الفصلُ الخامِس ثلاثَةُ مبادِئ لِحَياةِ الإقتِداءِ بالمسيح - طَريقَةٌ لائِقَةٌ بمائِدَةِ الرَّبّ
طَريقَةٌ لائِقَةٌ بمائِدَةِ الرَّبّ
عندما أعطَى بُولُس تصحيحاتِهِ المُوحَاة لسُوءِ تصرُّفِ الكُورنثُوسيِّين عندما كانُوا يجتَمِعُونَ حولَ مائِدَةِ الرَّب، علَّمَ المُؤمنينَ الكُورنثُوسيِّين أن يهتَمُّوا ببعضِهِم البَعض وأن يهتَمُّوا بحالَةِ قُلوبِهم عندما يتحلَّقُونَ حولَ تِلكَ المائِدة. لقد تناهَى لأسماعِ بُولُس أنَّ الكُورنثُوسيِّين كانُوا يتناوَلُونَ عشاءَ الربِّ بدونِ لياقَة من ناحِيَتَين: أنَّهُم لم يكُونُوا يُفكِّرُونَ بإخوتِهم وأخواتِهم في المسيح، وأنَّهُم لم يتناوَلوا عناصِرَ عشاءِ الرَّب بإستِحقاق: "لأنَّ كُلَّ واحِدٍ يسبِقُ فيأخُذُ عَشاءَ نفسهِ في الأكلِ فالواحِدُ يجُوعُ والآخَرُ يَسكَرُ." (1كُو11: 21)
دَرَجَتِ العادَةُ في الجِيلِ الأوَّلِ من الكَنيسة أن يُشارِكُوا ما كانُوا يُسمُّونَهُ "وَليمَة المحبَّة"، قبلَ أن يتناوَلُوا مائدة العَشاء الرُّبَّانِي. ويبدُو ممَّا كتبَهُ بُولُس هُنا، أنَّهُم لم يكُونُوا يَضَعُونَ الطعام الذي يجلُبُونَهُ على مائِدَةٍ مُشتَرَكة. بل يبدو أنَّ كُلَّ واحِدٍ جلبَ معَهُ ما يُريدُ أن يأكُلَهُ هُوَ بِنَفسِهِ. فكانَ البعضُ أغنياء وكانُوا يجلُبُونَ الكثيرَ من الطعام، أمَّا البَعضُ الآخر فكانُوا فُقَراء (لَرُبَّما حتَّى كانُوا عبيداً)، ولم يكُونُوا قادِرينَ على أن يجلُبُوا أيَّ طعام. فكانَ بعضُ المُؤمنين يجلِسُونَ ليأكُلُوا أطايِبَ الطعامِ أمامَ مُؤمنينَ آخرينَ كانُوا يتضوَّرُونَ جُوعاً. يعتَقِدُ البعضُ أنَّ بُولُس كانَ يَستَخِفُّ بولائِمِ الطعام التي كانت تُتناوَلُ في الكنائِس، عندما قالَ، "أفَلَيسَ لكُم بُيُوتٌ لِتأكُلُوا فيها وتَشرَبُوا؟" (1كُو11: 22).
كانُوا يتناوَلُونَ العشاءَ الرُّبَّانِي بدُونِ أن يهتَمُّوا بإخوتِهم المُؤمنين. ونرى أيضاً أنَّ بعضَ الإخوة كانُوا يقتَرِبُونَ من مائِدَةِ عشاءِ الرَّبِّ ليُشبِعُوا رَغبَتَهُم بشُربِ النبِيذ. لقد كانُوا يستَخدِمونَ النبيذ لكَي يسكَرُوا. إنَّهُ لأمرٌ مُروِّع أن نقرَأَ عن هذا التصرُّفِ السيِّء، لأنَّنا نُقارِنُ حضارَةَ الكنيسة اليوم بحضارَةِ الكنيسةِ الأُولى في كُورنثُوس. ولكن علينا أن نتذكَّرَ أنَّ هؤلاء كانُوا أوَّلَ أعضاءٍ في أوَّلِ كنيسةٍ في مُجتَمَعِ كُورنثُوس المُنحَلّ أخلاقِيَّاً. نحنُ كوالِدينَ جسدياً أو رُوحِيَّاً، نُدرِكُ أنَّ الأطفالَ يُسبِّبونَ الفوضى. لهذا وصفَ بُولُس هؤُلاء المُؤمنينَ الكُورنثُوسيِّين بالأطفال (1كُورنثوس 3: 1).
لقد كانَ سُوءُ التصرُّفِ هذا مكرُوهاً من قِبَلِ بُولُس. فجوهَرُ معنى مائِدَةِ الرَّبّ هُوَ أن نتذكَّرَ موتَ المسيح وقِيامَتَهُ، وما كانت هاتَين الحَقيقَتين من الإنجيل تعنِيانِهِ للمُؤمنين الذين كانُوا يَلتَقُونَ معَ المسيح ومعَ بعضِهم البَعض على تلكَ المائِدة. لقد وبَّخَ بُولُس كنيسةَ كُورنثُوس بِكتابَتِهِ لهُم: "إذاً أيُّ من أكَلَ هذا الخُبز أو شَرِبَ كأسَ الرَّبِّ بِدُونِ إستِحقاق يكُونُ مُجرِماً في جسدِ الرَّبِّ ودَمِهِ. ولكن لِيَمتَحِنِ الإنسانُ نفسَهُ وهكذا يأكُلُ من الخُبز ويَشرَبُ من الكَأس." (1كُورنُثوس 11: 27- 28).
في بعضِ التَّرجمات، يُحذِّرُ هذا المقطَعُ الكُورنثوسيِّين من الإقتِرابِ من مائِدَةِ الرِّبِ بعدَمِ إستحقاقٍ. ولكنَّ هذه الترجمة قد تجعَلُ المُؤمِنينَ يظُنُّونَ أنَّهُ عليهم أن يكُونُوا مُستَحِقِّينَ لمائِدَةِ الرَّبّ. فعِندَما يقتَرِفُونَ الخطايا، يتغيَّبُونَ عمداً عن مائِدَةِ الرَّب، في وقتٍ يكُونُونَ بأمسِّ الحاجَةِ لهذه المائدة. إنّ الترجمَةَ الصحيحة لقولِ بُولُس هي أنَّهُ كانَ يُعلِّمُ الكُورنثُوسيِّين (وأنا وأنت)، أنَّهُ علينا أن نقتَرِبَ من هذه المائِدة بِلَياقَة. فهذه المائِدة تتكلَّمُ عن عدمِ إستِحقاقِنا وعن إستِحقاقاتِ وآلامِ المسيح المُقام.
بكلمَةٍ واحدة، كانَ بُولُس يَقُولُ لنا أن نجعَلَ من العشاءِ الرُّبَّانِيّ وقتاً للتأمُّلِ في قُلوبِنا أمامَ الرَّب، وليسَ وقتاً لنُتخِمَ نُفُوسَنا بالطعام، بينَما نترُكُ إخوةً لنا يتضوَّرُونَ جُوعاً، وأن لا نسكَرَ بخمرِ مائِدَةِ الرَّب.
أظهَرَ بُولُس أنَّ هذا الوقت كانَ أيضاً للشَرِكة معَ بعضِهم البعض، وذلكَ في قولِهِ: "إذاً يا إخوتِي حِينَ تجتَمِعُونَ للأكلِ إنتَظِرُوا بعضُكُم بعضاً." (33) إنَّ وِحَدَة المُؤمنين هي بُعدٌ هامٌّ في الشركة. إنتِظارُ المُؤمنينَ المُتأخِّرينَ لكَي يشتَرِكَ كُلُّ الجَسَدِ في المائِدة معاً، هُوَ رمزٌ للوحدَةِ أمامَ المسيحِ المُقام، الذي نحتَفِلُ بِقيامَتِهِ ونُطبِّقُها فردِيَّاً وجماعِيَّاً.
كيفَ تقتَرِبُ من مائِدَةِ العشاءِ الرُّبَّانِيّ؟ وهل تأخُذُ وقتَكَ في فحصِ ذاتِكَ قبلَ أن تأكُلَ الخُبزَ وتشرَ الكأس الذي يُمثِّلُ جسدَ يسُوع المكسُور ودمَهُ المسفُوك نِيابَةً عنك؟ وهل تعتَرِف بأهمِّيَّةِ جسدِ ودَمِ المَسيح عندما تتمتَّعُ بالشرِكَةِ العامُودِيَّةِ والأُفُقِيَّةِ معَ المسيح وفي مُجتَمَعِكَ الرُّوحِي؟
تأمَّل في هذا المقطَعِ المَهُوب، وإجعَلْ الوقت الذي تقضِيهِ أمامَ مائِدَة الرَّب إختِباراً مُقدَّسَاً، مُطبِّقاً جوهَرَ معنى المائدة فردِيَّاً وجماعِيَّاً، بإحتِرامٍ وتذكُّرٍ لذبيحَةِ المسيح ولِقيامَتِه.
- عدد الزيارات: 10806