الفَصلُ الثَّاني عشَر مَحَبَّةٌ غَريبَة
(1كُورنثُوس 13: 4- 7)
إنَّ إصحاحَ المَحَبَّةِ العَظيم يُخبِرُنا أنَّ المَحَبَّةَ ليسَ لها نَظيرٌ لأنَّ اللهَ محبَّة، ونَوعِيَّةُ المحبَّة المُقارَنة، المُعَنقَدَة، والمُوصَى بها في هذا الإصحاح هي الله. وبِسبب كونِ نوعيَّة هذه المحبَّة هي الله، فإنَّ المحبَّةَ لا نظيرَ ولا بديلَ لها.
هذه الفضائِلُ الخمس عشرَة لا تستَهلِكُ كُلَّ لائحَةِ الفضائل التي تُعبِّرُ عن محبَة آغابِّي. بل هي بِبَساطَةٍ نماذِجُ من الفضائِلِ الرُّوحيَّة التي ستنتُجُ من حياةِ شَخصٍ يمتَلِئُ بِرُوحِ ذاكَ الذي، في جوهَرِهِ، هُو محبَّة. عندما تتفحَّصُ الخمسَ عشرةَ فضيلَةً التي تُعرِّفُ وتُعَبِّرُ عن المحبَّة التي هي الله، تستطيعُ القولَ بمعنىً ما أنَّ هذه المحبَّة غَيريَّةٌ لأنَّها تهتَمُّ بالآخر.
لقد إتَّهَمَ الكُورنثِيُّونَ الرَّسُولُ بُولُس بكونِهِ مُختَلَّ التَّوازن، كون حياته لا تتمحوَرُ حولَ ذاتِه. جميعُنا لدينا مِحوَرٌ تتمَحوَرُ حولَهُ حياتُنا. بالنِّسبَةِ لمُعظَمِ النَّاس، هذا المِحوَرُ هُوَ الذَّات، أو المصلحة الذَّاتِيَّة. ولقد ميَّزَ الكُورنثِيُّونَ الحقيقَةَ أنَّ بُولُس لم يكُنْ لهُ نَفس محوَر الحياة الذي كانَت تتمَحوَرُ حياتُهم حَولَهُ، ووافَقَهُم بُولُس رأيَهُم (1كُو 5: 13).
صاغَ مُهَندِسُو الفَضاء عبارَة جَديدَةً لنا، وهي "مُنحَرِف عن مِحوَرِهِ." فعندما يكُونُ قمرٌ صِناعِيٌّ مُنحَرِفاً عن مِحوَرِهِ، يُسمَّونَهُ "مُختَلُّ المِحوَر" لأنَّ مِحَورَ أو مركَزَ دَورَتِهِ قد إنحرَفَ عن مَوقِعِهِ الصحيح. عندما تدرُسُونَ هذه الفضائل الخمسَ عشرَةَ التي تُعبِّرُ عن محبَّة آغابِّي، ستكُونُ هذه العبارَةُ جَيِّدَةً لوصفِ القاسم المُشتَرك بينَ هذه الفَضائِل جَميعاً. فإنْ كانَ لكَ هذا النَّوع من المحبَّةِ في حَياتِكَ لأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يحيا فيكَ، ستُعتَبَرُ بمعنىً ما مُختَلَّ التَّوازُنِ لأنَّ حياتَكَ لا تتمَحوَرُ حَولَ ذاتِكَ. فسوفَ تُعتَبَرُ مُختَلاً من قِبَلِ أهلِ هذا العالم، لأنَّ لديكَ مِحَوراً أو مَركَزاً مُختَلِفاً تتمحَورُ حياتُكَ حولَهُ. وستكُونُ مُنحَرِفَ المحِور لأنَّ مِحوَرَ حياتِكَ إنحرَف عندما أسَّسَ المسيحُ الحَيُّ المُقامُ سُكناهُ في قلبِكَ.
مُلاحَظَةٌ أُخرى عن هذا العُنقُود من الفضائِل، يُمكِنُ أن يكُونَ أنَّ هذه الفَضائِل يُعَبَّرُ عنها بِطَرِيقَةٍ خارِجيَّة، لأنَّها تُختَبَرُ أوَّلاً داخِليَّاً. إنَّها تعبيرٌ خارِجيٌّ عن حقيقَةٍ داخِليَّة. مثلاً، بإمكِانِنا القَول أنَّ هذه المحبَّة خارِجيَّاً غيرُ قابِلَةٍ للفَساد، لأنَّها داخِليَّاً غيرُ مَشرُوطة. فعندما تُحِبُّ شخصاً ما بمحبَّة آغابِّي، بإمكانِكَ القول بنِعمَةِ الله، "إنَّ محَبَّتي لكَ غيرُ مَبنِيَّةٍ على حُسنِ أدائِكَ. فمحَبَّتي لكَ هي بدُونِ شُرُوط. فليسَ هُناكَ أيُّ شَيءٍ تعمَلُهُ أو تقُولُهُ يجعَلُني أتوقَّفُ عن محبِّتي لكَ. هذه المحبَّة قاسِيةٌ. وبإمكانِها أن تتحمَّلَ أيَّ شَيءٍ تعمَلُهُ أو تقُولُهُ، لأنَّني أُحِبُّكَ بمحبَّةِ الله."
الكَثيرُ مِمَّا يحدُثُ لِلمَحَبَّة هُوَ مشرُوطٌ، لأنَّ المحبَّةَ الإنسانِيَّةَ عادَةً مَبنِيَّةٌ على الأداء. هُناكَ الكَثيرُونُ من الأطفال الذي يُحَبُّونَ بِشُرُوطٍ. قد يقُولُ الأهلُ لأطفالِهم بِشكلٍ عَلَنِيٍّ أو خَفِيّ، "إذا حصَّلتُم مُستَوىً جَيِّداً في علاماتِكُم، ولم تُسبِّبُوا لنا أيَّة مشاكِل، عندها لَرُبَّما سنُحِبُّكُم." هذا يجعَلُ من الأطفال لا يشعُرُون بالأمان، لأنَّهُم حتَّى وَلَو نفَّذُوا هذا الأمر خلالَ هذا الأُسبُوع، كيفَ يعرِفُونَ أنَّهُم سيتمكَّنُونَ من تحقيقهِ الأُسبُوعَ المُقبِلَ؟ إذا إعتَقَدَتِ إمرأَةٌ بأنَّها محبُوبَةٌ من زَوجِها، فقط بسبب حُسنِ أدائِها الجِنسيّ، قد تَظُنُّ، "ماذا لو مَرِضتُ؟ ماذا لو أصبَحتُ حُبلى؟ ماذا لو لم أعُدْ قادِرَةً على حُسنِ الأداء؟ هل سيَظَلُّ زَوجي يُحِبُّني؟
وإذا إعتَقَدَ رَجُلٌ أنَّهُ محبُوبٌ من زَوجَتِهِ، لأنَّهُ بِبَساطَةٍ يُوفِّرُ إحتِياجاتِ المَنزِل، فقد يبدَأُ بالظَّن، "ماذا لو خَسِرتُ عملي؟ ماذا لو مَرِضتُ ولم أعُدْ قادِراً على توفير حاجاتِ المنزِل؟ هل ستَظَلُّ زوجَتي تُحِبُّني؟
وأخيراً، هذه المحبَّة مُستَحِيلَةٌ داخِليَّاً، إلا إذا كانت مُعجِزَةً رُوحيَّةً داخِلِيَّاً. فقط لأنَّ اللهَ هُوَ المصدَرُ العجائِبيُّ لهذه المحبَّة الدَّاخِليَّة، لهذا فقط لدينا القُدرَة أن نُعَبِّرَ عن هذه المحبَّة.
- عدد الزيارات: 3073