مقدمة عامة - من هو يوحنا كاتب هذه البشارة؟
من هو يوحنا كاتب هذه البشارة؟
كلمة "يوحنا" هي مختصر كلمة "يا حنان" أي "الرب يتحنن".
ولد يوحنا في أيام حكم أول قياصرة الرومان، وامتدت به الأيام حتى بلغ أيام تراجان، فلامس حدود القرن الثاني للميلاد. وبذلك أضحى أطول الرسل عمراً، وأبقاهم على قيد الحياة.
ولد في بلاد فلسطين مهبط الوحي والإلهام، ومهد الرسالة والنبوة. هذه بلاد شعرية حساً ومعنى، لذلك يسميها اليهود ساكنوها "كنورت" أي القيثارة كما يدل عليها شكلها.
إذا قيس كل بلد بحدوده الجفرافية، حسبت فلسطين من أصغر بلاد العالم، فهي لا تزيد في عرضها عن 50 ميلاً ولا تبلغ سوى 180 ميلاً في الطول.
لكن إذا قيس كل بلد، بما أنجبه من الرجال العظام، ومن قادة الرأي في البشرية، فأن هذه البلاد الصغيرة تحسب في مقدمة بلاد العالم عظمة وجلالاً. هذه بلاد ترعرع فيها سليمان، وملك فيها داوود، وتغنى قيها اشعياء، بشعره الخالد. فضلاً عن ذلك، فقد صارت مهبط تجلى الله في السحاب على الهيكل المقدس، وفوق الكل قد خرج منها مخلص البشرية- يسوع المسيح، الذي هو "بهاء مجد الله ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته".
في مقاطعة الجليل الواقعة شمال فلسطين، وفي مدينة بيت صيدا- مكان الصيد- عاش يوحنا كاتب البشارة المنسوبة إليه. في شبابه كان نكرة بين صيادي الأسماك، وفي رجولته وشيخوخته أضحى علماً في مقدمة صيادي الناس.
كان مسقط رأس يوحنا في قرية قريبة من بحر الجليل تكتنفها مروج تابور الخضراء، وتشرف عليها قمم جبال حرمون الثلجية البيضاء، فكان من الطبيعي أن ينشأ يوحنا في هذه البيئة الطبيعية الجميلة، وله عين النسر، وقلب الشاعر، وعقل الفيلسوف، وروح العابد المتصوف.
أما أبواه فهما زبدى وسالومة. كان والده في الغالب على جانب من نعيم الحياة، لأن عدداً من الخدم المأجورين كان في حيازته لمساعدته في إصلاح الشباك (مرقس1: 10). وكان أيضاً يملك بيتاً. وكان يوحنا نفسه معروفاً لدى قيافا رئيس الكهنة.
أما أمه فقد كانت سيدة فاضلة تقية. وكانت شريكة النساء اللواتي اشترين الحنوط الكثير الثمن لتكفين جسد المسيح.
إذاً كان يوحنا من عائلة شريفة مع انه كان متخذاً مهنة الصيد حرفة له. لأن عادات اليهود كانت تقضى على أبناء الأشراف أن يتعلموا حرفة ما.
ويستنتج من عدم ورود اسم والد يوحنا بعدما صار ولداه تلميذين ليسوع، أنه كان قد مات في ذلك الوقت.
ذهب يوحنا عند بلوغه السادسة من عمره الى المدرسة التي كان يذهب إليه أبناء اليهود الأشراف والأوساط- وهي المعروفة "بالمدراش" فيها تعلم مبادئ القراءة واستظهر شيئاً من التوراة والتلمود. ولأن اليهود يعتقدون
"يا معلم لم اقتصرت على هذه العبارة" أجابهم: "هذه وصية المسيح وكفى. لأن من حفظ هذه الوصية، فقد حفظ الكل".
هنالك في تلك الجزيرة النائية - "بطمس" - التي كان يفصلها بحر عظيم، عن أفسس مقر خدمة يوحنا وعمله، هنالك قضى يوحنا أيامه الأخيرة فارتقى برؤياه فوق الأبعاد وانتصر على المسافات، وقال: "والبحر لا يوجد فيما بعد".
- عدد الزيارات: 23442