الفصل التاسع: مؤهلات المرسل
كتب أحد المرسلين إلى الشرق قائلا :
أعطيت جريدة في سنغابور، فلفت نظري فيها صفحة بكاملها ينتقد فيها المحرر المرسلين، فيتهمهم أنهم يهدفون إلى تثقيف الوطنيين، واقناعهم على اعتناق المبادئ و العقائد الغربية المسيحية، و بذلك يهدفون إلى إخضاعهم لسلطة الرجل الأبيض هذه الجملة فيها كثير من التحدي. هل تقدر الكنيسة المسيحية في البلاد الآسيوية أن تتنافس و الإيمان الشرقي؟ أيستطيع الغرب أن يثني الشرق عن تعصبه ضده وضد أساليبه؟ أم هل على المسيحية أن تتراجع مع تراجع الإمبريالية و اضمحلالها من الشرق؟
تعتمد هذه الأمور على مؤهلات القائد المسيحي، فنجاحه أو فشله لا يرتبط بكمية عمله، بل بنوعيته. أهو مملوء بروح المسيح؟ و روح المحبة التي تجعل منه أداة تجتذب من حولها إلى مصدر تلك الروح و تلك المحبة، فتثير فضول القادة الوطنيين الذين يعمل معهم لمخالطته و التقرب إليه فيتأثروا بعشرته و روحه.
قال مدير إرسالية في أمريكا اللاتينية علينا أن نتعلم الخدمة في البلاد المعادية لنا و كوبا أفضل تجربة.
كتب أحد المرسلين إلى البلاد الإسلامية قائلا :
" علينا أن نختار للحقل التبشيري من هم أقوياء البنية، ذوي صحة قوية و جيدة، يتحملون الخشونة و القسوة التي لا تليق إلا بالعسكريين. أما من جهة المزاج فعليه أن يكون ثابتا و حازما و لطيفا. أما من جهة النضوج الروحي فيقول أننا بحاجة إلى أشخاص بسطاء في الروح غير متعجرفين أو متكبرين لأنهم خريجو جامعات مع اعترافي بأن خريجي الجامعات المسيحية، مؤهلين علميا و ثقافيا و على استعداد لمهاجمة الشر، وأداء الرسالة و لكنها جميعها تبقى في دور النظريات إلى أن يصلوا إلى الحقل التبشيري. عندها تلمس الحاجة إلى بساطة الروح الهادئ الوديع لا المتعلم المثقف المتعجرف.
حاجتنا ماسة إلى اختصاصيين في حقول مختلفة كالإذاعة مثلا، أو التمرين أو الطلب أو التعليم أو الفن و غيرها و لكن عمل المرسل، و علاقاته مع الناس تظهر أكثر مما يظهر اختصاصه، عمل المرسل أكثر فعالية من مؤهلاته الجامعية.
عندما اتسع عمل الإرساليات في أواخر القرن المنصرم كان للرجل الأبيض قيمته و احترامه، فخضع له الوطنيون الذين حل بينهم وأخضعهم لإمبرياليته. أما الآن فقد تغيرت الأيام – ظهرت العصبيات الجنسية و العرقية، والتعصب الديني، و الوعي الوطني ضد الاستعمار والمستعمرين.
و الإمبرياليين و هذا للأفضل إذ خلقت هذه جميعها حاجة إلى مرسل يختلف تمام الاختلاف عن سابقه.
ما هي مؤهلات المرسل الحديث إذا لدخول حقول التبشير في العالم الحديث؟
بالنظر على هذه المؤهلات و تعديدها، نجد أنها ليست حديثة البتة، ولا تفرض من الخدمة،
ولكنها جميعها مستقاة من العهد الجديد.
من هذه المؤهلات:
أولا – الوداعة والتواضع:
يفرض في المرسل اليوم أن يدرب الوطنيين على القيادة في الكنائس النامية. وهذا يعتمد على المساواة بين المرسل و من يعملون معه. الإذعان لرؤسائنا، و التساوي مع أصدقائنا ليس بالأمر الصعب، و لكن الصعوبة تكمن في إظهار التواضع والإذعان لأندادنا وهذه هي التجربة. كيف يعامل المرسل أنداده في الكنائس الغريبة.
في أحيان كثيرة يدعى المرسل إلى بلد أجنبي، كي يتعاون مع المسؤولين و الرؤساء في ذلك البلد الحديث الاستقلال، وقد وضع هذا الاستقلال الحديث روح الكبرياء و الاعتزاز في المسؤولين الجدد. وفي بعض الأحيان يظهرون العداء و المرارة للأجانب. فالتعامل مع رؤساء من هذا النوع يتطلب تواضعا كثيرا و في أحيان أخرى يفرض على المرسلين أن يعملوا تحت إدارة الوطنيين الذين استقلت بلادهم تمام الاستقلال – فالتواضع ضروري جدا للوطنيين و المرسلين في حالات كهذه.
اعتز بولس الرسول و افتخر بجنسيته، وشخصيته، و استقلاله، و قدرته على قمع الفتن،
ولكن بعد تجديده افتخر لأنه عدَ أهلا لأن يكون عبدا ليسوع المسيح ما أبشع كلمة عبد فهي تعرى الإنسان من كل شخصية، و حرية، وحقوق، و تقيده بسيده فقط، فقد يساوي بعض الحيوانات الأليفة البيتية. و لكن بولس كرر عدة مرات افتخاره بعبوديته للرب يسوع. وليس ذلك فقط بل افتخر بكونه عبدا للآخرين " فإني إذ كنت حرا مع الجميع استعبدت نفسي للجميع لأريح الأكثرين" (1كورنثوس 9، 19) فإننا لا نركز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا و لكن بأنفسنا عبيدا لكم لأجل المسيح (2كورنثوس4، 5).
على الخادم أن يشعر أولا بحقارته و عدم استحقاقه أمام الرب فبل أن يدخل حقل الخدمة. وقد كان هذا الشعور هو نفسه الذي اختبره بولس كما يبدو لنا في الأعداد التالية وفي ذهابه حدث أنه اقترب من دمشق فبغتة أبرق حوله نور السماء فسقط على الأرض و سمع صوتا قائلا له شاول شاول لماذا تضطهدوني. فقال من أنت يا سيد. فقال أنا يسوع الذي أنت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس (أعمال 9، 3-5).
قابل العدد الأول من الإصحاح نفسه الذي يقول " أما شاول فكان ينفث تهددا و قتلا على تلاميذ الرب " مع العدد الثامن " فنهض شاول عن الأرض و كان و هو مفتوح العينين لا يبصر أحدا. فاقتادوه بيده..." أليس هذا الاختبار هو الذروة في حياته؟ و هو رضي بالتقيد الكلي الذي جعل من بولس رسولا مرموقا للمسيح. سخر بولس كل مواهبه، علومه، و حقائق ديانته لاضطهاد كنيسة المسيح. و لم يصبح ذلك الرسول المكرس إلا بعدما تقابل مع الرب يسوع. وكذلك النبي أشعياء، "..... رأيت السيد جالسا على كرسي عال و مرتفع... فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، و لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود... ثم سمعت صوت السيد قائلا من أرسل ومن يذهب.... فقلت هأنذا أرسلني.. فقال اذهب (أشعياء 6، 1و5و8و9).
هذا الشعور بعدم الاستحقاق و عدم المؤهلات لخدمة الرب كان العنصر الذي تميز به خدام الرب في العهد القديم. فاسمع ماذا يجيب أرميا عندما دعاه الله للخدمة فقلت " آه يا سيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد " (أرميا 1، 6). وكذلك الأمر مع الرسول بطرس فقد قاده الرب إلى نقطة الانكسار أمامه عندما أنكره. عندئذ تأكد من قصوره، وعدم كفاءته، وعدم استحقاقه، فبكى بكاء مرا. فأخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة. وأما بطرس فتبعه من بعيد. و لما أضرموا نارا في وسط الدار و جلسوا معا جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالسا عند النار فتفرست فيه و قالت وهذا كان معه. فأنكره قائلا لست أعرفه يا امرأة و بعد قليل _ رآه آخر و قال وأنت منهم. فقال بطرس يا إنسان لست أنا. ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلا بالحق أن هذا أيضا كان معه لأنه جليلي أيضا. فقال بطرس يا إنسان لست أعرف ما تقول. و في الحال و بينما هو يتكلم صاح الديك. فالتفت الرب و نظر إلى بطرس. فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج بطرس خارجا و بكى بكاء مرا (لوقا 22، 54-62) شعر بطرس بعدم كفاءته و عدم استحقاقه فبكى بكاء مرا. أما بولس و أشعياء فظهر لهما قصورهما بعد مشاهدة مجد الله "رأيت في نصف النهار في الطريق أيها الملك نورا من السماء أفضل من لمعان الشمس قد أبرق حولي و حول الذاهبين معي" (أعمال 16، 13) وجود الرب فقط حول المؤمن يكشف له عدم استحقاقه و حقارته. " طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات " (متى 5، 3).
أما المثال الأعظم والأكمل في هذا الحقل فهو الرب يسوع نفسه، يسوع وهو عالم أن الآب دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج و إلى الله يمضي، قام عن العشاء و خلع ثيابه وأخذ منشفة وأتزر بها (يوحنا 13، 3-5) أليست هذه الأعداد أسمى مثال للاتضاع
و الوداعة؟ ألا يليق باتباعه أن يقتفوا خطواته؟
" فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، و لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب "(فيلبي 2، 5-8).
" تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال و أنا أريحكم احملوا نيري عليكم و تعلموا مني لأني وديع و متواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم (متى 11، 28و29).
يتضح لنا من هذه الأعداد أن الرب يستحث أولاده وخدامه على التمثل به، و اتباع خطواته وعند ذلك تختفي الكبرياء، و يضمحل الفخر – الفخر بالجنس، أو العرق، أو اللون،أو المركز. هكذا فقط باسم الرب يسوع و السير في خطاه و الامتلاء بروحه يستطيع الخادم أن يخدم بأمانة، وصدق واخلاص للدعوة و لرب الدعوة خصوصا في أيامنا الحاضرة.
2- الشجاعة و المثابرة:
الشجاعة و المثابرة ميزتان تكملان التواضع " فالجندي المفضل " قال أحد القادة في الحرب العالمية الثانية ليس الذي يتسم بشجاعة أكثر من غيره و لكن الجندي الشجاع الذي يثابر أكثر من غيره " الحياة الروحية كالحياة اليومية العادية، لا تتطلب شجاعة وإقداما في الشدائد فحسب بل صبرا ومثابرة وسط المصائب " متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر و طول أناة بفرح شاكرين الآب.... " (1، 11و12) فالشجاعة المثابرة التي تتأنى هي التي يطلب بولس من الله أن يوفرها لأهل كولوسي.
يجد المرسل نفسه بأمس الحاجة في هذه الأيام إلى المثابرة و الجلد و الشجاعة في نواحي حياته كلها، إن كان في البحث في الأديان المعادية و العقائد المتناقدة، أو ضبط النفس لتعلم لغة غريبة، للتروض على حياة قاسية لم يعتدها حتى لمواجهة الموت بهدوء و إيمان ثابت هادئ. قد نظن أن العالم اليوم أكثر حضارة وأعمق ثقافة، و علما عما كان. و لذلك لا يقدم المتعلمون المثقفون على قتل مرسلين يحاولون مساعدتهم. و لكن الأبحاث الحديثة تثبت أن عدد الشهداء المسيحيين في الربع الأخير من القرن الحالي قد بلغ أوجه. ويثبت البعض أنه فاق كل فترة من فترات التاريخ. لذلك من الضروري أن يكون المرسلون ذوي شجاعة كافية تخولهم على مواجهة الأخطار، والصمود في وجه الموت بقوة و عزم و اضعين مجد الرب يسوع قبل حياتهم.
يعود الكثير من شعورنا بالفشل إلى إحساسنا المرهف، فكلمة واحدة، أو لفظة استهزاء. أو اتهام بالجهل قد تسد أفواهنا و تمنعنا عن تادية الرسالة، إن كان في البيت أو خارجه، في بلادنا أو خارجها، مما يدل على اهتمامنا برأي الناس وما يقولونه عنا أكثر من اهتمامنا بأقوال المسيح و رأيه فينا. و لكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضا غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع (يوحنا 12، 42و43).
فلهذا السبب أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التي فيك بوضع يدي. لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة و النصح. فلا تخجل بشهادة ربنا و لا بي أنا أسيره، بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله (2تيموثاوس1، 6-8).
" فتقوى أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع.... فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح (2تيموثاوس2، 1و3) الشجاعة والمثابرة لا تأتيان تلقائيا ولكنهما عطية الروح لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة و النصح. فالتلاميذ لم يشهدوا و لم يعترفوا بالمسيح جهرا و علانية وجرأة إلا بعد حلول الروح القدس عليهم و عندها تتكرر كلمة مجاهرة و هكذا لما رؤوا مجاهرة بطرس و يوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم و عاميان تعجبوا فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع (أعمال 4، 13) و لما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه و امتلأ الجميع من الروح القدس و كانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة (أعمال4، 13).
هذه الجرأة و المجاهرة و المثابرة هي مواهب الروح القدس لا نقدر أن نتروض عليها بأنفسنا. فما علينا إلا أن نثق بالله و نطلب منه بحرارة و لحاجة أن يمنحنا هذا الروح الذي يعين ضعفاتنا و يمنحنا القوة لإعلان مجد الرب يسوع المسيح في بلادنا و خارج بلادنا و في بيوتنا و خارج بيوتنا.
3- الانسجام و الاندماج:
الانسجام مع الآخرين و الاندماج معهم ميزتان يجب أن تتوفر في المرسل بالإضافة إلى الصحة الجيدة و القوة و العلم... الخ على الإرسالية أن تتأكد من مقدرة المرسل على العيش مع غيره و الانسجام معهم. فكم من المرات كان فشل بعض المراكز المرسلية خلافا بين المرسلين لأن بعضهم ذوي شخصية صعبة مشاكسة لا تندمج و لا تنسجم مع من حولها. فهل يا ترى لا أمل لإنسان كهذا، أو شخصية كهذه أن تتغير؟ ألا يقدر الله أن يغير المشاكس الشرس إلى حمل وديع هادئ؟ غير أنه على الإرسالية، أن تتأكد من التغيير قبل طلب المرسل و إرساله إلى حقل العمل، فيكون عمله إيجابيا مفيدا لا سلبيا هداما.
لا يحطم الله الشخصية القوية عند التجديد، أو يهدم عنفوان الإنسان و لكنه يزرع روحه في داخله فيهذب تلك الشخصية، ويصقل طباعها و صفاتها فيبدل الخشونة إلى لطف و القسوة إلى حنان و البغض إلى محبة " لأن ثمرة الروح المحبة ".
4-التقمص الروحي:
يعني التقمص الروحي " امتداد شخصية إلى شخصية أخرى لتفهمها تفهما أفضل و صحيحا " لقد قيل أن الدكتور و.ل.مودي لم يكن أذكى البشر و لا أمهرهم و لكنه كان أكثرهم إنسانية و هذه الإنسانية هي التي مهدت له السبيل إلى تبادل المعرفة و التفاهم بينه و بين الآخرين. وعرَف سبرجن كلمة الشركة بأنها " الأداة التي تمكن الإنسان من معرفة الآخرين و تحملهم على معرفتهم له " تفهم الآخرين و الاهتمام بهم ليس بالأمر الهين حتى لو كانوا أندادنا في الثقافة و الجنسية, فكم بالحري إذا كانوا من ثقافة تختلف عن ثقافتنا و جنسية تختلف عن جنسيتنا. و لا يمكن للإنسان أن يتفهم الآخرين إذا كان أنانيا، لا يهتم إلا بنفسه.
وإذا أردنا أن نحصل على ثقة الناس، و التعرف إليهم تعرفا صحيحا، علينا بالصراحة و الصدق معهم، وذلك باظهار طبيعتنا و طباعنا و أخلاقنا الصحيحة دون تزييف و مراوغة
و الظهور بما ليس فينا. فنخفي حقيقة دواخلنا ظنا منا أننا بالتظاهر بالفضائل نضع حدا للبغضاء،وسوء التفاهم وهذه الميزة تظهر في شركتي مع باقي المؤمنين و هي التي ميزت مسيحي الإصحاح الأول في أعمال الرسل. فقد كانت لهم شركة صريحة وصادقة بعضهم مع بعض و الرسول يوحنا يتناول هذه الشركة بقوله " وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة و في الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه (1 يوحنا 2،11).
و كذلك " أيها الأحباء إن كان الله قد أحبنا هكذا ينبغي لنا أيضا أن يحب بعضنا بعضا. إن أحب بعضنا بعضا فينا الله يثبت فينا و محبته قد تكلمت فينا (يوحنا 4، 11و12).
التقمص الروحي يظهر كذلك في معاشراتنا و علاقاتنا مع المسيحيين الغرباء الذين تختلف جنسياتهم عن جنسياتنا. لذلك فعلم الإنترويولوجيا Anthopology أي علم الإنسان، العلم الذي يبحث في أصل الجنس البشري و تطوره و أعراقه و عاداته و معتقداته ضروري ونافع للذين يعملون في بلاد غريبة وأعراق غريبة و جنسيات مختلفة مع العلم أن الاهتمام بالآخرين و قمع الذات و أهوائها يسهل لنا التعرف على الاخرين و نتفهمهم و التعامل معهم بطرق أفضل إذا ما وضعنا أنفسنا في مكانهم.
5- الاقتناع بالدعوة و التأكد منها:
يختلف الواحد منا عن الآخر اختلافا كليا والله يعاملنا كأفراد و يدعو كلا منا بطريقة تختلف عن دعوته للآخر. ولكن الدعوة المشتركة هي أن نكون شهودا للرب يسوع المسيح الواضح من سفر أعمال الرسل أننا جميعا دعينا للامتلاء من الروح القدس ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح (أفسس5، 18) وقد دعينا لهذا الامتلاء من الروح القدس بغض النظر عن أعمالنا أو موضعها لأن الله لم يدع الجميع إلى حقول تبشير بعيدة عن بلادهم فلا تتطوع للعمل في حقل الرب ما لم تتأكد من الدعوة السماوية الحقة. لقد اعترف بعضهم أنهم تطوعوا للمرسلية و الذهاب إلى بلاد غريبة فقط لشعورهم بالواجب المسيحي. هذا خطأ ولا يخلو من الفشل. فكما إننا نحاول أن نعلن مشيئة الله في أي عمل عادي في الحياة هكذا علينا أن نتأكد من دعوته تأكدا صحيحا قبل التطوع. فإذا نظرنا إليه كمصدر الإيحاء و القيادة في الأعمال العادية و تعودنا ذلك فلن نحظى في تمييز دعوته لنا للعمل في حقله خارج بلادنا و نشعر بروحه يقودنا ويهيئنا لتلبية الدعوة.
لقد تحدثنا عن أخطار التطوع للخدمة في حقل الرب عبر البحور و في الخارج دون التأكيد من دعوته فإن ذهبنا بأنفسنا ومن أنفسنا فالفشل حليفنا و لكن إن اعترفنا بضعفاتنا و عدم مؤهلاتنا فالله يستخدمنا بطرق عجيبة و يزودنا بكل ما نحتاج إليه للعمل في حقله في أي مكان من العالم " جدوا للمواهب الروحية. وبالأولى تنبؤوا " (1كورنثوس 14، 1) هذه المواهب تؤهلنا لتمجيد اسمه و تعظيمه في كل عمل نعمله.
6- المحبة:
شخص مسيحي بدون محبة يشبه مصباحا مظلما بلا نور. لن أنسى مرسلا ذكيا ذا مركز عال و موهبة خارقة لتعلم اللغات الأجنبية. تعلم هذا واختبر عادات الذين يعمل بينهم و تقاليدهم و مع كل ذلك لم يكن لخدمته قيمة لأنه لم يشعر بالمحبة أو العطف نحو الذي أرسل إليهم. من السهل أن لا نحب المنبوذين و الذين لا يقدرون خدمتنا حق قدرها، و لكن سر النجاح المسيحي يكمن في العاطفة أن نحب الذين يصعب محبتهم " إن كنت أتكلم و إن كانت لي نبوة. وأعلم جميع الأسرار و كل علم.... وإن كان لي كل الإيمان.... و لكن ليس لي محبة فلست شيئا. إن أعطيت... و سلمت جسدي حتى أحترق و لكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئا"(1كورنثوس 13، 1-3).
لا يعطي الرسول بولس نصيحة في هذا القول و لكنه يسجل اختباراته و فعالية عمله. بل كنا مترفقين في وسطكم كما تربي المرضعة أولادها. هكذا إذ كنا حانين إليكم كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضا لأنكم صرتم محبوبين إلينا (1 تسالونيكي 2، 7و8) هذه الصفة وحدها تقدر أن تحطم حواجز التحيز أو التعصب في قلوبنا و قلوب الذين نخدم بينهم.
7- التأثير الروحي:
هذا التأثير الروحي هو أهم صفة للخادم المرسل. معرفة الكتاب ضرورية و لكنها ليست كل شيء، بل حرارة الروح و الحماس الروحي الفعال. وهذا يتضح لنا في سفر الرؤيا حين يكتب الملاك إلى كنائس أفسس ولا ودكية قائلا للأولى تركتم محبتكم الأولى والثانية لأنكم لستم حارين ولا باردين أنا مزمع أ، أتقيأكم مكن فمي. و جدت المعرفة و الصبر و الأمانة و غيرها في هاتين الكنيستين و لكن فقدت الحرارة الروحية و المحبة الأولى و التكريس الحياتي. وهذه هي الأمور التي يطالبهم الله بها.
لعلنا اليوم أعمق ثقافة و أكثر علما من ذي قبل. ولكن قليلون هم ذوو القلوب الرحيمة المحبة و الحديث الدافئ المعزي. وفقر الكنيسة ليس إلى علم أو مال أو متطوعين بل إلى عمل الروح الحقيقي القوي في حياة المرسلين و المبشرين كي يعكسوا وجود الله فيهم. تفتقر الكنيسة إلى رجال و نساء يعكسون عمل الروح القدس في حياتهم و كلامهم. تلك الحياة و ذلك الكلام الذي يؤثر عل الآخرين. إن كنا خلال سنوات حياتنا مع المسيح لم نؤثر على أحد بعد فلندخل إلى أعماق نفوسنا ونجد مكمن العلة و نطلب الامتلاء من الروح. نفتقر إلى أناس يؤثرون بحياتهم على الآخرين حتى و هم في بيوتهم و في بلادهم و قبل أن يتطوعوا للخدمة في الخارج.
حدث مدير إرسالية شمالي إفريقيا عن جبل عال بالقرب من تونس حيث كان يعمل فقال أن طريقا شقت في الجبل تصل إلى القمة و الكثيرون يسيرون عليها. في سيرهم هذا ليسوا بعيدين عن باقي الناس الذين في أسفل الجبل و لكنهم محولين لهم ظهورهم وقد ركزوا بصرهم على القمة. ويضيف هذا المحدث بقوله " علينا أن نبحث عن مثل هؤلاء الذين يجاهدون في الصعود مبتغين القمة علينا أن نبحث عن الكثيرين ممن قرروا على متابعة الصعود " فانتخبوا أيها الأخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم و مملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة (أعمال 6، 3) لذلك فحديثنا و صلواتنا و كلامنا
وأعمالنا و شخصياتنا جميعها تعتمد في نموها و نجاحها على مقدار سيرنا مع الله و امتلائنا من الروح القدس. فلهذا السبب أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التي فيك بوضع يدي
(2تيموثاوس 1، 6) ما أسهل أن يضعف إيماننا وتفتر محبتنا و تبرد شعلة الروح المؤثر فينا فلذلك علينا أن نصحو دائما و نجاهد ضد كل ما قد يحول بيننا و بين علاقتنا مع الله. لنجتهد أن نحافظ على فترات العبادة الفردية اليومية فلا نجعل منها عادة فقط فتصبح علاقة ميتة لا حياة فيها.
هذه الصفات السبع إذا الوداعة و الشجاعة مع المثابرة و الانسجام مع الآخرين و التقمص الروحي و التأكد من الدعوة و المحبة و التأثير الروحي. هي الصفات التي يجب أن تتوفر في كل مرسل بل هي الصفات التي يفرضها الله على كل متطوع للخدمة في حقله أن تتوفر في كل مرسل بل هي الصفات التي يفرضها الله على كل متطوع للخدمة في حقله لأن قصده الوحيد هو تمجيد اسمه. قد تقول هذه صفات يصعب توفرها في شخص ما وهي مستوى رفيع جدا ليس للبشر أن يصلوا إليه قد تكون على حق لكنه المستوى الذي يطلبه العهد الجديد وهو في متناول كل إنسان إذ امتلأ بالروح القدس لأن هذه الصفات هي ثمر الروح و ليست معطيات طبيعي,أو نتائج التمرين والتدريب ولا يحصل عليها إلا من طلبها بقلب صادق وإرادة ثابتة واستعد لدفع ثمنها الغالي كما فعل الله و دفع بابنه الوحيد إلى الصليب
" طوبى للجياع و العطاش إلى البر لأنهم يشبعون "(متى 5، 6) هذا الإله هو رب الأرباب يجب أن يكون رب كل شيء.
يوضح كل ما تقدم قصة قصيرة رواها المرسل السيد كلارك الذي كان يعمل في Zaire و القصة عن أسد كان يجر فريسته و هي عبد يصرخ ويستغيث. سمع صراخ الاستثاغة السيد كلارك ورفاقه، فتمكن كلارك من اطلاق النار على الأسد و قتله. ثم ركض إلى الرجل فوجده بين حي وميت و قد فقد وعيه. حمله كلارك و رفاقه إلى بيت الإرسالية حيث اعتنى به عناية شديدة عدة أسابيع إلى أن استعاد صحته. فلما عاد إلى قبيلته و عائلته.
مرت شهور عديدة، ولم يصل إلى السيد كلارك أي خبر من العبد الذي خلصه و ذات يوم وهو جالس على شرفة بيته إذ به يرى جماعة من الناس يقبلون نحوه ببطيء من الغابة. ثم تبين له رجل يقود جماعة من النساء و الأولاد، و بقرتين وبعض الدجاج و الخنازير. تقدم الموكب نحو البيت فتحقق السيد كلارك ذاك العبد الذي خلصه من الأسد وقد ملك عافيته الكاملة. عندما تواجه الرجلان جثا العبد أمام السيد و قال له " باوانا ألم تعرفني؟ وبغتة تذكر العبد الذي خلصه من الأسد. فما كان من العبد إلا أن قال وهو لا يزال جاثيا عند أقدام كلارك " جرت العادة عندنا أن يقدم رجل مخلص من الأسد نفسه عبدا لمخلصه، أنت خلصتني يا سيدي ها أنا أقدم لك زوجاتي، أولادي، حيواناتي و مقتنياتي و نفسي أنا عبدك".
- عدد الزيارات: 4427