Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِع صُوَرٌ مجازِيَّةٌ لافِتَة - ما هذا؟

الصفحة 3 من 6: ما هذا؟

ما هذا؟

حقيقةٌ أخرى أجدُها مثيرةً للإهتمام في سفرِ العدد، هي حيثُ نقرأُ عن اللحم والمن. لقد أطعمَ اللهُ شَعبَهُ المنَّ بطريقة خارقةٍ للطبيعة. وكلمة "منَّا" بالعِبريَّة تعني "ما هذا؟" فإذ لم يكُن بوسعِهِم أن يُقرِّروا ما هو المنَّا، إكتفوا بتسميتِه بالسؤال: "ما هذا؟" لقد أطعمَهُم اللهُ "ما هذا" لمدَّةِ أربعينَ سنةً.

يُخبِرنا الكتاب أن هذا الشعبَ تذمَّرَ لموسى باستمرار، وأتعبوهُ بتذمُّرِهِم، كما نقرأُ في عدد 11: 4- 6، حَيثُ إبتدَأَ لَفيفُ المِصريِّينَ في وسطِهم يتحَسَّرُونَ على خَيراتِ مِصر. فهُناكَ أشخاصٌ آخرُونَ خرَجُوا من مِصرَ معَ الشَّعبِ العِبريِّ. فكانَ في وسطِهِم أُمَمٌ، كالأثيوبِيِّينَ والمِصريِّين، الذين خرجُوا معَهُم. وصارَ المِصريُّونَ يتَحَسَّرُونَ على خيراتِ مصر. وفي هذا درسٌ رُوحِيٌّ لنا. زادَ هذا على إمتِعاضِ بني إسرائيلَ فبَكُوا وقالُوا، "يا لَيتَنا نستَطيعُ أكلَ قطعَةٍ منَ اللَّحمِ. ويا لَيتَنا نتمتَّعُ بأطايِبِ مصرَ وأسماكِها." (عدد 11).

في هذا الإطار، ترمزُ مصرُ إلى حياتِنا القديمة، حياةِ الخطيَّةِ في هذا العالم. فعندما يتحرَّرُ أحدٌ ما من "مصر"، ثُمَّ يتَحَسَّرُ على ماضِيهِ في مِصر، فإنَّ موقِفَهُ هذا يُحزِنُ قلبَ الله. فاللهُ يَقُولُ لِمُوسى في هذا المقطَع، "قُلْ لِلشَّعبِ أن يتقدَّسُوا، لأنَّني غداً سوفَ أُطعِمُهُم اللحمَ. قُلْ لهُم أنَّ الرَّبَّ سَمِعَ تَذَمُّرَكُم ودُمُوعَكم عن كُلِّ ما تركتُمُوهُ وراءَكُم في مِصر." هذا ما ينبَغي التَّركيزُ عليهِ، وليسَ اللحم. فاللهُ يَقولُ أنَّهُ سيُعطِيَهُم اللحمَ إلى أن يخرُجَ من مناخِرِهم. ولقد قالَ اللهُ، "أنتُم رَفَضتُم الرَّبَّ، وبَكَيتُم مُتَحَسِّرينَ على مِصر." هذا هُوَ المُهِمّ. فبعدَ أن أرسَلَ اللهُ لهُم اللحمَ، أتبَعَهُ بالوَبَأ. ولقد فعلَ اللهُ ذلكَ لأنَّ هذا الشَّعبَ إشتَهُوا اللحمَ ورَجَعُوا بِقُلُوبِهم إلى مِصر.

يَقُولُ الكتابُ المُقدَّسُ أنَّ اللهَ سيَمنَحُنا شَهوَةَ قَلبِنا. تُعتَبَرُ هذه تعزِيَةٌ كَبيرَة، ولكنَّها أيضاً تحدِّياً عظيماً. فهل يشتَهِي قَلبُكَ أُمُوراً رُوحِيَّةٍ، أم أنَّهُ يشتَهي الرُّجُوعَ إلى مصر؟

نقرأُ في المزمُور 106: 15 أنَّ اللهَ أعطى شعبَ إسرائيلَ سُؤلَهُم، ولكنَّهُ أرسَلَ هُزالاً إلى نُفُوسِهم. قد يَصِحُّ هذا على الكثيرِ منَ الذين يعتَرِفُونَ بكَونِهم مُؤمنينَ. فنحنُ مخلوقاتٌ ذات خيار. وبإمكانِنا أن نحصُلَ على ما نختار. فعندما نختارُ ثُومَ وبَصَلَ مِصر، يُعطِينا اللهُ سُؤلَنا، ولكنَّهُ أيضاً يُرسِلُ هُزالاً إلى نُفُوسِنا. إنَّ هذه الصُّورَة المجازِيَّة تضعُ أمامَنا التَّحدِّي فيما يتعلَّقُ بالسُّؤالِ الذي بهِ إفتَتَحَ اللهُ حوارَهُ معنا في جَنَّةِ عَدَن: "أينَ أنتَ؟" هل لا تزالُ في مِصر؟ أم أنَّكَ في أرضِ المَوعِد؟ وهل تدُورُ في حَلَقاتٍ مُفرَغَة بينَ مِصر وكَنعان؟ أم أنَّكَ في كَنعان، ولكنَّكَ تتحَرَّقُ حَسرَةً على مِصر؟

الجَواسِيس
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10599