الفَصلُ الثَّالِث "الإنجيلُ بِحَسَبِ بُولُس" - شَخصِيَّة الله
شَخصِيَّة الله
عندما يتكلَّمُ الكتابُ المُقدَّسُ عن غَضَبِ الله، لا يَصِفُ شُعُوراً نختَبِرُهُ كَكَائِناتٍ بَشَرِيَّة. فكلمة "غَضَب" بالعِبريَّة هي كلمَةٌ مُثِيرَةٌ للإهتِمام. وهي تعني، "عُبُور أو إجتِياز." تعني الكلمةُ أنَّ جَوهَرَ شَخصِيَّةِ اللهِ وطبيعَةِ الله هُوَ المحبَّة. ولكنَّ المحبَّةَ ليسَت الصَّفة الوحيدة لله. فشخصِيَّةُ اللهِ تحتَوي على تنوُّعٍ هائِلٍ منَ الصِّفاتِ. فإحدى صِفاتِهِ هي القَداسَة، أو ما يُمكِنُ وصفُهُ بالعدلِ الكامِل. وشَخصِيَّةُ اللهِ هي جوهَرُ تعريف ما هُوَ صَوابٌ أو عادِل. فإن كانَ اللهُ عادِلاً، فهذا يعني أنَّهُ ينبغي أن يعمَلَ شَيئاً حيالَ عدَمِ التَّقوى وعدَمِ البِرّ.
لو كُنتَ من هُوَاةِ كُرَةِ القَدَم، ماذا سَتَكُونُ رَدَّةُ فِعلِكَ إذا رأَيتَ الحَكَمَ يُسَجِّلُ مُخالَفَةَ جزاءٍ على أحدِ الفَريقَين لإرتِكابِهِ خطأً مُعَيَّناً، ثَمَّ عندَما يرتَكِبُ الفَريقُ الآخَرُ الخطأَ نفسَهُ، إذا بهذا الحَكم يكتَفِي بإبتِسامَةٍ دُونَ أن يُسجِّلَ مُخالَفَةَ جزاءٍ على الفَريقِ؟
تأمَّلْ باللهِ كحَكَمٍ مُطلَق، الذي عدلُهُ كامِلٌ ومُستَقيم. فكَونُهُ يتمتَّعُ بهذا العدل الكامِل والمُطلَق، لا يستَطيعُ أن يبتَسِمَ حيالَ فُجُورِ النَّاسِ وإثمِهِم. بل ينبَغي أن يتجاوَبَ دائماً معَ الخطيَّة بالعِقاب. هذا ما يَقُولُهُ بُولُس هُنا: "غَضَبُ اللهِ مُعلَنٌ على هذه الأُمُور."
هذا لا يعني أنَّ اللهَ يُراقِبُ الفُجُورَ والإثم، ثُمَّ يَغضَبُ ويفقُدُ السَّيطَرَةَ على أعصابِهِ. بل يعني أنَّهُ إنسجاماً معَ طبيعَتِهِ البارَّة، المُقدَّسَة والعادِلَة، عندما تظهَرُ الحاجَةُ لغَضَبِ اللهِ بسبَبِ وُصُولِ فجُورِ النَّاسِ وإثمِهِم إلى مُستَوَىً معُيَّن، فهُوَ "يجتازُ منَ المحبَّةِ إلى الغَضَب."
وسُرعانَ ما يجتازُ منَ المحبِّةِ إلى الغَضَب، حتَّى يُبيدَ تماماً الفَاجرينَ والأثمَة، كما حدَثَ في الطُّوفان، وكذلكَ في ما يَصِفُهُ النَّبِيُّ يُوئيل والرَّسُول بُطرُس كيَومِ الربِّ الرَّهيب والفظيع (يُوئيل 2: 11، 31؛ 2 بُطرُس 3: 10). ثُمَّ يُمكِنُ تعريفُ غَضَبِ اللهِ بأنَّهُ "ردَّة الفعل المُبيدة من العدلِ الكامِل تجاهَ الظُّلمِ والخَطيَّة." تعريفٌ آخر يُمكِنُ أن يَكُون "ردَّةُ الفِعلِ المُبيدة من المحبَّةِ الكامِلة ضِدَّ كُلُّ ما يُهدِّدُ مَوضُوعَ هذه المحبَّة."
محبَّةُ والِدٍ أرضِيّ يُمكِنُ أن تتحوَّلَ إلى غَضَب. حدَثَ مرَّةً أنَّ إبنَةَ سَبعِ سنواتٍ قدِ إغتُصِبَت وقُتِلَت. وعندما كانَ والِدُ هذه الفتاةِ الصَّغيرة والبَريئة، الذي إتِّصَفَ باللُّطفِ والمحبَّةِ، فإذ كانَ هذا الوالِدُ حاضِراً في مركَزِ الشُّرطة عندما أُحضِرَ المُجرِمُ الذي قامَ بهذه الفعلة الشنيعة، تطلَّبَ الأمرُ كُلَّ أعضاءِ مركَزِ الشُّرطَة ليُوقِفُوا والِدَ هذه الطفلة الضَّحيَّة عن الهُجُومِ على المُجرِم والقَضاء عليهِ لكَونِهِ قد دمَّرَ موضُوعَ حُبِّهِ.
رُغمَ أنَّ هذا يُساعِدُنا على فَهمِ غَضَبِ الله، ولكنَّهُ ليسَ صُورَةً مجازِيَّةً دقيقَةً بشَكلٍ كافٍ للتعبير ِعن شَخصِيِّةِ الله. وكما أشَرتُ سابِقاً، اللهُ لا يفقدُ السَّيطَرَةَ على أعصابِهِ عندما يجتازُ منَ المحبَّةِ إلى الغَضَب.
في الإصحاحِ الثَّانِي من هذه الرِّسالَة، كتبَ بُولُس عن غَضَبِ اللهِ المُستَقبَلِي الذي سيُعبَّرُ عنهُ في الدَّينُونَة. في الإصحاحِ الثَّالِث عشَر يَصِفُ غَضَبَ اللهِ الحاضِر الذي يُعَبَّرُ عنهُ من خلالِ ضابِطِ الأمن والسَّلام ضِدَّ أُولئكَ الذين ينتَهِكُونَ قوانِينَ الله. ولقد وصفَ بُولُس ثلاثَ مرَّاتٍ ضابِطَ الأمنِ والسَّلامِ هذا، الذي يُعَبِّرُ عن غَضَبِ اللهِ على من يكسِرُ القانُون، وصفَهُ بُولُس ثلاثاً بكَونِهِ "خادم الله."
خلالَ الأربَعينات، إجتَمَعَتْ عدَّةُ أُمَمٍ معاً للقَضاءِ على أدُولف هتلر والحزب النَّازِيّ، الذي أخذَ على عاتِقِهِ إبادَةُ اليَهُودِ عن وجهِ الأرض. لو لم يَتِمّ القَضاءُ على هتلر، لقَضى على كُلِّ اليَهُودِ وأبادَهُم. خلالَ ذلكَ العَقد الخامِس منَ القَرنِ العشرين، كانَ الكَثيرُونَ منَ المُؤمنينَ الذي شارَكُوا في الحَربِ العالَميَّةِ الثَّانية يعتَقِدُونَ أنَّهُم يُشَكِّلُونَ تعبيراً عن غَضَبِ اللهِ على سُلطَةِ الشَّرّ التي كانت تُشرِفُ على إبادَةِ عشرَة ملايين إنسان بَريء في مُخَيَّماتِ التَّعذيب النَّازِيَّة. وكانت القناعَةُ الكِتابِيَّةُ الكامِنة خلفَ المُشارَكِة في الحربِ العالميَّةِ الثَّانِيَة هي أنَّها كانت حرب عادِلَة، يخُوضُها ضابِطُ سلامٍ وأمنٍ جماعِيّ، مُعَبِّراً عن غَضَبِ اللهِ ضِدَّ سُلطَةٍ شِرِّيرَة كانت تُهَدِّدُ ليسَ اليَهُودِ فقط، بل الملايين غيرَهُم منَ الشُّعُوب الذي إعتَبَرَهُم النَّازِيُّونَ أدنَى مرتَبَةً منهُم.
- عدد الزيارات: 8156