Skip to main content

الفَصلُ الثالث عشَر صِناعَةُ شَخصِيَّةٍ هامَّةٍ منَ المُزدَرى - قِصَّةُ مُوسَى

الصفحة 3 من 4: قِصَّةُ مُوسَى

قِصَّةُ مُوسَى

أن تَتَحَرَّرَ أنتَ شَخصِيَّاً من سُلطةِ الخَطِيَّةِ هُوَ أعظَمُ إختِبارٍ يُمكِنُ أن تجتازَهُ في حياتِكَ. الإختِبارُ العظيمُ الثَّانِي في الحياة هُوَ أن تُصبِحَ أداةً يتمُّ من خِلالُها تحريرُ الآخرين.

تأمَّلُوا بِحَياةِ مُوسى التي تَنقَسِمُ إلى ثلاثَةِ مراحِل، كُلُّ واحِدَةٍ منها تمتَدُّ أربَعين عاماً. الدَّرسُ الأساسيُّ الذي تعلَّمَهُ مُوسى في الأربَعين سنة الأُولى هُوَ: "يا مُوسى، أنتَ لا شَيء."

ومن خِلالِ ظُرُوفٍ غير إعتِيادِيَّة، ترَبَّى مُوسى في قَصرِ فِرعون. (أنظُرْ خُرُوج 1- 2: 10). لَرُبَّما لهذا السَّبَب كانَ مُوسى يَظُنُّ أنَّهُ شَخصٌ ذُو أهَمِّيَّة. ولكن عندما أصبَحَ تَقريباً في الأربَعين من عُمرِهِ، يَبدُو أنَّ اللهَ نجحَ في إقناعِهِ بأنَّهُ بالحقيقةِ ليسَ ذا أهَمِّيَّةٍ تُذكَرُ. (خُرُوج 2: 11- 15).

الدَّرسُ الثَّانِي الذي علَّمَهُ اللهُ لمُوسى تحقَّقَ في الأربَعين سنة الثَّانِيَة من حياتِهِ. هذه المرَّة، كانت رِسالَةُ اللهِ، "يا مُوسى، أنتَ شَخصٌ ذُو أهَمِّيَّة، لأنِّي أنا إختَرتُكَ وأنا معكَ." في نِهايَةِ الأربَعين سنة الأُولى، خرجَ مُوسى ذاتَ يَومٍ ليتفقَّدَ آلامَ العبيدِ العِبرانيِّين، بعدَ أن كانَ قد أدركَ عندها أنَّهُ هُوَ بِدَورِهِ عبدٌ عِبرانِيٌّ. نقرَأُ في خُروج 2: 11، "وحَدَثَ في تِلكَ الأيَّامِ لمَّا كَبُر مُوسى أنَّهُ خَرَجَ إلى إخوَتِهِ لِيَنظُرَ في أثقالِهم. فرأى رَجُلاً مِصريَّاً يَضرِبُ رَجُلاً عِبرانِيَّاً من إخوَتِهِ." الفِكرَةُ التي يُوحِي بها النَّصُّ هي أنَّ مُوسى حَنَّ على شَعبِهِ، وأنَّهُ شَعرَ بعطفٍ عميقٍ تجاهَ كُلِّ ما كانُوا يُعانُونَ منهُ من آلامٍ.

في تلكَ المرحلة، كانَ اللهُ يَقولُ لمُوسى ما معناهُ، "ليسَت هذه هي الطريقة التي بِها أُريدُكَ أن تَكُونَ مُحَرِّراً يا مُوسى. أُريدُ أن أُرسِلَكَ إلى مَدرَسَةِ اللاهُوتِ لمُدَّةِ أربَعينَ سنَةً، لتُفَكِّرَ كيفَ تُحرِّرُ هذا الشَّعب منَ العُبُودِيَّة. بعدَ أربَعينَ سنَةً، كانَ مُوسى خارِجاً في البَرِّيَّةِ، فرأى عُلَّيقَةَ مُتَوقِّدَةً بالنَّار. بسببِ الحرارَةِ المُرتَفِعَة في الصَّحراء، لم تَكُنْ هذه الظَّاهِرَة غَريبَة هُناك. وعادَةً ما تشتَعِلُ هكذا عُلَّيقة نهائيَّاً في غُضُونِ ثَوانٍ معدُودة. ولكن هذه المرَّة، العُلَّيقَةُ لم تَكُن تحتَرِق ولم تتَحوَّلْ إلى رماد، بل كانت مُتوقِّدَةً فقط بالنَّار. فإقتَرَبَ منها مُوسى ليَكتَشِفَ ماذا يجري (خُرُوج 3: 1- 3). لاحِظُوا ماذا حدَثَ بعدَ هذا. "فَلَّما رأى الرَّبُّ أنَّهُ مالَ لِيَنظُرَ نادَاهُ اللهُ من وَسَطِ العُلَّيقَةِ وقالَ مُوسى مُوسى. فقالَ هأنذا. فقالَ لا تقتَرِبْ إلى هَهُنا. إخلَعْ حِذاءَكَ من رِجلَيكَ. لأنَّ المَوضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ عليهِ أرضٌ مُقدَّسَةٌ. ثُمَّ قالَ أنا إلهُ أبيكَ إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحَقَ وإلهُ يعقُوب. فغَطَّى مُوسَى وجهَهُ لأنَّهُ خافَ أن ينظُرَ إلى الله." (خروج 3: 4- 6).

في هذا المَقطَع، تابَعَ اللهُ بالقَولِ لمُوسى أنَّ المُهِمَّ هُوَ ليسَ أنَّ مُوسى رأى مُشكِلَة العُبُوديَّة الرديئة التي كانَ شعبُ اللهِ يُعاني منها. وليسَ المُهِمُّ عطَفُ مُوسى أو رَغبَتُهُ بأن يعمَلَ شَيئاً حيالَ تلكَ العُبُودِيَّة. لقد أخبَرَ اللهُ مُوسى أمامَ تلكَ العُلَّيقَةِ المُتَوَقِّدَةِ بالنَّار أنَّ ما يَهُمُّ بالحقيقَةِ هُوَ أنَّ إلهَ مُوسى هُوَ الذي رأى مُشكِلَةَ العُبُودِيَّةِ، وقد جاءَ الآن لِيَعمَلَ شَيئاً حيالَها. لِهذا، أخبرَ اللهُ مُوسى أنَّهُ سيُرسِلُهُ إلى فرعَون ليَطلُبَ حُرِّيَّةَ شَعبِ إسرائيل القديم.

هل بإمكانِكَ أن تتخايَلَ الصَّدمة التي سبَبَها هذا اللِّقاءُ لمُوسى؟ فعندما فَشِلَ مُوسى في تحريرِ هذا الشَّعب عندما قتلَ الرَّجُلَ المِصري، أظهَرَ اللهُ لهُ بذلكَ أنَّ مُوسَى هُوَ لا أحد ذُو أهمِّيَّة. أمَّا أمامَ العُلَّيقَةِ المُتَوَقِّدَةِ بالنَّار، فكانَ اللهُ يُقنِعُ مُوسى أنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا أهمِّيَّةٍ. هذانِ الدَّرسانِ الأساسِيَّان: أنَّ مُوسى هُوَ لا أحَد ذُو أهمِّية، وأنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا أهمِيَّةٍ عندما صارَ اللهُ معَهُ، هذان الدَّرسانِ عَزَّزا مفهُومَ الوداعَةِ والتَّواضُع عندَ مُوسى. لقد علَّمَ اللهُ مُوسى هذينِ الدَّرسَين، لِكَي يجعَلَ من مُوسى الوسيلَةَ البَشَريَّةَ لتحريرِ شعبهِ من مِصر.

مُعظَمُ النَّاسِ الذين هُم في مَوقِعِ سُلطَةٍ، يبذُلُونَ كُلَّ جُهدٍ لكَي يختارُوا الأشخاصَ المُؤهَّلِينَ أكثَرَ من غَيرِهِم ليَقُومُوا بأعمالٍ مُهِمَّة. في الكتابِ المُقدَّس، يبدُو تقريباً وكأنَّ اللهَ يُحاوِلُ أن يختارَ الأشخاص الأقلَّ أهلِيَّةً. فإن كانَ اللهُ سيستَخدِمُنا  لنُحَرِّرَ النَّاسَ اليوم، وإذا كُنَّا نُحِبُّ أن نرى صَديقاً أو شخصاً محبُوباً، أن نراهُ يتحرَّرُ من قُيُودِ الخَطيَّة، نحتاجُ أن نتذكَّرَ التَّالِي: لسنا نحنُ المُنقِذينَ والمُحَرِّرين، بل اللهُ هُوَ المُنقِذُ والمُحَرِّر. 

دَرسٌ نتعلَّمُهُ
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9224