النساء والرجال
(5: 23- 33)
إن صلة الأزواج بالزوجات, رمز لصلة المسيح بالكنيسة. وهاتان الصلتان –إحداهما في الدائرة الاجتماعية الظاهرة, والثانية في الدائرة الروحية السرية- كانتا ماثلتين لدى ذهن الرسول وهو يكتب هذا الفصل, ومنهما نسج بُردته, متخذاً من إحداهما السّدى ومن الأخرى اللحمة!!
أولاً: واجب المرأة -الخضوع (5: 22- 24)
-أ-ماهية هذا الواجب (5: 22 (أ))
-ب-الباعث على هذا الواجب (5: 22 (ب))
-ج-أساس هذا الواجب (5: 23)
-د-دائرة هذا الواجب (5: 24)
ثانياً: واجب الرجل –المحبة (5: 25 - 27 )
-أ-قياس هذه المحبة (5: 25- 27)
-ب-أساس هذه المحبة (5: 28- 30)
-ج-شدة هذه المحبة (5: 30و 31)
كلمة مجملة: عن الصلة المتبادلة الكائنة بين المسيح والكنيسة (5: 32)
كلمة مجملة: عن الصلة المتبادلة الكائنة بين الرجل والمرأة (5: 33)
عدد 22
22أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ،
واجب المرأة والباعث عليه: "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب". البيت هو ميزان الحرارة, الذي به تُقاس درجة تدين الإنسان. فكم من رجل يكون حملاً وديعاً في الخارج, ووحشاً مفترساً في البيت. فديانة هذا باطلة وقد يكون البيت أقدس هيكل على الأرض بعد هيكل العبادة, وقد يكون أنجس بقاع الأرض, وأنجس من السجون!!
يقول يوحنا بنيان إنه رأى على مقربة من باب السماء باباً صغيراً يؤدي إلى الهاوية –ولعله باب البيت الذي يكون وكراً لأهل الرياء والادعاء.
غير أنه من المسلم به لدى رجال الدين والاجتماع, أن محور البيت الحقيقي هو المرأة. فهي بلطفها وخضوعها, تستطيع أن تخلق منه خير نعيم, وهي بشدتها وعنادها تستطيع أن تخلق منه شر جحيم!!
واجب المرأة نحو الرجل –ماهية هذا الواجب والباعث عليه:
-أ-ماهية هذا الواجب: "اخضعن". من الخضوع المتبادل المذكور في العدد السابق, انتقل الرسول إلى الكلام عن خضوع المرأة للرجل. وهو ليس خضوع العبد للسيد –ولو أن المرأة الفاضلة تقتدي بسارة فتدعو بعلها سيدها- لكنه خضوع الألفة, والمودّة, والمحبة. ما أشبهه بخضوع العود الرطب للنسيم, فيتمايل معه في اتجاه واحد, بخلاف العود اليابس, الذي يقف في وجه الرياح فيتحطم.
-ب-الباعث عليه: "كما للرب". ليس المراد بهذه العبارة أن تقدم المرأة للرجل نفس الخضوع المطلوب منها للرب, بل أن تخضع للرجل معتبرة أن هذا واجب يمليه عليها خضوعها للرب, سيما في الحالات التي يكون فيها الرجل غير أهل لهذا الخضوع, فتعتبر خضوعها لبعلها عنصراً مكملاً لولائها وطاعتها للرب. وإذا كان أعداء الإنجيل يضطهدون أبناء العليّ ويقتلونهم ظانين أنهم يقدّمون خدمةً لله (يوحنا 16: 1), فكم بالحري يجب على السيدة المؤمنة أن تخضع لزوجها, وهي موقنة أنها بخضوعها هذا تقدم خدمة للرب!!
على أن هذه العبارة: "كما للرب" وإن كانت تفرض على المرأة أن تطيع رجلها, إلا أنها تقيم حدود هذه الطاعة وتنظمها –أن تكون ضمن حدود وصايا الرب ومخافته. فليست المرأة المؤمنة مكلفة بأن تطيع بعلها في أمر يخالف إرادة الرب مخالفة صريحة. إذ يحق لها في هذه الحال أن تتسلح بهذه النية المقدسة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أعمال 5: 29).
عدد 23 :
23لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ.
أساس هذا الخضوع: "لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد". في رسالة سابقة, أوضح الرسول هذا الباعث بكلمات مماثلة لهذه: "ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح, وأما رأس المرأة فهو الرجل" (1كو 11: 3). في تلك الرسالة عرَّفنا الرسول أن السلطان الذي للرجل على المرأة, يترتب عليه خضوع من جانب الرجل للمسيح. ولكنه أرانا في هذه الرسالة أن المسيح هو رأس الكنيسة, لا باعتبار كونه متسلطاً عليها وكفى, بل باعتبار كونه نبع حياتها, وضابط كيانها, حارساً لكل أعضائها. فمن الطبيعي أن يكون الجسد خاضعاً للرأس الذي منه تنحدر كل القوى وَتنبَثُّ في الجسد وتنتشر فيه. فهو إذاً خضوع طبيعي منطقي, لا قهري تعسفي.
كذلك خضوع المرأة للرجل, ليس "تقليداً" شرقياً تسربن عدواه في ذهن رسول شرقيّ, لكنه خضوع يوحي به الحق ويتطلبه المنطق, وينادي به الوحي المقدس الذي هبط على الرسول فأراق نوراً جديداً على هذه الرابطة الجليلة. بل هو خضوع يفرضه جمال أنوثة المرأة, وهو تاج الكمال الذي خلعته عليها العناية. وليس في الوجود أبغض على النفس من المرأة المتسلطة سوى رجل مطواع, الذي ينقاد لوحي المرأة انقياداً أعمى.
هذه حقيقة يقررها الكتاب رغم ما يقال في بعض الأوساط العربية عن ميول ومحاولات ترمي إلى إبدال كلمة: "تخضع" بكلمة: "تواسي" أو: "تعتني" "فإلى الشريعة وإلى الشهادة وإن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر". هذا هو الخضوع الذي كانت تدين به فكتوريا الملكة لبعلها البرنس ألبرت فكانت تعتبره رأساً لها في البيت, على رغم كونها هي رأسه في المجتمع.
إن مفاد قوله: "وهو مخلص الجسد", هو أن المسيح للكنيسة, كالرأس للجسد. ومن المسلم به, أن الرأس بما فيه من عقل مفكر, وعينين مبصرتين, وأذنين واعيتين, يحمي الجسد, ويقيه شر الصدمات, ويدبر ما يلزم لصيانته فيخلصه مما يصادفه من هجمات. فالطاعة المطلوبة من أعضاء الجسد نحو الرأس, إنما هي طاعة مستحقة على الجسد تلقاء عناية الرأس به واهتمامه بصالحه. فإذا كان الرأس يضحّي بالكثير في سبيل حفظ الجسد وتخليصه من المخاطر, فليس بكثير على الجسد أن يخضع للرأس. وإذا وجب على الرجل أن يحمي المرأة, حقَّ على المرأة أن تطيع الرجل.
غير أن "الخلاص" الذي يقوم به الرأس الطبيعي نحو الجسد الطبيعي, لا يوازي فتيلاً أمام الخلاص العظيم الذي أكمله المسيح للكنيسة –لأجلها عاش, ومات, وقام, ولأجلها يحيا الآن مخلصا وشفيعاً (أفسس 5: 25- 27)
عدد 24 :
24وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
منطقة خضوع المرأة للرجل: "في كل شيء".
الحياة الزوجية وحدة لا تتجزأ. فليس للمرأة أن تخضع للرجل في ما يروقها, وتعصاه في ما لا يروق. بل عليها أن تخضع له في جميع الأشياء –صغيرها وكبيرها. ولا يفوتنا أن نذكر: أن الكلمة الأصلية المترجمة "تخضع" تحمل ضمناً, معنىً من معاني التطّوع الاختياري, الذي توحي به المحبة, وتوصي به الألفة. لأن المرأة مرتبطة بالرجل برباط المحبة, الذي يجمع نظيرين متساويين في قرانٍ ميمون –والقران من مصدر قَرَن- ومنه القرين أي الند المساوي والمعادل. فإذاً حق على المرأة أن تعترف أنها بسبب ضعفها الطبيعي تعجز عن القيام ببعض الأعمال التي يقوم بها الرجل بفضل ما أوتي من قوة, فمن الواجب على الرجل أن يعترف من جانبه, بأنه عاجز عن القيام ببعض الأعمال التي تقوى عليها المرأة بفضل ما أوتيت هي من صبر ورقة وحنوّ. فإذا كانت العناية قد أهلت الرجل لأن يقطع الأحجار, التي يُبنى منها الهيكل المسيحي, بقوة ساعديه, فقد وضعت على المرأة أن تصقل هذه الأحجار وتجمّلها.
حدود منطقة خضوع المرأة: إن هذا ال"كل شيء" الذي تخضع فيه المرأة للرجل, محدودٌ بحكم صلة الرجل بالمرأة, فهو ليس ربها الأعلى, ولا هو سيدها الحاكم بأمره. فهي لم تُخلق من رجله لئلا يدوسها ولا من رأسه لئلا تسوده, بل من جنبه لتكون وإياه على قدم المساواة.
ويقيناً أن جل النزاع الذي يفسد السعادة البيتية, ينشأ عن اهتمام كل من الجنسين بما له من حقوق, لا بما عليه من واجبات. وفي هذا يحلو القول: "اعكس تصب"! فلو اهتم كل فريق بما عليه من واجبات, وبما للآخر من حقوق, لأصبحت الأرض نعيماً مقيماً!!
عدد 25 :
25أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا،
واجب الرجل نحو المرأة: "كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم". إن الرابطة الكائنة بين الرجل والمرأة, قائمة على صلة متبادلة, فهي تفترض حقوقاً متبادلة, وواجبات متبادلة. فالخضوع من جانب المرأة, يجب أن تقابله المحبة من جانب الرجل. وفي هذا يقول يوحنا الذهبي الفم: "أرأيت أيها الرجل قياس الطاعة, فاسمع إذاً قياس المحبة؟!"
قياس هذا الواجب: "كما أحب المسيح الكنيسة أيضاً وأسلم نفسه لأجلها". أرأيتَ أن الرسول جعل المسيح نصب عينيه في كل موضوع يطرقه؟ فالمسيح في نظره هو النبع الفياض الذي منه تتدفق كل النوايا الشريفة, وهو الغرض الأسمى الذي يتوّج كل الغايات النبيلة, وهو القوة الحية المحيية التي تدفع كل العوامل السامية. وإذا كان الرسول قد وجد في المسيح الدائرة المركزية لكل نواحي الحياة, فإن النقطة المركزية في المسيح, هي محبته الكفارية الفدائية المضحية. هذه هي المحبة الجيدة الفائقة, التي ملكت على الرسول كل مشاعره, وسلبت لبه, فبينما نراه قاصداً بحرها الطامي ليستقي منه, قطرات تروي غليله في موضوع محبة الرجل لزوجته, إذا به قد نسي نفسه وسبح في بحرها الطامي, فطرح الموضوع الذي أمامه جانباً, وأفاض في وصف هذه المحبة في: (أ)قياسها (عدد 25). (ب)غايتها (عدد 26و 27)
-أ-قياس حب المسيح للكنيسة: "كما أحبَّ المسيح أيضاً الكنيسة...". يتضح من كلمة "كما" أن محبة المسيح للكنيسة هي:
(1)علة حب الزوج لزوجته: لأن الرابطة القائمة بين الزوج والزوجة مشتقة من الرابطة القائمة بين المسيح والكنيسة, ومستمدة كيانها منها.
(2)دستور حب الزوج لزوجته: ليس هو حباً جسدياً مؤسساً على صلة كائنة بين جسد وجسد, لكنه حب روحي مؤسس على رابطة قدسية قائمة بين روح وروح, "والروح بالروح تتلاقى", فالزواج الحقيقي هو تلك الجامعة الراقية التي ترتقي فيها نفس إلى نفس لتعانقها, ويسمو فيها قلب إلى قلب ليؤآخيه, فيكون الفؤاد للفؤاد مرآة أكثر صفاءً من الدرّ, وأغلى قيمة من الجوهر, وأبهى لمعاناً من ضياء البدر.
(3)قياس حب الزوج لزوجته: "أسلم نفسه لأجلها" –محبة حتى الموت. هذا قياس حب المسيح للكنيسة, وهو أيضاً قياس حب الزوج لزوجته. هذا قياس المحبة في عمقها, وعلوها, وقوتها –لا في طولها. فلا يكفي أن يحب الرجل امرأته حباً يمتد به إلى الموت, بل يجب عليه أن يحب امرأته حباً عالياً, عميقاً, قوياً, لدرجة فيها يسهل عليه أن يموت لأجلها. وهو أيضاً قياس للمحبة في طبيعتها –فهي محبة تنظر إلى ما هو لآخرين لا إلى ما هو لنفسها. فلا يفكر الزوج في ما ينتفع به من زوجته, بل في ما يقدر أن يقوم هو به من النفع والخير لها. ولا في الطاعة التي ينتظرها منها, بل في المحبة الواجبة عليه نحوها. هذا هو المثل الأعلى للمحبة التي "لا تطلب ما لنفسها" بل تجود بما عندها حتى تجود بنفسها "والجود بالنفس أسمى غاية الجود"
ولا يغرب عن أذهاننا, أن هذا الواجب يتناول صغائر الأمور في الحياة الزوجية كما يُلم أيضاً بكبائرها لأن الحياة كلها وحدة لا تتجزأ. فكم من رجل تراه مستعداً لأن يموت لأجل زوجته في ساعة الشدة, لكنه لا يرعى جانبها في صغائر الأمور, فينشأ بينهما خلاف تستحكم حلقاته. وجل الخلاف ينشأ عن تافه الأسباب!! فليس بكافٍ أن يكون الرجل مستعداً لأن يموت لأجل زوجته, بل عليه أن يكون على الدوام متهيئاً لأن يحيا لأجلها, وربما كان ثاني الأمرين أمرَّ من أولهما, لأن موته لأجلها يتطلب تضحية نفسه مرة واحدة, لكن حياته لأجلها, تستلزم تضحية مستمرة تتجدد كل يوم, وكل اليوم!!
ومهما يقل الرسول, إن حب المسيح للكنيسة هو قياس حب الزوج لزوجته, فلا يمكن بحال أن يسمو حب الزوج لزوجته إلى ذلك المستوى الراقي النقي الذي بلغه حب المسيح للكنيسة. فالزوج والزوجة شخصان متكافئان لأن الزواج الحق لا يقوم إلا بين نظيرين, ولكن أين التكافؤ بين المسيح والكنيسة, بل بين النور والظلام!![1]
ناهيك عن كون محبة الزوج لزوجته لا تحمل معها تضحية حقة, لأنها مهما سمت لا تخلو من عنصر حب الذات. لكن المسيح أحب الكنيسة وهو لا ينتظر منها صدى لمحبته. فكل الغرُم عليه, وكل الغنم لها.
عدد 26 :
26لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ،
غاية حب المسيح للكنيسة: "لكي يقدسها..."
سبق الرسول فتكلم في موضوع آخر من هذه الرسالة عن محبة المسيح لنا, فقال: "كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا" (5: 2). هناك تكلم عن محبة المسيح لنا في جانبها الكفاري المقبول في نظر الله: "قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة" لكنه أرانا إياها هنا في جانبها الفدائي المتعلق بقصده الأسمى في كنيسته. وقد بان لنا هذا القصد في كلمتين رئيسيتين: إحداهما –مطلع العدد السادس والعشرين: "لكي يقدسها", والثانية –مطلع العدد السابع والعشرين: "لكي يحضرها"
الكلمة الأولى: "لكي يقدسها" لا جدال في أن المسيح أحب الكنيسة وهي خاطئة, لكنه لن يرضى لها أن تبقى في الخطية بعد أن أحبها, لأنه أحبها من الخطية. فمن المحتم أن ينتزعها من أوحال الخطية انتزاعاً.
"لكي يقدسها" –تنطوي هذه العبارة على معنيين –أحدهما خارجي –يرُاد به التكريس والتخصص لخدمته وذاته. وثانيهما داخلي يُقصد به التطهير والتنقية. المعنى الأول يوافق قول المسيح: "ولأجلهم أقدس أنا ذاتي" (يوحنا 17: 19). والمعنى الثاني يوافق قول الرسول: "لا تضلوا. لا زناة. ولا عبدة أوثان.... يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدستّم بل تبررتم باسم الرب يسوع" (1كو 6: 19- 11).
تسلط الشمس أشعتها الذهبية النورانية على فضلات المستنقعات,فتخلق من أقذارها جواهر, وتحوَّل ترابها تبراً. هذا بعض ما تعمله محبة المسيح في الكنيسة التي أحبها واختارها من بين أقذار العالم, من المحتقر والمزدري والغير الموجود, فهي تخلق من النجسين "قديسين" (1: 1), وتجعل من المحتقرين "معتبرين" (غلاطية 2: 2), وتقيم من الغير الموجودين "ملوكاً" (رؤيا 1: 6).
أداة تقديسها: "مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة". هذه العبارة ترجع بأفكارها إلى ما جاء في حزقيال 16: 8و 9 "دخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لي. فحممتك بالماء. ومسحتك بالزيت", وفي حزقيال 36: 25 "وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم ومن أصنامكم أطهركم". وهو يذكرنا أيضاً بكلام كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" (عب 10: 22).
ولكن ماذا يقصد الرسول بقوله: "بغسل الماء بالكلمة؟ هل يشير إلى تطهير الكنيسة "بالكلمة المقدسة" الموحى بها في الكتاب؟ أم يرمي إلى طقس معين؟ يكاد جمهور المفسرين يجمعون على أن الإشارة هنا منصرفة إلى المعمودية. ف"غسل الماء" يشير إلى عملية العماد. و"الكلمة" هي الصيغة التي يفوه بها المعتمد وقت العماد, دليلاً على اعترافه العلني بتركه خطاياه وقبوله المسيح فادياً ومخلصاً وملكاً. أو هي "الكلمة" التي ينطق بها مُجري فريضة العماد -كقوله مثلاً: "أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس". لعلها تشير إلى العبارتين معاً- أي ما يعبر به المعتمد عن إيمانه, وما يفوه به مجري العماد عند إتمام الفريضة.
ولعل أفضل ما قيل بهذا الصدد, ما جاء في تفسير هودج: "إن "الكلمة" هنا هي ذات الكلمة المقدسة الموحى بها, التي قال فيها بطرس الرسول: "مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية" (1بط 1: 23) إنَّ في هذا إشارة ضمنية إلى أن المعمودية في حد ذاتها لن تكفي لإيجاد اختبار روحي, ما لم تكن مصحوبة بالكلمة المقدسة. لأن السر في "الكلمة" لا في المعمودية: "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1بط 3: 21). "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يعقوب 1: 18). وإن "غسل الماء" تعبير رمزي يشير إلى الميلاد الجديد". ويجمل بنا أن نقرر هنا:
(1)أن المعمودية في حدّ ذاتها لا تنطوي على تأثير خفي سحري.
(2)إن الروح القدس لا يرافقها بالضرورة, وفي كل مرة, بتأثيرات روحية خاصة.
(3)أنها ليست الوسيلة الوحيدة لتمتع الإنسان بالفداء. وإنما: (أ)هي رسم إلهي. (ب)هي أحد شروط قبول الخلاص, لأنها تتيح للمعتمد البالغ, فرصة يعلن فيها اعترافه الجهري بخطاياه, وقبوله المسيح مخلصاً وفادياً. (ج)فرصة يظهر فيها الوالدان استعدادهم لقبول التزامات علنية بشأن تربية صغارهم المعمّدين, في مخافة الرب وإنذاره, حتى يشبوا على الصلاح والتقوى.
ويعتقد بعضهم أن "غسل الماء" يشير إلى عملية خارجية. و"الكلمة" تشير إلى فعل داخلي. ويعتقد آخرون أن المسيح يقدس الكنيسة "بالكلمة" إذ طهرها بغسل الماء –أي أن الكلمة وسيلة التقديس.
عدد 27 :
27لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ.
تقديس الكنيسة وتمجيدها: "لكي يحضرها... "
لعل الكلام في العدد السابق منصرف إلى التبرير: إلى الجانب الخارجي الذي يقوم بفرز الكنيسة من العالم. وهذا العدد متعلق بالتقديس والتمجيد.
يتضمن هذا العدد وصفاً مزدوجاً للكنيسة:
أولاً: وصفاً مجملاً للكنيسة كما يعدّها المسيح لنفسه: "لكي يحضرها"
ثانياً: وصفاً تفصيلياً للوصف السابق المجمل- وهو ذو جانبين:
-أ-أحدهما سلبي: "لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك"
-ب-الثاني إيجابي: "بل تكون مقدسة وبلا عيب"
أولاً: الوصف العام المجمل: "لكي يحضرها لنفسه". تذكرنا هذه الكلمة بقول الرسول في رسالة سابقة: "فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). والفرق بين كلام الرسول في تلك الرسالة, وكلامه هنا, هو أنه في تلك, تكلم عن نفسه باعتبار كونه أحد العوامل الثانوية في إعداد الكنيسة للمسيح. لكنه في هذه الرسالة أرانا أن المسيح هو الذي يقوم بإعداد الكنيسة بنفسه ولنفسه, أمام محضر السماء والأرضيين (أفسس 3: 10). فهو الرأس والرئيس في محفل العماد, وفي مجمع القديسين, وفي كل خدمة تعمل على إعداد الكنيسة لعريسها العظيم. والظاهر أن الرسول, كان واضعاً في ذهنه إحدى الحفلات اليهودية الشرقية التي تزف فيها العروس إلى عريسها.
ومع أن الكنيسة المجاهدة على الأرض, هي في نظر المسيح "مقدسة وبلا عيب" –لأن عين المحب تتغاضى عن عيوب الحبيب- كما قيل: "كلك جميلة يا حبيبتي ليس فيك عيب" (نشيد 4: 7), إلا أنها لن تبلغ هذه الدرجة الكاملة من القداسة, إلا متى ارتفعت إلى المجد (رؤيا 21: 2, 19: 7- 9).
الجانب السلبي: "لا دنس فيها ولا غضن". "الدنس" هو الفساد ومشتقاته. و"الغضن" هو تجعدات الشيب والهرم. وقوله: "أو أي شيء من مثل ذلك" يفيد خلو الكنيسة من كل عيب يشوّه جمالها. فخلوها من "الدنس" يشير إلى كمال طهرها. وخلوها من "الغضن" يفيد دوام شبابها وصباها. وخلوها من "أي شيء مثل ذلك" يدل على كمال جمالها. هذا مطابق لوصف الملاك الذي كان عند قبر الفادي يوم قيامته: "شاباً عن اليمين لابساً حلة بيضاء" (مرقس 16: 5). بل هذه الصورة التي ظهر بها المسيح على جبل التجلي, فكانت مثار إعجاب التلاميذ, وتعجبهم, وخوفهم لا بل هي الصورة التي سنكون عليها حينما نراه في مجيئه (1يو 1: 2).
"مقدسة وبلا عيب" –هذان الوصفان مطابقان للوصفين السلبيين الذين مرّا بنا. فالكلمة: "مقدسة" هي تعبير إيجابي معادل للعبارة: "بلا دنس". وقوله: "بلا عيب" موازٍ للعبارة: "لا غضن فيها أو أي شيء من مثل ذلك".
"بلا دنس... وبلا عيب" –هذان الوصفان أطلقا على المسيح نفسه "كما من حمل بلا عيب ولا دنس" (1بط 1: 19).
عدد 28 :
28كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ.
محبة الرجل للمرأة أمر طبيعي لأنهما واحد- هي محبة الرأس للجسد. يظهر لدى إلقاء لمحة عاجلة على هذه الآيات, أن الرسول رجع القهقرى في حججه, فتوّجها بحجة ضعيفة مبنية على حب الذات, سيما عند قوله: "من يحب امرأته يحب نفسه" (عدد 28).
ولكن لدى إمعان النظر, يتضح لنا جلياً, أن الرسول يتقدم بنا خطوة جديدة في حججه, مبيّناً أن الرجل والمرأة ليسا شخصين منفصلين, لكنهما إنسان واحد. لأنه وإن يكن الرجل رأس المرأة –كما أن المسيح رأس الكنيسة, إلا أن الرأس ليس منفصلاً عن الجسد, ولا هو بمستقل عنه, لكنه يكوّن مع سائر أعضاء الجسد, جسماً واحداً, فالحب المطلوب من الرجل لامرأته, ليس حباً متكلفاً, لكنه حب طبيعي. هو حب الرأس في الجسم الواحد لسائر أعضاء الجسد, أو بالحري هو حب الإنسان لنفسه.
على أنه لا يستفاد من هذا, أنه حب نفساني نفعي, لكنه حب طبيعي تطوعي, ينبعث من الإنسان بغير تكلف, مثلما ينبعث النور من قرص الشمس, من غير مجهود ولا عناء, أو كما ينبعث أريج الزهرة منها فيعطر الأرجاء.
عدد 29 :
29فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضاً لِلْكَنِيسَةِ.
معقولية هذا الواجب: "فإنه لم يبغض أحد جسده قط"
إن واجب الحب المطلوب من الرجل نحو امرأته ليس من الواجبات العسيرة, لكنه سهل هين. لأن العقل السليم يوصي به وطبيعة الحال توحي به, فما من رجل في كمال عقله يمزق جسده أو يسيء إليه, بل يقوته ويربيه "كما الرب أيضاً للكنيسة". إن هذه الوحدانية الكائنة بين الرجل والمرأة, مشتقة من الوحدانية الكائنة بين المسيح والكنيسة. وهذا الواجب الذي يقوم به الرجل نحو امرأته, إنما يتمتع به هو, باعتبار كونه أحد أعضاء كنيسة المسيح. فلا فضل إذاً للرجل في حبه لزوجته, لأنه ليس محسناً عليها بهذا الحب, ولا هو بمتفضل به عليها, كلا. فإنه في حبه لها إنما يحب نفسه, وهو بذلك ليس إلا موفياً لدين عليه نحو المسيح, لأنه سبق فتمتع بهذا الحب العجيب: "كما الرب أيضاً للكنيسة" فكما أن المسيح هو رأسه الأعلى, الذي أغدق عليه هذا الحب, كذلك عليه هو باعتبار كونه رأس المرأة, أن يوفي هذا الدين الذي عليه نحو المسيح.
فإذاً كل من يقصر في محبته لزوجته يُحسب مسيئاً إلى نفسه, ويحكم على ذاته بالخروج عن طور الإنسانية, لأنه يسيء إلى جسده إلا من أصيب بمسّ في عقله, أو من أقدم على تضحية فذَّة (لوقا 14: 26).
وفوق ذلك, فإن من يقصر في محبته لزوجته, يُحسب مقصراً في حق المسيح عليه, فهو الذي أحبه وافتداه. إذاً لا فضل لرجل في محبته لزوجته, إلا كفضل السحاب الذي يجود على الأرض بالمطر والمطر ليس منه, بل من البحر أو "كالبحر يمطره السحاب وما له* مَنّ عليه لأنه من مائه".
إن قوله: "أن يحبوا نساءهم كأجسادهم" معناه أن "يحبوا نساءهم باعتبار كونهن أجسادهم", لا أن يحبوهن كما يحبون أجسادهم.
عدد 30 :
30لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ.
متانة الوحدانية بين المسيح والكنيسة: "لأننا أعضاء"
تقديراً لمتانة الوحدانية الكائنة بين المسيح والكنيسة, اقتبس الرسول عبارة وردت أصلاً في سفر التكوين عن متانة الوحدانية الكائنة بين الرجل والمرأة: فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك 2: 23).
ويقول يوحنا الذهبي الفم, في تفسيرها: "كما أن حواء أُخذت جسدياً من آدم الأول, كذلك الكنيسة: أُخذت روحياً من آدم الثاني –المسيح"
ويقول كالف: كما أن حواء صُورَت من جوهر جسم آدم, كذلك صُورّت الكنيسة من جوهر جسم المسيح الذي "تشارك وإيانا في اللحم والدم"
ويقول هودج: "كما أن حواء استمدت كيانها من جسم آدم, كذلك نستمد نحن كياننا من جسد المسيح, وكما أن حواء صارت شريكة في حياة آدم, كذلك أصبحنا نحن شركاء في حياة المسيح".
وفي اعتقادنا أن الرأي الأخير يُلمّ بالمعنى إلماماً شاملاً, وهو أقربها إلى الصواب. سيما وأن كلمة "مِن" تفيد "الاشتقاق" التام!
عدد 31 :
31مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً.
متانة الصلة التي بين الرجل وامرأته: "من أجل هذا"
بعد أن اقتبس الرسول تكوين 2: 23, مستدلاً على متانة الصلة القوية المكينة الكائنة بين المسيح والكنيسة: "عظم من عظمه ولحم من لحمه" أردفها بالآية التي تليها (تكوين 2: 24) مبيناً الواجب الذي تفرضه هذه الصلة على الرجل: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً". فهي إذاً صلة روحية أقوى من صلة الرَّحِم. على أنه لا يستفاد من قوله: "يترك أباه وأمه" أن يتغاضى الرجل عن واجبه المقدس نحو والديه, لأن الذي لا يعتني بخاصته, ولا سيما أهل بيته هو شر من غير المؤمن".
هذه نفس العبارة التي اتخذها المسيح سلاحاً له, في محاربة بدعة الطلاق التي كانت فاشية بين اليهود منذ أيام موسى, إذا كان الرجل يطلق امرأته إذا وضعت في الطعام ملحاً أكثر مما يجب! أو إذا لم تحسن وضع الغطاء على رأسها, أو إذا لبست ثوباً لا يروقه لونه. فأوصى الله موسى بأن يعطي الرجل امرأته كتاب طلاق, عله يعدل عن فكرة الطلاق قبل أن ينتهي من استيفاء الإجراءات التي يستلزمها كتاب الطلاق. لذلك جابههم الفادي المجيد بهذه الحقيقة الخالدة: "من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. والذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مرقس 10: 6- 9).
عدد 32 :
32هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ.
ذلك السر العظيم: "هذا السرّ عظيم ولكني أنا أقول"
هذه آية عسرة الفهم, فلا غرابة إذا تباينت فيها آراء المفسرين. ولكي نتبين بعض ما فيها من معانٍ, يجمل بنا أن نسأل هذين السؤالين:
أولاً: ما المراد بكلمة "سر" كما استُعملت هنا؟
إن كلمة "سر" كما وردت في هذه الرسالة (1: 9, 3: 3و 4و 9, 6: 19), قد تعني أمراً من ثلاثة –أو تعني ثلاثتها معاً:
(1)قد تعني أمراً مخفياً عن العامة, فلا تفهمه سوى الخاصة.
(2)قد تشير إلى حق روحي يظل مستوراً عن البشر حتى يأتي وقت إعلانه بالروح (3: 9).
(3)قد ترمي إلى حقيقة عويصة. عسرة الفهم, تحتمل تأويلات كثيرة, وتنطوي على معانٍ أكثر مما يرى منها ظاهرياً.
ثانياً: ما هو هذا "السر" العظيم؟ إنه لواضح من قول الرسول: "ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" إن هذا "السر" العظيم هو تلك الرابطة الروحية, السرية, الخفية, الكائنة بين المسيح والكنيسة, لدرجة تحسب فيها الكنيسة "عروساً للمسيح" ويحسب أعضاؤها "لحماً من لحمه وعظماً من عظمه".
ويعتقد بعض المفسرين أن "هذا السر العظيم" هو ذلك الرمز الكائن بين الرابطة الزوجية الجسدية, وبين الصلة الروحية الخفية التي بين المسيح والكنيسة.
ويميل البعض الآخر, إلى اعتبار هذا "السر" أمراً عسر الفهم, يحتمل تأويلات أكثر كثيراً مما يرى من ظاهره, وأن الرسول قال رأيه فيه بصرف النظر عن القصد الأصلي الذي كان أمام آدم عند نطقه بهذه العبارة. هذا الرأي يؤيده قول الرسول: "ولكنني أنا أقول".
وغير خاف, أن بعض الطوائف اتخذت من هذه الآية أساساً لاعتبار الزواج سراً من الأسرار الكنسية المقدسة. ويكفي أن نقول بهذا الصدد أن ترجمة الآباء اليسوعيين –وهي حجة الكنيسة الكاثوليكية- ترجمت هذه الآية هكذا: "أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة". وأن كلمة "سر" لم تطلق على الفرائض المقدسة إلا بعد القرن الخامس للميلاد. وأن ابن العسال وضع "الزواج" في باب المعاملات الاجتماعية. ولعل العناية سمحت بتضارب الآراء حول هذا "السر". والسر في ذلك, أن العناية أرادته أن يظل "سراً" حتى يأتي اليوم الذي فيه يعلن الله "السرائر"!
عدد 33 :
33وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا.
كلمة مجملة- مسك الختام: "وأما أنتم الأفراد...
"وأما"- هذه كلمة استدراك, تصرف ذهن السامع عن البحث في "السر" النظري, إلى العمل بالجوهر. والظاهر أن الرسول شعر بأن كلمته الأخيرة "هذا السر العظيم" ستكون مثاراً للجدل والبحث بين قارئيه على مر الأجيال, لذلك قصد أن يصرف أذهانهم عن البحث في "السر" موجهاً إياها إلى الجانب العملي –كأن يقول لهم: ومهما يكن من أمر هذا السر, يكفيكم أن تعرفوا منه هذا الواجب العملي المزدوج المطلوب من الرجال والنساء.
على الرجل أن يحب امرأته, وعلى المرأة أن تهاب رجلها
فالمحبة هي المهابة خادمة, والمهابة هي المحبة محتشمة.
المحبة هي رمز أمانة الرجل, والمهابة هي رمز طاعة المرأة.
ومن الأهمية بمكان, أن نذكر أن الكلمة: "المترجمة"
"تهب", تعني حرفياً "تخف" وهي نفس
الكلمة المعبرة عن مخافة
الله وتقواه
[1] الصلة الكائنة بين المسيح والكنيسة كعريس وعروس, ترجع إلى فكرة نشأت في العهد القديم عن صلة "يهوه" بشعبه إسرائيل. فلما أراد هوشع أن يصور الأمة الإسرائيلية في انحرافها عن عبادة الله, تمثلها في امرأة خانت بعلها. ثم انتقلت هذه الفكرة إلى العهد الجديد فتغلغلت فيه, وبها اختتم سفر الرؤيا.
- عدد الزيارات: 6041