Skip to main content

الفَصلُ السَّادِس "التَّعريفُ الحَيُّ للإيمان" - التَّطبيقُ الأساسيُّ

الصفحة 2 من 3: التَّطبيقُ الأساسيُّ

التَّطبيقُ الأساسيُّ

التَّطبيقُ الأوَّلِي الذي يَقُومُ بهِ بُولُس عنِ إبمانِ إبراهيم في هذا الإصحاح، هُو عندما رأى اللهُ أنَّ إبراهيمَ آمنَ بهِ، فأعلنَ اللهُ إبراهيمَ بارَّاً. وخلالَ قيامِهِ بهذا التَّطبيق، يُوضِحُ الرَّسُولُ بُولُس ويُطَبِّقُ الحقيقَةَ التي رأيناها في الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى من هذه الرِّسالة. لقد أخبَرَنا في هذه الإصحاحات ما عَمِلَهُ اللهُ في ومن خلالِ المسيح، وما يُريدُ اللهُ منِّي ومنكَ أن نعملَ حيالَ هذا الأمر. فاللهُ يُريدُنا أن نُؤمِنَ ونَثِقَ بهِ عندما يُخبِرُنا بما عمِلَهُ من خلالِ يسُوع المسيح.

يستَخدِمُ بُولُس حياةَ وإيمانَ إبراهيم ليُظهِرَ لنا ماذا يعني أن نُؤمِنَ باللهِ عندما نسمَعُ ما عمِلَهُ اللهُ من أجلِنا بالمسيح. يُخبِرنا بُولُس هُنا ما جَوهَرُ معناهُ أنَّ اللهَ نظَرَ إلى إبراهيم، وإبتَسَمَ وقالَ، "لقد أخبَرتُ هذا الرَّجُل العَجُوز شيئاً، وهُوَ آمنَ بِي وصَدَّقَني. ولقد أعجَبَني هذا! لهذا فسوفَ أُعلِنُهُ بارَّاً، لأنَّني أخبَرتُهُ بِشَيءٍ فصدَّقَني وآمنَ بي."

هذه الرِّسالَة هي بمُجمَلِها عنِ التَّبرير، الذي هُوَ مُعجِزَةُ اللهِ بإعلانِ الخُطاةِ أبراراً. يُطَبِّقُ بُولُس تعليمَهُ عنِ التَّبريرِ بالإيمان، وذلكَ بِتَقديمِ هذا المِثال عن إيمانِ إبراهيم. هذا التَّطبيق هُوَ أنَّنا عندَما نسمَعُ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّ اللهَ سيُعلِنُنا أبراراً، بِبَساطَةٍ لأنَّنا آمنَّا بإنجيلِ يسُوع المسيح، علينا أن نُؤمِنَ باللهِ تماماً كما آمنَ إبراهيمُ باللهِ، فأعطاهُ اللهُ عَطِيَّةَ البِرّ.

يُتابِعُ بُولُس بالقَولِ أنَّنا عندَما نفعَلُ هذا، نختَبِرُ ونُعَبِّرُ عن الإيمان نفسِهِ الذي كانَ تمتَّعَ بهِ إبراهيم عندما آمنَ باللهِ، فحَسِبَهُ اللهُ لهُ بِرَّاً. كُلُّ من يُؤمِنُ كما آمنَ إبراهيم، هُوَ واحِدٌ من أبناءِ إبراهيم. فعندما نُؤمِنُ بإنجيلِ التَّبرير الذي أعلَنَهُ بولُس في هذهِ الرِّسالة، نُصبِحُ "يَهُوداً بالرُّوح."

ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس بمُخاطَبَةِ اليَهُود الذينَ يُشبِهُونَ شاوُل الطَّرسُوسِيّ، الذي كانَهُ هُوَ في الماضِي، عندما يُشيرُ إلى أنَّ اللهَ أعلنَ إبراهيمَ بارَّاً قبلَ أن يختَتِنَ إبراهيمُ: "وأخذَ علامَةَ الختانِ، ختمَاً لبِرِّ الإيمان، الذي كانَ في الغُرلَةِ، لِيَكُونَ أباً لِجَميعِ الذينَ يُؤمِنُونَ وهُم في الغُرلَةِ كَي يُحسَبَ لهُم أيضاً البِرّ. وأباً لِلختانِ للذينَ ليسُوا منَ الخِتانِ فقط بل أيضاً يسلُكُونَ في خُطُواتِ إيمانِ أبينا إبراهيم الذي كانَ وهُوَ في الغُرلَة." (رُومية 4: 11، 12).

كانَ الخِتانُ ختمَ العَهدِ بينَ اللهِ وإبراهيم. ولكن، تماماً كما أنَّ المعمُوديَّةَ لا تُخَلِّصُنا، بل هي ختمُ عهدِ إيمانِنا معَ الله للخلاصِ، يُشَدِّدُ بُولُس على نُقطَةِ أنَّ الخِتانَ لم يُحَقِّقْ البِرَّ لإبراهيم، ولا لأيٍّ من نسلِهِ من بعدِهِ.

يُشيرُ بُولُس إلى هذه النُّقطَة عينِها عندما يَشرَحُ معنى الكلمة التي تُخبِرُنا أنَّ هذا البِرّ كانَ "محسُوباً" على إبراهيم. فبِحَسَبِ بُولُس، لا تعني الكلمةُ أنَّنا قدِ إكتَسَبنا البِرَّ مثل الأُجرة التي نكتَسِبُها على نهارِ عمَلٍ جَيِّد. بَل تعني بالتَّحديد العَكس. فهذا البِرّ كانَ هِبَةً مَمنُوحَةً مجَّانِيَّاً على إبراهيم لأنَّهُ آمنَ بالله.

ثُمَّ يَربِطُ بُولُسُ بينَ وُعودِ عهدِ اللهِ لإبراهيم، بِخُصُوصِ نسلِهِ الذي سيَكُونُ مثلَ نُجُومِ السَّماءِ في الكَثرة وكالرَّملِ الذي على شاطئِ البَحر، وبينَ الحقيقةِ المَجيدة أنَّ كُلَّ أُولئكَ الذين آمنُوا بإنجيلِ التَّبريرِ بالإيمان هُم أولادُ إبراهيم. فكون إبراهيم كانَ مَوعُوداً بأنَّهُ سيَكُونُ أباً لجماهيرَ منَ الأُمم، عندما لم يَكُنْ مختُوناً بعد، يعني أنَّهُ لم يكتَسِبْ بِرَّهُ من خلالِ الختان. يعتَقِدُ بُولُس أنَّ الوعدَ أُعطِيَ لإبراهيمَ أيضاً، لأنَّهُ صَوَّرَ حقيقَةَ كَونِهِ أبي الذين في الختان، أو الأُمَم الذين يُؤمِنُونَ باللهِ عندما يخبِرُهُم اللهُ بما فعلَهُ لأجلِهِم بالمسيح.

كتبَ بُولُس عن هذه الحقيقة عَينِها للغلاطِيِّين (غلاطية 3: 6- 9). يقصُدُ بُولُس ما فَحواهُ أنَّ الإلهَ نفسَهُ الذي أعطى الإيمانَ لإبراهيم، يُعطي موهِبَةَ الإيمانِ لأُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بالإنجيل (أفسُس 2: 8، 9؛ فيلبِّي 1: 29). وقد يقصُدُ أيضاً أنَّهُ تماماً كما كانَ اليَهُودُ مُختارِينَ منَ الله ليَكُونُوا خُدَّامَ المسيا والكلمة المُرسَلة منهُ، فكذلكَ إختارَ منَّا أيضاً أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ اليومَ بأن يَكُونُوا خُدَّامَ كَلِمَتِهِ المُدَوَّنَة وكلمة الحَيَّة، يسُوع المسيح الحَيّ المُقام (يُوحَنَّا 15: 16؛ أفسُس 1: 4).

خُلاصَةُ هذا العَرضِ المَنطِقي المُوحى بهِ عن كيفيَّةِ إعلانِ اللهِ خُطاةً نظيرَكَ ونظيري وجعلِهِم أبراراً، والذي تأمَّلنا بهِ في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى، نَجِدُها بالحقيقَةِ في العددِ الأوَّل منَ الإصحاحِ الخامِس، عندَما كتبَ بُولُس يَقُولُ: "فإذ قد تبَرَّرنا بالإيمان، لنا سلامٌ معَ اللهِ بِرَبِّنا يسُوع المسيح."

يُذَكِّرُنا هذا بمبدأَ دَرسِ الكتابِ المُقدَّس، الذي يقَولُ بأنَّهُ علينا أن لا ندعَ تقسيمَ الإصحاحاتِ يقطَعُ تسلسُلَ أفكارِنا، أو تسلسُلَ المَنطِقِ الكتابِيّ لكاتِبٍ مثل بُولُس الرَّسُول. قالَ أحدُهُم أنَّنا عندما نقرأُ كتاباتِ الرَّسُول بُولُس، في كُلِّ مرَّةٍ يستَخدِمُ فيها الحرف "فَ"، علينا أن نتوقَّفَ ونرى سببَ وضعِهِ هذا الحرف هُناك. فهذا الحرف يُقدِّمُ عادَةً لخُلاصَةٍ أو لخُطوَةٍ هامَّةٍ في منطِقِ الحقيقَةِ التي يُعَلِّمُها. يبدَأُ الإصحاحُ الخامِسُ بهذا الحرف، "فإذ،" الأمرُ الذي ينبَغي أن يدفَعَنا لنَنظُرَ إلى الوراء، إلى آخِرِ أمرٍ كتبَهُ قبلَ ذلكَ.

حُجَّةُ أو تعليمُ هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة لبُولُس، تبدأُ بالحقيقَةِ في العددِ السَّادِس عشَر منَ الإصحاحِ الأوَّل، حيثُ أعلنَ بُولُس أنَّهُ لا يستَحي بإنجيلِ المسيح. ثُمَّ كتَبَ ذلكَ العدد السَّابِع عشر الذي بدأَ ثَورَةً لاهُوتِيَّةً في قَلبِ مارتن لُوثَر، والذي أدَّى إلى الإصلاحِ اللاهُوتيِّ البروتستانتِيّ في أُورُوبا والعالَمِ أجمَع.

عندما بدَأَ هذه الأُطرُوحة اللاهُوتيَّة عنِ التَّبرير، لم يُصَرِّحْ فقط أنَّ شَيئَين أُعلِنا في الإنجيل لا يَستَحي بهِما، لا بَل هُوَ مُتَشَوِّقٌ للكِرازَةِ بهما: بِرُّ الله وغضبُ الله علىكُلِّ إثم. ولقد كتبَ أيضاً أنَّ هذا البِرّ هُوَ "من إيمانٍ لإيمانٍ" قبلَ أن يقتَبِسَ من عِظَةِ حبقُّوق العظيمة: "لأنَّ البارَّ بالإيمانِ يحيا!" (رومية 1: 17؛ حبقُّوق 2: 4).

لقد كانَ يُعلِنُ بِجرأَةٍ وبطريقَةٍ مُختَصَرَةٍ التَّصريحَ اللاهُوتِيّ الذي طَوَّرَهُ بِعُمقٍ في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى: أنَّ هذا البِرّ، المُعلَن في الإنجيل، هُوَ بِرٌّ يُكتَسَبُ ويُختَبَرُ بالإيمان. ولقد كتبَ يَقُولُ ما معناهُ: " من إيمانٍ يَقُودُ لإيمانٍ أكثَر." وكما أشَرتُ سابِقاً، سوفَ يكتُبُ في رسائِلِهِ الأُخرى أنَّ هذا الإيمان مُعطَى لنا منَ الله (أفسُس 2: 8، 9؛ فيلبِّي 1: 29). تعلَّمَ بُولُس من يسُوع أنَّ الإيمانَ هُوَ عَطِيَّةٌ منَ الله.(متَّى 13: 11- 17)

تَذَكَّرُوا أنَّ حقيقَةَ البِرّ بالإيمان في هذا العدد الذي تكلَّمَ ديناميكيَّاً لقَلبِ مارتن لُوثر، لأنَّهُ كانَ يُحاوِلُ، والكنيسَةُ كانت تُعَلِّمُ، أنَّهُ منَ المُمكِنِ والضَّرُورِيّ أن نكسَبَ خلاصَنا بالأعمالِ الصَّالِحَة. نحتاجُ أن نُحافِظَ على هذا البِرّ بالإيمانِ، جاعِلينَ الحقَّ خلفيَّةً لهذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى.

لقد سبقَ ورأينا أنَّهُ يُقدِّمُ خُطَّةً مُفَصَّلَةً يُعلِنُ اللهُ فيها الخُطاةَ أبراراً. هذه الخُطَّة تتضمَّنُ صَليبَ المسيح، قيامَتَهُ، نعمَةَ الله، الإيمان وحتَّى الأعمال الصَّالِحة، التي تُفَعِّلُ الإيمان الحقيقيّ. ولكن لاحِظُوا أنَّهُ تماماً كما يُقَدِّمُ مُحامٍ قَضِيَّتَهُ أمامَ محكَمَةٍ قانُونيَّة، يختُمُ عرضَهُ في الإصحاحِ الرَّابِع معَ مثالِ إبراهيم. هذه هي طريقَتُهُ لتقوِيَةِ الأفكارِ الخِتامِيَّة في الإصحاحِ الثَّالِث – أنَّ البِرَّ المُعلَنَ في الإنجيل يُكتَسَبُ بالإيمان وليسَ بالأعمال.

النُّقطَةُ الأخيرَةُ التي يُعلِنُها بُولُس في هذا العَرض للتَّبريرِ بالإيمان، مُعَبَّرٌ عنهُ في هذه الكلماتِ المِفتاحِيَّة منَ الإصحاحِ الخامِس: "فإذ قد تَبَرَّرنا بالإيمان، لنا سلامٌ معَ اللهِ بِرَبِّنا يسُوع المسيح." العَدَدُ الثَّانِي في هذا الإصحاحِ الخامِس يُقدِّمُ الإصحاحات الأربَعة التَّالِيَة من هذه التُّحفة اللاهُوتيَّة الرَّائِعة. وسوفَ أحتَفِظُ بتفسيرِي لهذا العدد للكُتَيِّبِ المُقبِل. 

تطبيقٌ شَخصِيّ
الصفحة
  • عدد الزيارات: 8470