Skip to main content

وحدة كنائس العهد الجديد

تعليم كورنثوس: إن الرسالة إلى مؤمني كورنثوس هي أولى الرسائل في الترتيب الكنسي، كما أشرنا من قبل في الفصل الثالث. ولذلك نعود إلى هذه الرسالة لكي نرى التعليم في مسألة العلاقات التي تربط بين كنائس المؤمنين.

في إصحاح 1: 2 نرى مبدأ وحدة الكنائس كما نتعلم من بداية الرسالة، إذ يخاطبها بولس "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس.. مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم ولنا". إنه لا يفكر في كنيسة كورنثوس باعتبارها مستقلة عن كنائس المؤمنين في أماكن أخرى، ولكنه يربطهم مع "جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع في كل مكان". بل وما هو أكثر من ذلك، فما يريده أن تكون هذه الرسالة المهمة بخصوص الترتيب الكنسي، ليس فقط للذين في كورنثوس، بل لكل المؤمنين في كل مكان.

وفي أصحاح 4: 17 يقول الرسول أنه أرسل تيموثاوس لهم "الذي يذكركم بطرقي في المسيح كما أعلم في كل كنيسة". فهناك تطابق وتماثل في طرق الرسول وفي تعليمه. إن طرفه كما هي لا تتغير في كل كنيسة، وتعليمه أيضاً واحد في كل كنيسة، ولذلك يضع أمام المؤمنين نموذجاً لتلك الوحدة التي توجد بين الكنائس في التعليم وفي الممارسة.

وعندما نذهب إلى أصحاح 11: 3 - 16 حيث موضوع غطاء الرأس للمرأة عندما تصلي أو تتنبأ إذ يقول بولس في عدد 16 "ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله". كانت هناك ممارسة واحدة وترتيب واحد بين جميع الكنائس بخصوص أن يغطي النساء رؤوسهن.

ملاحظة أخرى عن الوحدة نراها في أصحاح 16: 1 و 2 "وأما من جهة الجمع لأجل القديسين، فكما أوصيت كنائس غلاطية، هكذا افعلوا أنتم أيضاً. في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر[1] ".

وفي أصحاح 16: 19 "تسلم عليكم كنائس آسيا". وهنا مرة أخرى نجد صورة جماعية.

وعندما نأتي إلى الرسالة الثانية إلى كورنثوس نجد أنها تخاطب "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس مع القديسين أجمعين الذين في جميع أخائية" (ص 1: 1). وهنا يربطهم بولس مع كل القديسين في مقاطعة أخائية التي ترتبط بها كورنثوس. إنه لا يفكر فيهم ككنائس مستقلة بل باعتبارها واحدة في كل أخائية.

وفي 2 كورنثوس 11: 28 نأتي إلى لمسة أخرى من هذه الوحدة. فهو إذ يتكلم عن طريق آلامه يقول بولس "عدا ما هو دون ذلك[2]، التراكم على كل يوم (أو الاهتمامات الكثيرة يومياً)، الاهتمام بجميع الكنائس". كان في قلب خادم الله العزيز هذا الكنائس التي كانت واحدة وهو يعتني بجميعها.

أفلا نستنتج من هذه النصوص جميعها أن الرسول إناء الوحي تعلم ومارس مبدأ وحدة الكنائس؟ وبالتأكيد فإن من لا يرى هذا الأمر في الأعداد السابقة من الرسالتين فإنه يبقى تحت العمى الإرادي.

من هاتين الرسالتين، كما عبر أحدهم جيداً فقال [أولاً الكنيسة المحلية هي الدائرة الأولية لكل شركة عملية مع مسئولياتها المترتبة على ذلك من تأديب وخلافه، وثانياً فالكنائس المحيطة في دائرة الإقليم تتأثر أولاً عند حدوث أي انهيار في الكنيسة المحلية، وثالثاً الكنيسة كلها في أي مكان قد يمتد تأثير هذا الانهيار إلى أقصى الحدود] (ف. ب. هول). فهناك أولاً وقبل كل شيء مسئولية محلية ثم مسئولية جماعية مع كنائس الإقليم أو المدينة ثم مع الكنائس في كل مكان للاحتفاظ بشهادة متحدة وعامة للمسيح.

كنائس غلاطية - ونجد أيضاً أن الرسالة إلى الغلاطيين قد كتبت ليس إلى كنيسة واحدة ولكن "إلى كنائس غلاطية". وكان بولس يفكر فيهم جميعاً كشهادة متحدة المسيح والتي كان الشيطان يحاول جاهداً أن يحولهم عن رجاء الإنجيل فكتب لهم جميعاً هذه الرسالة.

روميه 16 - نرى في هذا الأصحاح التسليمات الكثيرة حيث الروابط الصميمة التي تجمع بين العاملين في اليونان والقديسين في روما. وفي عدد 16 نجد هذا التعبير "(جميع) كنائس المسيح تسلم عليكم"، وهي نفس المنظور الجماعي للكنائس كما رأيناه في كورنثوس وغلاطية.

سفر الأعمال - نرى في الأصحاح الثامن كيف أن المؤمنين في السامرة استحضروا إلى الشركة الحبية السعيدة مع المؤمنين في أورشليم عندما نزل إليهم بطرس ويوحنا حيث قبلوا عطية الروح القدس بوضع أيدي الرسل. فقد كان هناك من القديم صراع وتنافس بين أورشليم والسامرة، ومعنى هذا إنه إذا كان المؤمنون في هذه الأماكن يتمتعون بالبركة بطريقة منفصلة ومستقلة عن بعضهم، فإن التنافس والصراع سيزداد حدة عما كان قبل. ولكن كان على السامرة أن تعترف بأورشليم. فالاستقلال غير مسموح به.

وفي أصحاح 9: 31 بعد تجديد شاول الطرسوسي نقرأ: "وأما الكنائس[3] في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تبنى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر"، أفلا يرينا هذا وحدة الكنائس في هذه الأقاليم؟ وهل يمكن أن تكون بخلاف ذلك إذا كانت تبنى وتسير في خوف الرب وفي تعزية الروح القدس؟.

وإذا أتينا إلى أصحاح 15، نجد هناك مثلاً حياً كيف أمكن لكنائس العهد الجديد أن تعمل في وحدة، وما الذي عملوه عندما صارت هذه الوحدة مهددة. إن البعض من اليهودية كانوا يصرون على ضرورة ختان المؤمنين من الأمم وحفظهم ناموس موسى. ولما صارت مباحثات كثيرة بينهم وبين بولس وبرنابا، فقد تقرر أن يذهب هذان الخوان مع آخرين من أنطاكية إلى أورشليم حيث الرسل والمشايخ لبحث هذه المسألة. وفي المؤتمر الذي عقد هناك استقرت هذه المسألة وتبين لدى كل من المؤمنين اليهود والأمم فكر الرب في هذه النقطة. وكتبت الرسائل وأرسلت مع رجال معينين موفدين من الرسل والمشايخ والكنيسة كلها في أورشليم إلى الإخوة في الأمم في أنطاكية وسوريا وكيليكيا. وعندما قرئت الرسالة إلى المؤمنين في أنطاكية "فرحوا لسبب التعزية" (ع 31). وبذلك تجنبوا الانقسام الحادث بين الكنائس باتحادهم في المشورة وفي عمل واحد، وكانت النتيجة هي الفرح والتعزية.

لم يكن هناك فكر بأن تعمل أنطاكية في اتجاه أن تقبل الأمم بحسب حرية نعمة الله، وأورشليم تعمل في اتجاه آخر ولا تقبل الأمم. إننا لا نرى انقساماً هنا. ولا نجد أي أثر لمثل هذا التشويش والانقسام في الكتاب، بل كل دليل يؤكد على الحقيقة بوجود جسد واحد على الأرض، وهذه الوحدة هي الأساس لكل بركة، وواجب كل مسيحي هو حفظها وصيانتها.

وحيث أنه ليس لدينا رسل اليوم، ولا "أورشليم" كما في أعمال 15، ولذلك يوضع أمامنا هنا مبدأ نسير عليه في كل زمان. أن هناك تساؤلات تؤثر على الكنيسة ككل، ولذلك لا بد من النظر في هذه المسائل في مؤتمر يجمع ممثلين من الإخوة من كافة الكنائس يطلبون فيها قيادة الرب معاً في الصلاة والمشورة. فالكنائس أو الأفراد ليس لهم الحق أن يتصرفوا بالاستقلال في مسائل كهذه تؤثر على الكنيسة كلها. وعلينا أن نكون "مجتهدين في حفظ وحدانية الروح برباط السلام"، "وبكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة"، و"حيث لا تدبير يسقط الشعب، أما الخلاص فبكثرة المشيرين" (أم 11: 14)[4].

ما تقدم هو ما نؤمن به، وهذا ما نتعلمه من أعمال 15. ويستطيع القارئ أن يحكم في هذا التعليق الكتابي الذي نورده على هذا الفصل: [إن مجمع أورشليم (أعمال 15) الذي اتخذ فيه الرسل والمشايخ قرارهم بإعطاء الحرية المسيحية للمؤمنين من الأمم ليس له نظير اليوم، إذ لنا الآن أسفار العهد الجديد كاملة والتي نسترشد بها في جميع المسائل] (عن كتاب كنيسة الله - ف. فرجسون). ويقول أيضاً نفس الكاتب: [إن كل كنيسة محلية تقف بمفردها.. ولا يوجد ما يسمى "اتحاد كونفيدرالي من الكنائس" في مدينة أو منطقة أو إقليم معين]. إن هذا يرينا الذين تبنوا مبدأ الكنائس المستقلة كم تنكروا ورفضوا أجزاء كتابية كثيرة. وأحد خدام الرب الذين يتمسكون بمبدأ استقلالية الكنائس أخبر الكاتب مرة أنه لا يؤمن بأن الرسل والمشايخ الذين اجتمعوا في أورشليم في أعمال 15 قال أنهم لم يكونوا منقادين بالروح القدس. فكم من وقاحة وإنكار لكلمة الله بسبب التمسك بمبدأ نابع من الإرادة الذاتية. فكيف أمكن للرسل والشيوخ أن يقولوا "لأنه قد رأى الروح القدس ونحن؟" (ع 28).

ملخص ما سبق - لهذا نرى أنه كان يوجد في أزمنة العهد الجديد رابطة عملية من الشركة الحبية النشيطة بين الكنائس، التي كانت تؤازر وتقوى بقوة الروح القدس الفعالة. لقد وجدت هناك دائرة من تجمعات أولاد الله في شركة بعضهم مع بعض، واستبعاد لكل ما لا يرتبط بشركة الجسد الواحد. فلم يكن هناك التعرف على حق الجسد الواحد فحسب، بل أيضاً التدفق الإيجابي للمحبة والعواطف بالروح الواحد. لا أثر للاستقلالية يمكن أن نراها في كنائس العهد الجديد سواء في التعليم أو في الممارسة، ولا أية إشارة للتعليم في يومنا الحاضر بأن كل كنيسة محلية تقف بمفردها. إن تعليم الاستقلالية هو من اختراع الناس ويجب أن يستبعد لأنه ليس من الله.


[1] "ما تيسر"، جاءت في ترجمة داربي "he may have prospered" (المعرب).

[2] وتقرأ أيضاً "وبجانب هذه الأشياء التي تأتي من الخارج" "Besides those things that are without"

[3] تقرأ في كثير من المخطوطات "كنيسة" assembly وليستassemblies (انظر هامش النص كما جاء في ترجمة داربي) (المعرب).

[4] علينا أن نتذكر أن إجراء ممارسة السلطان لأجل الرب بحسب كلمته معطى للكنيسة المحلية المجتمعة إلى اسمه. بينما من الضروري للإخوة أن يتشاوروا معاً في مؤتمر، ولكن لم يعط لهم السلطان لاتخاذ قرارات للربط. هذا هو امتياز الكنيسة المحلية في اتخاذ قرار باسم الرب بما يتفق مع كلمته.

  • عدد الزيارات: 4263