Skip to main content

الفَصلُ السَّادِس عشَر رُوحُ الوَصَايا العَشر

أوَدُّ الآنَ أن أنتَقِلَ إلى دراسَةِ الوَصايا العَشر، كما نراها في خُرُوج 20: 1- 17. هذه الوَصايا العَشر تُلَخِّصُ رُوحَ المئاتِ منَ الوصايا التَّفصِيلِيَّة الأُخرى.

كُتِبَتِ الوصايا العشرُ على لَوحَين. على واحِدٍ من هذينِ اللَّوحَين، كانت تُوجَدُ أربَعُ وصايا، جميعُها تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ الله:

1-لا يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامي.

2-لا تَعبُد الأوثان.

3-لا تَحلِفْ بإسمِي باطِلاً.

4-أُذكُرْ يَومَ السَّبت لِتُقَدِّسَهُ.

هذه الوصايا الأربَعُ ترتَبِطُ بعلاقَتِنا معَ الله.

اللَّوحُ الثَّانِي كانَ يَحمِلُ سِتَّ وصايا كانت تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ النَّاس.

5-أكرِمْ أباكَ وأُمَّك.

6-لا تَقتُلْ.

7-لا تَزنِ.

8-لا تَسرِقْ.

9-لا تَكذِبْ.

10-لا تَشتَهِ.

دَعُونا ننظُرُ عن كَثَبٍ إلى هذه الوَصايا العَشر لِنَرى ماذا تَعني بالفِعل.

تَقُولُ الوَصِيَّةُ الأُولى، "لا يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامِي." قِيلَ أنَّهُ يُمكِنُ تَصفِيَةُ الكتابِ المُقدَّسِ إلى كَلِمَتَينِ فقط: "اللهُ أوَّلاً." هذا هُوَ رُوحُ الوَصِيَّةِ الأُولى.

الوَصِيَّةُ الثَّانِيَة تَمنَعُنا من صُنعِ أيَّةِ صُورَةٍ منحُوتَةٍ أو شَبَهِ لأَيِّ شَيءٍ ممَّا في السَّماءِ أو على الأرض، وأن نُسمِّيَها اللهَ. حَرفِيَّاً، تمنَعُنا هذه الوَصِيَّةُ منَ الوَثَنِيَّة، أو من عبادَةِ الأوثانِ والأصنام. إنَّ رُوحَ هذا النَّامُوس، على أيَّةِ حالٍ، هُوَ شَيءٌ كالتَّالِي: اللهُ رُوحٌ. وعلينا أن نقتَرِبَ منهُ بالإيمان. وبما أنَّ اللهَ رُوحٌ، فإنَّ مَوضُوعَ إيمانِنا سَيَكُونُ دائماً غَيرَ مَنظُورٍ. هذه هي الطريقة التي نظَّمَ بها اللهُ طريقَةَ إقتِرابِنا منهُ وعلاقَتِنا معَهُ. إنَّهُ يُريدُنا أن نأتِيَ إليهِ بالإيمان. فإذا حاوَلنا أن نصنعَ شَيئاً مادِّياً أو مَلمُوسا، وقُلنا أنَّ هذا الشَّيء يُمَثِّلُ اللهَ، نُطِيحُ بِذلكَ الحاجَةَ إلى الإيمان.

الوَصِيَّةُ الثَّالِثَة كانت أن لا نحلِفَ بإسمِ اللهِ باطِلاً. رُغمَ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ يَعتَبِرونَ أنَّ هذا يُشيرُ إلى الحِلفانِ فقط، ولكنَّ المقصُودَ هُو أكثَر من ذلكَ. إنَّهُ يعني التَّالِي: في أيِّ وقتٍ تذكُرُونَ إسمَ الله، حتَّى في العِبادَة، عليكُم أن تتَذَكَّرُوا من هُوَ اللهُ، وأن لا تستَخدِمُوا إسمَهُ باطِلاً، أو خارِجَ إطارِ المقاصِد التي يُمَثِّلُها إسمُ الله. فلا يُمكِنُنا أن نستَخدِمَ إسمَ اللهِ بإستِهتارٍ أو بإهمالٍ أو بعَدَمِ إحترامٍ أو بإزدراء، حتَّى خلالَ عبادَتنا لهُ.

الوَصِيَّةُ الرَّابِعَة تُعَلِّمُنا أن نَذكُرَ السَّبتَ لِنُقَدِّسَهُ. وكانَ لهذه الوصيَّة حرفِيَّاً الكثير من التَّطبيقاتِ في مِئاتِ الوصايا في أسفارِ النَّامُوس. الكَثيرُ منَ النَّوامِيسِ اليَهُوديَّةِ إنبَثَقَت من هذه الوَصِيَّة، ولكنَّ المبدَأَ مُشابِهٌ لِمَبدَأِ الوَصِيَّةِ الأُولى: أن تَضَعَ اللهَ أوَّلاً في حياتِكَ. خَصِّصْ وقتاً لَهُ فقط. تطبيقٌ آخر لمبدَأ السَّبت هُوَ الرَّاحَةُ الكامِلَة. تُوجَدُ عدوَى منَ الإنهياراتِ العاطِفِيَّةِ والجَسَدِيَّةِ والإرهاقِ الكامِل، بسببِ إنتِهاكِ شَعبِ اللهِ لِروحِ الوصِيَّةِ الرَّابِعة.

عندما تَصِلُون إلى اللَّوحِ الثَّانِي، ستَجِدُون الوصايا التي تُعالِجُ علاقَتَكُم معَ النَّاس في حياتِكُم. الوَصِيَّةُ الأُولى، تنطَبِقُ بالطَّبعِ على والِديكم. ففي الحالاتِ الطَّبيعيَّةِ للأُمُور، الوالِدَانِ هُما أوَّلُ النَّاسِ الذين ستَتعاطُون معهم. فالوَصِيَّةُ الخامِسَة تأمُرُنا بأن نُكرِمَ أبانَا وأُمَّنا. وتُعتَبَرُ هذه الوَصِيَّة أوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعد: إذا أكرَمتُم أباكُم وأُمَّكُم، ستَطُولُ أيَّامُكُم على الأرضِ (خُروج 20: 12). ولكن لاحِظُوا أنَّ الوَصِيَّةَ هي أن تُكرِمُوا والِديكم. الوَصِيَّةُ ليسَت بالضَّرُورَةِ أن تُطيعُوهم. يُعَلِّمُ الكتابُ المُقدَّسُ بان يُطيعَ الأولادُ والِديهم. فعندما تَكُونُونَ أطفالاً، عليكُم بِطاعَةِ والدِيكُم. ولكنَّ هذه الوصيَّة مُوجَّهَةٌ للبالِغِين، وهي تأمُرُنا بأن نُكرِمَ آباءَنا وأُمَّهاتِنا. أحدُ أسبابِ أهَمِّيَّةِ هذه الوَصِيَّة، هو أنَّها تُظهِرُ لأولادِكُم كيفَ ينبَغي أن يُكرِمُوكُم.

الوَصِيَّةُ التَّالِيَة تأمُرُنا بأن لا نَقتُلَ. لا تَقُولُ الوَصِيَّةُ حَصرِيَّاً، "لا تَقتُلْ"، لأنَّهُ تُوجَدُ مقاطِع أُخرى في الكتابِ المُقدَّس حيثُ أمرَ الله شَعبَهُ بأن يَقتُلُوا (أُنظُرُوا تَكوين 9، ورُومية 13، وغيرها منَ المراجِع.) إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هُوَ أنَّ الحياةَ في يَدَي الله؛ فاللهُ يُعطِي الحياةَ وينبَغي أن يَكُونَ الخيارُ للهِ فقط بإنهاءِ الحَياة التي يُعطيها.

الوَصِيَّةُ السَّابِعة تأمُرُنا بأن لا نقتَرِفَ خَطِيَّةَ الزِّنى. أعتَقِدُ أنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هي ما يُمكِنُ أن نُسَمِّيَهُ "حُقُوق الأطفال." إنَّها خُطَّةُ اللهِ، كما نقرأُ في تكوين 2، أن يأخُذَ أشخاصاً ويعمَلَ منهُم شُركاءَ، ليُصبِحُوا والِدين ويُنجِبُوا أشخاصاً يُصبِحُونَ بِدَورهِم شُركاءَ ووالِدين. فالزَّواجُ هُوَ الإطارُ الأمين الذي فيهِ يُريدُ اللهُ أن يتربَّى الأولادُ ويُعَدُّوا لمُواجَهَةِ الحياة. فأمانُ الأطفالِ يَعتَمِدُ على الإلتِزامِ أو أمانَةِ الشَّريكَينِ الزَّوجِيَّين. أعتَقِدُ أنَّ هذه هي الحقيقَةُ التي تَكمُنُ في قَلبِ هذه الوَصِيَّة. فاللهُ يُفَكِّرُ بالعائِلاتِ والأطفالِ عندما يأمُرُ بالقَول: "لا تَزنِ."

الوَصِيَّةُ الثَّامِنَة هي، "لا تَسرِقْ." إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هي أنَّ اللهَ هُوَ إلهُ ترتيب. فبِناءً على نِعمَتِهِ وعلى زَرعِنا وحِصادِنا، نكنُزُ لأنفُسنا بعضَ المُدَّخَراتِ في الحياة. فعِندَما تَسرُقُ، تنتَهِكُ التَّرتيب الذي وضعَهُ اللهُ. هذا النِّظامُ الذي وضعَهُ اللهُ هُوَ رُوحُ الوصِيَّة.

الوَصِيَّةُ التَّاسِعَةُ هي، "لا تَشهَدْ بالزُّور." هذه وَصِيَّةٌ أعتَقِدُ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ لم ينظُرُوا إليها عن كَثَب بِشكلٍ كافٍ. لدينا مَيلٌ للإعتِقادِ بما يُسمَّى الكَذِباتُ الكَبيرة والكذبات الصَّغيرة، أو السَّوداء والبَيضاء. إحدى أذكَى الطُّرُق للكَذِب هي بِقَولِ الحَقيقَةِ ولكن خارِجَ إطارِها، أو بِقَولِ جُزءٍ فقط منَ الحقيقة. يُصبِحُ النَّاسُ خُبَراءَ في هذا المَجال عندما ينوُونَ أن يُدَمِّرُوا شَخصِيَّةً ما. ولكنَّ الوَصِيَّةَ تقطَعُ الطَّريقَ على هكذا سُلوكِ، بِقَولِها بِبساطَةٍ، "لا تَشهَدْ بالزُّور." فلا يَهُمُّ كم تستطيعُ أن تتحاذَقَ بِقِيامِكَ بذلكَ. فإذا أعطَيتَ إنطِباعاً خاطِئاً، كَبيراً أم صَغيراً، بالإقترافِ أو الإمتِناع، تَكُونُ قدِ إنتَهَكتَ الوَصِيَّةَ التَّاسِعة. إنَّ رُوحَ الوَصِيَّةِ التَّاسِعة هي أن تُوصِلَ الحقيقَةَ بالكلامِ والحَركاتِ وغَيرِها.

الوَصِيَّةُ الأخيرة تَأمُرُنا بأن لا نَشتَهِي. إنَّ رُوحَ هذه الوَصيَّة مُشابِهٌ لِرُوحِ الوصيَّةِ الثَّامِنَة، "لا تَسرِقْ." فاللهُ لدَيهِ إرادَةٌ تجاهَ ما نملِكُهُ، سواءٌ أكانَ زوجَةً، أم عائِلَةً، أم منزِلاً، أم وظيفَةً، أم مكانَةً في الحياة. اللهُ لدَيهِ مَشيئَةٌ تجاهَ كُلِّ هذه الأُمُور. بِحَسَبِ الكتابِ المُقدَّس، لا يُفتَرَضُ بنا أن نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين. فنَحنُ جَميعاً أشخاصٌ فَريدُون. وعندما صنعكَ اللهُ وصنَعني، صنعنا وكَسَرَ القالِبَ الذي صنعنا بهِ، أي خلَقَنا فَريدين. وهُوَ لا يُريدُنا أن نَكُونَ مثلَ أيِّ شَخصٍ آخر. ولا يُريدُ لأيِّ شخصٍ آخر أن يَكُونَ مِثلنا تماماً. إن كانَ هذا صَحيحاً، فعلَينا أن لا نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين، وعلينا أن لا نَحسُدَ ولا نَشتَهِيَ ما يَملِكُهُ الآخرون. فالحَسَدُ والشَّهوَةُ يُظهِرانِ أنَّنا غير مُكتَفِينَ بمَشيئَةِ اللهِ لِحياتِنا. أعتَقِدُ أنَّ هذه هي رُوحُ الوَصِيَّةِ العاشِرَة.

  • عدد الزيارات: 3217