الأبناء والآباء
الأصحاح السادس
(6: 1- 4)
أولاً: واجبات الأولاد (6: 1- 3)
(1)الواجب الأول: الطاعة (6: 1)
-أ-ماهية هذا الواجب "أطيعوا" (6: 1(أ))
-ب-الروح الذي يؤدى به هذا الواجب "في الرب" (6: 1(ب))
-ج-الباعث على هذا الواجب "هذا حق" (6: 1(ج))
(2)الواجب الثاني:الإكرام (6: 2و 3)
-أ-ماهية هذا الواجب "اكرم" (6: 1(أ))
-ب-أهمية هذا الواجب: "أول وصية بوعد" (6: 2(ب))
-ج-المكافأة على هذا الواجب: "لكي يكون لكم خير" (6: 3)
ثانياً: واجب الوالدين (6: 4)
-أ-سلباً: "لا تغيظوهم" (6: 4(أ))
-ب-الباعث عليه (6: 4(ب))
-ج-إيجاباً: "بل ربوهم بتأديب الرب" (6: 4(ج))
من الكلام عن الشجرة, انتقل الرسول إلى الكلام عن الثمرة. فبعد أن خص القسم الأخير من الأصحاح السابق, بالواجبات المتبادلة بين الزوجات والأزواج, انتقل إلى الكلام عن الواجبات المتبادلة بين الأولاد والوالدين.
ومثلما استهل الكلام في الفصل الماضي, بالواجبات المطلوبة من الجانب الأضعف- واجب المرأة نحو الرجل, وضع على رأس هذا الفصل –واجب الأولاد نحو الوالدين- وهو واجب مزدوج:
عدد 1 :
1أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ.
العنصر الأول في هذا الواجب: "أطيعوا والديكم"
-أ-ماهية هذا الواجب: الطاعة. الطاعة البنوية من أهم أركان الحياة. فعندما تنعدم الطاعة من قلوب الأولاد نحو والديهم, ينهدم أهم ركن من أركان الحياة –في قلب الفرد, وفي الكنيسة, وفي المجتمع.
يتضح هذا جلياً, متى ذكرنا أن بولس وضع خطية "عدم إطاعة الوالدين في صف أشنع الخطايا التي لطخت جبين الأمم الوثنية" (رو 1: 30) وفي رسالته الثانية إلى تيموثاوس, أنبأنا بالأمراض الوبيلة التي تتفشى في الأزمنة الأخيرة, ذاكراً في مقدمة أعراضها "عدم إطاعة الوالدين" (2تي 3: 2). وإذا كان عصيان الوالدين من أسوأ أعراض مرض الكفر بالله, فإن إطاعتهم, من أظهر علائم التقوى والتعبد.
هذا هو الدرس العملي الذي ألقاه المسيح على الشباب في جميع الأجيال: "نزل معهما إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما" (لو 2: 51).
يراد ب"الوالدين", الآباء والأمهات على حد سواء (أمثال 1: 8, 6: 20) وجدير بالملاحظة, أن الكلمة المترجمة: "أطيعوا" هي ذات الكلمة التي مرت بنا في 5: 22 عن "خضوع" الزوجات لأزواجهن, وهي عين الكلمة التي سنلتقي بها في العدد الخامس من هذا الأصحاح عن "طاعة" العبيد لسادتهم!
-ب-الروح الذي يؤدى به هذا الواجب: "في الرب". هذا هو الروح الطيب الذي به يؤدّي الأولاد واجب الطاعة لوالديهم,فيحسبون أن طاعتهم لوالديهم عنصر لازم من عناصر مسيحيتهم الحقة, وجزء لا يتجزأ من تعبدهم للرب. وهو واجب يقومون به في اتحادهم بالمسيح, الذي منه يستمدون خير باعث, وأفعل قوة, وأجمل مكافأة.
ولا ننس أن هذه العبارة. "في الرب" تحدد المنطقة التي يبسط الآباء فيها نفوذهم على أولادهم- "في الرب". أي أن الأولاد مكلفون بإطاعة والديهم في الأوامر التي تتفق ومشيئة الرب. لكنهم في حل من إطاعة الأوامر التي تخالف هذه الإرادة الصالحة المرضية الكاملة, مخالفة صريحة.
-ج-الباعث على هذا الواجب: "لأن هذا حق". ليست الطاعة واجباً يقوم به الأبناء نحو والديهم على سبيل الاستحسان, كأنه أمر كمالي, بل عليهم أن يقوموا بهذا الواجب لأنه حق طبيعي بل, حق إلهي, رسمه الله في شريعته الأدبية المتفقة والطبيعة الإلهية التي صرنا شركاء الله فيها بالتجديد. هذا "فرض عين", لا "فرض كفاية"!!
عدد 2 :
2أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ،
العنصر الثاني في هذا الواجب: الإكرام
-أ-مظهر هذا الواجب- الإكرام: "أكرم أباك وأمك"
الكلمة اليونانية المترجمة: "أكرم" هي ذات الكلمة التي وردت في الترجمة السبعينية للتوراة العبرية عن خروج 20: 12 وتثنية 5: 16 وقد وردت أيضاً في الإنجيل في متى 19: 19, مرقس 7: 10, 10: 19, لوقا 18: 20. و"الإكرام" المقصود هنا, ليس مقصوراً على المظاهر الخارجية التي يفرضها الخوف, لكنه يتضمن الشعور القلبي الذي يمليه الواجب, وتقدسه المحبة. وخير إيضاح لهذا, ما قاله المسيح في متى 15: 4- 8.
-ب-أهمية هذا الواجب: "أول وصية بوعد". إن الوصايا العشر هي عنوان سفر الشريعة, لأنها خلاصة الشريعة الأدبية. فهي بالتالي غُرَّة سجلّ الشريعة. ووصية إكرام الوالدين هي أول وصية مقرونة بوعد في سجل الشريعة الأدبية. ومع أن البعض اعترض على هذا: بأن الوصية الثانية في الشريعة الأدبية. مقرونة هي الأخرى بوعد: "أصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي", إلا أن هذا ليس وعداً بالذات, لكنه تقدير لحقيقة أمانة الله لحافظي وصاياه. وإنما الوعد الصريح هو هذا الذي جاء مقترناً بهذه الوصية الخامسة: "لكي تطول أيامك". ويعتقد فريق من المفسرين أن هذه أول وصية بوعد, في اللوحة الثانية من الشريعة.
عدد 3 :
3لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ.
-ج-المكافأة على هذا الواجب: "لكي يكون خير"
يتضمن هذا الوعد مكافأة مزدوجة: جانبها الأول: الهناء: "لكي يكون لكم خير". وجانبها الثاني: طول البقاء: "وتكونوا طوال الأعمار". الجانب الأول يتناول النوع, والثاني يشمل الكم.
هذا مبدأ عام, يقرره الكتاب المقدس, ويؤيده التاريخ. وهو ينطبق على الأفراد والأمم. ولقد تحقق فعلاً وحقاً لبني ركاب: "قال إرميا لبيت الركابيين هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل. من أجل أنكم سمعتم لوصية يوناداب أبيكم وحفظتم كل وصاياه, وعملتم حسب كل ما أوصاكم به, هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: "لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسان يقف أمامي كل الأيام" (إرميا 35: 18و 19).
ويحدثنا العلامة جيكي عن السنيور بيورتي أنه التقى بجماعة من بني ركاب عام 1862 على مقربة من البحر الميت. هذا أقوى دليل على أن هذا الوعد, قد تمّ لبني ركاب بحذافيره, طوال هاتيك الأيام والسنين. ويقول المؤرخون إن السر في بقاء روما, مدة طويلة على عرش المجد والعظمة, يُعزى إلى الطاعة التي كان أبناؤها يدينون بها لوالديهم. ويعتقد العلماء المعاصرون أن ثبات الصين أمام الهجمات الكثيرة, التي صوبت إليها على مر الزمان, يرجع إلى الطاعة البنوية التي دُمغت بها حياة الصينيين.
ولا جدال في أن إطاعة الوالدين كانت مقرونة بإطالة العمر, لأن الشريعة الموسوية قضت على العاصي بالإعدام. وعلى هذا الاعتبار, كان عصيان الوالدين سبباً في "قصف" أعمار البنين. فمن الطبيعيّ إذاً, أن تكون إطاعة الوالدين سبباً في إطالة العمر, لأنها تحفظ الفتى من خطر الوقوع تحت طائلة حكم الإعدام.
ولكن أهو مطابق للواقع أن كل شاب يعمّر طويلاً متى كان مطيعاً لوالديه؟ فما السر إذاً في أن كثيرين من الشباب المطيعين لوالديهم يموتون في منتصف أعمارهم؟" وجواباً على السؤال الأول نقول: إن الوعد بإطالة عمر الشاب المطيع لوالديه, إنما يقرر قاعدةٍ عامة, ولا بد لكل قاعدة من شواذ. فكما أن القانون العام يقرر أن العقل السليم في الجسم السليم, إلا أننا كثيراً ما نرى عقولاً سليمة في أجسام سقيمة, وعقولاً سقيمة في أجسام سليمة.
أما جوابنا على السؤال الثاني, فهو: أنه ليس حقاً ما يقال عن الشبان الأتقياء أنهم يموتون في منتصف أعمارهم, لأنهم إنما يموتون بعد أن يتموا رسالتهم على الأرض, فلا يبرحون الأرض إلا بعد اكتمال أعمارهم. لأن الأعمار لا تقاس بطولها, بل بعمقها وسموها. الأعمار لا تقاس لكنها توزن! فكم من شيخ يعمر حتى يبلغ الثمانين, فيترك وراءه ثمانين من الخرائب المتهدمة, وكم من شاب لا يعدو العشرين فيترك وراءه عشرين قصراً آهلات بجلائل الأعمال وعظائم الخصال!! كم من شيخ يعمر حتى يدركه الهرم, فلا تكون حياته سوى ثمرة مرة المذاق لأنها غير ناضجة, وكم من فتى تنضج ثمرة حياته قبل بلوغه العشرين. فليس المهم في: "كم نعيش" بل: "كيف نحيا" فالعبرة ليست بطول العيشة, بل بسمو الحياة!!
فإلى الذين يلومون العناية –أو على الأقل يعتبون عليها- لأنها لم تطل أعمار أبنائهم الأتقياء, مثلما أطالت عمر حزقيا كما تقرأ عنه في إشعياء! إليهم نسوق الحديث قائلين: إن عمر حزقيا أُطيل إتماماً لعهد كان الرب قد قطعه على نفسه –بأن لا ينقرض من نسل داود من يجلس على كرسيه. ولو مات حزقيا في هذا الوقت, لبطل هذا الوعد, لأن حزقيا كان وقتئذٍ بغير ولد.
وفوق ذلك فلنسمع ما يقول الكتاب: "فجاء إشعياء النبي إلى الملك حزقيا وقال له: هوذا تأتي أيام يُحمَل فيها كل ما في بيتك وما خزنه آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل. لا يُتركَ شيء يقول الرب. ومن بنيك الذين يخرجون منك يؤخذون فيكونون خصياناً في قصر ملك بابل" (إشعياء 39: 3- 7).
يا ليت حزقيا قد مات بمرضه المعهود! ويا ليت تلك الخمس عشرة سنة لم تُضف إلى عمره, لأنها كانت عليه, وعلى أولاده, ويلاً ووبالاً.
فالعمر القصير الذي يريده لنا الله, خير م العمر الطويل الذي نتمناه نحن لأنفسنا, ولو أتيح لنا أن نختار ما يصيبنا, لاخترنا الواقع.
وهل يستطيع إنسان أن ينكر أن التقوى تصون للإنسان قواه العقلية والجسدية, وتقيه شر الإسراف فيها, فيكون لديه "رصيد" من القوى في وقت الأمراض والأزمات, فيغالبها حتى يغلبها؟!
وهنا أمر لا يليق أن نفعله, وهو أن بولس الرسول عندما اقتبس هذا الوعد, ترك منه –تعمداً- هذه العبارة "التي يعطيك الرب إلهك" (خروج 20: 12) وهي التي وردت في الوعد أصلاً, وصفاً "للأرض". ألسنا نرى في هذا برهاناً ضمنياً على أن وعد العهد القديم كان مقصوراً على أرض الميعاد, ولكن وعد العهد الجديد يتناول كنعان السماوية؟ فإذاً الذين رحلوا عنا في شبابهم, وهم أتقياء, لم تنقطع أعمارهم بموتهم, لكنهم بهذا الموت قد دخلوا أرض البقاء, وتمتعوا بحياة الخلود: "لأنهم يبغون وطناً أفضل أي سماوياً. لذلك لا يستحي بهم الله أن يدعى إلههم لأنه أعد لهم مدينة"
عدد 4 :
4وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.
واجب الآباء نحو الأبناء: "لا تغيظوهم... بل ربوهم"
كم من والد يشكو ابنه "الشاطر" لمعارفه وذويه, فيجلس هؤلاء على كرسي موسى, ويضعون كل اللوم على الولد, غير حاسبين أن في حالات كثيرة –بل في معظم الحالات- يقع النصيب الأكبر من اللوم على الوالدين: إما لأنهم في البداية ألين من العود الرطب, أو لأنهم كانوا أقسى من العود اليابس. "وكلا هذين إن زاد قتل".
أشار الرسول إلى الوالدين بكلمة: "الآباء" وهو يريد الآباء والأمهات على حد سواء –وهو تعبير جائز على سبيل التغليب, باعتبار أن الأب رأس العائلة. بهذا جرى العرف في لغة الإغريق القديمة (كلاسيك), وفي لغة العهد الجديد: "بالإيمان موسى بعد ما وُلد أخفاه أبواه ثلاثة أشهر" (عب 11: 23), قاصداً بكلمة "أبواه". والد موسى ووالدته. بذا أيضاً قضت قواعد اللغة العربية, فأجازت استعمال كلمة "الوالدين" أو "الأبوين" عن الأب والأم. إن في هذا برهاناً ضمنياً على التضامن الوثيق الواجب توفره بين الأب والأم في تربية أولادهما. ومتى انعدم هذا التضامن –أو تضاءل- انعدم معه أهم ركن من أركان التربية البيتية. فالشدة من جانب أحدهما, قد يفسدها اللين من جانب الآخر. وتهاون أحدهما, قد يضيع خيراً كبيراً كان من الممكن اجتناؤه, ويجلب شراً كبيراً كان من الواجب اجتنابه.
ومع أن الخطاب موجه إلى "الآباء" من باب التغليب, إلا أن أحداً ما, لا ينكر أن مقام المرأة في هذا الباب, لا يستهان به, ولعله أهم من مقام الرجل. لأن المرأة تلازم أولادها بحكم بقائها معهم في المنزل, وبحكم قربها الدائم منهم, فيتهيأ لها من الفرص مالا يتاح للرجل, فيصبح من السهل على من أرضعت أولادها لبان التغذية صغاراً, أن تغذيهم بطعام التربية كباراً.
لسنا نريد بهذا أن نلتمس المعاذير للآباء الذين يبيعون أنفسهم لأعمالهم الكثيرة, فيبيحون لها إهمال أمر أولادهم, بحجة أنهم يعودون في المساء في وقت يكون فيه الصغار قد ناموا, ويستيقظون في الصباح بعد أن يكون الفتيان قد قاموا, وعلى وجوههم في الدنيا العريضة قد هاموا!!
ذكر الرسول واجب "الآباء" نحو أولادهم في جانبين:
الجانب الأول- سلبي: "لا تغيظوا أولادكم..."
الجانب الثاني- إيجابي: "بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره"
الجانب السلبي: "لا تغيظوا...". وردت هذه الكلمة عينها في كولوسي 3: 21 مضافاً إليها هذا التحذير الخطير: "لئلا يفشلوا". وقد مررنا بها في هذه الرسالة (4: 26). وهي استعملت أصلاً –في الترجمة السبعينية- عن إغاظة إسرائيل لله يوم التجربة في القفر (مزمور 95: 7وعبرانيين 3: 9)
قد يكون الوالد سبباً في إغاظة ولده, بإهماله حقوقه البنوية, أم بعدم تفكيره في ما يؤول لصالحه, أو بقصوره وتقصيره, في فهم نفسيته, أو بمحاباته وتحيزه لولد دون آخر, أو بقسوته عليه من غير ما سبب جوهري, أو بإساءة الظن فيه, أو بتجاهله إياه- تعمداً أو عن غير قصد. ومن المحزن, إن هذا "الغيظ" عندما يستولي على قلب الولد, يتخذ منه عدوّ الخير سلاحاً حاداً يمزق به نفسية الولد, ويقطع عليه سبل النجاح في الحياة, ويشطره عن بيت أبيه, بل عن قلب أبيه, فيصبح الولد حسّاً ومعنى: "ولداً شاطراً" ولكن بمعنى عكس الذي يفهمه العوام من هذه الكلمة!!
ويقيننا أن أفضل صلة تجمع بين الوالد وولده, هي صلة الصداقة المتبادلة, المؤسسة على التفاهم التام, فيقدّم الولد لوالده حباً مشبعاً بالخضوع والإكرام, ويقدّم الوالد لولده حباً مشرباً بالروية والاهتمام.
الجانب الإيجابي: "بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره"
حقيقة لا مراء فيها, إن الخطر الذي يتهدد التربية في الوقت الحاضر, لا يأتي من ناحية المبالغة في التشديد على الأبناء. بل من جانب التهاون في ضبطهم وكبح جماحهم. لأننا أصبحنا في عصر, سيما بعد الحرب الكبرى, وقد انخلع عن كواهل الأبناء, نير طاعة الآباء, وسلخ الصغار مقاليد الحكم من يد الكبار, فأضحى الشيوخ محكومين بالشباب! وإذا قيل عنهم في الماضي إنهم "رجال الغد" صار لزاماً أن يقال عنهم في عصرنا الحاضر إنهم: "رجال اليوم"
ولكن من الواجب أن نعترف بأن هذه حالة شاذة, ضارة, وأن لا سبيل إلى إصلاحها إلا بالعود إلى الشريعة وإلى الشهادة. فمن المهم أن يرجع الآباء والأبناء إلى حكم الكتاب في هذا الباب: "أن يربوا أولادهم بتأديب الرب وإنذاره".
فإذا وُجد سبب واحد للخوف من أن يبالغ الآباء في إرغام أولادهم على التمسك بالدين, فهنالك ألف سبب وسبب للخوف من أن يهملوا تربيتهم الدينية على الإطلاق. وهنا يجمل بالآباء أن يتذرّعوا بالشجاعة, فلا يكونوا حكماء أكثر مما يجب, فيدركوا أن التربية الدينية التي نفعتهم صغاراً, على رغم ما قد عانوا من مرارتهم, هي بعينها التي تنفع أولادهم اليوم برغم ما قد يشعرون به من غضاضة!
الكلمة المترجمة "ربوهم" تحمل معنى التعهد الدائم, بالتعب والكد والعناية كما يتولى البستاني نبتة صغيرة, ويتعهدها بالتنقية, والتغذية بالطعام, والماء, والنور, والهواء. وهي نفس الكلمة التي وردت في العدد التاسع والعشرين من الأصحاح السابق: "فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه".
"وإذا كان العشب الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنور", يحتاج إلى تربية وعناية, فما أحوج الإنسان الذي هو وليد الأزل, ووارث الأبد, إلى تربية بكل عناية ودقة –كدت أقول بكل شدة- لأن الكلمة اليونانية المترجمة: "تأديب" استعملت أصلاً وصفاً لقصاص الجلد الروماني! "فأنا أؤدبه وأطلقه" (لوقا 23: 16و 22). هذا هو التأديب الرادع, الزاجر, الذي أُغفل أمره في هذه الأيام, فحصد الآباء والأبناء ميعة في الأخلاق, ورخاوة في الآداب, وإذا كان الأولاد في الماضي, قد تربوا في الدين كواجب- وإن يكن بغيظاً, فمن الواجب أن يتربى الأولاد في عصرنا الحاضر, على الدين كميزة من المزايا الجميلة, وكواجب من الواجبات الجليلة.
"الإنذار" هو التحذير, والتقويم بطريق المنع (1كو 10: 11, تيطس 3: 10, أعمال 20: 31, رومية 15: 14, 1كو 4: 14, كولوسي 1: 28, 3: 16, 1تس 5: 12و 14, 2تس 3: 15).
الروح الذي يؤدَّى به هذا الواجب:" "بتأديب الرب" –أي يجب أن يتربى الأولاد وينذروا بروح المسيح, وعلى مبادئ المسيح, وفي نور إرشاد المسيح, لكي يشبوا رجالاً, على اعتبار أن المسيح هو المتعهد الأعلى للبيت المسيحي. فهو المستمع المتخفي لكل حديث, وهو الجالس المستتر حول كل مائدة, وهو الرأس الأعلى للبيت. وهو الروح الذي يسود كل شيء في البيت.
- عدد الزيارات: 18818