الفَصلُ الثاني عشَر نِعمَةُ العطاء
هُناكَ تعليمٌ آخر لبُولُس في هذه الرسالة الثانِيَة إلى أهلِ كُورنثُوس، والذي ينبَغي أن نُركِّزَ عليهِ بينما نختِمُ دراستنا لهذه الرسالة العميقة. قبلَ أن يتجدَّدَ بُولُس ويقبَلَ الإيمان المسيحيّ، كانَ فرِّيسيَّاً غيُوراً مُكَرَّساً للمُحافَظة على الإيمان اليَهُودِيّ المُستَقيم. بما أنَّهُ كانَ يرفُضُ المسيح وكانَ يرى في أتباعِ المسيح مصدَرَ تهديد للإيمانِ اليَهُودِيّ، فأضطهَدَ بِقَسوَة جميعَ اليهود الذي أصبحَوا تلاميذَ ليسُوع المسيح. وبعدَ توبَتِهِ وإيمانِهِ بالمسيح، سبَّبتُ لهُ ذاكِرتُهُ للعديدِ من المُؤمنين أمثال إستفانُوس، الذي ساقَهم إلى السجنِ والموت، سبَّبَت لهُ الكثيرَ من الشعُورِ بالذنب. إنَّ تلاميذَ يسُوع اليَهُود أنفُسَهم، في أُورشَليم واليَهُودِيَّة، كانُوا يُعانُونَ من الإضطِّهادِ والجُوعِ الشدِيدَين. وكما تعلَّمنا من الإصحاحِ الأخير من رسالتِهِ الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس، إمتَلأَ بُولُس بالعطفِ على هُؤلاء اليهود الذين آمنُوا بالمسيح، وكانَ يجمَعُ لهُم تقدِماتِ ومُساعداتِ محبَّةٍ من كنائِسهِ الأُمَمِيَّة لمُساعدَةِ المُؤمنينَ من أصلٍ يهُودِي. إن مُجرَّدَ قِيامِ هذا المُضطَّهِد السابِق لليهودِ الذي آمنُوا بالمسيح، إنَّ مُجرَّدَ قيامِهِ بجمِع التبرُّعاتٍ بعطفٍ لمُساعدَةِ هؤلاء المُؤمنينَ من أصلٍ يهُودِيّ، هُوَ شهادَةٌ على مُعجزَةِ نعمَةِ اللهِ في تغييرِ القُلُوب.
كتبَ بُولُس للكُورنثُوسيِّين عن تقدِمَةِ المحبَّةِ هذه في 2كُورنثُوس 8- 9، طالِباً منهُم أن يُساهِمُوا في هذه التقدمة، إنطِلاقاً من محبَّةٍ قَلبِيَّة لإخوتِهِم المُضطَّهَدِين. وأخبَرَهم عن مُمارَسَةِ الفِيلبِّيِّين للعطاء، من حيثُ كانَ يكتُبُ هذه الرسالة للكُورنثِيِّين، لأنَّهم كانُوا مِثالاً رائعاً عن الكرمِ والأمانَةِ في الوكالة. إنَّ رحلات بُولُس الإرسالِيَّة كانت مدعُومَةً من المُؤمنينَ في فِيلبِّي، الذين كانُوا ناضِجينَ بشكلٍ كافٍ، جعلَ بُولُس يعرِفُ أنَّهُم يُعطُونَ بدوافعَ مُستَقيمة، وأنَّهُم كانُوا يفهَمُونَ ماذا تعني الأمانَةُ في الوَكالة. لقد أعطى الفِيلبِّيُّونَ أيضاً مالاً لدعمِ آلامِ القِدِّيسين في أُورشليم، كما كتبَ بُولُس في هذه الرسالة للكُورنثِيِّين:
"ثُمَّ نُعرِّفُكُم أيُّها الإخوة نِعمَةَ الله المُعطاة في كَنائس مكدُونِيَّة. أنَّهُ في إختِبارِ ضيقةٍ شديدة فاضَ وُفُورُ فَرَحِهم وفقرِهم العميق لِغِنَى سخائِهم. لأنَّهُم أعطَوا حسبَ الطاقَة أنا أشهَدُ وفوقَ الطاقَة من تِلقاءِ أنفُسِهم. مُلتَمِسينَ منَّا بِطِلبَةٍ كَثيرَة أن نقبَلَ النِّعمة وشَرِكة الخدمة التي للقِدِّيسين. وليسَ كما رَجونا بل أعطَوا أنفُسَهم أوَّلاً للرَّبِّ ولنا بِمَشيئَةِ الله. حتَّى إنَّنا طَلَبنا من تِيطُس أنَّهُ كما سبقَ فابتدَأَ كذلكَ يُتَمِّمُ لكُم هذه النِّعمَة أيضاً.
"لكن كما تزدادُونَ في كُلِّ شَيءٍ في الإيمانِ والكَلامِ والعِلم وكُلِّ إجتِهادٍ ومحبَّتكم لنا ليتَكُم تزدادُونَ في هذه النِّعمَة أيضاً." (2كُورنثُوس 8: 1- 7)
لقد أبرَز بُولُس أمانَةَ الفِيلبِّيِّين في الوكالَة كنمُوذَجٍ للكُورنثِيِّين. كانَ الفِيلبِّيُّونَ الكنيسةَ المُفضَّلَةَ عند بُولُس، وكانت كنيسةُ كُورنثُوس الكنيسة الأصعَب لديه. وإذ يُبرِزُ بُولُس وكالَةَ الفِيلبِّيين الأمينة أمامَ الكُورنثُوسيِّين، يُعطينا تُحفَةً فنِّيَّةً لاهُوتِيَّة حولَ موضُوع الوكالَة الأمينة. هُنا نَجِدُ تلخيصاً مُوجَزاً عن نماذِجِ وكالَةِ كنيسةِ فيلبِّي، التي جعلَ منها بُولُس نمُوذَجاً لوكالَةِ العَطاء الأمينة في رسالتِهِ الثانِيَة إلى أهلِ كُورنثُوس.
- عدد الزيارات: 8707