Skip to main content

الفصل الرابع: العلاقات الكنسية

بعد أن تأملنا في الخصائص الكتابية المحلية التي تجمع مؤمنين مجتمعين على الأساس الكتابي الوحيد - وهو الاعتراف بجسد المسيح الواحد - واسم المسيح الذي هو المركز الإلهي للاجتماع. نريد الآن أن نسأل عن العلاقات الكتابية التي يلزم أن توجد بين هذه الكنائس.

الاستقلال أو الوحدة

هناك احتمالان إذا نظرنا إلى علاقات الكنائس بعضها ببعض، فإما أن تكون الكنائس مستقلة كوحدات متفردة مسئولة أمام المسيح رأسها الذي في السماء، كما يعلم البعض ويمارس ذلك عملياً، وإما أن تعمل الكنائس في وحدة بعضها مع بعض فتسير بحسب مسئولياتها الجماعية ومسئولياتها المحلية كما يعلم البعض الآخر ويمارس هذا عملياً. والسؤال هنا بإيجاز أي هذين الاحتمالين - بما تتضمن من مبادئ مختلفة عن بعضها ومن مسالك مختلفة كذلك - يتوافق مع الكتاب؟ وما هو الطريق المرسوم لنا في كلمة الله؟ وما هو السبيل الذي سارت عليه كنائس العهد الجديد؟ هذا هو السؤال الذي يلزمنا أن نجد إجابته مستقرة في الكتاب، إذ أن هناك مدرستين في الفكر وفي الممارسة مختلفتان في هذه النقطة عند الذين يفترضون أنهم كنائس مجتمعة بحسب الكتاب.

جسد واحد

قبل كل شيء يلزمنا أن نكرر ما قررناه عدة مرات في فصلنا السابق بعنوان "الوجهة المحلية للكنيسة"، حيث أن هناك جسداً واحداً لكل المؤمنين الحقيقيين، فعليه تصبح كل كنيسة محلية تمثل أو هي المعبرة عن كل كنيسة الله في هذا المكان. إنها جزء من وحدة كبرى - "كنيسة الله الحي" - ولذلك فبدءاً من هذه النقطة وحدها فلا يتطرق الفكر إلى كنائس مستقلة. وإذا كانت كل كنيسة محلية هي جزء حي من جسد المسيح الكبير في الأرض، لذلك فلا بد أن تكون هناك وحدة عملية، وعمل متجانس للشركة بين هذه الكنائس المحلية لهذا الجسد الواحد، وإلا فإن الحق المختص بالجسد الواحد يصبح باطلاً سواء في المبدأ أو في الممارسة.

وإذا نظرنا من الزاوية الطبيعية، فلو كانت هناك جماعة كبرى ممتدة في أنحاء العالم ولها فروع أو ممثلين محليين في أماكن كثيرة، فإنه يجب على جميع هؤلاء أن يعملوا معاً في وحدة، وبحسب هذه المبادئ المتحدة في تطبيقاتها المحلية. فإذا كان كل فرع أو كل وحدة محلية تعمل بالاستقلال عن الأخرى فإنها لا تعد تعمل كجماعة واحدة. بل لا بد أن يكون بينهم عمل مشترك ووحدة ليصبحوا أعضاء فعالين في هذه الجماعة الواحدة.

ونتعلم من 1 كورنثوس 12 هذه الوحدة العجيبة الموجودة بين كل الأعضاء الكثيرة والمختلفة لجسد المسيح. "لأنه كما أن الجسد هو واحد، وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضاً (أي المسيح والكنيسة) (ع 12). "فالآن أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد. لا تقدر العين أن تقول لليد، لا حاجة لي إليك.. أو الرأس للرجلين، لا حاجة لي إليكما.. لكن الله مزج الجسد معاً.. بل تهتم الأعضاء اهتماماً واحداً بعضها لبعض. فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه، وإن كان عضو واحد يكرّم، فجميع الأعضاء تفرح معه. وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً" (ع 20 و 21 و 24 - 27).

وكما أنه بالنسبة للأعضاء المختلفة في الجسد الإنساني، حيث نجد الوحدة التامة والوظائف المشتركة واعتمادها بعضها على بعض، كذلك فإن الله رسم ذات الشيء بالنسبة للجسد الروحي للمسيح. وكما أنه لا توجد أية استقلالية بل اعتماد كبير بين أعضاء الجسد الإنساني بعضها للبعض، هكذا لا نجد أية استقلالية بين أعضاء جسد المسيح إذا كانت هناك أعمال محددة بحسب فكر الله. ولا يمكن لعضو أن يقول لعضو آخر "لا حاجة لي إليك". ولا يجب أن يكون هناك أي شقاق أو انقسام في جسد المسيح. إن كنيسة كورنثوس في ذلك الوقت هي جسد المسيح في كورنثوس وأعضاء أفراد لهذا الجسد الكوني أي الكنيسة.

فإن كان ما تقدم صحيحاً من جهة الأعضاء الأفراد في جسد المسيح ، أفلا ينطبق ذات المبدأ على الكنائس المحلية - التي ليست سوى مجموعات من أعضاء أفراد لجسد قد جمع في مكان واحد؟ نعم وبكل يقين. إن حق الجسد الواحد لا يقبل أي شكل من أشكال الاستقلالية سواء كانت فردية أم جماعية.

حفظ وحدانية الروح

إنه ليس هناك جسد واحد فحسب بل أيضاً روح واحد، ويحرضنا أفسس 4: 3 - 4 "مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. (فهناك) جسد واحد وروح واحد كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد". "لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد.. وجميعنا سقينا روحاً واحداً" (1 كو 12: 13). هذه هي الوحدانية الإلهية التي تكونت بالروح القدس في يوم الخمسين والتي استحضر إليها جميع المؤمنين. لقد صرنا جميعاً نستقي من (drink into) روح واحد. هذه الوحدة تكونت بالروح القدس، وهو الذي له المسرة العميقة والرغبة المتوقدة جداً لتتميم تلك الوحدة وصيانتها لتكميل مشورات الآب ومجد ابنه. إننا لا نستطيع أن نكسر تلك الوحدة التي لجسد المسيح والمكونة بروح الله، فقد تكونت مرة وإلى الأبد، ويراها المسيح دائماً كنيسة واحدة، كيفما كان انقسامها على الأرض. ولكننا قد نفشل أن نظهر وحدانية الروح هذه، ولهذا فإننا نحرض أن نجتهد في حفظ تلك الوحدانية برباط السلام.

كتب آخر يقول: [إن وحدانية الروح هي تلك القوة أو ذلك المبدأ الذي يحفظ القديسين سالكين معاً في علاقاتهم معاً في وحدانية جسد المسيح. إنه التطبيق الأدبي لتلك الوحدة، والاجتهاد لحفظ ذلك يبقي علاقاتنا مع كل القديسين بحسب روح الله - وفي الحق.

[ونحن نلتقي مع الآخرين في اسم الرب، على مبدأ "جسد واحد وروح واحد". ولذلك نجتهد أن نحفظ وحدانية الروح برباط السلام، كما أننا نسمى لنكون في "شركة الروح القدس" الذي يحفظ وحدانية جسد المسيح...

[فما هي إذن هذه الوحدة؟ إنها القوة وهي المبدأ التي بها يتمكن القديسون أن يسيروا معاً في علاقاتهم وروابطهم معاً كجسد المسيح وكأعضاء المسيح. وهي تتضمن انفصالي عن عضو ما لأنه مرتبط عملياً أو عقائدياً بأمور لا تقوى على مواجهة كلمة الله. إنها تدعوني أن أسلك مع آخر سائر بالتقوى وبالحق.

[هذه الوحدة أيضاً تستبعد الفردية بكل معناها. ولا يمكن لأحد أن يأخذ مكاناً منفرداً. فإذا كان قد دعي أحد أن يقف بمفرده بسبب كلمة الرب، في الاجتماع المحلي فهي تضعه في شركة وفي أساس مشترك مع الكنائس المحلية الأخرى على نطاق العالم مع كل الذين يسيرون في الحق. إنها تستبعد الفردية أيضاً إذ أكون مرتبطاً مع الآخرين - ليتخذ دوراً منفرداً بنفسه وليس في شركة مع الباقين. إنها تطرحنا خارج كل نظام بشري أيضاً ولكنها تحفظنا في تلك الوحدة التي بحسب الله!

[...إنها تتسع لتكفي الجميع لأنها تحتضن الجميع سواء كانوا فيها أم لا. إنها تستبعد الشر من وسطها، إذا كان معروفاً ومقبولاً، وفي حالة التسليم به فإنه يبطل وحدانية الروح. إنها ليست مجرد وحدانية المسيحيين - والتي هي من مجهودات الكثيرين وغالباً ما تكون رافضة لحق جسد المسيح.. إن الله يحب الوحدانية التي في المسيح والتي تتوافق مع طبيعته وحقه، لا مجرد أن يلصق اسم المسيح على اتحادات معينة (God attaches unity to Christ, not Christ to unity) ولذلك كان يجب أن تكون حقيقية بحسب طبيعته وحيث يكون جسده أيضاً، كما وجب أن تكون مقدسة وحق (رؤ 3: 7) (ف. ج. باترسون).

ونوجز باختصار أيضاً الملاحظة التي يسوقها لنا روح الله في رسالة كورنثوس الأولى عن الوحدة الإلهية في التعليم وفي الممارسة. وهذه ليست لكنيسة كورنثوس فقط بل لكل كنيسة. ولهذا لكي نحفظ ترتيب وحدانية الروح وجب أن يكون هناك اتساق بين التعليم والممارسة العامة بين الكنائس، وضرورة التعرف على بعضهم البعض باعتبارهم في هذه الوحدة الإلهية. إنه لن يكون هناك تتميم ل "وحدانية الروح" إذا كانت الكنائس تقف بمفردها وتعمل بنفسها بالاستقلال عن بعضها البعض. إن حق الجسد الواحد والروح الواحد يتطلب أن تقف الكنائس على أساس هذه الوحدانية الإلهية، وأن يتعرفوا على تلك العلاقات التي تجمعهم في وحدة، وأن يسعوا لممارستها. إن مبدأ الكنائس المستقلة يتعارض ويتباين بشدة مع التحريض الإلهي "مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام". ولذلك فهي غير كتابية وسبب للشقاق.

  • عدد الزيارات: 3290