التوبيخ العلني
في 1 تيموثاوس 5: 20 يوصي الرسول بولس ابنه تيموثاوس قائلاً: "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف". هنا نحن أمام نوع آخر من التأديب أكثر شدة من الإنذار الشخصي أو التحريض الذي ذكرناه قبلاً. والكتاب يطبق هذا الأسلوب على حالات من الخطايا يكون فيها التوبيخ الجهاري أمام الكنيسة كلها لازماً وضرورياً. والمعنى الحرفي للقول "الذين يخطئون" هو أنهم مستمرون في خطئهم - أي سالكين في سبيل خاطىء. "وبخهم" أو أخجلهم "أمام الجميع". الخطأ هنا هو من نوع يؤثر على الشهادة العلنية للاجتماع كله. ولهذا فإن التوبيخ الجهاري لازم لإبراء الجماعة وتخجيل المخطئ.
قد تكون هذه حالة شخص لم يخضع لإنذار خاص. وبهذا فإنه تجاوز مرحلة التوبيخ الفردي الشخصي. لقد نما الشر إلى الحد الذي فيه أصبح واضحاً أن الشهادة العلنية للجماعة في خطر، وأصبح لازماً والحال هكذا إلى تأديب أشد حتى يقر المخطئ بخطيته وترد نفسه. هنا يلزم ممارسة التوبيخ الجهاري ضد المخطئ في حضور الكنيسة كلها لكي يخجل ويخلص من خطئه.
أو قد يكون هذا بالنسبة لشخص اشترك في شجار أو شغب في الطريق، أو رجل ضرب زوجته علانية، أو أي عيب من أي نوع خلافاً لكلمة الله. لقد حدث الشر في العلن ويجب أن يوبخ في العلن. وبلا شك يجب أن تتقرر الحقائق بالتأكيد أولاً، ففي أمر التأديب لا تؤخذ الأمور قط بمجرد الشائعات.
وهناك مثلاً كتابياً لتوبيخ جهاري في جماعة القديسين نقرأ عنه في غلاطية 2: 11 - 14 حيث وبخ الرسول بولس الرسول بطرس علانية أمام القديسين في أنطاكية، لأن بطرس برفضه الأكل مع المؤمنين من الأمم قد ارتد عن حرية النعمة إلى عبودية الناموس. ولهذا فإن بولس قاومه مواجهة لأنه كان ملوماً"، وقال له قدام الجميع "إن كنت، وأنت يهودي، تعيش أممياً لا يهودياً، فلماذا تلزم المم أن يتهودوا؟". لأنه بهذا التصرف من بطرس انحرف آخرون أيضاً وراءه "حتى أن برنابا أيضاً انقاد إلى ريائهم"، وبالأسف لم يسلكوا باستقامة حسب حق الإنجيل. ولخطورة الأمر فإن بولس كان محقاً عندما وبخ بطرس توبيخاً جهارياً على عدم استقامته، وبهذا العمل، لم يعالج الخطوة الأخيرة في الخطأ فقط، بل أيضاً منع تأثيره الضار من الانتشار بين الآخرين في كنيسة أنطاكية، الذين كانوا في خطر أن يتحولوا عن الحق الصافي لإنجيل نعمة الله.
عندما يتم توبيخ شخص أمام الجميع، يجب أن يصير واضحاً أمامه أن ما قاله أو فعله إنما هو مضاد لما يعلمه الوحي. ويجب على المخطئ أن يعلم أمام الجميع خطأه، وأن يصحح خطأه هذا بواسطة الاستخدام الحكيم لكلمة الله. ونفس كلمات الوحي المستخدمة له ينبغي أن تصل إلى أعماق مشاعر الحاضرين وضمائرهم لتحفظهم بدورهم من نفس الخطأ.
ولا ينبغي أن يكون هناك مجال لإظهار الغضب أو الروح الفريسية الناجمة عن الشعور بالبر الذاتي من جانب الذي يقوم بالتوبيخ الجهاري، بل ينبغي أن يتم ذلك بشعور حقيقي بالحزن، وبطريقة تجعل الطابع الجاد لعمل كهذا ملاحظاً بعمق، فيحكم المخطئ على ذاته، ويمتلئ الذين يسمعون من الخوف "ليكون عند الباقين خوف".
ثم يحرض الرسول ابنه تيموثاوس بصدد توبيخ الذين يخطئون، أن يحفظ هذا "بدون غرض ولا (يعمل) شيئاً بمحاباة". عليه أن يوبخ كل من يستحق التوبيخ بغض النظر عن السن أو المقام أو المركز بين الجماعة، حتى ولو كان شيخاً. طبعاً نحن ليس لدينا شخص كتيموثاوس مزود بسلطان رسولي، لكن عندنا كلام الرسل في الوحي، والجماعة مسئولة لتنفيذ هذا بدون تحزب. ويتم هذا بواسطة شخص، يستحسن أن يكون شيخاً، مشهوداً له، وبصفة عامة بعد أخذ مشورة الإخوة المسئولين في الاجتماع.
في الوقت الحاضر، ما أقل ما نرى مثل هذا التوبيخ الجهاري لأولئك الذين يخطئون، بين جماعات القديسين. لكننا نعتقد أنه لو كان هذا التأديب ممارساً لصورة أوضح، لكنا رأينا النتائج المباركة في ازدياد الخوف التقوي في قلوب المؤمنين، واحتراس أكثر في السلوك. بل ولكانت حالات العزل أقل، إذ أنه سينتج عن مثل هذا التوبيخ رجوع كثيرين إلى طريق الحق من بداءة الأمر. ليت هذه الصورة الصحيحة والأمينة لممارسة التأديب لا تهمل في الكنيسة بل تستخدم متى لزم ذلك. وأننا نتذكر الآن كلمات بولس لابنه تيطس بالارتباط مع هذه الصورة من التأديب: "تكلم بهذا وعظ ووبخ بكل سلطان. لا يستهن بك أحد" (تي 2: 15).
- عدد الزيارات: 7265