تأديب الإسكات
أما وقد تحدثنا عن طريقة التصرف مع الرجل المبتدع، فإنه من المناسب الآن أن نتحدث عن تأديب إسكات أخ في الكنيسة. ومع أنه ليس لدينا في كلمة الله نص صريح عن هذا النوع من التأديب مثلما كان لنا عن الأنواع السابقة، إلا انه لدينا مبادئ كتابية تقودنا إليه.
بينما يعلمنا الكتاب أنه في الكنيسة ينبغي أن تكون الحرية كاملة للروح القدس لكي يستخدم من يشاء ليكون كفمه في التعبير عن صلاة أو تسبيح أو تقديم خدمة الكلمة في الاجتماع (1 كو 12: 11). فإنه يعلمنا أيضاً أن هناك مسئولية تابعة تقع على أولئك الذين يستخدمهم الروح القدس، في حفظ أنفسهم في القداسة لمجد وكرامة الرب.
الخدمة الجسدية غير النافعة: في غلاطية 5: 13 يقول الرسول "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً". إن حرية الروح لا ينبغي أن تكون ترخيصاً للجسد ليعمل، أو ليعظم نفسه في الكنيسة. ولذلك فالنشاط الجسدي المجرد من قوة الروح، والذي ليس بالبنيان، يجب ألا يسمح به في كنيسة الله، بل يجب إسكاته. إن خدمة أحدنا الآخر بالمحبة، لا بالمباهاة بالذات هي التي يجب أن تكون الباعث لكل خدمة.
وفي 1 كورنثوس 14: 3 نقرأ "وأما من يتنبأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية (أي تعزية)". ثم في ع 26 يضيف "ليكن كل شيء للبنيان". وفي ع 29 يردف قائلاً "وأما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة وليحكم الآخرون". وفي 1 بطرس 4: 11 "إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وإن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح".
هذه الأقوال ترينا أنه إذا تكلم أحد في الكنيسة فإنه ينبغي أن يتكلم باعتباره فم الله للبنيان وللوعظ وللتعزية. وأن يكون غرض الكلام هو نمو القديسين، وتمجيد الله في كل شيء. أن يتنبأ أحد، أو يتكلم "كأقوال الله"، تعني أكثر من مجرد سرد الحق بطريقة صحيحة. إنه يعني تقديم الحق المعين الذي يريد الله، في هذه اللحظة بالذات، أن يوصله إلى قلوب وضمائر السامعين جميعاً، بقوة الروح.
بحسب ما جاء في 1 كورنثوس 14: 29، فعلى الكنيسة[1] أن تحكم على الخدمة التي قيلت. وإذا ما دأب شخص معين على تقديم خدمة غير بانية ولا بقوة الروح القدس، ولا لبركة السامعين، فإنه ينبغي نصحه بالمحبة. فإذا لم يحدث تغيير في حالته، فإنه يجب اسكاته عن التكلم في الاجتماع، لأنه إذا كان شخص لم يعط القوة من الله ليضع أمام السامعين، كلمة الله بطريقة مفهومة وبانية، فبكل تاكيد لا تكون مشيئة الله أن يستمر هذا الشخص في محاولة الخدمة في الكنيسة، ولا داعي لإزعاج القديسين بخدمة جسدية غير نافعة. ولأن الكنيسة مسئولة عن الخدمة أو التعليم الذي يقدم في الاجتماع، فعليها أن تسكت كل من يقدم بصفة مستمرة، خدمة ليست كتابية وليست للبنيان، ولا لمجد الله، ولا بقوة الروح.
لقد كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس قائلاً بأنه تركه في أفسس لكي يوصي قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر، ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها تسبب مباحثات دون بنيان الله الذي حسب الإيمان" (1 تي 1: 3، 4) ومن ذلك نفهم أنه كان قد حذر البعض من جهة خدمتهم لتكون مطابقة للحق، وأيضاً نافعة، أي لا تتطرق لمسائل لا تبني. والذي يصر في عناد على الاستمرار في مثل هذه الخدمة المتعبة، فإنه يظهر إرادة ذاتية وبالتأكيد يجب أن يمارس معه تأديب الإسكات. إن خدمة كهذه قد تكون هي الخطوة الأولى التي ستظهر صاحبها في ما بعد أنه مبتدع.
ولقد كتب بولس أيضاً إلى تيطس عن كثيرين متمردين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول ولا سيما الذين من الختان، الذين يجب سد أفواههم. (تي 1: 10 و 11). ومع أن هذه القوال تشير بصفة خاصة إلى أشخاص خارج الكنيسة، فإنها أيضاً تلقي الضوء على ما يجب أن يكون بالأولى جداً داخل الكنيسة. فإن المتمردين، والذين يتكلمون الكلام الفارغ، يجب أن تسد أفواههم، بصفة خاصة في كنيسة الله. والكبرياء، والمجد الباطل، والإرادة الذاتية قد تقود البعض إلى أن يتكلموا، ولكن إذا لم تكن هناك قوة في كلامهم، وإذا كانت النفوس لا تبني، فإنه يجب أن يثار التساؤل إذا ما كان باعث الشخص المتكلم هو مجد الله وبنيان السامعين. فإذا ظهر أن الذات لا نشاط الروح القدس، هي العاملة بصفة مستمرة، فإن تأديب الإسكات يجب أن يمارس على مثل هؤلاء بواسطة الكنيسة.
الذين بهم عيب: يقدم لنا سفر اللاويين 21: 16 - 23 مبدءا كتابياً، لا شك أن له تطبيقاً روحياً بالنسبة لنشاط كهنة العهد الجديد في الكنيسة. وهو يعطي مزيداً من الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده.
"وكلم الرب موسى قائلاً. كلم هرون قائلاً. إذا كان رجل من نسلك في أجيالهم فيه عيب فلا يتقدم ليقرب خبز إلهه. لأن كل رجل فيه عيب لا يتقدم. لا رجل أعمى، ولا أعرج، ولا أفطس، ولا زوائدي، ولا رجل فيه كسر رجل، أو كسر يد، ولا أحدب، ولا أكشم، ولا من في عينه بياض، ولا أجرب، ولا أكلف، ولا مرضوض الخصى. كل رجل فيه عيب من نسل هرون لا يتقدم ليقرب وقائد الرب، فيه عيب. لا يتقدم ليقرب خبز إلهه. خبز إلهه من قدس الأقداس ومن القدس يأكل. لكن إلى الحجاب لا يأتي وإلى المذبح لا يقترب لأن فيه عيباً لئلا يدنس مقدسي، لأني أنا الرب مقدسهم".
فالكاهن الذي كان به عيب، لم يكن ليستطيع أن يتمتع بكافة امتيازات مركزه ككاهن. فمع أنه كان مسموحاً له أن يأكل من خبز إلهه، إلا أنه لم يكن يسمح له بالدخول إلى القدس ولا الاقتراب إلى المذبح ليقدم خبز إلهه، أي أنه لم يكن يقدر أن يمثل الشعب في الخدمة الكهنوتية. فإذا طبقنا ما تقدم على الكنيسة، نلاحظ أن قيادة جماعة المؤمنين في الصلاة أو التسبيح أو الخدمة تمثل من الناحية الرسمية، الخدمة الكهنوتية في العهد القديم. والمبدأ السابق يعني أن المؤمن الذي به روحياً - أحد العيوب السابقة، عليه ألا يقترب إلى الله نيابة عن الجماعة، ولا أن يتحدث إلى الجماعة نيابة عن الله. فمع أن له الحق في التقدم إلى مائدة الرب والأكل من عشائه، إلا أنه ليس مؤهلاً لأن يكون فما للكنسية، و"لا يتقدم ليقرب خبز إلهه".
العيوب الطبيعية المشار إليها فيما تقدم تصور لنا عيوباً روحية موجودة في الكهنة المسيحيين (أي جماعة المؤمنين الحقيقيين) في الوقت الحاضر. فالأعمى الذي لا يقدر أن يرى، هو صورة للشخص الذي ليس عنده التمييز الروحي "الذي ليس عنده هذه، هو أعمى ، قصير البصر، قد نسي تطهير خطاياه السالفة (أو نسي أن خطاياه القديمة قد تطهرت)" (2 بط 1: 9). والأفطس يمثل شخصاً لا يقدر أن يميز الرائحة العطرة للذبيحة، بمعنى أنه لا يقدر أن يدخل إلى ما للمسيح من كرامة وتقدير عند الآب. والأكشم (أي قصير القامة) يكلمنا عن توقف النمو الروحي. والأعرج أو مكسور الرجل يمثل لنا المؤمن المتعثرة خطواته، والذي سلوكه معيب. كل هذا يعطل الخدمة الكهنوتية في الكنيسة.
ولكن لاحظ أنه لا توجد عيوب ثابتة مستمرة في المسيحية. لأن الكل (روحياً) من خبز الله من شأنه أن يزيل كل هذه العيوب. قال آخر [إن كاهننا العظيم قادر أن يزيل كل العيوب من أفراد عائلته]. وعليه فليس أمراً حتمياً بالنسبة للقديسين أن يستمروا غير مؤهلين للخدمة الروحية في الكنيسة. فالأعمى يمكن أن تتفتح عيناه، والأعرج يمكن أن يشفي، والأكشم بوسعه أن ينمو في المسيح، إن هو أراد ذلك. وعليه فإن الإسكات ليس بالضرورة أن يكون إلى ما لا نهاية.
دعنا - مثلاً - نعتبر حالة كاهن أعرج أو مكسور الرجل. إنه صورة لمؤمن لا يعيش حياة مسيحية تقوية، لا يسلك بحسب كلمة الله. وهذا عيب خطير. إنه كاهن أعرج غير صالح للخدمة. فإذا كان شخص يخدم في الكنيسة، وهو متعثر في سلوكه بصورة واضحة، فإنه يصبح كاهناً أعرج، ويجب أن يصمت في الاجتماع، لأن كلماته سوف لا يكون لها وزن أدبي. فإذا كان الله غير ممجد في سلوك فرد، فكيف يمكن أن يمجد في خدمته؟! أو بالحري إذا لم يكن مجد الله هو المتحكم في سلوكه في الخارج، فكيف يكون هو المحرك له في الخدمة في الداخل؟! إن شخصاً كهذا لا يسلك في شركة مع الله، ولا يمكن أن يستخدمه الروح القدس ليتكلم كأقوال الله في الكنيسة. فإذا استمر في الخدمة في الكنيسة فإنه يجب أن يوضع تحت التأديب المذكور سابقاً حتى يصلح سلوكه أولاً ويستعيد ثقة الجماعة.
ويحتوي أشعياء 52: 11 على مبدأ هام لأولئك الذين يخدمون في الكنيسة "تطهروا يا حاملي آنية الرب". وهذا يتضمن بالقطع، إن كهنة الله يجب أن يكونوا طاهري القلوب، والألسنة، والأيدي، والأقدام. فإذا لم يكونوا كذلك فهم ليسوا أهلاً لخدمة القداس. في القديم كان الكهنة دائماً يغسلون أيديهم وأرجلهم قبل أن يذهبوا إلى الخدمة في الخيمة (خر 30: 19 و 20) الأمر الذي يصور لنا الحاجة المستمرة إلى التطهير بالماء، أي بكلمة الله.
[1] ليس كل واحد في الاجتماع يمكنه أن يحكم، بل أنه أمر يتطلب الروحيين في الجماعة "وأما الروحي فيحكم في كل شيء" (1 كو 2: 15). هؤلاء الروحيون ينفذون كلمات الوحي "لا تحتقروا النبوات (لكن) امتحنوا كل شيء" (1 تس 5: 21). فمن الناحية الواحدة لا يجب أن نحتقر ولو خمس كلمات من أبسط أخ، إذا قيلت في الاجتماع بإرشاد الروح القدس. ومن الناحية الأخرى لا نقبل كل ما يقدم باعتبار أنه من الله، بل نمتحن كل شيء (المعرب).
- عدد الزيارات: 3262