عِظَةُ دَفنِ يسُوع
إحدَى طُرُقِ تلخيصِ هذا الإصحاح هي بالقَولِ أنَّ يسُوعَ يَعرِفُ أنَّهُ على وَشَكِ المَوت، وأنَّهُ قرَّرَ أن يُلقِيَ عِظَةِ دفنِهِ الخاصّ. لطالَما فكَّرتُ أنَّهُ معَ تطوُّرِ الأجهزَة الإلكترونيَّة المُتوفِّرَة لدينا اليوم، قد يُفَكِّرُ قسِّيسٌ جدِّيَّاً بأن يُسَجِّلَ عِظَةَ دَفنِهِ على آلَةِ تسجيل، لِكَي يتمَّ إسماعُها للنَّاسِ الذي سيحضُرُونَ دفنَهُ بعدَ مَوتِه.
لقد كانَ جَوهَرُ معنى رِسالَة يسُوع كالتَّالِي: "لا تَدَعُوا قُلُوبَكُم تضطَّرِبْ، لأنَّهُ يُوجَدُ مكان. وأنا ذاهِبٌ إلى ذلكَ المكان، وسوفَ أُحَضِّرُهُ لكُم. وسوفَ آتي ثانِيَةً وآخُذُكُم معي إلى ذلكَ المكان، حيثُ سنبقَى معاً إلى الأبد!" بينما نعلَمُ حقيقَةَ كونِ مَوضُوعِ رِسالَةِ بُولُس الرَّسُول إلى أهلِ أفسُس هُوَ أنَّ السَّماءَ هي مجالٌ رُوحيٌّ نستطيعُ أن نعيشَ فيهِ الآن، يكتُبُ بُولُس الرَّسُول أيضاً أنَّ السَّماءَ هي مكانٌ سنعيشُ فيهِ إلى الأبد معَ الرَّبّ (1 تسالُونيكي 4: 13- 18).
عندما أخبَرَ يسُوعُ رُسُلَهُ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّهُ في بيتِ الآبِ تُوجَدُ منازِلُ كَثيرَة، يُمكِنُ تفسيرُ هذا التَّصريح كالتَّالِي: "تُوجَدُ عدَّةُ أماكن للعَيشِ في الكَون." السماءُ هي مكانٌ. وكَمُؤمِنين، سوفَ نذهَبُ إلى هُناك وسنعيشُ معَ الرَّبِّ إلى الأبد! وبما أنَّنا نُؤمِنُ بذلكَ المكان، علينا أن لا ندعَ قُلُوبَنا تضطَّرِب.
النُّقطَةُ الثَّانِيَة من عِظَةِ دَفنِ يسُوع هي: "لا تَضطَّرِبْ قُلُوبُكُم لأنَّهُ يُوجَدُ شَخصٌ." فمجيءُ الرُّوحِ القُدُس هُوَ المصدَرُ العَظيمُ للتَّعزِيَةِ التي وعدَ بها يسُوعُ تلاميذَهُ في العُلِّيَّة. الكلمة اليُونانيَّة المُتَرجَمَة "المُعَزِّي أو المُرشِد" هي بالحقيقَةِ كلمة "باراقليط،" التي تعني، "الشخصُ الذي يقتَرِبُ منَّا ويلتَصِقُ بنا بهدَفِ مُساعَدَتِنا."
سيَكُونُ لدى يسُوع المزيد ليَقُولَهُ عنِ الرُّوحِ القُدُس في الإصحاح 16. في هذا الإصحاح، الوعدُ بِشَخصٍ يَصِفُهُ الرَّبُّ يسُوع بأنَّهُ "المُعزِّي،" هُوَ السَّبَبُ الثَّانِي الذي لأجلِهِ لا ينبَغي أن تضطَّرِبَ قُلُوبُهم. فحتَّى ولو كانَ سيَترُكُهُم، بمعنى أنَّهُ كانَ على وشكِ المَوت، فإنَّ قُلُوبَهُم لا ينبَغي أن تضطَّرِبَ لأنَّهُ "يُوجَدُ شَخصٌ" يهتَمّ.
النُّقطَةُ الثَّالِثَة في عِظَةِ دَفنِ يسُوع هي "لا تضطَّرِبْ قُلُوبُكُم لأنَّهُ يُوجَدُ سلام." فالتِّلميذُ الذي يُؤمِنُ باللهِ وبِيَسُوع، لديهِ التَّفاؤُل الذي لا ينضُب والذي يأتي منَ الرَّجاءِ بأنَّهُ يُوجَدُ مكانٌ، وبأنَّهُ سيَذهَبُ إلى ذلكَ المكان ليَكُونَ معَ الرَّبِّ إلى الأبد. وهُوَ يُؤمِنُ بوعدِ يسُوع القائِل بأنَّهُ يُوجَدُ شَخصُ الرُّوح القُدُس، الذي يَقِفُ لجانِبِهِ ويُعزِّيهِ ويلتَصِق بهِ ليُساعِدَهُ ويُشَجِّعَهُ. في الأعداد التي إقتَبَستُها أعلاهُ، يَقُولُ يسُوعُ أنَّ أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بالمكانِ والشَّخص، يختَبِرُونَ أيضاً السَّلام الذي وعدَ يسُوعُ بأن يترُكَهُ لنا ويمنحن إيَّاهُ. (يُوحَنَّا 14: 27- 31).
فعندَما يُؤمِنُ النَّاسُ بِيَسُوع ويختَبِرُونَ علاقَةً معَ الرُّوحِ القُدُس، يَحصُلُونَ على ما يُسمِّيهِ الرَّسُول بُولُس "سلام الله الذي يَفُوقُ كُلَّ عَقل." (فيلبِّي 4: 6- 10). بإمكانِنا أن نُسَمِّيَ هذا "السَّلام الذي لا يُفهَمُ بالمَنطِق" لأنَّهُ السِّلام الذي يمنَحُهُ المسيحُ والذي يَتِمُّ وصفُهُ بأنَّهُ ثَمَر الرُّوح (غلاطية 5: 22، 23). إنَّهُ سلامٌ يُعطيهِ المسيحُ لتلاميذِهِ من خلالِ الرُّوحِ القُدُس، عندما تَكُونُ ظُرُوفُ حياتِهِم مُعاكِسَة، ولا يتوقَّعُ أحدٌ أن يشعُرُا بالسَّلام.
بإستِثناءِ الرَّسُول يُوحَنَّا، عندما ماتَ هؤُلاء الرُّسُل جميعاً بطُرُقٍ رَهيبَة كشُهداء، بإمكاننا أن نتأكَّدَ أنَّهُم ماتُوا معَ سلامِ المسيح الذي وعدَهُم بهِ في تلكَ العُلِّيَّة. فيَسُوعُ لم يَكُن يتكلَّمُ عنِ سلامِ العالم، عندما قدَّمَ هذا الوعد للتلاميذ. فلقد وعدَ بأن يُعطِيَنا سلاماً داخِليَّاً معَ نُفُوسِنا، وسلاماً معَ الآخرين، الذي إليهِ يطمَحُ العالَمُ بأسرِهِ. لقد علَّمَ يسُوعُ عن سلامٍ يُعاكِسُ سلامَ العالم. وقبلَ أن يترُكَ التَّلاميذُ هذه الخُلوة، أخبَرَهُم يسُوعُ أنَّهُ سيَكُونُ لهُم في هذا العالَمِ ضِيقٌ، ولكنَّهُ طمأنَهُم قائِلاً أنَّهُ غلبَ هذا العالم بالإيمان، وبإمكانِهِم هم أيضاً أن يغلِبُوا ضيقَ هذا العالم بالإيمان (يُوحَنَّا 16: 33، 1يُوحَنَّا 5: 4).
- عدد الزيارات: 3116