الفَصلُ العاشِر مَنْ أنتَ؟ - مَعرَكَةُ يَعقُوب
مَعرَكَةُ يَعقُوب
هُنا، ما سيحدُثُ لاحِقاً سيُشَكِّلُ الجزءَ الأساسيَّ من قِصَّةِ يعقُوب. فبَعدَ عشرينَ سنَةً منَ العَمَلِ الشَّاقِّ معَ خالِهِ لابان، إجتازَ يعقُوبُ في إختِبارٍ رُوحِيٍّ شَخصِيٍّ جدَّاً معَ الله. نَجِدُ وَصفاً لهذا الإختِبارِ في الإصحاح الثَّانِي والثَّلاثِين من سفرِ التَّكوين، حيثُ نقرَأُ: "...وصارَعَهُ إنسانٌ حتَّى طُلُوعِ الفَجر. ولمَّا رأى أنَّهُ لا يَقدِرُ عليهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخذِهِ. فانخَلَعَ حُقُّ فَخِذِ يعقُوبَ في مُصارَعَتِهِ مَعَهُ. وقالَ أطلِقنِي لأنَّهُ قد طَلَعَ الفَجرُ. فقالَ لا أُطلِقُكَ إن لم تُبارِكني. فقالَ لهُ ما إسمُكَ؟ فقالَ يعقُوب. فقالَ لا يُدعَى إسمُكَ في ما بعدُ يَعقُوبَ بل إسرائيل. لأنَّكَ جاهَدتَ معَ اللهِ والنَّاسِ وقَدَرت. وسأَلَ يعقُوبُ وقالَ أخبِرني بإسمِكَ. فقالَ لماذا تسألُ عن إسمِي. وباركهُ هُناك. فدعا يعقُوبُ إسمَ المكانِ فَنِيئيل. قائِلاً لأنَّي نَظَرتُ اللهَ وجهاً لِوَجهٍ ونُجِّيَت نَفسِي." (تكوين 32: 24- 30)
لاحِظُوا السُّؤالَ الذي طَرَحَهُ اللهُ على يَعقُوب: "ما إسمُكَ؟" في زَمانِ الكتابِ المُقدَّس، كانت للأسماءِ دلالَةٌ، كما سبقَ وإكتَشَفنا. فأحياناً كانت الأسماءُ تُخبِرُ عن الشَّخصِ الذي كان يحمِلُ هذا الإسم أو ذاك؛ وكانت تُعَبِّرُ عن هُوِيَّةِ أو شَخصِيَّةِ حامِلِها. فبهذا السُّؤال، لم يَكُنِ اللهُ يسألُ عن إسمِ يَعقُوب. بل كانَ سُؤالُهُ بالحقيقَةِ، "من أنتَ؟" وبالطَّبعِ، لَم تكُنِ القَضِيَّةُ أنَّ اللهَ إحتاجَ أن يَعرِفَ الجوابَ، بل لأنَّهُ أرادَ أن يعرِفَ يعقُوبُ الجَواب. وإسمُ يعقُوبُ يعني كما رأينا سابِقاً، "المُتَعَقِّب." ولكنَّ هذا الإسمَ الجديد، إسرائيل، والذي ستَسمَعُهُ ذُرِّيَّتُهُ، كان يعني، "جاهَدَ معَ الله."
هُناكَ عُنصُرٌ آخر ذُو دَلالَة في هذه القِصَّة والذي لا يُمكِنُنا أن نُفَوِّتَهُ، وأُسمِّيهِ "بَرَكة تاج المُخَلًَّع". فلأنَّ يعقُوبَ كانَ مُحتالاً، لم يَكُنْ بِوُسعِ اللهِ أن يُبارِكَهُ قبلَ أن يَكسِرَهُ.
أحياناً لا يُمكِنُ أن يَصِلَ اللهُ إلينا بِطَريقَةٍ أُخرى، ولهذا يتوجَّبُ عليهِ أن يجعَلَنا نُصبِحُ مُخَلَّعِينَ بِطريقَةٍ أو بأُخرى، مُرغِماً إيَّانا للإعتِمادِ عليه. هكذا كانَتِ الحالُ معَ يعقُوب. وأخيراً، فَهِمَ يعقُوبُ رِسالَةَ اللهِ لهُ. وعندما إلتَقى أخيراً معَ عيسُو، الذي لَم يَتَصارَع معَهُ، بل وقعَ على عُنُقِهِ وقَبَّلَهُ، أخبَرَ يعقُوبُ أخاهُ أنَّهُ كانَ لدَيهِ هذه الزَّوجاتُ والأولادُ والقُطعان، "لأنَّ اللهَ قد أنعَمَ عليهِ." (تَكوين 33: 11). أي أنَّهُ لم يَعتَرِفْ بأنَّهُ إنتَزَعَهُم لِكَونِهِ مُتَعقِّباً، بل بسببِ نِعمَةِ الله. النِّعمَةُ هي تلكَ الصِّفة من صِفاتِ اللهِ التي تَجعَلُهُ يُغدِقُ علينا برَكاتٍ لا نَستَحِقُّها. والرَّحمَةُ هي عندما يحجُبُ اللهُ عنَّا ما نَستَحِقُّهُ.
يُعَلِّمُنا اللهُ أيضاً أن نخضَعَ لهُ. أحياناً يختارُ اللهُ أن يُخضِعَنا بِكَسرِنا، لكَي يستَطيعَ أن يُبارِكَنا. نحتاجُ أن نُفَتِّشَ في ثلاثَةِ إتِّجاهاتٍ لكَي نرى من يُفتَرَضُ بنا أن نَكُون. أوَّلاً، نحتاجُ أن ننظُرَ إلى فَوق. فمِن خلالِ قِصَصِ الكتابِ المُقدَّس التي سنَدرُسُها معاً، سوفَ نرى أنَّهُ سيتَطَلَّبُ اللهُ الوقتَ الطَّويلَ لكَي يَجعلَ النَّاسَ يتطلَّعُونَ إلى فَوق. ولكنَّ النَّظَرَ إلى اللهِ هُوَ أمرٌ ضَروريٌّ إذا أرَدنا أن نَكتَشفَ من يُفتَرَضُ بنا أن نَكُون. فَقبلَ كُلِّ شَيءٍ، اللهُ هُوَ الذي صَنَعَنا. وهوَ يحمِلُ خُطَّةَ حياتِنا.
ثانِياً، نحتاجُ أن ننظُرَ إلى داخِلِنا. في المَزمُور 139، صَلَّى داوُد قائِلاً، "إختَبِرني يا اللهُ واعرِفْ قَلبِي. إمتَحِنِّي واعرِفْ أفكارِي. وانظُرْ إن كانَ فِيَّ طَريقٌ باطِلٌ واهدِنِي طَريقاً أبَدِيَّاً." (مزمُور 139: 23- 24). جميعُنا نحتاجُ أن نطلُبَ منَ اللهِ أن ينظُرَ إلى داخِلِ قُلُوبِنا وحياتِنا، وأن يُريَنا من يُريدُنا أن نَكُون.
أخيراً، نحتاجُ أن ننظُرَ حَولَنا. فالشَّخصُ الذي نَظَرَ إلى فَوق والذي نظرَ حقَّاً إلى داخلِ نفسِهِ، هُوَ حاضِرٌ الآن أن ينظُرَ حولَهُ وأن يتعاطَى معَ الآخرين وأن يَكُونَ جُزءاً من خُطَّةِ اللهِ للعالَم. هل سَبَقَ ونَظَرتَ إلى فَوق، إلى الله، لتَرَى ماذا يقُولُ عن هُوِيَّتِكَ في شَخصِهِ؟ وكم مرَّةً تنظُرُ إلى داخِلِ نفسِكَ لتَرى حالَةَ قَلبِكَ؟ وهل تنظُرُ إلى ما حَولِكَ لتَرى كيفَ يُريدُكَ اللهُ أن تتعامَلَ معَ الآخرينَ في حياتِكَ؟
- عدد الزيارات: 6741