الفصلُ الثامِن قِيامَةُ كُلِّ المُؤمنين
(1كُورنثُوس 15)
إنَّ الإصحاح 15 من كُورنثُوس الأُولى يُعتَبَرُ إصحاحَ القِيامَةِ في الكتابِ المُقدَّس. فالقِيامَةُ هي واحِدَةٌ من الأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ التي يُقدِّمُها بُولُس إلى الكُورنثُوسيِّين كجزءٍ من حَلِّهِ الشامِل للمشاكِل المُتعدِّدة التي عانت منها كنيستُهم. لقد شكَّكَ الفلاسِفَةُ اليُونانُ بمُعظَمِ أشكالِ الظَّواهِر الخارِقة للطبيعة. رُغمَ أنَّ هؤلاء الكُورنثُوسيِّين كانُوا مُؤمنين، فإنَّ تُراثَهُم الحضارِيّ إستَمرَّ بالتأثِيرِ على تفكيرِهم، وجعلتهُم خلفِيَّتُهُم الفكريَّة يُشكِّكُونَ بما هُوَ خارِق للطبيعة، خاصَّةً قيامَة المسيح وقيامةِ المُؤمنين الأموات. لو لم يكُنِ هؤُلاء الكُورنثِيُّونَ قد شكَّكُوا بالقِيامَةِ، لما كانَ لدينا هذه التُّحفَة من بُولُس عن قيامَةِ المسيح وقِيامَةِ المُؤمنينَ الأموات، أي الإصحاح الخامِس عشر من كُورنثُوس الأُولى.
ذكَّرَهُم بُولُس بأنَّ قِيامَةَ يسُوع المسيح كانت جزءاً حَيَويَّاً من الإنجيل الذي كرزَ بهِ والذي آمنُوا بهِ: "وأُعرِّفُكُم أيُّها الإخوة بالإنجيلِ الذي بَشَّرتُكُم بهِ وقَبِلتُمُوهُ وتَقُومُونَ فيهِ. وبهِ أيضاً تخلُصُون إن كُنتُ تذكُرُونَ أيُّ كلامٍ بشَّرتُكُم بهِ إلا إذا كُنتُم قد آمنتُم عبثاً. فإنَّني سلَّمتُ إليكُم في الأوَّل ما قَبِلتُهُ أنا أيضاً أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا حسبَ الكُتُب. وأنَّهُ دُفِنَ وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثالِث حسبَ الكُتُب." (15: 1-4).
كانَ هذا هُوَ الإنجيلُ الذي خلَّصَهُم وكانَ أساسَ نظامِ إيمانِهم بكامِلهِ. وبعدَ أن ذكرَ بُولُس أنَّ قيامَةَ المسيح هي نِصفُ رسالةِ إنجيلِهِ، كتبَ 54 عدداً عن الموضُوع الذي بإمكانِنا أن نُسمِّيَهُ، "القيامَةُ المُطبَّقَة." أعلَنَ بُولُس أنَّ قيامَةَ المسيح يُمكِنُ أيضاً بَرهَنتُها من خِلالِ شهادَةِ مجمُوعَةٍ من الشُّهُود: "وأنَّهُ ظَهَرَ لِصفا ثُمَّ للإثني عشر. وبعدَ ذلكَ ظهرَ دفعَةً واحِدَةً لأكثَر من خمسمئة أخٍ أكثَرُهُم باقٍ إلى الآن ولكنَّ بعضَهُم قد رقَدُوا. وبعدَ ذلكَ ظهرَ لِيَعقُوب ثُمَّ للرُّسُلِ أجمعين. وآخرِ الكُلّ كأنَّهُ للسِّقطِ ظهرَ لي أنا." (15: 5-8)
لقد إستصعَبَ الكُورنثِيُّونَ أن يُؤمِنوا ليسَ فقط بِقِيامَةِ المسيح، ولكن أيضاً بقِيامَةِ كُلِّ المُؤمنينَ الأموات عندَ رُجُوعِ المسيح. (ولقد علَّمَ بُولُس الكُورنثِيِّينَ صراحَةً عن رُجوعِ المسيح ثانِيَةً.) ربطَ بُولُس بينَ قيامَةِ المُؤمنين وبينَ قيامَةِ المسيح، داعِياً قيامَةَ المسيح
"بِباكُورَةِ الراقِدين" القائِمِينَ من الأموات (20). فإن كُنَّا لن نقُومَ من الموت، فهذا يعني أنَّ المسيحَ لم يقُمْ، وأنَّ إيمانَنا باطِلٌ (13- 14). عندما ماتَ يسُوعُ على الصليب، حملَ ثِقلَ خطايانا بنَفسِه. ولكن عندما قامَ من الموت، برهَنَ إنتِصارَهُ على الموت. ولهذا، فإنَّ قيامَتَهُ هي جزءٌ ضَروريٌّ من إيمانِنا. فقِيامَةُ أجسادِنا هي تطبيقُ قيامَةِ يسُوع المسيح على موتِنا وقِيامَتِنا.
تساءَلَ الكُورنثِيُّون، "إن كُنَّا سنقُومُ من الموت، فكيفَ سيحدُثُ هذا، وبأَيِّ جسمٍ سنكُون؟" لقد كانت الخَلفِيَّةُ الفكريَّةُ عند الكُورنثِيِّين العقلانِيِّين أنَّهُم لم يكُونُوا يُؤمنُونَ بِقِيامَةِ المُؤمنين، لأنَّهُم لم يفهَمُوا كيفَ يُمكِن أن تحدُثَ. ولكي يتعامَلَ بُولُس معَ عقلِيَّتِهم، قارَن بُولُس بينَ قِيامَة الأموات وزرع البِذار: "والذي تزرعُهُ لستَ تزرَعُ الجِسمَ الذي سوفَ يَصيرُ بَلْ حبَّةً مُجرَّدَةً رُبَّما من حِنطَةٍ أو أحدِ البَواقي. لكن اللهَ يُعطيها جِسماً كما أرادَ ولِكُلِّ واحِدٍ من البُزُورِ جِسمَهُ." (15: 36- 38)
فعِندَما تُوضَعُ البِزرَةُ في التُّرابِ، تُصبِحُ زهرَةً جميلة، مثل زنابِقِ الحقل، ولم لم نفهَم كيفَ يتِمُّ ذلكَ. والبِزرَةُ التي تُزرَعُ في الأرضِ لا تُشبِهُ الزهرَةَ التي تنبُتُ. فكما يُغَيِّرُ اللهُ البِزرَةَ إلى نبتة، هكذا سيُغيِّرُ اللهُ أجسادَنا الفاسِدة إلى أجسادٍ غير قابِلَة للفساد عندَ قيامَتِه: "يُزرَعُ في فَساد ويُقامُ في عَدَمِ فساد. يُزرَعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مَجد. يُزرَعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قُوَّة. يُزرَعُ جِسماً حَيوانِيَّاً ويُقامُ جسماً رُوحانِيَّاً." (15: 42- 44)
فاللهُ يُعطينا جسداً أرضِيَّاً لكَي نعيشَ في هذا العالم، ولا بُدَّ أنَّ اللهَ سيُعطينا جسداً سماوِيَّاً لِنَعيشَ في السماء. لأنَّهُ لا يستطيعُ لحمٌ ودَمٌ فاسِدَين أن يدخلا ملكوتَ السماوات، لهذا ينبَغي أن يُغيِّرَ اللهُ أجسادَنا الأرضِيَّة، ليُؤهِّلَنا للعَيشَ في المجالِ الرُّوحِيِّ الأبدي. هذا ما سيُحقِّقُهُ اللهُ في قِيامَتِنا. فأُولئكَ الذين سيكُونُونَ أحياء عندَ رُجُوعِ المسيحِ ثانِيَةً سوفَ يختَبِرُونَ هذا التغيير أو التحوُّل، وذلكَ "في رمشَةِ عَين." (15: 52). العِبارَة اليُونانِيَّة هُنا تعني، "في ذَرَّة." وبينما يذكُرُ بُولُس هذا التغيير، يُعلِّمُ أنَّ هُناكَ مُشكِلَتين ينبَغي حلُّهما لتحضيرِنا للسماء. فجَسَدُنا القابِلُ للفَساد سوفَ يُصبِحُ غيرَ قابِلٍ للفَساد، والجزءُ المائِتُ منَّا ينبَغي أن يُصبِحَ غيرَ مائِت. عندما تتحقَّقُ هاتانِ المُعجِزَتان، سنكُونُ مُستَعِدِّينَ للسَّماء. تعني كلمة "قيامَة" حرفِيَّاً، "إنتِصارٌ على المَوت." إنَّ قِيامَةَ المُؤمنينَ الأَموات سوفَ تَحُلُّ هاتَين المُشكِلَتَين، وسوفَ تكُونُ إنتصارَ المُؤمِنِ على الموت. لهذا يختُمُ بُولُس تُحفَتَهُ عنِ القِيامَةِ بإعلانِ موتِ وقيامَةِ المُؤمن كإنتِصارٍ عظيم! (54- 57)
لقد طبَّقَ بُولُس تعليمَهُ عن القِيامَةِ على المُؤمنين بِطَلَبِهِ منهُم أن يكُونُوا "رَاسِخِينَ غيرَ مُتَزعزِعينَ مُكثِرينَ في عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِين عالِمينَ أن تعبَكُم ليسَ باطِلاً في الرَّب." (58) يُخبِرُنا كُتَّابُ الأسفارِ المُقدَّسَةِ عن مجيءِ يسُوع المسيح ثانِيَةً، لأنَّ هذا الحدَث هُوَ رجاءُ الكنيسةِ المُبارَك، ورجاءُ العالم الوَحيد.
لاحِظُوا أنَّ الأنبِياء والرُّسُل يُخبِرُونَنا دائِماً لماذا يتكلَّمُونَ إلينا عن المجيء الثانِي للمسيح، وكُلِّ الأحداث المُرتَبِطَة بهِ التي تُحيطُ بهذا الرجاء المُبارَك، مثل قيامتِنا. في العددِ الأخير من إصحاحِ القيامَةِ هذا، يُطبِّقُ بُولُس إنجيلَ القِيامة ليُحرِّكَ المُؤمنين ليعمَلُوا عملَ الرَّبّ. وكأنَّهُ يقُولُ لنا أنَّنا الفَريقُ الرَّابِحُ، وأنَّ نوعِيَّة حياتِنا الأبديَّة سوفَ تُحدَّدُ بمِقدارِ ما كُنَّا جُزءاً من هذا الإنتِصار.
- عدد الزيارات: 6650