العبيد والسادة
(6: 5- 9)
أولاً: واجب العبيد نحو السادة (6: 5- 8)
-أ-الواجب نفسه: "أطيعوا" (6: 5(أ))
-ب-الروح الذي يؤدّى به هذا الواجب (6: 5(ب))
-ج-الباعث على هذا الواجب (6: 6)
(1)سلباً: "لا إرضاء الناس" (6: 6(أ))
(2)إيجاباً: "بل إرضاء الله" (6: 6(ب))
-د-النية التي يؤدى بها هذا الواجب "نية صالحة" (6: 7)
(1)إيجاباً: "كما للرب" (6: 7(أ))
(2)سلباً: "ليس للناس" (6: 7(ب))
-ه-المكافأة على هذا الواجب: "عالمين" (6: 8)
ثانياً: واجب السادة نحو العبيد (6: 9)
-أ-الواجب نفسه (6: 9(أ و ب))
(1)إيجاباً: "افعلوا هذه الأمور" (6: 9(أ))
(2)سلباً: "تاركين التهديد" (6: 9(ب))
-ب-الباعث: "عالمين أن سيدكم" (6: 9(ج))
من الكلام عن الأولاد, انتقل الرسول إلى الكلام عن العبيد: إن في هذا نبوة ضمنية بإمكانية تحرير العبيد بقوة حق الإنجيل, لأن الرسول ذكرهم كأعضاء في البيت المسيحي, وفرض على سادتهم واجبات من نحوهم, دليلاً على أن الرسول لم يحسبهم كتلة مهملة –كأنهم من سقط المتاع- مثلما كانوا يُحسبون في نظر الرومان, بل نظر إليهم كعنصر مكمل للبيت المسيحي الحقيقي.
قديماً نظر فلاسفة اليونان إلى العبودية كأنها ضرورة لازمة, لا غنى للتمدين عنها. فكانوا ينادون بأن لا مانع من أن يستعبد نفر قليل, كي يعيش سائر البشر أحراراً. كأن عبودية الأقلية, ثمن لحرية الأكثرية! ومن أقوال أرسطاطيس المأثورة: "العبد آلة متحركة, والآلة عبد جامد!!" وفي أزهى عصور الرومان واليونان, كان العبيد محرومين كل الحقوق الدينية والسياسية؛ حتى حقهم في الحياة نفسها, وكانت شرائع أثينا تقول بأنه يكفي لقبول شهادة الحر في المحكمة, أي يحلف اليمين. أما شهادة العبد فلا تقبل إلا على شرط واحد –أن يجلد ويعذّب! وقضت قوانين الرومان بأنه إذا أُعدم سيد في بيته, فلا مفر من أن يُعدم كل العبيد الذين في بيته, ولو بلغ عددهم مئتين- من غير تحقيق!!". ولقد كانت قيمة العبد زهيدة لدرجة أنه إذا مرض عبد, كان يترك تحت رحمة الأقدار بغير علاج, لأن ثمن العبد أقل من ثمن الدواء! فلا عجب إذا غصت شوارع روما وأثينا بالعبيد لدرجة أن عدد عبيدها فاق عدد سادتها, ولا غرو إذا حكمها في النهاية العبيد, فجلسوا على عروشها!!
في قلب ظلام هذا الليل المدلهم, أشرق نور الإنجيل, فقال بولس عن أنسيموس العبد "لا كعبد فيما بعد. بل أفضل من عبد أخاً محبوباً" (رسالته إلى فليمون 16).
ورب سائل ولكن لِم لم يناد الرسول أولئك العبيد بأن يتحرروا حالاً من سادتهم, فيرفعوا عن أعناقهم نير العبودية دفعة واحدة؟ لِم لم يقل للسادة: ما أنتم وعبيدكم إلا أخوة في المسيح الواحد الذي لا يميز بين عبدٍ وحر؟ إذا كان هويتير قد حسب العبودية "نظاماً جهنمياً", وإذا كان جون وسلي, قد قال في وصفها أنها "خلاصة الدنايا", فهل كان رسول الأمم أرأف عليها منهما أو من أحدهما؟
حقيقة الواقع, أن الرسول وضع مبدأ حرية العبيد, وغرس بزرة الحرية. ولكن لا بد للبزرة من وقت تنبت فيه وتنمو وتزدهر! هذه خطة الله: إنه يزرع النور, ولا بد للزرع من وقت هادئ لتكمل فيه عملية الازدهار والإثمار. واللوم في هذا ليس على الوحي, بل على البشرية ذات الضمير الجامد البليد, الذي استنفذ قروناً كثيرة, وهو غارق في سبات هذه العادة الذميمة, فلم ينتبه لقطع دابرها إلا منذ قرونٍ قليلة, بعدما صاح ولتر فورس صيحته المأثورة في إنجلترا, بعدما خر أبراهام لنكولن صريعاً مدرجاً بدمائه في أمريكا!!
ولقد أجاد الدكتور جورج سميث إذ قال: "لست أرى دليلاً على تنزّه الكتاب المقدس عن العنصر البشري, أكثر من ترفعه عن إثارة عوامل الثورات السياسية"! تكلم الرسول في هذا الفصل عن:
أولاً: واجبات العبيد نحو السادة (6: 5- 8)
ثانياً:واجبات السادة نحو العبيد (6: 9)
عدد 5 :
5أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ -
-أ-ماهية الواجب المطلوب من العبيد: "أطيعوا"
إن أول بزرة للنور في هذه العبارة هي قوله: "سادتكم حسب الجسد" وهي كلمة تبعث في "عروق" العبد دماً جديداً, وتفهمه أن "ذاته" الحقيقية التي هي "نفسه العليا" –ليست لسيده, لكنها ملك له خاصة. هذه هي اللؤلؤة الحقيقية التي يملكها هو بالذات وأما الصدَفة التي هي الجسد, فليحسبها خادمة لسيده الأرضي, لأنه "اشتراها". ومن الملاحظ أن الرسول, لم يصف "السيد" بتلك الكلمة القوية الشديدة: "دسبوت" أي "الحاكم المطلق المستبد". بل استعمل كلمة فيها شيء كثير من الحنو والرأفة والنعمة "كيريوس" وهي نفس الكلمة التي وصف بها "السيد" يسوع المسيح. كأنه أراد أن يُفهم العبد أنه هو وسيده, عبدان لهذا "السيّد" الأعظم يسوع المسيح, كما قال في رسالة معاصرة لهذه: "لأنكم تخدمون الرب المسيح" (كولوسي 3: 24).
ولا يغرب عن بالنا, أن بولس كان يتلذذ بأن يقول عن نفسه إنه "عبد" ليسوع المسيح. وهل يفوتنا أن نذكر أن رب المجد نفسه اتضع لدرجة أخذ فيها صورة "عبد" (فيلبي 2: 7)؟ ألا يكفيكم كل هذا عزاء, يا أيها العبيد, على تسميتكم بال"عبيد" ؟!
أما الواجب المطلوب من العبيد, فقد عبر عنه الرسول بكلمة "أطيعوا" وليس في هذا غضاضة على العبيد, لأن هذه هي نفس الكلمة التي تعين واجب المرأة نحو الرجل, وواجب الأولاد نحو الوالدين (5: 22و6: 1).
وبما أن عهد العبودية قد مضى, فمن الواجب أن يراعى هذا الواجب من جانب الخدَم في وقتنا الحاضر.
-ب-الروح الذي يؤدى به هذا الواجب: "بخوف ورعدة كما في بساطة قلوبكم كما للمسيح". هذه هو خوف الاحترام الذي تولده المحبة خشية أن تخالف إرادة المحب بحال من الأحوال. وقد وردت العبارة الأولى: "خوف ورعدة" في فيلبي 2: 12, وصفاً للروح الذي به يتمم المؤمنون خلاصهم. و"للروح" الأخوية المسيحية التي بها استقبل الكورنثيون تيطس ورحبوا به (2كو 7: 15).
أما "بساطة القلب", فهي الرغبة الصادقة في عمل الصلاح حباً بالصلاح, ابتغاء مرضاة المسيح, على عكس القيام به طمعاً في كسب رضى إنسان, أو استجداء لمديح أو ثناء, أو استنداء لأكف الإحسان. "فالقلب البسيط" هو القلب الموَّحد الذي ينصرف عن كل الأشخاص, لأنه متوجه إلى شخص واحد –هو المسيح. فلا يبالي إذا كشرت الدنيا عن أنيابها, ما دام قد حاز ابتسامة المسيح. ولا يلهو بابتسامة الدنيا الخادعة, إذا كان المسيح قد حول وجهه عنه (رو 14: 7- 9).
عدد 6 :
6لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ،
-ج-الباعث على هذا الواجب: "لا بخدمة العين... بل كعبيد المسيح".
هذا باعث ذو جانبين: أحدهما سلبي: "لا بخدمة العين... "
: والثاني إيجابي: "بل كعبيد المسيح"
الجانب السلبي: "لا بخدمة العين كمن يرضي الناس".
"خدمة العين" –هاتان الكلمتان هما في اللغة الأصلية كلمة واحدة مركبة, لم ترد إلا هنا, وفي رسالة كولوسي. والظاهر أن بولس صاغها خصيصاً, لتؤدي الغرض الذي كان يرمي إليه: وهو أن "العبد" مجرَّب بأن لا يكون أميناً في عمله, إلا متى تحقق أن عيني سيده ترقبانه. ومتى زالت رقابة السيد عنه, انتفت معها أمانة العبد! هذه أمانة زائفة, لأن مبعثها إرضاء الناس –لا مجال فيها لراحة الضمير ولا لرضى الله, ويكفي أن يقال فيها: أنها "أمانة العبيد"!!
والعبارة المترجمة "يرضي الناس" هي أيضاً كلمة واحدة مركبة –في اللغة الأصلية- يقابلها قول الرسول نفسه في غلاطية 1: 10 "أفأستعطف الآن الناس أم الله. أم أطلب أن أرضي الناس. فلو كنتُ بعد أرضي الناس لم أكن عبداً للمسيح". والفكرة المنطوية عليها هذه العبارة, هي أن الناس "ترضيهم" الخدمة المموَّهة, التي يقوم بها العبد غراراً. ولكن الذي يحاول أن يَخدع غيره, إنما يخدع نفسه.
الجانب الإيجابي: "بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب"
(1)جوهر هذا الباعث: "كعبيد المسيح". ما أقوى ساعديك يا رسول الأمم, لأنك بهذه العبارة المحكمة قد سموت بالعبيد من مستوى حقير دنيء, إلى أرفع مستوى. فمن "عبيد الناس" إلى "عبيد المسيح"!! وهل في الدنيا سيد مالك نفسه, مثل ذاك الذي يستعبد نفسه طوعاً واختياراً للمسيح؟!
هذا ما قاله جورج ماثيسون: "صيرني يا ربي عبداً لك, فأتحرر!!"
(2)سمو هذا الباعث: "عاملين مشيئة الله" –هذه العبارة تخلع حلة من المجد والجلال على أحقر خدمة يقوم بها أصغر عبد, فتجعلها في مقام أجّل خدمة يقوم بها أكبر سيد لأنها أدخلتها في منطقة "مشيئة الله"! فلا الملائكة بأجنحتهم النارية الملتهبة, ولا الملوك بتيجانهم المتألقة على رؤوسهم, بأعلى مقاماً من العبيد, لأن الكل متمم مشيئة الله! ألم يكن هذا شعار المسيح نفسه: "ما جئت لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني"؟!
فليس العبد وهو يكنس البيت, أو يغسل الأواني, إلا متمماً مشيئة الله. بهذا يجعل نفسه حراً وهو لا يدري, لأن استُعبد للمسيح فقد تحرر من الناس.
(3)أما موطن هذا الباعث, فقد أفرغه الرسول في العبارة التي اختتم بها هذا العدد: "من القلب" –وفي اللغة اليونانية- من "النفس", ولعلها أقرب الكلمات إلى قولنا: "بِنفس" –أي بهمة ونشاط, لأنه ملعون "من يعمل عمل الرب برخاء".
العبد الذليل يخدم "وعين جسده" حائرة من فرط تطلعها إلى عين مولاه الأرضي, ومتى أُغمضت عنه عين سيده, ارتخت يداه. لكن العبد "المتسيد", يخدم بقلب غيور, لأن "عين نفسه" مطمئنة إلى رضى مولاه في علاه. هذا هو الفرق بين العبد الأجير, ورب البيت. فالعبد يخدم وعينه متطلعة إلى الشمس يترقب غروبها, وإلى يد سيده تنقده الأجر. لكن رب البيت يعمل من كل قلبه, ونفسه, وفكره, وقدرته.
هذا هو الفرق بين تدّين العبيد الذين يخدمون الله ويعبدونه, خوفاً من عذاب الجحيم, أو ابتغاء التمتع بالنعيم. لكن أبناء الله يخدمون الله, ويعبدونه لأنهم يحبونه من كل نفوسهم وقلوبهم.
عدد 7 :
7خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ
-د-النية التي يؤدَّى بها هذا الواجب: "خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس". هذا العدد خير مفسر للعبارة التي اختُتم بها العدد السابق: "من القلب" فالقلب هو موطن النية. ومتى كان القلب طيباً, أضحت النية صالحة. ولن تكون النية صالحة, إلا متى كان القلب "بسيطاً" نيّراً (عدد 5).
ينظر الناس إلى الوجوه, ويتطلع المراقبون إلى الأيادي العاملة. لكن الله ينظر إلى القلوب, ويتطلب النية الصالحة. في هذا يصدق القول: "وإنما الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى".
"كما للرب ليس للناس". كان مفروضاً على العبد أن يقوم بأعماله إتماماً لمشيئة سيده, لكن الرسول أعطى العبيد فرصة يحررون بها أنفسهم من الناس, متى اعتبروا أنفسهم عبيداً للرب.
ويقول الدكتور جلوفر: إن من بين العادات الشرقية القديمة, التي كان للعبيد أن يلجأوا إليها للتحرر من ساداتهم, أن يذهبوا إلى هيكل هرقل ويكرسوا أنفسهم لخدمته –بذلك يصبحون أحراراً من كل سيد آخر. وكذلك كل من يستعبد نفسه طوعاً واختياراً للمسيح, يتحرر من كل عبودية قهرية من البشر.
عدد 8 :
8عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً.
-ه-أساس المكافأة على هذا الواجب: "عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبداً كان أم حراً". فالمسيح إذاً ينظر إلى كل عمل في قيمته الذاتية الحقيقية, بصرف النظر عن الحالة الخارجية التي يكون عليها من يقوم بهذا العمل, سواء أكان عبداً أم حراً. لأن المسيح لا يبالي بالروح الذي به تؤدّى الأعمال. فكم من عبد يؤدي أعماله بروح حر تطوعي, ورب سيد يقوم بعمله بروح العبد المسخر. فالأول حر في جسم عبد, والثاني عبد في رسم حر. فالإنسان ينظر إلى المظهر, لكن المسيح ينظر إلى الجوهر. الناس ينظرون إلى اليد العاملة, والمسيح ينظر إلى القلب المحرك. فرب أياد سوداء في لونها, كانت "أيادي بيضاء" في ثمارها. ورب أيادٍ بيضاء في مظهرها, هي أسود من الفحم. الأولى تنال "النعمة" المقدرة للعبد الصالح والأمين, والثانية تلقى الصدّ والأعراض "ما أعرفكن" (متى 25: 12و 23وغلاطية 6: 9, رومية 2: 6- 10, 2كو5: 10, عب 10: 35, رؤيا 22: 12, متى 5: 12, 6: 1و 4)
عدد 9 :
9وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.
ثانياً: واجب السادة نحو العبيد: "وأنتم أيها السادة افعلوا لهم هذه الأمور تاركين التهديد عالمين أن سيدكم أنتم... "
كلمة واحدة وجهها الرسول إلى كل من العبيد والسادة –هي كلمة: "عالمين". فللعبيد قال: "عالمين أن مهما عمل كل واحد فذلك يناله من الرب" (عدد 8). وللسادة قال: "عالمين أن سيدكم أنتم أيضاً في السموات" (عدد 9) فكأنه وجه نظر العبيد والسادة على السواء, إلى ربهم الأوحد –يسوع المسيح. ومتى التقى العبد بسيده في "محضر" المسيح, زالت عنه مرارة العبودية. ومتى نظر السيد إلى عبده في نور المسيح, ذهبت عنه غطرسة السيادة!!
"وأنتم أيها السادة افعلوا لهم هذه الأمور" –استهل الرسول كلامه للسادة بهذه العبارة التي تحمل جوهر ذلك القانون الذهبي الذي كان نادى به المسيح: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم, افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم". فالواجبات إن لم تكن متبادلة, انعدم معها أهم ركن من أركانها.
-أ-ماهية الواجب المطلوب من السادة: اكتفى الرسول في هذا الباب بتحذير السادة من أمر كان مألوفاً عندهم –استعمال القسوة: "تاركين التهديد". هذه العبارة تنطوي على تعنيف لطيف, لأنها تحمل ضمناً اتهاماً لهم, بأنهم كانوا فيما مضى يلجأون إلى التهديد, فأوصاهم بتركه ولعل السادة المسيحيين, كانوا متأثرين بالبيئة الفكرية المحيطة بهم. في استعمال التهديد, لأن الرأي الذي كان سائداً بين ظهرانيهم: أن العبد لا يقوّم إلا بقضيب من حديد. كأنه كتلة جامدة, لا تصلح فيها عوامل اللطف واللين والمحبة.
-ب-أما الباعث الذي جعله الرسول نصب عيونه, فهو نفس الباعث الذي جعله نصب عيون العبيد –النظر إلى المسيح سيد العبيد والسادة على السواء: "عالمين أن سيدكم أنتم أيضاً في السموات". إن فوق العالي أعلى, ويد الأعلى فوق الجميع, وما ربك بظلام لا للسادة ولا للعبيد. فهو لا ينظر إلى السادة بعين غير التي ينظر بها إلى العبيد, بل ينظر إلى الجميع نظرة واحدة. لأنه "صنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون عن كل وجه الأرض" (أع 17: 26).
هذا هو الإله الذي "لا يحابى بالوجوه", "حيث ليس يوناني ويهودي, ختان وغرلة. بربري سكيني, عبد وحر. بل المسيح الكل في الكل".
وفي اعتقادنا أن هذه العبارة الأخيرة هي النواة الحية لشجرة الحرية, وهي أول معول عمل على هدم تجارة الرقيق. وإنما العيب على الأيادي البشرية التي تلكأت في استخدام هذا المعول.
- عدد الزيارات: 7274