Skip to main content

ثامناً – مكان المرأة

كل قارئ سليم التفكير لا شك يتفق معنا في أن الله قد أعطى المرأة مكاناً متميزاً وعجيباً في الدائرة العائلية وفي الدائرة الاجتماعية. وأن المرأة قد زودت من الله تزويداً خاصاً لتحتل هذا المكان الفريد الذي لا يستطيع الرجل أن يحتله كما يجب. والكتاب المقدس من بدايته إلى نهايته يرينا مكان المرأة الخاص بها في الخليقة، وعند سقوط البشرية، وتحت الناموس في العهد القديم، وتحت النعمة في الكنيسة في العهد الجديد. وسوف نرى في كلمة الله أن المرأة مكانها الخاص ومجال الخدمة الخاص بها وأنه لمكان مبارك جداً وفي غاية اللزوم.

ومع أن موضوعنا هو تناول مكان المرأة كتابياً في الكنيسة، ولكن يكون من المفيد جداً لفهم موضوعنا فهماً جيداً أن نتكلم أولاً عن مكانها في الخليقة، وفي السقوط، وفي البيت، وتحت الناموس. وتمييز المكان الذي أعطاه الله للمرأة في هذه الدوائر سيعطينا الخلفية الصحيحة للتأمل ولفهم مكانها في الكنيسة كتابياً.

مكان المرأة في الخليقة

نتعلم من تكوين 2 أن الرجل خلق أولاً، ومن واحدة من أضلاع آدم صنع الله امرأة وأحضرها إليه لتكون معيناً نظيره. وفي 1 كورنثوس 11: 8 - 12 يسجل روح الله التعليق الآتي "لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها، من أجل الملائكة. غير أن الرجل ليس من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل، في الرب. لأنه كما أن المرأة هي من الرجل، هكذا الرجل أيضاً هو بالمرأة، ولكن جميع الأشياء هي من الله". هنا نرى عرضاً متوازناً محكماً للحق الخاص بالعلاقة بين الرجل والمرأة.

فإن حقيقة أخذ المرأة من الرجل تبرهن معادلتها له. إنها ليست أدنى منه بل هي صنوه وعديلته ومعينته. لكن مع هذه المعادلة يوجد الاختلاف. لقد خلقت المرأة من أجل الرجل وخلقت لتكون معه وإلى جانبه. ولم يقصد الله على الإطلاق أن تكون المرأة مستقلة عن الرجل، بل أن تكون شريكة له. وأن يكون الرجل والمرأة جسداً واحداً كرمز إلى المسيح وعروسه الكنيسة. والمرأة لا يكتمل جمالها الأدبي إلا إذا احتلت المكان الذي خلقت من أجله. هذا المكان هو أن تكون المعين المعادل للرجل.

ومع ذلك جدير بنا أن نلاحظ أن المرأة وقد صنعت من الرجل فإن هذا يشير إلى أن الرجل هو رأسها. وهذه هي الخلاصة التي يستخلصها روح الله في الفصل المقتبس من 1 كورنثوس حيث يقول "لهذا - أي لأجل أن المرأة لها هذا المكان في الخليقة - ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها (أي أن تتخذ علامة تشير إلى خضوعها تحت سلطان الرجل) من أجل الملائكة"، وفي عدد 3 يقول الرسول "أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل". إذن من أجل هذا الترتيب في الخلق ينبغي أن تعترف المرأة برئاسة الرجل وأن يكون لها على رأسها رمز لسلطانه عليها، عليها هو غطاء على الرأس، خاصة عندما تصلي أو تتنبأ أو عندما تكون بين الجماعة في الكنيسة (ع 5 - 10). فإن الملائكة يتطلعون ليروا ترتيب الله في الخليقة وفي الكنيسة.

وسنتكلم فيما بعد بالأكثر بخصوص غطاء المرأة لرأسها، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إليه بالإرتباط بمكانها في الخليقة، وما يتبعها من اعترافها بأن الرجل هو رأسها، وهذا ما يعنيه عندما تضع غطاء على رأسها بحسب قول الكتاب.

والرسول بولس في 1 كورنثوس 11: 14 و15 يتخذ أيضاً من الطبيعة ذاتها برهاناً آخر على التمييز بين الرجل والمرأة ومكانها الصحيح في الخضوع "أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل إن كان يرخي شعره فهو عيب له؟ وأما المرأة إن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها، لأن الشعر (الطويل) قد أعطى لها عوض برقع"، فالله أعطى أن يكون للمرأة شعر طويل كعلامة مميزة لها عن الرجل، الذي رتب له أن يكون شعره قصيراً. هذا ترتيب طبيعي وضعه الله للمرأة أن يكون لها الشعر الطويل وللرجل الشعر القصير.

إن الشعر الطويل في الكتاب المقدس يشير بصفة عامة إلى الخضوع وعدم الاستقلال كما إلى الوداعة التي تليق بالمرأة كالإناء الأضعف، ومن أجل ذلك وجب على الرجل أن يعطيها كرامة (1 بط 3: 7). والنص الذي أمامنا في 1 كورنثوس 11 يتكلم عن الشعر الطويل كمجد للمرأة. والمرأة بلا شك تعكس المجد والجمال اللذين بهما يسربلها الله عندما تحتل مكانها المعطى لها من الله - مكان الخضوع وعدم الاستقلال، وتتمسك بخصائصها الأنثوية. وبقدر ما تكون المرأة هكذا بقدر ما تبدو أكثر جمالاً وبقدر ما تحظى برضي الله. وعلى العكس على قدر ما تحاول المرأة أن تتشبه بالرجل أو أن تحتل مكانه بقدر ما تفقد من جمالها وفضلها.

إن تعبير الكتاب "أم ليست الطبيعة نفسها تعلّمكم؟" يمكن تطبيقه على مدى واسع جداً في موضوعنا. فإن التركيب الطبيعي والمزاجي للرجل والمرأة جد مختلف. والله في حكمته جعل اختلافاً شاسعاً في التركيب الجسماني والعقلي والعاطفي عند كل من الرجل والمرأة. لقد جعل الرجل، بصفة عامة، أشد قوة وزوده بطاقة ذهنية أغنى نشاطاً، بينما زود المرأة بعذوبة طبيعية وعاطفة رقيقة ونشاط ذهني يتفق مع سائر خصائصها التي تؤهلها للدائرة المنزلية العائلية. إن الله الخالق قد ركبهما هذا التركيب بالخلق الطبيعي لكي يملأ كل منهما مكاناً يختلف عن مكان الآخر ومع ذلك يكمّل كل منهما الآخر ويتمم أحدهما الآخر.

وإذن، من الخليقة والطبيعة نتعلم أن للمرأة مكاناً متميزاً عن مكان الرجل في المجتمع البشري، وكذلك سوف نرى أن للمرأة مكاناً متميزاً أعطيت إياه من الله في الكنيسة وهو مكان يتفق ويتجاوب مع مكانها في الخليقة وفي الطبيعة. نعم سوف نرى أن مكانها في الخليقة يحدد مكانها في الكنيسة، وإن مكانها في الطبيعة هو توضيح لمكانها في النعمة، أو لعلاقتها مع الله كامرأة مسيحية. فالاثنان غير منفصلين. والله لا يعطي الرجل أو المرأة في الكنيسة مكاناً يتعارض مع مكانه في الخليقة أو في الطبيعة.

  • عدد الزيارات: 3811