الفَصلُ الثَّانِي المُشارَكة
عندَما يُرفَعُ السِّتارُ عنِ الفَصلِ الثَّانِي، نتعرَّفُ على أصدِقاءِ أيُّوب الثَّلاثَة، أليِفاز التِّيمانِي، بِلدَد الشُّوحِيّ، وصُوفَر النَّعماتِيّ. وبينما كانُوا جالِسينَ في حُزنٍ صامِتٍ للأيَّامِ السَّبعَةِ الأُولى من زِيارَتِهِم، كانُوا مُعَزِّينَ نَمُوذَجِيِّينَ، لأنَّهُم عَزُّوا أيُّوبَ بمُجَرَّدِ وُجُودِهِم إلى جانِبِهِ. عندما يتألَّمُ النَّاسُ، فإنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ صَديقٍ هُوَ أكثَرُ منفَعَةً من أيِّ كلامٍ.
ولكن سُرعانَ ما تحوَّلَ أصدِقاءُ أيُّوب إلى مُعَزِّينَ مُتعِبِينَ، عندما بدأُوا بالحديثِ عن آلامِ أيُّوب. إفتَتَحَ أيُّوبُ هذا الفَصل، الذي أسمَيتُهُ "المُشارَكَة،" بإلقاءِ كَلِمَةٍ لعنَ فيها اليومَ الذي وُلِدَ فيهِ، والليلةَ الذي فيهِ حُبِلَ بهِ فيها. ولكنَّ أيوب لم يُجدِّف على الله كما توقَّع الشيطان. إنَّ نَمُوذَجَ هذا القِسم الأَكبَر منَ سفرِ أيُّوب، هُوَ أنَّهُ بعدَ أن أنهى أيوب كلامَهُ الإفتِتاحِيّ، بدأَ أحدُ أصدِقائِهِ، وإسمُهُ أليفاز، بالردِّ على أيوب. ومن ثمَّ إحتجَّ أيُّوب على كلامِ أليفاز. ثم قامَ صديقٌ آخر إسمُهُ صُوفَر بالكلام، وكذلكَ ردَّ أيوبُ على صُوفَر. ثمَّ قامَ الصديقُ الثالثُ، بِلدَد، بالكلامِ، وكذلكَ قامَ أيوبُ بالردِّ على بِلدَد. ولقد تكرَّرَت هذه الجولَةُ ثلاثَ مرَّاتٍ مُتَتالِيَة.
إدَّعَى ألِيفَازُ أنَّهُ قَبِلَ كلِمَةً منَ اللهِ مُباشَرَةً، في إختِبارٍ رُوحيٍّ شَخصِيّ، بالإشارَةِ إلى الإنسانِ بكونِهِ تحتَ رَحمَةِ عدلِ الله. ومن خِلالِ إعلانِ اللهِ المُباشَرِ، إستَطاعَ أليفاز أن يَقُولَ لأيُّوب بِسُلطانٍ كبير أنَّ آلامَ أيُّوب هي نتَجَةٌ لِخَطِيَّةٍ ما في حياتِهِ. (أيُّوب 4: 12- 21). وإستَنتَجَ بِلدَد أنَّ أيُّوبَ تألَّمَ وماتَ أولادُهُ، بسببِ خطايا أولادِهِ. (8: 1- 7). ولقد إستَنتَجَ أيضاً أنَّ أيُّوب كانَ خاطِئاً. أمَّا صُوفَر فكانَ لاأَدرِيَّاً، وإنسِجاماً معَ لاأَدرِيَّتِهِ، قالَ أنَّ الإنسانَ لا يستَطيعُ أن يعرِفَ سببَ ألَمِهِ، ولكنَّهُ أضافَ أنَّ التأمُّلَ بألَمِهِ هُوَ أمرٌ يُعَبِّرُ عن حكمَةِ هذا الشَّخص وتقواهُ. (أيُّوب 11: 7- 12) وهُوَ يُوحِّدُ نفسَهُ معَ جَوقَةِ المُعَزِّين الآخرَين ويَتَّفِقُ معَ صَديقَيهِ أنَّ مصدَرَ ألَمِ أيُّوب لا بُدَّ أن يكُونَ خطيَّةً ما في حياتِهِ. وهكذا إتَّفَقَ هؤُلاء المُعَزُّونَ الثَّلاثَة على حَضِّ أيُّوب على التَّوبَة.
تَلخيصاً لِكُلِّ هذه الخُطَب، تعامَلَ أيُّوبُ وأصدِقاؤُهُ معَ السُّؤال الذي طرَحَتْهُ زوجَةُ أيُّوب، "ماذا ينبَغي على البارِّ أن يتوقَّعَ منَ اللهِ أن يضعَ في يدِهِ لكَونِهِ إنساناً بارَّاً؟" ولقد إتَّفَقُوا جميعاً على أنَّ اللهَ يَضَعُ بَرَكاتٍ في يَدي الإنسانِ البارّ، ويضَعُ نقيضَها للإنسانِ الشِّرِّير. ولكنَّ المُعضِلَةَ كانت أنَّ أيُّوبَ بدا وكَأَنَّهُ رَجُلٌ بارٌّ، ولكنَّ الواضِحَ كانَ أنَّ اللهَ أعطاهُ ضَرباتٍ مُؤلِمَة. ولقد إحتَدَّ خلافُهُم معَ أيُّوبَ أحياناً، بينما حاوَلُوا حَلَّ المُعضِلَة.
إتَّفَقَ أصدِقاءُ أيُّوبَ، عبرَ كُلِّ خُطَبِهِم، أنَّهُ لا بُدَّ أن أيُّوبَ كانَ إنساناً شِرِّيراً. وبما أنَّهُ كانَ يبدُو وكأنَّهُ بارٌّ، فلا بُدَّ أنَّهُ كانَ يُخفِي خطيَّةً دفينَةً في حياتِهِ. ولقد نَعَتَ أحدُهُم بأنَّهُ دُودَةٌ، وبأنَّ اللهَ يُقاصِصُهُ بأقَلِّ جدَّاً ممَّا يستَحِقُّ. وآمنَ آخَرُ أنَّ الخطيَّةَ في حياةِ أولادِ أيُّوب هي التي جعَلَت اللهِ يُميتُهُم، ويُعاقِبُ أيُّوبَ بالآلامِ المُبَرِّحَة. وهكذا حضُّوا جميعُهُم أيُّوبَ على التَّوبَةِ والإعتِرافِ بخطاياه. من هُنا يُمكِنُنا أن نرى لماذا لم تُعزِّ كلماتُهُم أيُّوب.
في خُطابِهِ، أصَرَّ أيُّوبُ على كَونِه بارَّاً. وكانَ شديدَ الإقتِناعِ بأنَّهُ كانَ بَارَّاً، لدَرَجَةِ أنَّهُ شكَّكَ بِبِرِّ اللهِ وعدالَتِه في إلحاقِهِ هذا القدر منَ العذابِ بأيُّوب. وإنتَهَى هذا الحوارُ عندما إستَنتَجَ مُعَزُّو أيُّوب أنَّهُم لن ينجَحُوا بإقناعِ أيُّوب بأنَّهُ خاطِئٌ.
رُغمَ أنَّ أصِدقاءَ أيُّوب كانُوا أشخاصاً رُوحِيِّينَ مُتَعَلِّمين، ولكنَّ اللهَ قالَ لهُم لاحِقاً، "لم تَقُولُوا فيَّ الصَّواب كَعَبدِي أيُّوب." أيُّوب 42: 7- 9). فبعدَ أن كلَّمَ اللهُ أيُّوبَ منَ العاصِفَة، نسمَعُ أيُّوبَ، الذي أصرَّ طوالَ الوقتِ في حوارِهِ معَ أصدِقائِهِ بأنَّهُ كانَ بارَّاً، نسمَعُهُ يَقُولُ عن نَفسِهِ أنَّهُ حَقيرٌ. (أيُّوب 40: 4) لهذا، فعندما تقرأُ خُطَبَ هؤلاء الرجال الثلاثة، إقرأها وأنت تحتفِظُ في فكرِكَ بما قالَهُ اللهُ في النهايةِ عن هذه الخُطَب، أنهُم أخطأوا فيما قالوهُ عنِ اللهِ وعن أيوب. فبينما تقرأُ خِطَبَ أيُّوب، المُزَيَّنَة بإدِّعاءاتِهِ بأنَّهُ بارٌّ، عليكَ أن تُدرِكَ أنَّهُ في نِهايَةِ السِّفر، سوفَ يرى أيُّوبُ اللهَ، وسوفَ يكرَهُ نفسَهُ ويتُوبُ ويندَمُ في التُّرابِ والرَّماد. إسألْ نفسَكَ، لماذا كَرِهَ أيُّوبُ نفسَهُ على ما فعلَ، وعمَّ تابَ أيُّوب؟
عندما نقرَأُ أنَّ أصدِقاءَ أيُّوب قَرَّرُوا أنَّهُم لن يتمكَّنُوا من إقناعِ أيُّوب أنَّ خَطِيَّتَهُ هي سَبَبُ ألَمِهِ، وعندما نقرَأُ أنَّ كلماتِ أيُّوب إنتَهَت، ينسَدِلُ السِّتارُ على الفصلِ الثَّانِي.
- عدد الزيارات: 3128