الفَصلُ الرَّابِع عشر بُنيانُ الكَنيسة
(1كُورنثُوس 14: 1- 5)
في الإصحاح 14، يُعالِجُ بُولُس مُجدَّداً موضُوعَ موهِبَةِ الألسِنة. عندما تتَأمَّلُونَ بهذا المَوضُوع في سفرِ الأعمال ورسالة بُولُس هذه، لا بُدَّ أن تَصِلُوا إلى النتيجَة التي وصَفتُها لكُم عندما أعطَيتُ تَعليقي على الطريقة التي ذكرَ بها بُولُس الألسنَة في الإصحاحِ الثَّاني عشَر من هذه الرِّسالة. فالألسنة التي تُكُلِّمَ بها يومَ الخَمسين ليسَت هي الألسِنَة نفسُها التي تكلَّمَ عنها بُولُس هُنا في رِسالَتِهِ إلى الكُورنثِيِّين. فالألسِنة التي تُكُلِّمَ بها يومَ الخمسين كانت تُسمَّى نُبُوَّة، لأنَّ النَّبِي هُوَ الذي يتكلَّمُ بالنِّيابَةِ عنِ اللهِ للإنسان، وتِلكَ الألسِنة كانت مُوجَّهَةً إلى آذانِ النَّاس. (يُوئيل 2: 28؛ أعمال 2: 17، 18)
بدأَ بُولُس تعليمَهُ عن مَوهِبَةِ الألسِنة هُنا في هذا الإصحاح، بإخبارِنا بأنَّ من يتَكَلَّمُ بألسنةٍ لا يُكَلِّمُ النَّاسَ بلِ الله. فالألسِنَةُ المَذكُورَةُ سبعَ عشرةَ مرَّةً في هذا الإصحاح، مُوجَّهَةٌ إلى آذانِ اللهِ وليسَ إلى آذانِ النَّاس.
"لأنَّ الذي يتكلَّمُ بلِسانٍ لا يُكَلِّمُ النَّاسَ بَل الله لأنْ ليسَ أحدٌ يسمَعُ. ولكنَّهُ يتكلَّمُ بأسرار." (1كُورنثُوس 14: 2)
يُخبِرُنا الكتابُ المقدَّسُ أنَّ اللهَ أعطانا مُوسيقى، حتَّى عندما نَكُونُ في حضرَةِ اللهِ للعِبادة، وتكُونُ لدينا حاجَةٌ قُصوى بأن نُعَبِّرَ عمَّا لا يُعَبَّرُ عنهُ، بإمكانِنا التعبير عمَّا لا يُعَبَّرُ عنهُ أمامَ اللهِ من خلالِ المُوسيقى. لهذا كانَ شعبُ اللهِ دائماً مُوسيقيَّاً. فداوُد يَحُثُّنا على أن نأتِيَ إلى محضَرِ الرَّبِّ بِتَرَنُّمٍ (مزمُور 100: 2). كانَ لدى داوُد أربَعَة آلاف كاهن، لم يكُن لديهم أيُّ عمَلٍ إلا أن يُسَبِّحُوا اللهَ بواسطَةٍ أدواتٍ مُوسيقيَّة، صَنَعها داوُد بنفسِهِ لِلعبادَةِ الله (1أخبار 23: 5).
من الطريقة التي يُختَتَمُ بها الإصحاحُ الثَّاني عشَر، يتَّضِحُ أنَّهُ ليسَ الجميع يحصَلُونَ على موهِبَةِ الألسِنة هذه، ولا ينبَغي أن يتوقَّعَ الجميعُ أن يحصَلُوا عَليها. هذه المَوهِبَة ينبَغي أن لا تُعتَبَرَ موهِبَةً إعتِمادِيَّة، أي كونَها تُبرهنُ مصداقِيَّةَ إيمانِ الشخص الذي يحُوزُها وأنَّهُ شخصٌ رُوحيّ، ولا أنَّ الذين لم يحصَلُوا عَلَيها هُم غَيرُ رُوحِيِّين. إن كانَ أيٌّ من المواهِب التي ذَكَرَها بُولُس الرَّسُول في الإصحاح الثاني عَشَر ينبَغي أن تُعتَبَرَ موهِبَةً إعتِماديَّة تُبَرهِنُ مصداقِيَّةَ المُؤمن، فستكُونُ موهِبَةَ النُّبوَّة. بعدَ إخبارِنا أنَّ من يتكلَّمُ بألسِنَةٍ يُكَلِّمُ اللهَ، كتبَ بُولُس يقُول: "ولكنَّ من يتنبَّأُ فيُكَلِّمُ النَّاس،" وهُناكَ ثلاثُ نتائج لهذا: "لِلبُنيان، للتَّحريض، وللتَّعزِيَة." فالنَّبِيُّ هُوَ ذلكَ الشخص الذي من خلالِهِ يتكلَّمُ اللهُ بكلمتِهِ إلى شعبِهِ بهدفِ بُنيانِهم ونُمُوِّهم. وبما أنَّ هدَفَ هذه المواهِبِ الرُّوحيَّة هو أنَّ كُلَّ الأشياء هي لبُنيانِ الكنيسة (1كُورنثُوس 14: 26)، فالذي لدَيهِ موهِبَةُ النُّبُوة هُوَ أعظَمُ ممَّن يتكلَّمُ بألسِنة.
يُقدِّمُ بُولُس تصريحاً واضِحاً في العدد الرَّابِع، عندما يكتُبُ أنَّهُ عندما يتكلَّمُ أحدٌ بِلِسانٍ مجهُول، فإنَّهُ يبنِي نفسَهُ. ولكنَّ الشخصَ الذي يتنبَّأُ، والشَّخصُ الذي من خلالِهِ يتكلَّمُ اللهُ بكلامِهِ، فهُوَ يبنِي الكنيسة. لهذا يكتُبُ بُولُس لاحِقاً: "إنِّي أُريدُ أنَّ جَميعَكُم تتكلَّمُونَ بألسِنة ولكن بالأولَى أن تتنبَّأُوا. لأنَّ من يتنبَّأُ أعظَمُ مِمَّن يتَكَلَّمُ بألسِنة إلا إذا ترجَمَ حتَّى تنالَ الكَنيسَةُ بُنياناً."
لاحِظُوا التشديد أنَّ القَصدَ من كُلِّ المواهِبِ الرُّوحيَّة هي أنْ تنالَ الكنيسةُ بُنياناً. فبِحَسَبِ تعليمِ بُولُس المُوحى بهِ، إذا تمَّ التكلُّم بألسِنة في الكنيسة، أو في الجماعة، ينبَغي أن يكُونَ هُناكَ مُتَرجِمٌ. لأنَّ كُلَّ ما يحدُثُ في الجماعَةِ ينبَغي أن ينفَعَ الجماعَةَ بكامِلِها.
- عدد الزيارات: 2890