مقدمة عامة
بشارة يوحنا هي فريدة. فليس في آداب اللغات ما يعدل البشائر الأربع, وليس بين البشائر الأربع ما يعدل البشارة الرابعة.
أهذه البشارة مقالة تاريخية؟ أم هي بحث فلسفي أفرغ في قالب تاريخي؟ أم هي حجة لاهوتية جمعت بين ثناياها دقائق التاريخ وجمال الفلسفة؟ أم هي كل هذه مجتمعة معاً؟؟
بشارة يوحنا هي بشارة الخاصة, لكنها في نفس الوقت بشارة العالم أجمع. فمع أن كاتبها يهودي مشبع بالآراء اليهودية, ومع أنه مسيحي ملم بكل ما جاءت به البشائر الثلاث السابقة لبشارته, ومع أنه مرتبط بحدود الزمن الذي نشأ فيه, ومتأثر بعوامل البيئة اليونانية التي كانت محيطة به, إلا أن كتابه ليس قاصراً على اليهود, ولا هو كتاب جيل خاص, لكنه كتاب الأجيال, لأن وراء يد يوحنا, عاملاً قوياً خفياً, هو روح الله العارف قلوب البشر أجمعين.
في الإصحاحات الثلاثة الأولى, نرى المسيح "كلمة الله الأزلي" محاطاً ببيئة يهودية, وإذ نبلغ الإصحاح الرابع, نرى الفادي وقد تخطى حدود البيئة اليهودية الضيقة, حتى اتصل بالسامريين فوجدوا فيه مخلصهم المنتظر إذ قالوا "هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم".
إن كل قارئ ودارس لهذه البشارة, مهما كانت لغته وجنسيته, تقابله على صفحاتها كلمات جامعة تقوم أمامه واثبة لتحييه بلغته الخاصة, لأنها كلمات عامة تلامس جميع البشر على توالي الأيام – المحبة, الحياة, النور, الحق, الخبز, الماء – كل هذا يؤكد لنا أن البشارة هي كتاب العالم أجمع.
هذا الكتاب هو قدس أقداس الآداب المسيحية. فيه نسمع أقدس الإعلانات السماوية, فلا عجب إذا جادت قرائح القديسين بأمجد الألقاب وأقدسها على هذه البشارة. فمن قائل أنها "بشارة الأبدية" إلى قائل أنها "تعبير قلب الله" إلى قائل إنها "بشارة الحب الخالص".
- عدد الزيارات: 23540