماعَةٍ دينيَّة شُكِّلَت لتُحافِظَ على إستِقامَةِ الديانة اليَهُوديَّة. كانَ الفَرِّيسيُّونَ مُتَدَيِّنينَ كَثيراً. كانُوا يَصُومُونَ مرَّتَين في الأُسبُوع، وكانُوا يدفَعُونَ عُشُورَهُم. ولقد مدَحَهُم يسُوعُ على فعلِهم هذا. ولكنَّ بِرَّهُم كانَ بِرَّاً ذاتِيَّاً. لقد آمنُوا أنَّهُ بإمكانِهم أن يكُونوا ما يُريدُهم اللهُ أن يكُونُوا، من خِلالِ ضبطِهِم لِنُفُوسِهم بطريقَةٍ دينيَّةٍ مُتَطرِّفَة. وظنُّوا أنَّهُ بإمكانِهم أن يكونُوا أبراراً دُونَ الله.

الرَّجُلُ الآخرُ في هذا المثَل الجَميل هُوَ عشَّارٌ، أي جابِي ضرائِب كانَ يجمَعُ الضَّرائِب لِصالِحِ الرُّومان من إخوتِهِ اليَهُود. ولهذا كانَ العشَّارُونَ مكرُوهينَ بشكلٍ مُمَيَّز من قِبَلِ الشعبِ اليَهُودِيّ. لهذا أشارَ كُتَّابُ الأناجيل إلى العشَّارِينَ والخُطاة. لم يقصُد الكُتَّابُ أنَّ العَشَّارِينَ لم يكُونُوا خُطاةً، بل أنَّهُم خُطاة لدرجة إسِتحقاقِ لقبِهم بجدارة.

كانت صلاةُ الفَرِّيسيّ تتمحوَرُ حولَ ذاتِهِ، لأنَّهُ في جُملَتَين قال "أنا" خمسَ مرَّاتٍ. تحتَوي الصلاةُ على عدَّةِ أجزاء، ولكن أن نُصَلِّي يعني بِشكلٍ أساسِيٍّ أن نطلُب. أمَّا هذا الفَرِّيسيّ فلم يطلُبْ من اللهِ شَيئاً. بل قالَ للهِ، أو لَرُبَّما للنَّاسِ الذي كانُوا يستَمِعُونَ إليهِ، كم كانَ رجُلاً صالِحاً. فقالَ عنهُ يسُوعُ بِسُخرِيَةٍ ما معناهُ، "لقد صَلَّى معَ نفسِهِ." بدَأت صلاتُهُ معَ نفسهِ، إهتَمَّت بِنَفسِهِ، ولكنَّها لم تذهَبْ أبعدَ من نفسِه.

أمَّا العشَّارُ فلم يجرُؤ أن يرفَعَ عينيهِ نحوَ السماء. لقد كانَ مُتواضِعاً ومسحوقاً وشديدَ الأسَف علىخطاياه. عندما تُصلِّي صلاة الإنسحاق، يُولِي اللهُ قيمةً كُبرى لِصلاتِكَ. لقد أشارَ يسُوعُ إلى العشَّارِ وقالَ، "هذا ذهبَ إلى بيتِهِ مُبرَّراً." تعني كلمة مُبرَّراً، "وكأنَّهُ لم يُخطِئ أصلاً." فعندما رجعَ إلى بيتِهِ، لم يكُن فقط مغفُوراً لهُ، وليسَ فقط مُسامَحاً، بل كانَ وكأنَّهُ لم يُخطِئ أصلاً.


التلخيصُ والتطبيق

إن لم تكُنْ قد صلَّيتَ أبداً صلاة العشَّار، فإنَّ التطبيقَ الأساسيّ لهذه القيمة التي أعلنها يسُوعُ هي أنَّهُ عَلَينا أن نُصلِّي هذه الصلاة. وإذا كُنتَ قد صَلَّيتَ هذه الصلاة منذُ سنواتٍ طويلة، فإنَّ اللهَ يُولي قيمةً لهذه الصلاة في كُلِّ مرَّةٍ تُخطِئُ. إنَّ لُغةَ حركاتِ الجسد ووقفة العشَّار عبَّرت عن إنسِحاقِهِ، الذي يعني، "أنَّهُ كانَ شديدَ الأسَفِ على خطيَّتِه." لقد طلَبَ رحمَةَ الله. ولكن لم تكُنْ هذه حالَةُ الفَرِّيسيُّ. فهُوَ لم يُعَبِّرْ عن الإنسحاق، ولم يطلُبْ أيَّ شَيء. عندما أخطَأَ داوُد، بينما كانَ يعتَرِفُ بخَطيَّتِه، أعلَنَ قيمةً، هي أنَّ ما يُريدُهُ اللهُ منَّا عندما نُخطِئُ هُوَ "رُوحٌ مُنكَسِرَة، وقلبٌ مُنكَسِرٌ ومُنسَحِق." (مزمُور 51: 17).

يُظهِرُ هذا المَثَلُ بِوُضُوح القيمةَ التي أولاها يسُوعُ المسيح لصلاة التوبَةِ التي يُصلِّيها الخاطِئ. ولقد أولى يسُوعُ قيمَةً كُبرى للنَّاسِ الذي يرغَبُونَ بالإعتِراف بخطيَّتِهم وطلَب رحمةَ الله بإسمِ يسُوع. فعندما نعتَرِفُ بخَطِيَّتِنا في صلاةِ إنسحاقٍ، فإنَّنا لا نكتَشِفُ فقط القيمةَ التي وضعها يسُوعُ علينا كخُطاةٍ ضالِّين وكأشخاصٍ مُتَألِّمين، بل نكتَشِفُ أيضاً الخلاص الذي جاءَ يسُوعُ لكَي يُحقِّقَهُ للجَميع.

هل أنتَ خاطِئٌ، وهل تعرِفُ ذلكَ؟ أيُّ شَخصٍ يرغَبُ بأن يعتَرِفَ بخَطِيَّتِهِ بإمكانِهِ أن يختَبِرَ الغُفران. فإن كُنتَ قدِ إعتَرَفتَ بِخَطِيَّتِكَ منذُ زمَنٍ طويل، هل تُولي اليومَ قيمةً للخُطاةِ الذين لم يتُوبوا بعد؟ وكيفَ تشعُرُ عندما تلتَقي في حياتِكَ معَ خاطِئٍ حقيقيّ؟ إن كانَ المسيحُ يحيا فيكَ، لا تتَفاجَأْ إن تدفَّقَ قَلبُكَ بالمحبَّةِ عندما ستلتَقي بخاطِئٍ يرغَبُ بالإعتِرافِ بكونِهِ خاطِئاً.

  • عدد الزيارات: 5661