Skip to main content

سابعاً – اجتماعات الكنيسة

في تأملاتنا السابقة في الكنيسة المحلية كتعبير عن الكنيسة تناولنا المبادئ الرئيسية التي تحكم كيان وأركان الكنيسة التي تجتمع كتابياً ككنيسة الله. ولقد رأينا أنها ينبغي أن تجتمع على أساس الجسد الواحد الذي يتكون من جميع المؤمنين الذين يعتبرون ويقبلون بعضهم بعضاً كأعضاء لهذا الجسد الروحي الذي رأسه المسيح ولا يعترفون بجسد آخر سواه. وثانياً أنها ينبغي أن تُجمّع معاً إلى إسم الرب يسوع المسيح وحده كمركزها وتتمسك بهذا الاسم الغالي وتستبعد ما عداه من أسماء. وثالثاً أن تعطي الرب مكانه الصحيح في وسطها كالمرشد الإلهي. وأن تعترف وتؤمن بحضور الروح القدس، وأن تتكل عليه من أجل الإرشاد والتوجيه وتحريك الأعضاء كل بقدر ما يقسم له. ورابعاً أنها تتمسك بأن الخدمة وسائر الخدمات الروحية في الكنيسة ينبغي أن تجري ليس بفرد واحد يُعيّن كخادم رسمي، بل بمواهب المسيح للكنيسة، وبأعضاء الجسد، ليبني أحدهم الآخر تحت قيادة ونشاط الروح القدس. وخامساً عمل النظارة يناط به أولئك الذين توفرت فيهم صفات أدبيه ومؤهلون روحياً كشيوخ وهؤلاء يقامون ويرشدون بواسطة الروح القدس لأجل هذا العمل اللازم وسط الكنيسة. وإن عمل الشمامسة يجب أن يقوم به شمامسة تختارهم الكنيسة. وسادساً تتمسك بأن السلطان الذي منه تستمد تصرفات الكنيسة قوتها هو الرب الحاضر في وسطها وكلمة الله التي هي دستور الجماعة.

فإذا لنا كل هذه المبادئ الأساسية التي تحدد لنا شكل البناء الإلهي الذي تأخذه الكنيسة المحلية كالتعبير عن كنيسة الله الحي، نتقدم الآن لنتأمل في تفاصيل مختلف الاجتماعات لنلق نظرة عامة على الكنيسة المحلية الأولى التي أسسها الرب والروح القدس.

الكنيسة في أورشليم

في أعمال 1 نجد جماعة من مائة وعشرين مؤمناً يجتمعون معاً في علية بعد صعود الرب إلى السماء (ص 1: 15). هناك بنفس واحدة كانوا يواظبون على الصلاة والطلبة لأجل نزول الروح القدس الموعود به. وفي يوم الخمسين نزل الروح القدس الموعود به. وبروح واحد اعتمدوا جميعاً إلى جسد واحد" (1 كو 12: 13)، وامتلأوا جميعاً من الروح.

من هنا بدأت كنيسة الله وجودها، وتكونت أول كنيسة مسيحية محلية بالروح القدس. وبينما كانت الكنيسة في بدايتها تتكون جميع أفرادها من اليهود (وليس فيها أممي واحد). فلم تكن الحقائق المميزة للإيمان المسيحي الخاصة بالرجاء ودعوة الكنيسة معروفة بعد، ومع ذلك يمكننا أن نعتبر كنيسة أورشليم هذه نموذجاً كنسياً لنا في عدة نواحي. كانت هي بداية الكنيسة، ومن المفيد دائماً أن نرجع إلى أصول الأشياء وبدايتها لأجل تعليمنا. هنا كان يعمل الروح القدس كما قصد للأشياء أن تمتد بشكل عام، لذلك وجب أن نرجع إلى نقطة البداية هذه لنتعلم الحق.

في رواية الوحي في أعمال 2 نرى لأول وهلة أن الروح القدس كان هو القائد في الكنيسة. لقد بدأوا يتكلمون بأعمال الله العجيبة - كما أعطاهم الروح أن ينطلقوا. ثم وقف بطرس في نشاط الروح القدس وبتوجيه منه وكرز للجمهور المحتشد بالصليب والقيامة وتمجيد يسوع في الأعالي، هذا الذي رفضوه وقتلوه واستخدم روح الله كلماته لينخس قلوب السامعين فأنشأت في نفوسهم التوبة للخلاص. ثم إن الذين قبلوا كلمته اعتمدوا بالماء على اسم يسوع، وانضم إلى تلك الكنيسة الأولى في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس من المؤمنين الراجعين.

هذه الجماعة كلها كانت "تواظب على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات". وكان عندهم كل شيء مشتركاً، وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة، وهم يكسرون الخبز في البيوت (أو من بيت إلى بيت)، كانوا يتناولون طعامهم بابتهاج وبساطة قلب" (أع2: 42 - 47).

العلامات المميزة

نتعلم من الأنشطة والاجتماعات لهذه الكنيسة التي في أورشليم والتي تسير بحسب الترتيب الإلهي، ومن المفيد أن نلاحظ بعض الأشياء للعلامات المميزة للشهادة كشهود للمسيح. لقد حدد الرب هذه العلامات في أعمال 1: 8 وهي:

(1) أول كل شيء كانوا معاً بنفس واحدة مواظبين على الصلاة والطلبة.

(2) لقد اعتمدوا بالروح إلى جسد واحد، وكان الروح يملأهم ويقودهم، ويمنحهم القوة، ويشهدون للمسيح.

(3) كانوا في شهادتهم يستحضرون يسوع المسيح، ويدعون الناس للتوبة، وينادون لهم بغفران الخطايا باسمه ولهذا كانوا يكرزون بنشاط بإنجيل الخلاص بالمسيح.

(4) كانوا يعمدون* كل من يقبل كلمة الخلاص وبذلك بدأوا يتممون وصية الرب المقام لإقامة تلاميذ من جميع الأمم وتعميدهم بإسم الآب والإبن والروح القدس (إسم الله في أقنوميته المثلثة).

(5) كانوا يواظبون بثبات على تعليم الرسل وهو التعليم الذي أعطاه الرب لرسله – وهي كلمة الله، مع شركة قلبية سعيدة بعضهم بعض.

(6) كانوا يكسرون الخبز في البيوت (أو من بيت إلى بيت) كل يوم، وبذلك كانوا يذكرون الرب في موته كثيراً كما أوصاهم (لوقا 22: 19 و 20).

(7) كانوا واحداً أيضاً في نواحي حياتهم الزمنية إذ كانوا يتشاركون في الممتلكات وفي تناول طعامهم بابتهاج وبساطة قلب.

(8) كانوا يشتركون معاً في صلاة متحدة ولهم نعمة لدى جميع الشعب. وكثير من التفاصيل عن هذه الكنيسة في أورشليم نجدها في الأصحاحات التالية من سفر الأعمال. ولكن يضيق المقام هنا عن سرد أكثر من ذلك.

كانت هذه أنشطة الكنيسة البكر. وليت الرب يساعدنا لنعود إلى تلك الأمور التي كانت من بدء تاريخ الكنيسة. ونجد أنفسنا هكذا نجتمع على نفس المبدأ وبنفس الممارسة. أننا نقول أن هذه الأنشطة هي الانسياب التلقائي لطبيعة الله التي كانت في نفوس أولئك المولودين ثانية والروح القدس الذي يسكن فيهم. تلك لطبيعة الجديدة تجوع وتعطش إلى كلمة الله وتلتمس الشركة الواحد مع الآخر للإستمتاع بأمور الله المقدسة والثمينة. وتتوق إلى أن تعبر عن نفسها بالصلاة وتسبيح الله، وللسجود وتجديد القوة، وترغب في إطاعة كلمة الله كما ترغب أن تشارك الآخرين فيما تمتلك. وهي أيضاً مسرة الروح الساكن بأن يقود النفوس في كل هذه الأنشطة.

ولهذا فإن حاسيات المولودين جديداً حيث يُظهر الروح القدس ويقوى ويقود النفوس للاجتماع معاً حول الرب للتعليم والشركة والسجود والصلاة والكرازة بإنجيل الخلاص. ولهذا فمن الطبيعي أن تبدأ الاجتماعات في الكنيسة لتحقيق هذه الأغراض. إذ كان يجب أن يكون كذلك ويُحرّضنا الرسول في عبرانيين 10: 24 و 25 "ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة غير تاركين اجتماعنا (معاً) كما لقوم عادة، بل واعظين بعضنا بعضاً، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب". في البداية كانت الكنيسة تجتمع كل يوم ولكن هذا لم يستمر*. ونحن في الواقع نحتاج إلى الإجتماع معاً بعضنا مع بعض خاصة ونحن نرى يوم الارتداد والشر يقرب.

بهذه المقدمة استعرضنا أنشطة الكنيسة البكر في أورشليم والآن نستعرض إجتماعات الكنيسة المختلفة بأكثر تفصيل.


* كانت معمودية الماء تأتي تالية للإيمان بالإنجيل، وهي ترتبط بعمل التبشير. ولا نستطيع في هذا المقام الذي نتكلم فيه عن الكنيسة أن نتوسع في موضوع معمودية الماء. ولكن معمودية الروح القدس تربط الفرد بالكنيسة جسد المسيح. أما النموذج الإلهي في سفر الأعمال يرينا أن الذين خلصوا قد اعتمدوا بالماء، ثم قُبلوا بين المسيحيين في الجماعة المحلية. إن معمودية الماء علامة ظاهرة وشهادة أمام الناس أن الفرد يؤمن بالمسيح ويرتبط به. ولا يمكن لأحد أن يقف على أرضية خارجية بأنه مسيحي دون أن يكون قد اعتمد بالماء على إسم الله المثلث الأقانيم. ولذلك فليس هناك أشخاص غير معتمدين يُقبلون في الشركة في الكنيسة، لأن طقس العمودية يسبق طقس عشاء الرب. ولدراسة موضوع المعمودية بشكل متسع وأكبر نوجه القارئ إلى نبذة كتبها المؤلف بعنوان: المعمودية – ما هي؟.

* ليس هناك شاهد على أ، هذا لم يستمر، وأعتقد أن الكاتب يتكلم عن ظروف الحياة عندهم في أوربا وأمريكا (المعرب).

  • عدد الزيارات: 3649