Skip to main content

خاتِمَة "صناعَةُ شخصِيَّةٍ هامَّة من شَخصِيَّةٍ نَكِرَة"

(يُوحَنَّا 21: 1- 25)

تبدأُ خاتِمَةُ إنجيلِ يُوحَنَّا كالتَّالِي: "بَعدَ هذا أظهَرَ يسُوعُ أيضاً نفسَهُ لِلتَّلاميذِ على بَحرِ طَبَرَيَّة. ظَهَرَ هكذا. كانَ سِمعانُ بُطرُسُ وتُوما الذي يُقالُ لهُ التَّوأَمُ ونثنائِيلُ الذي من قاناَ الجَليل وإبنا زَبَدِي وإثنانِ آخرانِ من تلاميذِهِ معَ بَعضِهم. قالَ لهُم سِمعانُ بُطرُس أنا أَذهَبُ لأَتَصَيَّدَ. قالُوا لهُ نَذهَبُ نحنُ أيضاً معكَ. فخرجُوا ودَخَلُوا السفينَةَ لِلوَقتِ وفي تِلكَ الليلة لم يُمسِكُوا شَيئاً. ولمَّا كانَ الصُّبحُ وقفَ يسُوعُ على الشَّاطِئِ. ولكنَّ التلاميذَ لم يكُونُوا يَعلَمُونَ أنَّهُ يسُوعُ. فقالَ لهُم يسُوعُ يا غِلمانُ أَلَعَلَّ عِندَكُم إداماً. أجابُوهُ لا. فقالَ لهُم ألقُوا الشبكة إلى جانِبِ السفينَةِ الأيمن فتَجِدُوا. فأَلقَوا ولم يَعُودُوا يَقدِرُونَ أن يَجذِبُوها من كَثرَةِ السَّمَك. فقالَ ذلكَ التِّلميذُ الذي كانَ يسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطرُس هُوَ الرَّبُّ. فلمَّا سَمِعَ سِمعانُ بُطرُسُ أنَّهُ الرَّبُّ إتَّزَرَ بِثَوبِهِ لأنَّهُ كانَ عُرياناً وألقَى نفسَهُ في البَحر. وأمَّا التلاميذُ الآخرُونَ فجاؤُوا بالسَّفينَةِ لأنَّهُم لم يكُونُوا بَعيدِينَ عنِ الأرضِ إلا نحوَ مِئَتَي ذِراعٍ وهُم يَجُرُّونَ شبكَةَ السَّمَك. فلمَّا خرجُوا إلى الأرضِ نظَرُوا جَمراً مَوضُوعاً وسمكاً مَوضُوعاً عليهِ وخُبزاً. قالَ لهُم يسُوعُ قَدِّمُوا من السَّمَكِ الذي أَمسَكتُمُ الآن. فصَعِدَ سِمعانُ بُطرُس وجذبَ الشَّبَكَةَ إلى الأرضِ مُمتَلِئَةً سمكاً كَبيراً مئةً وثلاثاً وخَمسين. ومعَ هذه الكثرَة لَمْ تَتَخرَّقْ الشَّبَكَة. قالَ لهُم يسُوعُ هَلُمُّوا تَغَدَّوا. ولم يجسُرْ أحدٌ من التَّلاميذِ أن يسألَهُ من أنتَ إذ كانُوا يعلَمُونَ أنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ جاءَ يسُوعُ وأخذَ الخُبز وأعطاهُم وكذلكَ السَّمَكَ. هذه مرَّةٌ ثالِثَةٌ ظهرَ يسُوعُ لِتلاميذِهِ بَعدَما قامَ من الأمواتِ." (يُوحَنَّا 21: 1- 14)

يعتَقِدُ مُعظَمُ المُفَسِّرينَ أنَّ المَوضُوعَ الرَّئيسَ المُنَظَّم لإنجيلِ يُوحَنَّا ينتَهِي في العدد 31 من الإصحاحِ العِشرين. في هذا الإصحاحِ الختامِيّ، نقرأُ أنَّ يسُوعَ يُذَكِّرُ سبعَةً من الرُّسُل الإثني عشر الذين دعاهُم – خاصَّةً بُطرُس – بأنَّهُ لم يدعُهُمْ لصَيدِ السَّمك، بل دعاهُم لصَيدِ النَّاس! (لُوقا 5: 10؛ مرقُس 16: 7؛ يُوحَنَّا 21: 15- 25)

وكانَ الرُّسُلُ قد قَضَوا ليلَةً كامِلَةً مُحاوِلينَ أن يُمسِكُوا سَمكاً، ولكن دُونَ جَدوَى. ومن على الشَّاطِئ، وجَّهَهُم يسُوعُ المُقامُ ليُلقُوا شِباكَهُم إلى الجانِبِ الآخر منَ السَّفينة. وسُرعانَ ما تَبِعُوا تعليماتِهِ، حتَّى إمتَلأَتِ الشِّباكُ بالسَّمَك، فعرَفَ الرُّسُلُ  أنَّ الشخصَ الغريبَ الذي كلَّمَهُم من على الشَّاطِئِ كانَ الرَّب يسُوع. ولقد تمَّ ذِكرُ عددَ السَّمَكِ الذي تمَّ إمساكُهُ بِدِقَّة: "مائة وثلاث وخمسون سمكَةً كبيرة. (يُوحَنَّا 21: 11)

ما هُوَ المغزى من هذا العَدَد؟ لقد قامَ آباءُ الكنيسةِ والمُفَسِّرُونَ لقُرونٍ طويلَةٍ بمُحاوَلَةِ تفسيرِ معنى هذا العدد رمزِيَّاً. قالَ بعضُهم أنَّهُ في تلكَ الأيَّام، كانَ الناسُ يعتقِدُونَ أنَّهُ تُوجَدُ مائة وثلاثٌ وخمسون صِنفاً من السمك يُمكِنُ صيدُهُ، وهذا يعني أنَّ الرَّبَّ كانَ يُعَلِّمُهم أنَّهُ سيُخَلِّصُ أُناساً من كُلِّ شَعبٍ من شُعُوبِ الأرض. (متَّى 4: 19) فإنجيلُ الخلاص لم يكُنْ لِليَهُودِ فقط، بل كانَ لِجَميعِ النَّاس. فكما أعلنَتِ الملائِكَةُ عندَ وِلادَةِ المسيح، كانَ يسُوعُ يُذَكِّرُ هؤُلاء الرُّسُل بأنَّ الإنجيلَ كانَ لِكُلِّ الشُّعُوب. (لُوقا 2: 10)

ولقد إعتَقَدَ آخرونَ من آباءِ الكنيسَةِ أيضاً أنَّ العدد مائة هُوَ عددُ الملء أو الكمال - أي كما قالَ الرَّبُّ في مَثَلِ الوزنات عن أنَّ الشخصَ يُؤتي ثِماراً، البَعضُ ثلاثِين، والآخرُ ستِّين والآخرُ مائة. (متَّى 13: 8) فبِحَسَبِ هذا التَّفسير و التَّطبيق، من خلالِ العدد مائة وخمسين، يتنبَّأُ يسُوعُ أنَّ الكَثيرَ من الناسِ سَوفَ يُحصَدُونَ في إرسالِيَّةِ صيدِ النَّاسِ هذه، بِشَكلٍ يَفُوقُ كُلَّ التَّصَوُّرات.

ولقد آمنَ البَعضُ أيضاً أنَّ الثلاثة بعد المائة والخمسين تُشيرُ إلى الآبِ والإبنِ والرُّوحِ القُدُس. فهؤُلاء الثَّلاثة سيَكُونُونَ المَصدَرَ والقُوَّةَ الكامِنة خلفَ تحقيقِ هذا الحصاد العظيم، أو صَيد السَّمك الوفير هذا، وسيَكُونُ القَصدُ من هذا الحصادِ العَظيم إعطاء المجد للهِ الآب والإبن والرُّوحِ القُدُس.

ولقد آمنَ بعضُ المُفَسِّرين عبرَ السِّنين بأنَّهُ يُوجَدُ مغزَىً رُوحيّ في كَونِ الشباكَ لم تَتَخرَّقْ، رُغمَ الصَّيدِ الوَفير الذي تحقَّقَ آنذاك. تفسيرُ وتطبيقُ ذلكَ بالنِّسبَةِ للرُّسُل – ولنا نحنُ اليوم الذين نُحاوِلُ أن نصطادَ النَّاس – هُوَ أنَّنا سنكتَشِفُ أنَّهُ لن تضِيعَ أيَّةُ سَمَكَةٍ منَ الصَّيدِ الذي أمسَكتْهُ الشَّباك التي لم تتخرَّق. وكما علَّمَ يسُوعُ سابِقاً في هذا الإنجيل، الآبُ هُوَ المُحَرِّكُ الأساسِيُّ خلفَ تجاوُبِنا معَ المسيح، وسنَكُونُ بأمانٍ في يَدي الإبن والآب، عندما نتجاوُبُ معَ رِسالَةِ الإنجيل ونُصبِحُ من خِرافِهِ. (6: 44؛ 10: 28، 29)


تثبيتُ بُطرُس

في مُنتَصَفِ هذا الإصحاح الأخير، إبتداءً منَ العدد 15، نَصِلُ إلى جُزءٍ رائِعٍ منَ العهدِ الجديد عن علاقَةِ بُطرُس مع يسُوع. في مُعظَمِ التَّرجمات، سألَ يسُوع بُطرُس ثلاثَ مرَّاتٍ، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني؟" أنا أقتَبِسُ من ترجَمَةٍ تَّفسيريَّةٍ لهذه الأعداد التي تُعَبِّرُ بِوُضُوحٍ عن الكلماتِ اليُونانِيَّة التي إستخدَمها كُلٌّ من يسُوع وبُطرُس في هذا الحوارِ العميق:

"وبَعدَما أكَلُوا سأَلَ يسُوعُ سِمعانَ بُطرُسَ: يا سِمعانُ بَن يُونا، أَتُحِبُّني أكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤُلاء؟ فأجابَهُ، نعَم يا رَبُّ، أنتَ تعلَمُ أنَّني أُعِزُّكَ [لأنَّني صَديقُكَ]. فقالَ لهُ: أطعِمْ حُملانِي. ثُمَّ سألَهُ ثانِيَةً: يا سِمعانُ بنَ يُونا، أتُحِبُّني؟ فأجابَهُ: نَعَم يا رَبُّ. أنتَ تعلمُ أنِّي أُحِبُّكَ [فأنتَ صَديقِي]. قالَ لهُ، إرعَ خِرافِي. فسألَهُ مَرَّةً ثالِثَةً: يا سِمعانُ بنَ يُونا، أتُعِزُّنِي؟ [بِمَعنَى: هل أنتَ حتَّى صَديقِي؟] فَحَزِنَ بُطرُس لأنَّ يسُوعَ قالَ لهُ في المرَّةِ الثَّالِثة "أتُعِزُّني." وقالَ لهُ: يا رَبُّ، أنتَ تعلمُ كُلَّ شَيءٍ. أنتَ تعلمُ أنِّي أُحِبُّكَ." فقالَ لهُ يسُوعُ: أطعِمْ خِرافِي." (يُوحَنَّا 21: 15- 25)

بينما تقرأُونَ هذا المقطَع، لاحِظُوا أنَّهُ بِحُضُورِ ستَّة منَ الرُّسُل الذين سمِعُوا بُطرُس يفتَخِرُ مُتَبَجِّحاً في العُلِّيَّة بأنَّهُ لن يُنكِرَ مُعَلِّمَهُ بتاتاً، سألَ يسُوعُ بُطرُسَ ثلاثَ مرَّاتٍ، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني أكثَرَ من هَؤُلاء؟" المَرَّةُ الثَّانِيَة التي طَرَحَ فيها يسُوعُ السُّؤال، لم يُضَمِّن الآخرينَ الحاضرينَ في سُؤالِهِ.

هل سألَ يسُوعُ بُطرُسَ هذه الأسئِلة ثلاثَ مرَّاتٍ، لأنَّهُ كَونه الله في جسد بَشَريّ، لم يعرِف الجواب؟ بالطَّبعِ لا. فعندما طرحَ يسُوعُ هذا السُّؤال للمرَّةِ الأُولى، ذكَرَ يُوحَنَّا الكلمة التي إستخدمَها يسُوعُ للتَّعبير عن محبَّة، وهي "آغابِّي"، والتي تعني ذلكَ النَّوع الكامِل والتَّام منَ المحبَّة، التي يَصِفُها بُولُس في ما يُسمِّيهِ الكثيرُونَ إصحاحَ المحبَّةِ في الكتابِ المُقدَّس (1كُورنثُوس 13: 4- 7).

عندما أجابَ بُطرُس أنَّهُ يُحِبُّ يسُوع، إستَخدَمَ يُوحَنَّا الكلمة اليُونانِيَّة "فِيلِيُو"، التي تَعني ذلكَ النَّوع منَ المحبَّة التي هي أدنى من محبَّة "آغابِّي" – أي تلكَ المحبَّة التي يُمكِنُ وصفُها بِمُجَرِّدِ صداقَة. لقد كانَ بُطرُس يُجيبُ على سُؤالِ يسُوع بالقَول، "أنتَ تعرِفُ الجوابَ على هذا السُّؤال. أنتَ تعرِفُ أنَّني مُجَرَّدُ صَديقٍ لكَ." تلكَ النَّوعِيَّة منَ المحبَّة التي إعتَرَفَ بها بُطرُس ليَسُوع ليسَت محبَّة آغابِّي التي أوصَى بها يسُوعُ في العُلِّيَّة – والتي تأتي من اللهِ وتُنتِجُ إلتزاماً كُلِّيَّاً.

المُلاحظَة الأكثر أهمِّيَّةً التي يُمكِنُنا القِيامُ بها حيالَ هذا اللِّقاء هي التَّغيير الذي نراهُ في بُطرُس. فعِندَما سألَ يسُوعُ بُطرُسَ إن كانَت محبَّتُهُ أكثر من محبَّةِ باقي الرُّسُل ليسُوع، لا نَجِدُ بُطرُس يفتَخِرُ في جوابِهِ ليسُوع أو يتبجَّحُ بأنَّهُ يُحِبُّ يسُوع أكثَر من باقي الرُّسُل. وكأنَّ الرَّبَّ يسألُ قائِلاً، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني من كُلِّ قَلبِكَ، فكرِكَ، نفسكَ وقُدرَتِكَ؟" ويُجيبُ بُطرُس، "أنتَ تعلَمُ الجوابَ يا رَبّ. أنتَ تعلَمُ أنَّ محبَّتي لكَ هِي مُجَرَّد صداقَة."

هُنا نَجِدُ بُطرُس يجتازُ فيما يُمكِنُ وصفُهُ بكلمةٍ واحِدة هي "الإنكِسار." لقد كانَ بُطرُس مسحُوقاً في الرُّوح. طريقَةٌ أُخرى لقولِ هذا الأمر نفسهِ هي بأن نَقُولَ أنَّهُ يختَبِرُ المَوقِفَ الجميلَ الأوَّل الذي علَّمَ عنهُ يسُوعُ في مَوعِظَتِهِ على الجَبَل – والذي أسماهُ يسُوع "مساكين بالرُّوح." فلقد صادَقَ على ذلكَ الموقِف الجميل بالحُزن، مثل بُطرُس، لأنَّنا غالِباً ما نحزَنُ ونكتَئِبُ عندما نختَبِرُ الإنكِسار أو الإنسحاق، أو عندما نَكُونُ مساكين في الرُّوح. (متَّى 5: 3، 4)


أجمَلُ الأعداد في الكِتابِ المُقدَّس

تأكَّدُوا من أن تُلاحِظُوا أنَّهُ عندَما إعتَرَفَ بُطرُس بأنَّ محَبَّتَهُ لِرَبِّهِ هي مُجَرَّدُ صدَاقَة، أجابَ الرَّبُّ، "إذاً، إرعَ غَنَمِي يا بُطرُس." أعتَقِدُ أنَّ هذا هُوَ واحِدٌ من أَجمَلِ الأُمُور في كلمةِ الله. وأعتَقِدُ أنَّ الرَّبَّ يقُولُ لِبُطرُس، "يا بُطرُس، أُريدُ شخصاً مثلَكَ ليَرعَى غَنَمِي. أُريدُ شخصاً مثلكَ يعرِفُ معنى الفَشَل. ولا أُريدُ شخصاً كمالِيَّاً مِثالِيَّاً، يَضَعُ مُتَطَلِّباتٍ غير واقِعيَّة على خِرَافِي. أُريدُ شخصاُ مَكسُوراً ومُنسَحِقاً – أُريدُ شَخصاً يرعى الخراف التي مُتُّ لأجلِها. أُريدُ شخصاً عَطُوفاً، يَهتَمُّ بآلامِ الخرافِ التي أحبَبتُها أنا كثيراً، ويُعالِجُ فشلَها. أُريدُ شخصاً مِثلَكَ ليَرعَى خِرافي الغالِيَة والعَزيزة يا بُطرُس."

المرَّةُ الثَّانِيَة، طَرَحَ فيها الرَّبُّ السُّؤال، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني حقَّاً؟" وهُنا أيضاً إستخدم يُوحَنَّا كلمة "آغابِّي." المرَّةُ الثَّانِيَة التي أجابَ بها بُطرُس بأنَّهُ يُحِبُّ الرَّبّ، إقتَبَسَ يُوحَنَّا قولَ بُطرُس وهُوَ يُجيبُ ثانِيةً بِكلمة "فِيلِيُو." رَدَّاً على هذا الإعتِرافِ الثَّانِي لِبُطرُس، يذكُرُ يُوحَنَّا جوابَ يسُوع لِبُطرُس مُستَخدِماً العبارَة اليُونانيَّة التي تَعني: "إذاً إرعَ غَنَمي، يا بُطرُس." ولكنَّ جَوهَرَ ما تعنيهِ هذه الكلمات هُوَ: "إذاً، إهتَمَّ بِخِرافِي. فأنا أُريدُ شخصاً مثلكَ يا بُطرُس ليَهتَمَّ بِحاجاتِ خِرافي." (يُوحَنَّا 21: 16)

وتَصِلُ هذه الدَّراما الحاسِمَة لهذا الحوار الدينامِيكيّ بينَ يسُوع وبُطرُس إلى ذُروَتِها، عندما يسألُ الرَّبُّ في المرَّةِ الثَّالِثَة، "يا بُطرُس، أَتُحِبُّني؟" المرَّةُ الثَّالِثَةُ يستَخدِمُ يُوحَنَّا كلمة "فيليُو" للتَّعبِيرِ عن كلمة محبَّة. هذا يعني أنَّ يسُوعَ كانَ يسألُ هذا القائِدَ المُستَقبَلِيّ للكنيسة، "يا سِمعانُ بنَ يُونا، هل أنتَ حَتَّى صَديقِي؟"

عندما نفهَمُ هذه الكلمات اليُونانِيَّة، نُدرِكُ لماذا حَزِنَ بُطرُس بسبِبِ الطريقة التي بها طرحَ الرَّبُّ السُّؤالَ ثالِثَةً. وكذلكَ نحنُ نُثَمِّنُ إنكسارَ بُطرُس المُمَثَّل في هذا الجوابِ الأخير من بُطرُس على أسئِلَةِ يسُوع الثَّلاثة: "يا رَبُّ، أنتَ تَعرِفُ قَلبِي. أنتَ تعلَمُ كُلَّ شَيء. أنتَ تعلَمُ أنَّني على الأقَلّ لديَّ هذا المقدار من المحبَّة. أنتَ تعلَمُ بالتأكيد أنَّي على الأقل صديقُكَ" (يُوحَنَّا 21: 17).

وكما أشَرتُ سابِقاً، أجمَلُ جُزءٍ في هذا الحِوار بينَ يسُوع وبينَ هذا الرَّسُول، الذي أنكَرَ رَبَّهُ ثلاثَ مرَّاتٍ، هو أنَّهُ عندما إعتَرَفَ بُطرُس بإنكِسارِهِ، كانَ جَوابُ الرَّب الأخير لهُ هُوَ: "إذاً إرعَ غَنَمِي، يا بُطرُس!" أعتَقِدُ أنَّ هذا في غايَةِ الرَّوعة. فإن كُنتَ قد خَيَّبتَ آمالَ الرَّبِّ مَرَّةً، عليكَ أن تُفَكِّرَ أيضاً بأنَّ كلمات يسُوع الأخيرة هذه لبُطرُس هي من أجمَلِ ما كُتِبَ في الكِتابِ المُقدَّس.

فكلماتُ التَّثبيت هذه التي قالَها يسُوعُ لبُطرُس – والتي كرَّرَها الرَّبُّ ثلاثَ مرَّاتٍ – تعني أنَّ يسُوعَ المسيح الحَيّ المُقام لا يُريدُ أشخاصاً كَمالِيِّين، يُدافِعُونَ عن أُسطُورَة كمالِيَّتِهم، ويطلُبُونَ تَوَقُّعاتٍ غير واقِعيَّة منَ الخراف. لقد كانَ الفَرِّيسيُّونَ الوحيدينَ الذين أثارُوا مشاعِرَ الغَضَب عندَ ذلكَ الذي كانَ "الله معنا." أحدُ أسباب غَضَب الرَّب منَ الفَرِّيسيِّين كانَ أنَّهُم وضَعُوا مُتَطَلِّباتٍ غير واقِعيَّةَ على شَعبِ الله. (متَّى 23: 13).

قالَ لي أحدُ أساتِذَتي: "أنتَ لستَ الله، لذلكَ إسمَحْ لِنَفسِكَ بأن تفشَلَ، وإسمَحْ للآخرينَ بما تَسمَحْ بهِ لنَفسِكَ بِواقِعيَّة. فالأشخاصُ الذين يَرفُضُونَ أن يسمَحُوا بالفَشَل لذواتِهِم وللآخرين، سوفَ يَقُودُونَ أنفُسَهُم والآخرينَ نحوَ اليأس." وقالَ لي أُستاذٌ آخر من أساتِذَتي أنَّهُ عندما كانَ يُودِّعُ زوجَتَهُ ماضِياً لأوَّلِ يومٍ عمَلٍ كقَسِّيسٍ لِمَجلِسِ الشُّيوخ الأميركي، قالَ لِزَوجَتِهِ: "كُلُّ يَومٍ عِشتُهُ أعَدَّني لهذا اليوم."

هذا الحِوارُ بينَ يسُوع وبُطرُس يلمِسُ قُلُوبَنا عندما نُدرِكُ أنَّ يسُوعَ يُقنِعُ بُطرُس – ويُقنِعُكَ ويُقنِعُني – بأنَّ إنتِصاراتِنا وسقطاتِنا هي أدواتٌ يستَخدِمُها الرَّبُّ ليُطَوِّرَ شَخصِيَّاتِنا الرُّوحِيَّة، ولِيُقنِعَنا بالحقيقَةِ الدِّينامِيكيَّة التي علَّمَ بها في الخُلوَةِ المسيحيَّةِ الأخيرة. فعندَما علَّمَ يسُوعُ رُسُلَهُ مثلَ الكرمة، علَّمَهُم وإيَّانا أنَّنا بِدُونِهِ لا نستَطيعُ أن نعمَلَ شَيئاً، لا قَليل ولا كثير، بل لا شَيءَ البَتَّةَ! (يُوحَنَّا 15: 5) وبينما نتبَعُ يسُوع، كُلُّ ما يحدُثُ لنا يُمكِنُ أن يكُونَ جزءاً من كُلِّيَّةِ اللاهُوت، والدِّراسَةُ في كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ هذهِ لا تَنتَهي أبداً.

لماذا أظهَرَ يسُوعُ المسيحُ المُقامُ قُوَّةً عظيمَةً يومَ الخمسين من خلالِ هذا الرَّجُل بُطرُس؟ أعتَقِدُ أنَّنا عندَما نفهَمُ ديناميكيَّاتِ مُقابلَة يسُوع معَ بُطرُس على الشَّاطِئ، صبيحَةَ ذلكَ اليوم، نَجِدُ الجوابَ على هذا السُّؤال.

لقد كان الرَّبُّ يُعَلِّمُ بُطرُس ثلاثَةَ دُرُوسٍ يحتاجُ رِجالاتُ اللهِ أن يتعلَّمُوها، قبلَ أن يُصبِحُوا أدواتٍ يستَخدِمُها اللهُ بيدَيهِ بِقُوَّة. الدَّرسُ الأوَّل هُوَ: "أنتَ لا أحد ذُو شَأن." الدَّرسُ الثَّانِي هُوَ: "أنتَ أحَدٌ ذُو شأن." الدَّرسُ الثَّالِثُ هُوَ: "دَعني الآن أُظهِرُ لكَ ماذا أستَطيعُ أن أعمَلَ من خلالِ شَخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد ذو شأن." في كُتَيِّبي عن سفرِ الخُروج، أظهَرتُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة من خلالِ حياةِ وإختِبارِ مُوسى. (الكُتَيِّب رَقَم 1). سوفَ تَجِدُونَ اللهَ يُعَلِّمُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة لأشخاصٍ يستَخدِمُهُم عبرَ الكتابِ المُقدَّس. وسوفَ تكتَشِفُونَ أيضاً أنَّ اللهَ يُعَلِّمُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة لأُناسٍ اليوم. فعندما يُريدُ اللهُ أن يستخَدِمَكَ، سوفَ يُعَلِّمُكَ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة نفسَها.

طَريقَةٌ أُخرى لتَلخيصِ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة هي بالقَول أنَّ أشخاصاً مثل مُوسى وبُطرُس، اللذينِ تعلَّما هذه الدُّرُوس الثَّلاثة، إكتَشَفا البَرَكَةَ النَّاتِجَة عن معرِفَةِ هذه الأسرارِ الرُّوحِيَّةِ الأربَعة:

"لا يَهُمُّ من أو ما أنا، بل المُهِمُّ من هُوَ وما هُوَ الله. ما يَهُمُّ هُوَ ليسَ ما أستَطيعُ أو لا أَستَطيعُ عملُهُ، بل ما يَستَطيعُ وما يُريدُ الرَّبُّ أن يعمَلَهُ. لهذا فالمُهِمُّ هُوَ ليسَ ما أنا أُريد، بل ما هُوَ يُريدُ." عندما أتَعَلَّمُ هذه الأسرار الرُّوحيَّة الأربَعة، عندما بإمكانِي أن أنظُرَ إلى الوراء، حيثُ إستَخدَمَني المسيحُ، وأن أقُول، "عندما أُفَكِّرُ بِقيمَةِ حياتِي، أُدرِكُ أنَّهُ لم يَكُنِ المُهِمُّ ما أنا عمِلتُ، بل ما عَمِلَهُ الرَّبُّ من خِلالِي، ذلكَ هُوَ ما سيكُونُ لهُ نتائج أبديَّة لا تَزُول. فقط عندَما إختَبَرتُ هذه الحقائِق الرُّوحيَّة، فقط عندَها أنتَجَتْ حياتِي ما دَعاهُ يسُوعُ، "الثَّمَر الذي يَدُوم." (يُوحَنَّا 15: 16)

أعرِفُ شابَّاً كانَ يُحَقِّقُ إنجازاتٍ جَبَّارَة، قبلَ أن يتعلَّمَ هذه الأسرار الرُّوحيَّة الأربَعة، ولكنَّهُ سُرعانَ ما تعلَّمَها ولَخَّصَها بالتَّالِي: "يسُوع المسيح + أي شَيء = لا شَيء؛ يسُوع المسيح + لا شَيء = كُلّ شَيء."  والرَّبُّ يستَخدِمُهُ بِقُوَّةٍ اليوم كمُبَشِّرٍ مَعرُوفٍ عالَمِيَّاً، لأنَّهُ تعلَّمَ ماذا يستطيعُ اللهُ أن يعمَلَهُ من خلالِ شَخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد.

أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقامَ إختَارَ أن يستَخدِمَ بُطرُس يومَ الخمسين، لأنَّ بُطرُسَ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد ذو شأن. فعلى الشَّاطِئ صبيحَةَ ذلكَ اليوم، أقنَعَ يسُوعُ بُطرُسَ أنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا شأنٍ وبإمكانِ اللهِ أن يستَخدِمَهُ، لأنَّهُ تعلَّمَ أنَّهُ لم يَكُن أحداً ذا شأن. فيوم الخمسين، إكتَشَفَ العالَمُ أجمَع والكنيسة بأسرِها ماذا يستَطيعُ أن يعمَلَهُ المسيحُ الحَيُّ المُقام، من خلالِ شَخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد. (أعمال 2: 32، 33).


مَشيئَةُ اللهِ لِحَياتِكَ (21: 18- 23)

في هذا الإطار، علَّمَ يسُوعُ أيضاً دَرساً حَيويَّاً قَيِّماً عن مشيئَةِ اللهِ لِحَياةِ التلميذِ الحقيقي. كتبَ يُوحَنَّا أنَّ الرَّبَّ قالَ لِبُطرُس: "الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لكَ لمَّا كُنتَ أكثَرَ حداثَةً كُنتَ تُمنطِقُ ذاتَكَ وتَمشِي حَيثُ تَشاءُ. ولكن متى شِختَ فإنَّكَ تَمُدُّ يَدَكَ وآخَرُ يُمنطِقُكَ ويَحمِلُكَ حيثُ لا تشاء." (يُوحَنَّا 21: 18)

 لَرُبَّما كانَ يُشيرُ الرَّبُّ إلى زَمَنِ الشَّيخُوخةِ، وإلى حاجَةِ الإنسان لمَن يعتَني بهِ في شَيخُوخَتِهِ. ولكن لئلا نفهَمُ هذه الأعداد بهذه الطريقة، يُتابِعُ يُوحَنَّا بالقَول، "قالَ هذا مُشيراً إلى أيَّةِ مِيتَةٍ كانَ مُزمِعاً أن يُمَجِّدَ اللهَ بها." (يُوحَنَّا 21: 19)

الأرجَح أنَّهُ كانَ يتكلَّمُ هُنا عن الصَّلبِ عندما قال، "فإنَّكَ تَمُدُّ يدَكَ." كانَ هذا تَعبيراً شائِعاً في تلكَ الأيَّامِ، تماماً مثل عبارَة "يُرفَع"  التي إستَخدَمها يسُوعُ في الإصحاحِ الثَّالِث من هذا الإنجيل، الذي يعني بِوُضُوحٍ الصَّلب. (3: 14)

ثُمَّ نقرَأُ ما يَقُولُهُ الكتابُ، "فإلتَفَتَ بُطرُسُ ونظَرَ التِّلميذَ الذي كانَ يسُوعُ يُحِبُّهُ [أي يُوحَنَّا] يَتبَعُهُ وهُوَ أيضاً الذي إتَّكَأَ على صَدرِهِ وقتَ العَشاء وقالَ يا سَيِّد مَن هُوَ الذي يُسَلِّمُكَ. فَلَّما رَأَى بُطرُس هذا قالَ لِيَسُوعَ يا رَبُّ وهذا ما لَهُ. [أيَّةُ مِيتَةٍ سيَمُوتُ؟]" (يُوحَنَّا 21: 20- 21)

كانَ بطرُس دائماً يتفاخَرُ بأنَّهُ كانَ مُستَعِدَّاً أن يمُوتَ من أجلِ الرَّبِّ. فيُمكِنُ أن يكُونَ الرَّبُّ في هذا الإصحاحِ الختامِيّ قد قَرَّرَ أن يُخبِرَ بُطرُس أيَّةَ مِيتَةٍ سيَمُوت. وإن كانَ التقليدُ دقيقاً في ما يَقُولُهُ عن مَوتِ بُطرُس، فهذا يعني أنَّ يسُوعَ قالَ لبُطرُس أنَّهُ كانَ سيتمتَّعُ بإمتِيازٍ، أي يُصلَبَ رأساً على عَقِب، من أجلِ رَبِّهِ يسُوع.

عندما سَمِعَ بُطرُس هذا، تحرَّكَت طبيعَتُهُ البَشَرِيَّة عندما أشارَ بإصبَعِهِ إلى شَريكِهِ في شَرِكَة زَبَدِي للصَّيدِ البَحرِيّ، أي يُوحنَّا، فقالَ للرَّب، "أنا أعلَمُ أنَّكَ ستمنَحُني النِّعمَةَ والسَّلامَ اللازِمَين لأتحمَّلَ هذه الميتَة الشَّنيعَة، ولكن ماذا عنهُ هُوَ؟ ما هي إرادَتُكَ لحياتِهِ ومَماتِهِ؟" بالطَّبعِ كانَ يُمكِنُ أن يَكُونَ بُطرُس قد سألَ هذا السُّؤال لأنَّهُ أحَبَّ يُوحَنَّا، ولأنَّ يُوحَنَّا أظهَرَ لهُ محبَّةً جمَّةً بينَ نُكرانِهِ للرَّب، وبينَ إعادَةِ إعتِبارِهِ وتثبيتِهِ من قِبَلِ الرَّبِّ يسُوع المُقام.

أجابَ يسُوعُ قائِلاً لِبُطرُس أنَّ لا دَخلَ لِبُطرُس في ما يتعلَّقُ بمَشيئَةِ الرَّبِّ لِحياةِ يُوحَنَّا ومَوتِهِ. أجابَ يسُوع، "قالَ لهُ يسُوعُ إن كُنتُ أشاءُ أنَّهُ يبقَى حتَّى أجيءَ فماذا لكَ. إتَبَعنِي أنتَ."(23) بِكَلماتٍ أُخرى، كانَ الرَّبُّ يَقُولُ لِبُطرُس، "هذا ليسَ من شَأنِكَ يا بُطرُس. فخُطَّتي ليُوحَنَّا هيَ هِيَ. وخُطَّتِي لكَ هِيَ هيَ لا تتغيَّر. فلا تُزعِجْ نفسَكَ بمُحاوَلَةِ معرِفَةِ ما هِيَ خُطَّتي لهُ. بل ينبَغي أن يَكُونَ إهتِمامُكَ وأولَويَّتُكَ بأن تكتَشِفَ ِخُطَّتي لكَ، ومسؤُوليَّتُكَ هي بأن تنظُرَ كيفَ تتبَعني بأفضَلِ طريقَة."

ثُمَّ نقرَأُ: "فذاعَ هذا القَولُ بَينَ الإخوَة إنَّ ذَلِكَ التِّلميذ لا يَمُوتُ. ولَكِنْ لم يَقُلْ لهُ يسُوعُ إنَّهُ لا يمُوتُ. بَلْ إنْ كُنتُ أشاءُ أنَّهُ يَبقَى حتَّى أَجِيءَ فماذا لكَ؟"(يُوحَنَّا 21: 23)

فبعدَ أن يخلُقَ اللهُ أيَّ واحِدٍ منَّا كخَليقَةٍ جديدَةٍ من خلالِ التَّجديد، فإنَّهُ يكسِرُ القالِبَ الذي خلقَنا فيهِ. فنحنُ عملُهُ عندما نختَبِرُ الخلاص (2كُورنثُوس 5: 17 و18؛ أفسُس 2: 10). وفي العنايَةِ الإلهيَّة نحنُ جميعاً مُصَمَّمُونَ لنَكُونَ فريدِينَ ومُمَيَّزِينَ عن كُلِّ شخصٍ آخر على الأرض (المَزمُور 139: 16). فنحنُ نستَعيدُ تلكَ الفرادة المُمَيَّزَة من خلال خلاصِنا (2تيمُوثاوُس 2: 23- 26؛ فيلمُون 19؛ 1تيمُوثاوُس 4: 16). فلِماذا نتوقَّعُ إذاً أن نكتَشِفَ مشيئَةَ اللهِ لِحياتِنا – التي ستَجعَلُنا مُمَيَّزِينَ عن كُلِّ شَخصٍ آخر على الأرض – بمُقارَنَةِ مَشيئَتِهِ لحياتِنا معَ مشيئَتِهِ لحياةِ المُؤمنينَ الآخرين؟

هذهِ حَقيقَةٌ رائِعة، لأنَّنا نقضِي الكَثيرَ من وقتِنا في التفكِيرِ بما يفعَلُهُ الرَّبُّ في حَياةِ الآخرينَ. ولكنَّ الشخصَ الذي سَنُقدِّمُ عنهُ حِساباً، والشَّخصُ الذي نتحمَّلُ مَسؤُوليَّتَهُ، هُوَ نحنُ أنفُسُنا. وينبَغي أن نصرِفَ الوقتَ والطَّاقَةَ على أنفُسِنا، لنَرى إن كُنَّا نعمَلُ ما يُريدُنا الرَّبُّ أن نعمَلَ، وأن نترُكَ الشَّخصَ الآخَرَ لِلرَّبّ.

تُوجَدُ إستِعارَةٌ مجازِيَّةٌ مُستَخدَمَةٌ في كَلِمَةِ الله، التي لا تُفهَمُ بِسُهُولَةٍ في المُجتَمَعاتِ الدِّيمقراطِيَّة. فالمُدُنُ القَديمَةُ مثل رُوما، كانَت تحتَوي على الملايين منَ العبيد بينَ سُكَّانِها. وأنبياءُ العهدِ القَديم عرَّفُوا عن أنفُسِهم بأنَّهُم عبيدُ الله. والرَّسُول بُولُس، في رسائِلِهِ العظيمة، لمَّحَ إلى كَونِنا جميعاً عبيدَ الرَّبِّ يسُوع المسيح، عندما يبدأُ رسائِلَهُ بتقديمِ نفسِهِ كعبدِ يسُوع المسيح. ففي الحضارَةِ التي كتبَ فيها بُولُس رسائلَهُ، لم يَكُنْ للعَبدِ أولَويَّةٌ أكثَر من أن يُرضِي ويُطيعَ سَيِّدَهُ. في هذا الإطار، كتبَ بُولُس يَقُولُ: "كُلُّ عَبدٍ هُوَ لِمَولاهُ يَثبُتُ أو يسقُطُ." (رُومية 14: 4) بِحَسَبِ بُولُس، ليسَ علينا أن نُعطِيَ حِساباً أمامَ بعضِنا البَعض كعَبيدٍ، ولكن علينا أن نُعطِيَ حِساباً أمامَ سَيِّدنا الرَّب يسُوع المسيح.

وبما أنَّ يسُوعَ لم يَكُنْ فقط مُخَلِّصَ بُطرُس، بل وكانَ رَبَّهُ أيضاً، فمِثل بُولُس، كان بُطرُس عبدَ مُعَلِّمِهِ يسُوع. وكعَبدٍ ليسُوع، لم يَكُنْ لبُطرُس حَقٌ بأن يسأَلَ مُعَلِّمَهُ عمَّا هِي خطَّتُهُ لعَبدٍ آخر هُوَ الرَّسُول يُوحَنَّا.

  • عدد الزيارات: 10315