مدخل - إلى من كتبت هذه الرسالة
د- إلى من كتبت هذه الرسالة؟
من المسلَّم به, أن العبارة "في أفسس" المتضمنة في العدد الأول, ليس موجودة في بعض النسخ الخطيّة القديمة. وإلى هذه الحقيقة يُعزى السبب في خلو هذه الرسالة من الإشارات الخاصة إلى الظروف المحلية المحيطة بكنيسة أفسس, مما حدا بجل الباحثين أن يستنتجوا أن هذه الرسالة "دورية" أُرسلت إلى كنائس تضمها معاً مقاطعة واحدة- من ضمنها أفسس, وأن الرسول ترك "فراغاً" في العنوان ليملأ باسم الكنيسة التي يأتي دورها. وأن النسخ الخطيّة المحتفظة بهذه العبارة: "في أفسس", هي صورة طبق الأصل للنسخة الأولى التي أرسلت إلى أفسس بالذات, باعتبار كونها إحدى تلك الكنائس أو "مفتاحها".
ومتى ذكرنا أن تيخيكوس حمل هذه الرسالة مع رسالة كولوسي, وأن اسمه مذكور في كل من الرسالتين بكل حب وإجلال وإكرام (كو4: 7 و8, أفسس6: 21 و22). وأن هاتين الرسالتين تتشابهان في مواضع غير قليلة, تبين لنا أن هذه الرسالة, هي في الغالب تلك التي ذكرت في رسالة كولوسي باسم "الرسالة إلى لاودكية" (كو4: 6).
وبما أن أفسس كانت على رأس مدائن تلك المقاطعة, ومتقلدة زعامتها سياسياً, وعلمياً, واجتماعياً, ودينياً, وأنها كانت "مفتاح" مقاطعة آسيا الصغرى, فكان من الطبيعي أن ترسل هذه الرسالة إلى كل تلك الكنائس "عن طريق" كنيسة أفسس. وإلى هذا يعزى السبب في وجود العبارة: "في أفسس" في كثير من النسخ الخطية القديمة جداً.
هذه هي أفسس عاصمة الدولة الرومانية في آسيا الصغرى. لقد امتازت بغناها الجزيل, وفنها المبدع, ومعبدها الذي فاق كل طارف وتليد, إذ سلخ من الدهر 220 سنة في إقامته, فشيد على 127 عاموداً, وبلغ طوله425 قدماً, وعرضه220 قدماً, وارتفاعه70 قدماً- هذا هو هيكل ديانا.
هذه هي أفسس التي كانت قبل بزوغ شمس الإنجيل, متحلية بجمالها القبيح, متعظمة بغناها المفتقر, متفاخرة برفعتها الحقيرة ولكن عندما غمرها نور الإنجيل, خرت "ديانا" ساجدة عند قدمي الناصري المصلوب.
ولكن أين هي أفسس الآن؟ لقد أضحت أثراً بعد عين. لأنها اكتفت بالمظهر دون الجوهر, وانصرفت بـ "الاسم" عن "الحقيقة", "فتركت محبتها الأولى" (رؤيا2: 5).
ولئن ذهبت أفسس, فإن رسالتها خالدة. ولئن مضى الرسول فالؤسالة باقية. فالسموات والأرض تزول, ولكن كلمة الله لا تزول. فلنتقدم إلى دراسة هذه الرسالة بروح التخشع والتعبد, طالبين من روح الله, أن يعلن لنا ما خفي منها وما استتر, وأن يحقق لنا في حياتنا العملية, ما وضح منها وما ظهر, لأنها في الواقع كتبت لنا نحن الذين امتدت بنا الأيام إلى هذا العصر.
- عدد الزيارات: 13883