السَّبَبُ الأوَّل
أوَّلاً جَوهَرُ ما يقولهُ يسوع إنّه يجب أن نكون مثمرين، لأنَّهُ ما من تلميذٍ حقيقيٍّ يتبع يسوع ويبقَى غير مثمرٍ (2، 6). ويقول أيضاً إن كان ثمّة غصنٌ لا يحمل أيّ ثمرٍ، فسيقطعه أباه ويرميه بعيداً ويسقط على الأرض حتّى يأتيَ الناس ويجمعوا تلك الأغصان اليابسة ويرموها في النار. أعتقد أنّه يقول هنا أمراً مرعباً. فهو يقصد أنّ "كُلَّ غصنٍ فيَّ لا يحمل ثَمَراً لا يَقبَلُهُ الآبُ، الذي هُوَ الكرَّامُ الحقيقيّ."
فبينما كانَ ينطِقُ يسُوعُ بكلماتِهِ الأخيرة لهؤلاء الرِّجالِ الذين درَّبَهُم لثلاثِ سنواتٍ، كانَ سَبَبُهُ الأوَّل لضَرُورَةِ كونِهِم مُثمِرين هي التَّصريحُ المَهُوب، الواضح والدِّيناميكيّ أنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين لأنَّهُ: "بهذا يَعرِفُ النَّاسُ أنَّكُم تلاميذِي." (8) إنَّ تفسيرَ وتطبيقَ هذا الأمر لنا اليوم، هُوَ أنَّهُ لا يُوجَدُ ما يُسَمَّى بتلميذٍ غير مُثمِرٍ ليَسُوع المسيح. هذا مَثَلٌ عمَّا يُسمِّيهِ أحدُ مُفَسِّري الكتابِ المُقدَّس، "أقوال يسُوع الصَّعبَة." تُوجَدُ أوقاتٌ، عندما أُفَسَّرُ وأُطَبِّقُ فيها تعاليمَ يسُوع، أجِدُ نَفسي أقُولُ: "أنا لم أقُلْ هذا؛ يسُوعُ قالَ هذا!" وهذا واحِدٌ من هذه الأوقات.
لأَكثَرِ من عِشرينَ قرناً منَ الزَّمان، مُعظَمُ هذا العالم كانَ يقسِمُ التَّاريخَ البَشَريَّ إلى قِسمَين: ما قبلَ يسُوع المسيح وما بعدَ يسُوع المسيح. عندما يعيشُ إنسانٌ ما فقط لمُدَّةِ ثلاثٍ وثلاثِينَ سنَةً، ويستخدِمُ العالَمُ تاريخَ ولادَتِهِ كحدٍّ فاصِلٍ للتَّاريخ، علينا أن نستَنتِجَ أنَّ هكذا إنسان قد تركَ أثراً عميقاً جدَّاً على العالم. بِكلماتٍ أُخرى، لقد عاشَ يسُوعُ حياةً مُثمِرَةً بِحَقّ. لهذا، كُلُّ من يدَّعي كونَهُ تلميذاً ليسُوع، عليهِ أن يُبَرهِنَ مِصداقِيَّةَ إدِّعائِهِ هذا، بأن يكُونَ مُثمِراً. من غَيرِ المَعقُول أن يتوجَّبَ علينا أن ندَّعِيَ أن نَكُونَ تلاميذَ ليسُوع المسيح، وأن لا نَأتِيَ بِثَمَر.
السَّبَبُ الثَّانِي
في هذا العدد نفسِهِ، أعلَنَ يسُوعُ السببَ الثَّانِي الذي لأجلِهِ يتوجَّبُ على تلاميذِهِ الذين وظَّفَ في حياتِهِم الكثير، أن يَكُونُوا مُثمِرين: عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرينَ لأنَّهم بهذا يُمَجِّدُونَ الآب (8).كيفَ مجَّدَ يسُوعُ الآب؟ أجابَ على هذا السُّؤال عندما صَلَّى للهِ الآب قائِلاً: "أَنَاْ مَجَّدْتُكَ عَلَىْ الأَرْضِ. العَمَلُ الذِيْ أَعْطَيْتَنِيْ لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ". (يُوحَنَّا 17: 4) كيفَ كانَ هؤُلاء الرُّسُل سَيُمَجِّدُونَ الله؟ بإكمالِهِم العمل الذي أعطاهُم إيَّاهُ يسُوعُ ليَعمَلُوه. تطبيقُ هذا علينا هُوَ أنَّهُ علينا أن نَكُونَ مُثمِرين، لأنَّنا بهذا نُمَجِّدُ الله.
السَّبَبان الثَّالِث والرَّابِع
أعطانا يسُوعُ سَبَباً ثالِثاً ورابِعاً اللذين لأجلِهما ينبَغي على تلاميذِهِ وعلينا نحنُ أن نَكُونَ مثمرِين، وذلكَ عندما قالَ: "كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَاْ لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِيْ فِيْكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". (11) هل لاحظتم يوماً أنّكم تستطيعون أن تملأوا الربّ يسوع المسيح بالفرح؟ هل تعلمون أنّ رؤية ثمارٍ في حياتكم يجلب له فرحاً كبيراً؟ هذا هُوَ السَّببُ الثَّالِث الذي لأجلِهِ ينبَغي أن يكون رُسُلُهُ مثمرين، بِحَسَبِ خطابِ التَّخرُّج الذي ألقاهُ يسُوعُ هُنا.
سَبَبٌ رابِعٌ أخبَرَ يسُوعُ رُسُلَهُ بأنَّهُ عليهِم لأجلِهِ أن يَكُونُوا مُثمِرين وهُوَ: "ليُكمَلَ فَرَحُكُم." (11) وتماماً مثل سلام الله، الفرحُ أيضاً مَشرُوط. هل درستم يوماً الشروط الواردة في الكتاب المقدّس لبلوغ فَرَحِ الرَّبّ؟ فَرَحُ الرَّبِّ هُوَ واحِدٌ من ثِمارِ الرُّوح (غلاطية 5: 22، 23). أحدُ الكُتَّابِ المُفَضَّلينَ عندي يُذَكِّرُنا قائِلاً أنَّ "الألمَ والعذاب لا مَفَرَّ منهُما، أمَّا البُؤسُ واليأسُ فهُما إختِيارِيَّان،" بالنِّسبَةِ للمُؤمِنِ المملوء بالرُّوح، لأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُمكِنُهُ أن يُعطِيَ فرحاً للمُؤمن، حتَّى عندما يَكُونُ في وسطِ المصائِب.
هذا الفَرَح يُمكِنُ وَصفُهُ بالفَرَح الذي يُناقِضُ المَنطِق. فالسَّلامُ والفَرحُ اللذين يَتِمُّ وَصفُهُما في هذه الأعداد يُمكِنُ تَسمِيَتُهُما: "سلامٌ رُغمَ الظُّرُوف،" أو "فرَحٌ رُغمَ الظُّرُوف." بإمكانِنا أن نختَبِرَ السَّلامَ والفَرَح اللَّذَينِ وعدَنا بهِما يسُوعُ – رُغمَ الظُّرُوفِ المُحيطة – لأنَّ هذا السَّلام وهذا الفَرَح لا ينبُعان من داخِلِنا.
كتبَ أحدُ المُفَكِّرين، "هناك أناسٌ يعتقدون أنّ الفرح يَسقُطُ من السماء على شكل قطعٍ، ويهبط على بعض الناس (الآخرين) دُونَ البَعضِ الآخر (نحنُ). ليس هذا ما يعلّمنا إيّاه الكتاب المقدّس." بِحَسَبِ ما يُعَلِّمُ يسُوعُ هُنا، أحد أسباب الفرح هو أن نكون مثمرينَ. كتبَ بُولُس ما يلي:"لِيَمْتَحِنْ كُلُّ وَاْحِدٍ عَمَلَهُ وَحِيْنَئِذٍ يَكُوْنُ لَهُ الفَخْرُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ لا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ". (غلاطية 6: 4)
عندما كُنتُ قَسِّيساً في رَيعانِ الشَّباب، أرسلني راعي الكنيسة التي كُنتُ أخدِمُ فيها، والذي كانَ قد أشرَفَ على رِعايتي وتقدُّمي في الإيمانِ بالمسيح وفي الخدمة، أرسَلَني لأؤسّس كنيسةً تابعةًٍ لكنيسته في مدينَةٍ أُخرى، ولم أَشَأِ أن أترُكَ فريقَ العملِ الرَّاعَويّ الكبير في الكنيسةِ الكبيرة التي كان يرعاها هذا القسِّيس، ولم أَشَأْ تأسيسَ كنيسةٍ جديدة. كنتُ أعمل معه لأنّي حصلتُ حقّاً على فرحٍ عظيمٍ من خدمته المثمرة. لكنّه طلب منّي أن أكونَ أنا أيضاً مُثمِرَاً. وعندما أثبتَّتُ أنّ اللهَ يستطيع استخدام أمثالي، أي عندما قمتُ بعملي الخاص، قال لي إنّ لديّ سبباً للفرح في نفسي وليس في نفسٍ أخرى. ولقد طبَّقَ راعي الكنيسةِ على خدمَتي العددَ الذي إقتَبَستُهُ أعلاهُ، أي غلاطية 6: 4.
بعدَ ثلاثَ عشرَةَ سنَةً، عندما بارَكني الرَّبُّ يسُوعُ المسيحُ الحَيُّ المُقام بخدمَةٍ مُثمِرَة في تلكَ الكنيسة التي كُنتُ أُؤَسِّسُها، شعرتُ بالمَمنُونِيَّةِ الجَمَّة لراعي كنيستِي، لأنَّهُ كانَ يعلَمُ أنَّ هذه المُهِمَّة سوفَ تأتي بالفَرَحِ العظيم للرَّبِّ ولي أنا شَخصِيَّاً. ولا أَقصُدُ أنَّهُ سيتطَلَّبُ الآخرينَ ثلاثَ عشرَةَ سنَةً ليقُومُوا بمثلِ هذا الأمر. ما أُريدُ قولَهُ هُوَ أنَّ هذا هُوَ الفَرَحُ الذي يَصِفُهُ يسُوعُ وينصَحُ بهِ عندَما يَقُولُ: "أُخبِرُكُم بِكُلِّ هذه الأُمُور لأنَّني أُريدُكُم أن تَكُونُوا مصدَرَ فرَحٍ لي، وأُريدُكُم أن تمتَلِئُوا أنتُم أنفُسُكُم بالفَرَح."
السَّبَبُ الخامِس
أمّا السبب الخامسُ الذي من أجلِهِ قالَ يسُوعُ لرُسُلِهِ أن يَكُونُوا مُثمرِين، فهُوَ أنَّهُ إختارَهُم ليَكُونُوا مُثمِرين: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُوْنِيْ بَلْ أَنَاْ اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوْا وَتَأْتُوْا بِثَمَرٍ وَيَدُوْمَ ثَمَرُكُمْ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَاْ طَلَبْتُمْ بِاسْمِيْ". (يُوحَنَّا 15: 16)
هؤلاء الرجال اختاروا إتِّباعَ يسوع وقاموا بعهودٍ له. ولو حاول هؤلاء الصيّادون حمل سفنهم على ظهورهم، لما استطاعوا أن يتبعوه كما فعلوا. لقد اتّخذوا قراراتٍ وقدّموا عهوداً ليسوع. هل بإمكانِكُم أن تتصوَّرُوا الأفكارَ التي جالَت بخاطِرِهم عندما سَمِعُوا يسُوعَ يَقولُ ما جَوهَرُ معناهُ: "أعلم أنّكم قمتم بخياراتٍ، وتعتقدون أنّكم اخترتموني. لكنّ الحقيقة هي أنّي أنا مَن إخترتُكم وأقمتُكُم، وليس أنتم اخترتموني". (يُوحَنَّا 15: 16)
إنّ كلمة "أقامَ أو رَسَمَ" هنا ليست بمعنى رِسامة قَسِّيس في يَومِنا الحاضِر. إنّ كلمة "رَسَمَ أو أقامَ" هي ترجمةٌ لكلمةٍ يونانيّةٍ نجدها ثلاثَ مرّاتٍ في العهد الجديد. وهي تعني أن نحتلّ مكاناً استراتيجيّاً ، كَشَمعَةً على شمعدانٍ، كذلكَ التَّشبيه الذي إستَخدَمَهُ يسُوعُ في موعِظَتِهِ على الجَبَل (متَّى 5: 14- 16). في هذا العدد، يقصُدُ يسوع: "أنا اخترتكم وأنا وضعتكم في مكانٍ استراتيجيٍّ في هذا العالم المُظلِم مثل شمعةٍ في شمعدانٍ لتكونوا مثمرين. عليكُم أن تَكُونُوا مُثمِرينَ لأنِّي إختَرتُكُم لتَكُونُوا مُثمِرين."
السَّبَبُ السَّادِس
ثُمَّ أعطاهُم السَّبَبَ السادِسَ الذي لأجلِهِ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين. قال يسوع إنّ علينا أن نكون مثمرين لأنّنا نتمتّع بأفضليّةٍ روحيّةٍ وهي أنّنا اختبرنا محبّة المسيح لأنفسنا وللعالم بأسره، ويريدنا أن نتشارك مع العالم هذه المحبّة: "كما أحَبَّني الآبُ كذلكَ أحبَبتُكُم أنا. أثبتُوا في محَبَّتِي. إن حَفِظتُم وصايايَ تثبُتُونَ في مَحَبَّتي كما أنِّي أنا قد حَفِظتُ وَصايا أبِي وأثبُتُ في محَبَّتِهِ." (يُوحَنَّا 15: 9، 10) ولقد كانَ يسُوعُ بِذلكَ يُكَرِّرُ بِوضُوحٍ وصِيَّتَهُ الجديدة التي نراها في الإصحاحِ الثَّالِث عشَر والعَدَدَين 34 و35. وهُوَ يُكَرِّرُ التَّعليمَ القائِلَ بأنَّنا نُظهِرُ محبَّتَنا للرَّبِّ عندما نُطيعُ وصاياهُ.
عندما صلّى يسوع لهؤلاء الرجال ولأُولئكَ الذين سيُؤمِنُونَ بهِ من خلالِهم، كانت صلاته من أجل أن نعيش بطريقةٍ تجعل العالم أجمع يعرف ويُؤمِن أنَّهُ "هَكَذَاْ أَحَبَّ اللهُ العَاْلَمَ حَتَّىْ بَذَلَ إِبْنَهُ الوَحِيْدَ" من أجلِ خلاصِهم. ثُمَّ صَلَّى أيضاً من أجلِ أهلِ هذا العالم، ليَعرِفُوا من محبَّةِ تلاميذِهِ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُم بمقدارِ ما يُحِبُّ إبنَهُ (3: 16؛ 17: 22 و23)
لقدِ إختَبَرَ هؤلاء الرجال محبَّةَ المسيح لمدّة ثلاث سنوات، لكنّ العالم الهالِك لم يختَبِرْ معنى محبَّة يسوع. لذلكَ قال لهؤُلاء الرِّجال الذي أحبَّهُم لِثلاثِ سنواتٍ، أن يتشاركوا مع العالم أجمع محبّة يسوع التي سُكِبَتْ عليهم. هذه الوصِيَّة بأن يُحِبُّوا كما هُوَ أحبَّهُم، هي سَبَبٌ آخر الذي لأجلِهِ يتوجَّبُ على هؤلاء الذين عرفُوا محبَّتَهُ أن يَكُونُوا مُثمِرين.
في إطارِ هذا التَّعليم، قدَّمَ يسُوعُ التَّصريحَ العَظيم بأنَّهُ ليسَ حُبٌّ أعظَمُ من أن يضعَ الإنسانُ نفسَهُ من أجلِ أحِبَّائِهِ. في رسائِلِ العهدِ الجديد، التي تُعَلِّمُ المُؤمنين، يُطَبَّقُ هذا التَّعليمُ عندما يلتَزِمُ الأزواجُ بأن يُحِبُّوا زَوجاتِهِم كما أحَبَّ المسيحُ كنيستَهُ وأسلَمَ نفسَهُ لأجلِها، أي لأجلِ خلاصِنا. وتمَّ تعليمُ النِّساءِ بأن يُكَمِّلنَ أزواجَهُم، وأن يَكُونَ تركيزَهُنَّ على الزَّوجِ الآخر، بينَما يُقدِّمنَ حياتَهُنَّ من أجلِ أزوجِهِنَّ وأطفالِهِنّ. في حضاراتِنا التي تُرَكِّزُ على الذَّات، مُعظَمُ الرِّجالِ والنِّساء مُنشَغِلُونَ بأنفُسِهم أكثرَ منَ اللازِم، ممَّا لا يسمَحُ لهُم تطبيقُ هذا التَّعليم. كم نحتاجُ أن نسمعَ هذا التَّحدِّي من يسُوع، أنَّهُ لا يُوجَدُ حُبٌّ أعظَمُ من هذا أن نضعَ حياتَنا من أجلِ الآخرين، مُبتَدِئينَ بزيجاتِنا ومنازِلِنا.
السَّبَبُ السَّابِع
أمّا السبب السَّابِعُ ليكونوا مثمرين فهو أنَّ الكَرَّامَ – أي الله الآب – مُلتَزِمٌ تماماً بأن يجعَلَهُم مُثمِرين. لِنَقرَأْ بِرَوِيَّة العدَدَ الثَّانِي، ثُمَّ لِنُلاحِظْ أنَّهُ عندما يجدُ الآبُ السَّماوِيُّ غُصناً مُثمِراً في هذه الكرمة، فإنَّهُ يُشَذِّبُهُ ليأتي بِثَمَرٍ أكثَر.
منذُ عدَّةِ سنواتٍ، ساعَدني زوجٌ وزوجَةٌ تَقِيَّينِ على فهمِ هذه الصُّورَة المجازِيَّة التي إستَخدَمَها يسُوع. فقَصَّا عليَّ بالتَّفصيل كيفَ أنَّهُما قاما بإتِّخاذٍ قرارٍ بالتَّقاعُدِ المُبَكِّر من عَمَلِهِما الصَّعب، فإشتريا كروماً في شمالِي كالِيفُورنيا. وبما أنَّهُما لم يعرِفَا شَيئاً بتاتاً عن العنايَةِ بالكُرُوم، وظّفا كرّاماً خَبيراً مُتَقدِّماً بالسِّنّ ليريهما كيف يعتنيان بتلك الكروم.
أوّل أمرٍ علّمهما إيّاه الكرّام كان عبورَ كلِّ الكروم التي اشترياها وقَطْعَ كلِّ الأغصان اليابسة والمتروكة من الموسم السابق.
وبعدَ أنِ إنتَهوا جَميعاً من القِيامِ بهذا الأمر، فَرحَ الزَّوجانِ كَثيراً عندما بدأت بعض البراعم تنبت على كرومهما. فقال الكرّام لهما: "تلك هي الجُذَيْرَاْتُ. سوف نسير ونقطعها كلَّها، لأنّكما لن تحصلا على نوعيّةٍ وكمّيّةٍ جيّدتينِ من الثمر، إلا إذا قطعتما تلك الجُذَيْرَاْتِ. إنّ الجذيرات تمتصّ كلّ العناصر التي تعطي الحياة، وبالتالي، لا تنتج الكرمة الثمار التي تريدان رؤيتها".
وأخبَرَني الزَّوجانِ أنَّهُم تَشَجَّعا كَثيراً حين ظهرت عناقيد العنب الصغيرة على أغصانِ الكرُوم. ولكن، للمرّة الثالثة قال لهما الكرّام: "سوف نعبر الكروم مجدّداً ونقطع هذه العناقيد، وإلا لن تحصلا أبداً على نوعيّة الفاكهة وكمّيّتها اللتينِ تريدانها".
ولقد أخبَرني الزَّوجانِ أنَّهُما للمرّة الأولى في حياتهما فَهِما العدد الثاني من الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنّا، حيثُ علَّمَ يسُوعُ قائِلاً أنَّهُ عندما يجدُ الكَرَّامُ/الآبُ، غُصناً ثابِتاً في الكَرمة ومُثمِراً، يُنَقِّيهِ ويُشذِّبُهُ لأنَّ يُريدُ أن يرى المزيدَ منَ الثِّمارِ عليهِ.
فأجَبتُهُما أنَّ الإستِماعَ إلى إختِبارِهما كَكَرَّامَينِ جَديدَين، قد ساعَدَني كثيراً على تطبيقِ هذا التَّشبيهِ العَميق الذي أعطاهُ يسُوع، على الأحداثِ التي كُنتُ أختبِرُها في حياتِي وخدمَتي. أعتَقِدُ أنَّ الرَّبَّ نظَرَ إلى خدمَتي كما كانت في السَّبعينات، ورأى أنَّني كُنتُ مُثمِراً. وكُنتُ ثابِتاً فيهِ وأحمِلُ ثماراً لأجلِه. ولكنَّهُ لم يَكُن راضِياً على نَوعِيَّةِ أو كَمِّيَّةِ الثِّمار التي كانَ يجنيها من حياتِي. لهذا قالَ: "سوفَ أُشَذِّبُهُ وأَجعَلُهُ أكثَرَ إثمارً."
في نهايَةِ الثَّمانِينات، كُنتُ قد أصبَحتُ مَشلُولاً تماماً، بِسَبَبِ مرضٍ عُضالٍ لا يُرجَى شِفاؤُه. فمُنذُ أوائِل الثَّمانِينات، كُنتُ قد بدأتُ أشعُرُ بالشَّلَل في جسدي. وهكذا أصبحتُ مَشلُولاً تماماً الآن، منذُ عدَّةِ سنوات. ينظُرُ النَّاسُ إلى مَرَضِي ويَرْثُونَ لِحَالِي قائِلين: "يا لِهذا العَجز." فأُجيبُ، "لا، هذا ليسَ عجزاً، بل تشذِيباً. إنَّهُ تشذيبُ الآبِ السَّماوِيِّ المُحب، الذي يُحِبُّني لدَرَجَةِ أنَّهُ لا يُريدُني أن أُتابِعَ حياتِي بِسَطحِيَّةٍ، وأنا مُنشَغِلاً بِألفِ أمرٍ وأمر، ظانَّاً أنِّي بِذلكَ أُنتِجُ ثماراً، ولكنَّهُ يُريدُني أن أكُونَ مُثمِراً بطريقَةٍ مُختَلِفَة.
ومنذُ العام 1980، إنخَرَطتُ في أكثَرِ خدمَةٍ مُثمِرَةٍ في حياتِي. ولم يَكُن مُمكِناً أن أُصبِحَ مُثمِراً إلى هذا الحَدّ، لو أنَّني كُنتُ لا أزالُ أتمتَّعُ بِجَسَدٍ سَليم. أنا أُحِبُّ الكرَّامَ الإلهِيّ، لأنَّهُ شَذَّبَني وقطعَ أغصاناً كثيرةً في حياتِي، لكَي لا يسمَحَ بأن تَفُوتَني أعظَمُ فُرصَةٍ لأُثمِرَ بما أسماهُ يسُوع، "ثماراً تَدُوم." (يُوحَنَّا 15: 16)
السَّبَبُ السَّابِعُ الذي لأجلِهِ يَقُولُ يسُوعُ لهؤُلاء الرُّسُل أنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرينَ، هُوَ أنَّ أباهُم السَّماوِيَّ مُلتَزِمٌ بأن يجعَلَهُم مُثمِرين. وفي محبَّتِه لنا، تَمُرٌّ أوقاتٌ يُشَذِبُنا فيها الرَّبُّ ليُحَسِّنَ نوعِيَّةَ وكمِّيَّةَ الثِّمار التي تُنتِجُها حياتُنا لأجلِهِ.
السَّبَبُ الثَّامِنُ
السَّببُ الثَّامِنُ والأخيرُ ليَكُونَ الرُّسُلُ مُثمِرين، نجدُهُ في الجُملَةِ الإفتِتاحِيَّةِ من هذا التَّعليمِ العظيم. لم أُعالِجْ هذه التَّحريضات على الإثمار بحَسَبِ التَّرتيب الذي تظهَرُ فيهِ في هذا الإصحاح. فأنا أُشيرُ إلى أوَّلِ هذه التَّحريضات كالسَّبَبِ الأخير، لأنَّني أعتَقِدُ أنَّهُ السَّببُ الأهَمّ. عندما تحدَّى الرَّبُّ يسُوع الرُّسُلَ بأن يَكُونُوا مُثمِرين، لكَونِهِ هُوَ الكَرمة وهُم الأغصان، قالَ لهُم أنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين، لأنَّ لم تكُن لدَيهِ طريقَةٌ أُخرى يُوصِلَ بها خلاصَهُ إلى هذا العالم، إلا من خلالِ رُسُلِهِ المُثمِرين.
يُوجَدُ شِعرٌ يَصفُ لِقاءَ يسُوع معَ الملائِكَة بعدَ صُعُودِهِ إلى السَّماء. فسألَهُ الملائِكَةُ عن الثَّلاث والثَّلاثينَ سنَةً التي قضاها على الأرض، خاصَّةً عن إنتِصارِهِ على الصَّليب، الذي تمَّتِ المُصادَقَةُ عليهِ بقيامَتِهِ. ثُمَّ سألَ أحدُ الملائِكَةِ يسُوعَ عن مأمُوريَّتِهِ العُظمى وعن خدمَة تبشير العالَم. فأجابَ يسُوعُ بأنَّهُ أوكَلَ هذه المُهِمَّة للرُّسُلِ الأحد عشَر، ولحوالَي خمسئة أخ. فَرَدَّ أحدُ الملائِكَةِ بالسُّؤال، "وماذا لو فَشِلُوا بتبشيرِ العالَمِ بإنجيلِكَ؟" فأجابَ يسُوع، "ليسَ لدَيَّ أيَّةُ خُطَّةٍ بَديلة."
- عدد الزيارات: 12730