Skip to main content

أسلوب تنفيذ التأديب

نأتي الآن إلى جزء هام في موضوعنا، وهو الروح والأسلوب اللذان بهما ينبغي أن ينفذ التأديب. وأول شيء نريد أن نوجه النظر إليه هو أن الكنيسة ليست مجرد ساحة قضاء يجري فيها إثبات الخطأ على المذنب خلال سلسلة من الإجراءات المعينة. لأننا لو فكرنا هكذا فإننا نكون قد ابتعدنا كلية عن النعمة التي فيها نقيم، وفيها نقوم أمام الله.

لنذكر ماذا نحن

حسناً قال واحد: "إنه يجب أولاً أن نتذكر ماذا نحن في ذواتنا إذا أردنا أن نتحدث عن ممارسة التأديب. فبلا شك أن هذا أمر خطير ومذهل. عندما أشعر أني مجرد خاطئ مسكين، خلص بمجرد الرحمة، أقف فقط في المسيح يسوع، وعلى هذا الأساس وحده نلت القبول، بينما أنا في ذاتي هالك وشرير، ألا يكون أمراً خطيراً والحال هكذا أن أمارس التأديب على الآخرين! من يقدر أن يدين سوى الله؟ هذا هو الفكر الأول.

هنا أنا أقف، باعتباري لا شيء، وسط أشخاص محبوبين لدى الرب، والذين يجب أن أنظر إليهم وأعتبرهم أفضل مني. كم هو إذاً فكر خطير، أنه رغم شعوري بخطاياي، وبأنني لا شيء أمام الرب، أن أتحدث عن ممارسة التأديب، إنه يؤثر فيّ أنا شخصياً، ويؤثر في تفكيري بشدة، ولا يوجد سوى أمر واحد يخرجني من هذا الشعور، أعني به حق المحبة. عندما تكون المحبة فعلاً هي التي تعمل فإنها لا تهتم لشيء إلا لتنفيذ غرضها. وحتى لو كان موضوع غرضها هو البر، فإنها تستمر في السير بالمحبة - المحبة ممارسة عملياً، لتضمن (مهما كانت الكلفة في آلام تنعكس عليها) بركة القداسة للكنيسة. ليس هنا مجال مركز متفوق بحسب الجسد" (داربي).

ويؤكد هذا الفكر ما ورد في غلاطية 6: 1 "أيها الإخوة إن انبثق إنسان فأخذ في زلة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا، بروح الوداعة، ناظراً إلى نفسك، لئلا تجرب أنت أيضاً". إنها روح الوداعة التي يجب أن يتم بها التعامل مع الشخص المخطئ، وليس أي روح يظهر منها أننا أفضل منه. ولاحظ أن الغرض المذكور هنا هو الإصلاح ورد النفس.

النوح والاعتراف

عندما كتب بولس للكورنثيين عن الشر غير المحكوم عليه، الموجود في وسطهم، وبخهم لأنهم منتفخون وبالحري لم ينوحوا حتى يرفع من وسطهم الذي فعل هذا الفعل (1 كو 5: 2). ومن هنا نفهم أن الحزن والانسحاق القلبي العميق يجب أن يكون هو شعور الكنيسة إذا تطلب الأمر عزل المخطئ عن الجماعة باعتباره خبيثاً لا يصلح للشركة معها. فلا يتم هذا العمل روح باردة فريسية ناموسية، بل بالعكس بحزن وتواضع واعتراف بالخطية العامة[1] بل والخجل من أن شيئاً كهذا قد حدث في بيت الله. وتكون الفرصة لتأنيب النفس بالنظر لضرورة حدوث هذا القطع[2]، ويجب أن نتساءل "هل اعتنينا الاعتناء الكافي بهذا الشخص المخطئ؟ هل رفعت لأجله الصلوات؟ هل كانت أمامه أمثلة تقوية؟ هل مورس الاهتمام الرعوي نحوه؟ كل هذه الأسئلة لا بد أن تثار في قلوب تقدر بحق خزي هذه الحالة.[3]

وفضلاً عن ذلك، فبدلاً من أن ينظر إلى الشر باعتباره خطية شخصية، ينبغي أن تنظر الجماعة إليه باعتباره خطيتها، وتعترف به بصفة جماعية قال بولس للكورنثيين "بالحري لم تنوحوا". لقد تأثرت الجماعة كلها بهذا الشر كما يلحق العار عائلة بأسرها من فعل فاضح لأحد أفرادها.

لقد كتب واحد هذه الأقوال: "لا تكون الكنيسة مهيأة، ولا في الحالة المناسبة لممارسة التأديب، ما لم تتحد نفسها أولاً في خطية الفرد فإذا لم يمارس التأديب بهذه الطريقة فإنه يأخذ شكلاً ناموسياً، ليس هو تطبيقاً لسياسة النعمة في المسيح. والكنيسة لا تكون في الحالة المناسبة لممارسة التأديب حتى تصبح خطية الفرد هي خطية الكنيسة ومعتبرة هكذا في نظرها. أنا لا أظن أن هناك شخصاً (أو جماعة مسيحية) يقدر أن يمارس التأديب ما لم يكن له (أو لها) الضمير، الذي يشعر بقوة الشر والخطية أمام الله، كما لو كان هو نفسه قد فعله. عند ذاك يمارس التأديب باعتباره لازماً لكي ينقي نفسه منه" (داربي).

في العهد القديم كان على الكهنة أن يأكلوا من ذبيحة الخطية للشعب في مكان طاهر (لا 10: 17 و 18). كان عليهم أن يحملوا إثم الجماعة ويعملوا كفارة لها. هذا يصور لنا خدمة الشفاعة الكهنوتية، وذلك بجعل خطية الآخرين خطيتنا، ونتضرع إلى الآب ككهنة، فإن الإهانة التي لحقت بجسد المسيح الذي نحن فيه أعضاء، يجب أن تعالج. هذه هي الروح التي بها ينبغي أن نمارس التأديب.

عندما كتب بولس إلى الكورنثيين، موصياً إياهم الخبيث من بينهم قال "لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة" (2 كو 2: 4). هذه هي الروح الوحيدة الصحيحة لممارسة التأديب.


[1] انظر التذييل في آخر الفصل _ تعليق على قضاة 19 إلى 21.

[2] تماماً مثل الطبيب الذي يهمل في علاج جرح أو كسر بسيط، وأدى إهماله هذا إلى حدوث غنغرينا في العضو استلزمت قطعه. ألا يدعو أمر كهذا إلى خزي الطبيب؟! وألا يعطي أمر كهذا بعداً خاصاً لكلمات الرسول بولس "ملاحظين لئلا .. لئلا.. لئلا" (عب 12: 15، 16) وأيضاً "المدبر فباجتهاد" (رو 12: 8)!! المعرب.

[3] إنها في المقام الأول مسئولية من يقومون بعمل النظار وسط الجماعات. وألم يوبخ الرب رعاة اسرائيل قديماً على فم حزقيال لأنهم لم يكونوا على استعداد لريح الضعفاء والذهاب وراء الضالين، بقوله لهم "المريض لم تقووه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لم تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه!" (حز 34: 2 _ 4) (المعرب).

  • عدد الزيارات: 3495