مواجهة بعض الاعتراضات
قد أثارت هذه المعجزة اعتراضات كثيرة: فمن قائل إنها معجزة تنعم لا معجزة ضرورة كسائر معجزات المسيح التي صنعها ليشفي مريضاً أو ليقيم ميتاً، أو ليشبع جائعاً. ودفعاً لهذا الاعتراض نقول: إنها ليست معجزة تنعم بل معجزة محبة مثلثة الجوانب. أحدها يتجه نحو العريس الذي تورط بسبب كثرة المدعوين إلى الوليمة. وجانبها الثاني نحو الأم العذراء التي أراد الابن أن يجيبها إلى طلبها قبل أن يغادرها إلى عمله الرسمي، وجانبها الثالث نحو شخصه إذ عمل هذه المعجزة فأظهر بها مجده.
ومن قائل أن في إقدام المسيح على تحويل الماء إلى خمر، تشجيعاً للناس على السكر. ورداً على هذا نقول: إن الخمر التي صنعها المسيح لم تكن "مسكراً" بل كانت منبهة "ومفوقة" – بدليل شهادة رئيس المتكا التي نطق بها بكل صحو بعد أن شرب منها. أنها لم تكن خمراً بالمعنى المعروف، بل كانت كعصير العنب المقطوف حديثاً من الكرمة، أخذها الناس من عرس قانا الجليل من يد المسيح القادر كما يأخذونها كل يوم من يد الله الباري. لأن
وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ
ما عمله المسيح في هذه المعجزة بتحويله الماء الذي كان في الستة الأجران إلى خمر، هو نفس ما يعمله كل يوم في دائرة الخلق – والعالم خلق في ستة أيام – بتحويله مياه الأمطار، والبحار، إلى عصير عنب في قلب الكرمة. إنما الشيء الوحيد الذي به سكر المدعوون هو "جمال مجد المسيح" – هذا هو السكر الحلال.
ويلوح لنا أن اعتراض هؤلاء بقولهم إن المسيح عمل هذه المعجزة ليشجع الناس على السكر، لهو بمثابة القول أن الله خلق الكروم ليشجع الناس على السكر. أو أن الله خلق النار ليشجع الناس على الاحتراق بها، أو أن الله خلق بعض الأدوية السامة ليغري بها الناس على الانتحار.
يوجد ما يسمى "بالخمر" التي هي عصير العنب المختمر – كما يختمر عجين الخبز مثلاً – وهذه كان اليهود يتعاطونها، وما يسمى بـ "المسكر" الذي يصنع بواسطة عملية التقتير. ويقول يوسيفوس في تاريخه، أن اليهود في وقته كانوا متصفين بالاعتدال في شربهم، وكانوا لا يعرفون إلا عصير العنب. ويؤيد هذا القول التاريخي ما نلاحظه في كتابات بولس الرسول. لأن الكلمات التي خاطب بها السكيرين إنما وردت في رسائله إلى الأمم لا إلى اليهود (رو 13: 13 و 1كو 5: 11 وغل 5: 21 وأفسس 5: 18 و1تس 5: 7). وتدعمه أيضاً كلمات بطرس الرسول (1 بط 4: 3).
- عدد الزيارات: 3814