سفرُ الجامِعَة - شَذَرَاتٌ مُوحاةٌ عنِ الحَقيقَةِ في سِفرِ الجامِعَة
شَذَرَاتٌ مُوحاةٌ عنِ الحَقيقَةِ في سِفرِ الجامِعَة
بينما تقرأُ في سفرِ الجامعة، سوفَ تكتَشِفُ مساراً مُزدوجاً للحقيقة. فهُناكَ أوقاتٌ شكَّكَ بها سُليمان، وأوقاتٌ أُخرى تساءَلَ بها عَنِ الحَقيقَةِ، مُتَظاهِراً وكأنَّهُ ليسَ لَدَيهِ أيُّ إعلانٍ منَ الله، وأنَّهُ كانَ يُفَكِّرُ فقط كشَخصٍ غَيرِ رُوحِيٍّ أو عالَمِيٍّ تماماً. وفي أوقاتٍ أُخرى، فكَّرَ وتأمَّلَ سُليمانُ كإنسانٍ رُوحِيٍّ ذي إعلانٍ مُوحَىً بهِ منَ الله. رُغمَ أنَّ سُلَيمان عبَّرَ عن عِدَّةِ شُكُوكٍ في إطارِ تلكَ الذِّهنِيَّةِ الأُولَى، فإنَّ الحَقائِقَ التي عبَّرَ عنها كإنسانٍ آخر هي حقائِق عميقَة تُساعِدُنا على إكتِسابِ مفهُومٍ لِقَصدِ ومعنَى الحياة.
نقرَأُ في مقطَعٍ في الإصحاحِ الثَّالِثِ من سِفرِ الجامِعة: "لكُلِّ شيءٍ وقت. ولكُلِّ قصدٍ تحتَ السماء وقتٌ: فللولادةِ وقتٌ، وللموتِ وقت؛ للزرعِ وقتٌ ولقلعِ المزروعِ وقت؛ للقَتلِ وقتٌ وللشفاءِ وقت." جامعة 3: 1-8. يُشبِهُ هذا المقطَع جملةً صغيرةً في المزمور الأوَّل، التي تُخبِرُنا أنَّ الإنسانَ المُبارَكَ يُشبِهُ الشجرَةَ المَغرُوسَةَ عند مجاري المِياه، التي "تُعطِي ثمرها في أوانِه،" أي عمل الله في وقتِهِ في حياةِ الإنسان.
في الإصحاح الرابِع، أعطَانا سُليمانُ حكمةً جميلةً عن الزواج. فهو يقول: "إثنان خيرٌ من واحد، لأنَّ لهما أجرةَ لتَعَبِهما صالِحةً، لأنَّهُ إن وقعَ أحدُهما يُقيمُهُ رفيقُه. وويلٌ لمن هو وحدَه، إن وقعَ إذ ليسَ ثانٍ لِيُقيمَه. أيضاً إن اضَّطجع إثنانِ يكونُ لهما دفءٌ، أمَّا الواحِدُ فكيفَ يدفأ. وإن غلبَ أحدٌ على الواحِدِ يقِفُ مُقابلَهُ الاثنانِ والخيطُ المثلوث لا ينقَطِع سريعاً." (4: 9- 12)
عندَما خَطَّطَ اللهُ لعلاقَةِ الزَّواج، أرادَ أن يَكُونَ الزَّوجُ و الزَّوجَةُ واحِداً في الذِّهنِ والجسدِ و الرُّوح. لقد كانت خُطَّتُهُ ولا تزالُ أن يتمِّ التَّعبير عنِ مَجَالَي الرُّوح والذِّهن، أن يتِمَّ التَّعبيرُ عنهُما بِبهجَةٍ من خلالِ العلاقَةِ الجسديَّةِ الجِنسيَّة. لَرُبَّما كانَ هذا في فِكرِ سُليمان عندَما قال، "الخيطُ المثلوث لا ينقَطِع سريعاً." إذا نُظِرَ بِوُجهَةِ النَّظَرِ هذه نحوَ الزَّواج، يَكُونُ الجِنسُ عندَها أقوَى شَكلٍ من أشكالِ التَّواصُل. فإذا لَم تَكُنِ العلاقَةُ الجَسَديَّةُ في الزَّواج تعبيراً عن أعمَقِ مُستَوياتِ الذِّهنِ والرُّوح، يكُونُ الجِنسُ في هذا الزَّواج على مُستَوى التَّواصُلِ الحَيوانِيّ.
يصفُ سُليمانُ أيضاً في الإصحاح التاسِع مدينةً أنقذتها نصيحةُ رجُلٍ حكيم: "مدينةٌ صغيرة فيها أُناسٌ قَلِيلُون. فَجاءَ عَليها ملكٌ عظيمٌ وحاصَرَها وبَنَى عليها أبراجاً عظيمة. ووُجدَ فيها رَجُلٌ مِسكِينٌ حَكِيمٌ فنجَّى هو المدينة بِحِكمَتِه. وما أحدٌ ذكرَ ذلكَ الرجُل المِسكِين." (جامِعَة 9: 14- 15) يظنُّ سُليمانُ أنَّ تجاهُلَ المدينة لهذا الرجُل الحَكيم وعدَم مُكافأتِه كانَ ظُلماً. ورُغمَ أنَّ جُهُودَ الرَّجُلِ الحَكيم لم تُكَافَأْ، ولكنَّ سُليمان إستَنتَجَ قائِلاً: "كلِماتُ الحُكَماءِ تُسمَعُ في الهُدُوءِ أكثَرَ من صُراخِ المُتَسَلِّطِ بَينَ الجُهَّال." فبالنِّسبَةِ لهُ، إنجازُ العَمَل كانَ أكثَرَ أهَمِّيَّةً من المدحِ الذي يُمكِنُ أن ينالَهُ على إنجازِ العمل.
وإذ يختَتَمُ سُليمانُ سفرَ الجامعة، ينصَحُ الشُّبَّانَ قائِلاً: "فاذكُرْ خالِقَك في أيَّامِ شَبَابِك." (12: 1) لقد عرفَ سُلَيمانُ أنَّ الشَّبابَ هُوَ مرحَلَةُ البَرَكَةِ و الإثمار، ولكنَّهُ عرفَ أيضاً أنَّ الشيخُوخَةَ تقتَرِبُ بِسُرعَة. "أُذكُرْ خالِقَكَ،" قالَ سُليمانُ مُترَجِّيَّاً الشَّابَ، "قبلَ ما ينفصِمُ حبلُ الفِضَّة أو ينسَحِقُ كُوزُ الذهب... فيرجِعُ التُّرابُ إلى الأرضِ كما كان وترجِعُ الروحُ إلى اللهِ الذي أعطاها." (6، 7) خَيراً يفعَلُ الشُّبَّانُ عندما يَذكُرُونَ اللهَ ويَعِيشُونَ حياتَهُم بِشَكلٍ مُستَقيم، لأنَّهُم سيَلتَقُونَ بِوجهِ اللهِ في النِّهاية. وبعدَ كُلِّ هذا، وَجَدَ سُليمانُ أنَّ معنَى الحياة يُوجَدُ في تصريحِهِ النِّهائِي: "إتَّقِ اللهَ واحفَظْ وصاياه، لأنّ هذا هو الإنسانُ كُلُّه." (جامِعَة 12: 13)
- عدد الزيارات: 17135