3- الاعتراضات الموجهة ضد هذا الشرح والرد
1-لما قال اليهود للمسيح "يا سيد اعطنا في كل حين هذا الخبز".
(آية 34)، لم يجبهم بالقول إن الإيمان به هو ذلك الخبز، بل بالقول إنه نفسه هو الخبز المذكور، ولذلك يكون شخصه وليس الإيمان به، هو خبز الحياة (الافخارستيا ص 85)
الرد: إننا لا نقول إن الإيمان هو خبز الحياة، بل نقول إنه السبيل للتمتع بخبز الحياة. أما خبز الحياة، فهو المسيح وحده، كما ذكرنا في شرح آيتي (34 و 35)، ولذلك ليس هناك مجال لهذا الاعتراض.
2 – إن المسيح قال عن نفسه "هذا هو الخبز الذي نـزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان"، ولم يقل "لكي يؤمن به الإنسان"، وهذا دليل على أن المسيح طلب من سامعيه أن يأكلوا من شخصه، لا أن يؤمنوا به فقط (الافخارستيا ص 88).
الرد: لما شبّه المسيح نفسه بالخبز، اقتضى التعبير أن يستعمل كلمة "الأكل" بدلا من كلمة "الإيمان" لأن الخبز الذي شبه نفسه به، يؤكل ولا يؤمن به، وليست هذه أول مرة يستعمل المسيح فيها هذا الأسلوب، فإنه عندما شبه نفسه بالباب، لم يقل "إن آمن بي آحد فيخلص"، بل قال" إن دخل بي أحد فيخلص" (يوحنا 10: 9). وعندما شبه نفسه بالكرمة، "إن كان أحد لا يؤمن بي يطرح خارجاً"، بل قال "إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجاً" (يوحنا 15: 6). الأمر الذي يتناسب مع تشبيه نفسه بالباب والكرمة.
3 – إن المسيح تحدث عن وجوب الايمان بشخصه في (آية 29). ثم انتقل بعد ذلك إلى موضوعه الرئيسي، وهو سر العشاء الرباني، فتحدث عنه في الآيات (32 – 42)، ولذلك فقوله بعد ذلك، إن "كل من يرى الآب ويؤمن به، تكون له حياة أبدية"(آية 47). هو قول عرضي، أراد به حث اليهود على الإيمان به، لكي يتهيئوا للتناول من العشاء الرباني الذي هو ذات جسده ودمه (الافخارستيا ص 86 - 88).
الرد: إن المسيح لم يكن يتحدث عن موضوعين. بل عن موضوع واحد هو الإيمان بشخصه، لأنه لم يقل مطلقاً لسامعيه أن يؤمنو به وأن يأكلوا منه (باستعمال حرف العطف "واو")، وكل ما في الأمر أنه كان يشبه هذا الإيمان بالأكل من جسده والشرب من دمه، للدلالة على وجوب قبول شخصه رباً وفادياً في النفس، مثل قبول الطعام في الجوف، كما ذكرنا في شرح الآيات (51 – 53). فضلا عن ذلك، فليست (آية 47) وحدها التي تنص على وجوب الإيمان بالمسيح في (يوحنا 6)، حتى كان يجوز القول إنها عرضية، بل ان الآيات التي تنص في هذا الاصحاح على وجوب الإيمان بشخصه كثيرة، كما أن بعضها ورد بعد الانتهاء من عبارات الأكل من جسد المسيح والشرب من دمه كما اتضح لنا من شرح الآيات (64 – 66)، الأمر الذي يدل على أن حديث المسيح من أوله إلى آخره، كان عن وجوب الإيمان به كما ذكرنا.
4 – إن المسيح كان يتحدث مع سامعيه عن وجوب القيام بمفهومين (الأول) هو الأكل من جسده، و(الثاني) هو الشرب من دمه. وهذا دليل على أنه قصد بحديثه معهم سر العشاء الرباني، لأنه لو قصد بحديثه المذكور أن يؤمنوا به، لطلب منهم القيام بمفهوم واحد، لأن الإيمان شيء واحد (الدرة البهية ص 100).
الرد: ان المسيح كان يطلب من سامعيه لا أن يؤمنوا فقط بأنه ابن الله النازل من السماء، بل وأيضاً بأن الفادي لنفوسهم كما ذكرنا في شرح الآيات (63 – 55). وبما أنه لم يكن من الممكن أن يصبح فادياً إلا إذا بذل نفسه فدية (أو بالحري إلا إذا انفصل دمه عن جسده لأنه مكتوب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة")، كان من البديهي أن يعبر عن وجوب الايمان بأنه الفادي بمفهومين، هما الأكل من جسده والشرب من دمه.
5 – إن الفعلين "أعطى" و"أبذل" الواردين في الآية "الخبز الذي أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يوحنا 6: 51)، يردان في الأصل اليوناني في صيغة الاستقبال. وهذا دليل على أن المسيح قصد بحديثه الوارد في (يوحنا 6)، العشاء الرباني وليس الايمان بشخصه، لأن هذا العشاء هو الذي كان عتيداً أو يقدمه في المستقبل. أما موضوع الإيمان بشخصه فكان يقدمه لسامعيه أثناء حديثه المذكور. وكان من الواجب عليهم أن يؤمنوا به وقتئذ (الافخارستيا ص 84 و89 و92).
الرد: إن الفعلين اللذين يثبتان سواء أكان حديث المسيح خاصاً بالتناول من العشاء الرباني،أم الإيمان بشخصه، ليسا هما "أعطى" و"أبذل"، بل هما "يأكل" "ويشرب" (لأنهما هما اللذان يحددان أن موقف اليهود إزاء المسيح وقتئذٍ)، وهذان الفعلان يردان في الأصل اليوناني، ليس في صيغة الاستقبال بل في صيغة الحاضر. فالمسيح لم يقل "من سوف يأكل من جسدي ويشرب دمي، سوف تكون له الحياة الأبدية"، بل قال "من يأكل جسدي (الآن) ويشرب دمي (الآن) فله (الآن) حياة أبدية".
وبما أن العشاء الرباني لم يكن قد عمل بعد، إذاً ليس من الجائز أن يقال إن المسيح طلب من اليهود وقتئذ أن يتناولوا هذا العشاء لكي تكون لهم حياة أبدية. وإذا كان الأمر كذلك فإن حديثه الوارد في (يوحنا 6) لا يكون خاصاً بالعشاء المذكور، بل بالايمان بشخصه كما ذكرنا.
وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن الفعلين "أعطى" و"أبذل" ليسا خاصين بالعشاء الرباني (كما يقول المؤمنون بالاستحالة)، بل إنهما خاصان بتقديم المسيح نفسه كفارة على الصليب. ومما يثبت هذه الحقيقية أن المسيح قال في هذه العبارة" الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي (سوف) أبذله من أجل حياة العالم"، والذي بذله المسيح من أجل حياة العالم، لم يكن الخبز الذي أعطاه لتلاميذه في العشاء الرباني (لأن هذا الخبز أكله التلاميذ ونـزل إلى جوفهم)، بل جسده الذي كان يعيش فيه وقتئذ. ونظراً لأن المسيح لم يكن قد بذل جسده بعد عند حديثه الوارد في (يوحنا 6)، كان من البديهي أن يستعمل الأفعال الخاصة بالبذل في صيغة الاستقبال، ولذلك ليس هناك مجال لهذا الاعتراض على الاطلاق.
6 – لو كان حديث المسيح الوارد في (يوحنا 6) خاصاً بالايمان بشخصه، لترتب على ذلك أن الإثني عشر رسولا لم يكونوا قد آمنوا بالمسيح إلى ذلك الوقت، والحال أنهم كانوا قد آمنوا به من قبل كما جاء في (متى 21:32) (الافخارستيا ص 75).
الرد: إن جميع الذين كانوا يؤمنون أن المسيح هو ابن الله حتى ساعة هذا الحديث، كانوا يؤمنون أنه فقط ابن الله[17] بمعنى المسيا أو الشخص المعين من الله للقضاء على الأشرار، ثم الملك على الأرض والسلام فيها (لوقا 24: 21)، وذلك بناء على ما جاء في (مزمور 2 وأشعياء 2، 4، 9،11،40 ودانيال 7،9 وميخا4،5 وحجى 2 وزكريا 6)، وليس أيضاً بمعنى البن الأزلي النازل من السماء لكي يعطي حياة أبدية للذين يؤمنون به. لأن الايمان بالمسيح بهذا الوصف كان بعيداً كل البعد عن أذهانهم، ولم يكن لأحد أن يدركه إلا بإعلان خاص من الله (متى 16: 17). ولكن عندما قام المسيح من بين الأموات نبرهن للناس أنه حقاً ابن الله كما قال (رومية 1:4). وكان أول من منَّ بوعي وحق أن المسيح هو ابن الله، بمعنى "الابن الأزلي" أو بمعنى "الله معلناً" هو توما الرسول، وذلك عندما صاح قائلاً للمسيح: "ربي وإلهي" (يوحنا 20: 28).
كما أنه لم يكن آمن أحد من اليهود حتى ساعة الحديث المذكور، أن المسيح هو الفادي الذي أتى ليبذل نفسه فدية عن العالم. فبطرس نفسه كان لا يصدق هذه الحقيقة، بل وكان يعارض المسيح بشأنها أشد المعارضة، حتى استحق أن يقول له المسيح "اذهب عني يا شيطان" (متى 16: 21 – 23). ولذلك اقتضى الأمر أن يطلب المسيح من تلاميذه وجميع اليهود على السواء عند حديثه الوارد في (يوحنا 6)، أن يؤمنوا أنه ليس فقط ابن الله النازل من السماء، بل وأيضاً الفادي الذي يبذل نفسه فدية من أجلهم ومن أجل غيرهم من البشر. ولو كانوا قد درسوا التوراة دراسة دقيقة لعرفوا هذه الحقيقة، لأن التوراة لم تتنبأ فقط عن بنوة المسيح لله وملكه على الأرض، بل وأيضاً عن موته كفارة عن البشرية (انظر أشعياء 53 ومزمور 22، 69 وزكريا 12). وكان من الواجب أن يقوم المسيح بالفداء قبل الملك، لأنه لا معنى لملكه على الأرض قبل التكفير عن الخطية والقضاء على شوكتها. لكن اليهود عامة غضوا النظر عن ضرورة الفداء وحصروا أفكارهم في الملك وحده، ولذلك لم يقبلوا المسيح عندما أتى إليهم للخلاص من عقوبة الخطية وسلطانها.
7 – لو أن المسيح أراد بوجوب الأكل من جسده والشرب من دمه المعنى الحرفي، الذي هو الايمان بشخصه، لكان قد قال ذلك للناس بصراحة حتى لا يتذمروا أو يتخاصموا. وبما أنه على العكس كان يصر المرة بعد الأخرى على وجوب الأكل من جسده والشرب من دمه، إذاً لا بد أنه كان يقصد بحديثه معهم المعنى الحرفي (الافخارستيا ص 37).
الرد: فضلا على أن تذمر اليهود وخصامهم لم يكونا راجعين إلى فهمهم أو فهم بعضهم حديث المسيح بالمعنى الروحي، كما اتضح لنا من شرح الآيات (51 – 61). نقول: إن مطالبة الناس بأمر جديد دون شرحهم له إذا تعذر عليهم إدراك كيفية القيام به، لا يعتبر من الصواب في شيء. وإذا كان الأمر كذلك، وفرضنا أن المسيح كان يأمر سامعيه أن ياكلوا من جسده ويشربوا من دمه بالمعني الحرفي، وأن سامعيه فهموا أنه يقصد هذا المعنى بعينه، لكن تعذر عليهم إدراك كيفية تنفيذه عملياً (ولهم العذر في ذلك، كما ذكرنا في شرح آية 61)، يكون إصرار المسيح على أمره في هذه الحالة، ليس (والعياذ بالله) من الصواب في شيء. إذ أن مهمته كمعلم صالح كانت تتطلب منه وقتئذ أن يعلن لهم أنه سيعطيهم جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر (كما يقول المؤمنون بالاستحالة). وبما أنه لم يعلن لسامعيه شيئاً من ذلك، يكون قد قصد بالأكل من جسده والشرب من دمه, الإيمان بشخصه رباً وفادياً، ويكون سامعوه أيضاً قد أدركوا أنه يقصد هذا المعنى بعينه كما ذكرنا في شرح آيتي (53 و 54). وفي هذه الحالة يكون له الحق وكل الحق أن يصر على أمره وألا يتراجع عنه إطلاقاً.
8 – إن السبب في تحريم شرب الدم يرجع إلى أنه يثير الشهوة البهيمية ويدفع شاربيه إلى التهور والمعصية.كما أنه ليست هناك نسبة تجمع بين شرب دم الحيوان وشرب دم المسيح الذي يجعل شاربيه أشخاصاً روحيين وملائكة قديسين!! ولذلك يكون المسيح قد قصد بالشرب من دمه المعنى الروحي (الرد على العشاء الرباني ص 53).
الرد (أ) إن الكتاب المقدس يعلن لنا أن تحريم شرب دم الحيوان، لا يرجع إلى أنه يثير الشهوة البهيمية كما يقول صاحب هذا الاعتراض، بل إلى أن الله جعله كفارة عن النفس كما ذكرنا في الفصل السابق، وشهادة الكتاب المقدس أصدق من شهادة الناس جميعاً. فضلا عن ذلك، فاننا إذا تناولنا بأفواهنا دم المسيح (تحت أي شكل من الأشكال، كما يقول المؤمنون بالاستحالة) يكون في هذه الحالة طعاماً مادياً، والطعام المادي لا يفيد إلا الأجساد.
(ب) أما الكيفية التي يجعلنا الله بها أشخاصاً روحانيين، وأفضل من ملائكة قديسين (إن كان هناك مجال للمقارنة)، فهي بواسطة حلول المسيح بالإيمان في نفوسنا، كما يتضح من (أفسس 3: 17)، لأن الخطية التي نشكو منها ونريد التسامي فوقها، ليست في أجسادنا بل في نفوسنا (والدليل على ذلك أن يد اللص (مثلا) لا تفرق في شئ عن يد الرجل الأمين من حيث التركيب الجسماني لها، لكن الفرق بين اللص وبين الأمين، ينحصر في أن نفس الأول غير أمينة، ولذلك توحي إليه بالسرقة، أما نفس الثاني فأمينة، ولذلك توحي إليه بالأمانة) – هذا، وقد نادى كثير من القديسين بأن علاج النفس هو علاج روحي محض. فيوحنا فم الذهب (مثلا) قال إن الصلاة (أو بالحري العلاقة الروحية المباشرة من الله) هي الغذاء الروحي الذي يصير المؤمن شبيهاً بالنورانيين (مواعظ ص204).
(ج) أما قول المؤمنين بالاستحالة إن العشاء الرباني يقوم بهذه المهمة، لأنه يصبح بواسطة الروح القدس في جوف المؤمنين طعاماً لطيفاً ينفذ إلى أعضائهم ويتحد بها، وبذلك يطهرهم ويمحو خطاياهم (الافخارستيا ص 18، 128 – 131)، فلا يجوز الأخذ به لأن الكتاب المقدس يعلن لنا بكل جلاء ووضوح أن ثمن الغفران هو دم المسيح الذي سفك مرة على الصليب، وأن السبيل للحصول على هذا الغفران هو الإيمان الحقيقي، كما يظهر لنا أن التطهير بمعنى التخلص من الخطية والتسامي فوقها، هو بحلول المسيح روحياً بالإيمان في النفس كما ذكرنا.
ومع كل، فإن القائلين بالاستحالة قد نقضوا قولهم السابق، إذ ذكروا بعده مباشرة (أنه قبل تحول العشاء الرباني في المعدة، يصعد اللاهوت المتحد به، كما صعد المسيح مرة إلى السماء)، وما دام الأمر كذلك، لا تكون لهذا العشاء فائدة عملية لديهم من جهة التطهير والتسامي فوق الخطية، لأن اللاهوت المتحد بالعشاء الرباني (كما يقولون) والعامل في هذا التطهير والتسامي، لا يستقر فيهم بل يتركهم ويصعد إلى السماء. أما الحق الكتابي الكامل، فهو أنه إذا فتح الإنسان قلبه لله، وعاش بالإيمان معه، فإن الله لا يتركه على الاطلاق.
9 – إن المسيح قال "جسدي مأكل حق" – هذه شهادة، والشهادة يجب أن تكون خالية من المجاز لئلا يكون هناك مجال للاختلاف في معناها. وقال "من يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية" وهذا ميثاق، والميثاق يجب أن يكون خالياً من المجاز لئلا يكون هناك مجال للتنازع بين المتعاقدين (الدرة البهية ص30).
الرد: المجاز ليس لغزاً من الألغاز حتى يجب تجنبه في الأمور الهامة، بل بالعكس هو إظهار الحقائق المعنوية في أساليب محسوسة مفهومة. فلما قال المسيح عن نفسه "أنا نور العالم" و"أنا هو الراعي الصالح" و"أنا هو الطريق" و"أنا الكرمة وأنتم الأغصان"، لم يلق على كلامه شيئاً من الغموض أو الإبهام، بل بالعكس صاغ المعاني الروحية في أساليب محسوسة مدركة معانيها كل الإدراك. وعلى هذا النسق تماما، عندما قال: "جسدي مأكل حق" و "من يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية"، أعلن لنا بأسلوب مدرك مفهوم، المعنى الحقيقي لكيفية قبولنا إياه أو إيماننا به. إذ أن السواد الأعظم من الناس، ومن بينهم كثير من الذين يقولون إنهم مسيحيون، يجهلون هذا المعنى جهلا تاماً، لأنهم يعتقدون أن الايمان بالمسيح، معناه مجرد الانتساب إليه أو تصديق رسالته، والحال أن الايمان به هو قبول شخصه في النفس مثل قبول الطعام في الجوف تماماً (يوحنا 1: 12). فإذا أضفنا إلى ذلك، أن اليهود أدركوا حق الادراك أن المسيح لم يقصد بحديثه معهم المعنى الحرفي كما ذكرنا، اتضح لنا أن هذا الاعتراض لا مجال له على الاطلاق.
10 – إن أكل اللحم البشري بالمعنى المجازي، يرد في الكتاب المقدس بمعنى الوقية والمذمة وعمل البشر. فمكتوب: "ألم يعلم كل فاعلي الإثم الذين يأكلون لحم شعبي كما يأكلون الخبز والرب لم يدعوا" (مزمور 14:4). ولذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكون المسيح قد قصد بالأكل من جسده والشرب من دمه المعنى (أسرار الكنيسة السبعة ص 84).
الرد: إن كان الأكل من لحم الناس بالمعنى المجازي يعتبر سلباً لأموالهم أو نهشاً لأغراضهم، أو... أو...، فهل يعتبر الأكل من لحمهم بالمعنى الحرفي محبة لهم أو عطفاً عليهم؟! الجواب: طبعاً كلا. وإذا كان الأمر كذلك، فلا مجال للقول إن التناول من جسد المسيح ودمه يجب أن يكون بالمعنى الحرفي تحت أي شكل من الأشكال – فضلا عن ذلك، فإن أفعال الأكل والشرب، والذوق أيضاً، كثيراً ما تستعمل في الكتاب المقدس مجازاً بمعنى التغذية والارتواء والمتعة الروحية. فقد قال إرميا النبي مرة لله "وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (ارميا 15: 16). وقال المسيح: "إن عطش أحد، فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يوحنا 7: 38). وعلى هذا القياس يجب أن نفهم حديث المسيح عن الأكل من جسده والشرب من دمه.
[17]يدعى المسيح ابن الله في الكتاب المقدس بمعنيين:
(الأول): بمعنى المعلن لله ومقاصده أزلا (يوحنا 1: 1-5، 18 وعبرانيين 1: 3 وكولوسي 1: 15).
(الثاني): بمعنى المولود من العذراء لإعلان نعمة الله للناس في العالم (لوقا 1: 35).
أما القول بأن المسيح يدعى ابن الله لأنه مولود من الآب قبل كل الدهور، ولادة الأشعة من النور) فليس بصواب، لأن هذا القول فضلا عن أنه ليس له أساس في الكتاب المقدس، فهو ينفي أقنومية "الابن" القائمة بذاتها منذ الأزل، كما يجعل الله مركباً. لأن صدور كائن من كان آخر دليل على أن الكائن الثاني مركب، والحال أن الله لا تركيب فيه على الإطلاق (لأن المركب حادث والله ليس بحادث). ولذلك فالصواب أن يقال (إن المسيح موجود مع الآب قبل كل الدهور وليس مولوداً منه قبلها)، كما أعلن الوحي (يوحنا 1:1). كما أن القول (إن الابن مساو للآب في الجوهر) ليس بصواب لأن هذا القول يجعل للابن جوهراً مستقلاً عن جوهر الآب، والحال أن جوهرهما واحد وهو اللاهوت، ولذلك فالصواب أن يقال (إن الابن واحد مع الآب في الجوهر).
(1) تحدثنا عن هذه الحقيقة بالتفصيل في كتاب "الله – ذاته ونوعه وحداثته"، فليرجع إليه القارئ إذا أراد.
- عدد الزيارات: 5043