القوة اللازمة للخدمة
قبل الانتهاء من موضوع "الخادم والخدمة"، لا بد أن نتكلم قليلاً عن القوة اللازمة لهذه الخدمة السماوية. لقد نبّرنا على ضرورة امتلاك الموهبة من الرب للخدمة، ولكن مجرد امتلاك الموهبة ليس كافياً، إذ أنه لا بد من توفر القوة الروحية لممارسة الموهبة ممارسة مثمرة. هذه القوة موجودة في الروح القدس، الذي يسكن في كل مؤمن. وليست القوة تعني البلاغة أو فصاحة البيان التي تخلب الناس بسحرها، بل إنها قوة الله العاملة في الإناء البشري والمؤثرة في القلوب. ولقد كان الرسول بولس يعتمد على هذه القوة الإلهية "كلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة" (1 كورنثوس 2: 4).
إذاً لكي تكون الخدمة ناجحة، فلا بد من الاستناد التام على الروح القدس، الذي يقود الشخص، والذي يجعل الكلمة تخرج حية فعالة. لهذا يجب أن يكون الروح غير محزون في الإناء، كما يجب أن يتدرب الخادم على الصلوات وإدانة الذات، وعند قدمي الرب يجب أن نطرح كل الكفاءات وكل ما تعلمناه، وأن ننتظر أمامه كآنية فارغة حتى يملأنا ويستخدمنا بالروح. وعندئذ ستكون هناك قوة في خدمة الأمور الخاصة بغنى المسيح الذي لا يستقصي. وهكذا فإن خدمة يعطيها المسيح ويستخدمها الروح القدس هي بالتأكيد كل ما تحتاجه كنيسة الله دائماً.
وفي هذا الصدد نود أن نقدم للقارئ بعض السطور التي اقتبسناها من كلمات ماكنتوش فيما كتبه عن سر الخدمة:
[إن السر الحقيقي لكل خدمة ناجحة هو في القوة الروحية. إنها ليست عبقرية الإنسان أو ذكاءه أو قوته الطبيعية، ولكنها ببساطة قوة روح الله لقد كان هذا صحيحاً في أيام موسى (عدد 11: 14 - 17) وهو صحيح أيضاً الآن.
"لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا 4: 6). ومن المفيد أن يضع كل خادم أمامه هذه الحقيقة، فذلك يسند قلبه ويمنحه نشاطاً مستمراً في خدمته.
[والواقع إن خدمة نابعة من اتكال مستمر على الروح القدس لا يمكن أن تكون عقيمة. فإن كان الشخص يسحب دائماً من ينابيعه الذاتية فلا بد أن ينضب سريعاً. ولا يهم في ذلك كيف تكون قوته، أو اتساع قراءاته، أو كثرة معلوماته، فطالما كان الروح القدس ليس هو ينبوع خدمته وقوتها، فلا بد إن آجلاً أو عاجلاً، أن تفقد نضارتها وتأثيرها.
[لذلك فإنه من المهم لكل الذين يخدمون سواء بالإنجيل أو في كنيسة الله، أن يستندوا دائماً وبصفة مطلقة على قوة الروح القدس فهو يعرف حاجة النفوس ويستطيع أن يسددها. ولكن يجب أن نثق فيه وأن نستفيد منه، ولا ينفع أن نستند جزئياً على ذواتنا وجزئياً على روح الله، لأنه إذا كان هناك شيء من الثقة بالذات فإنها ستظهر في الحال. لذلك يجب علينا أن نخلع تماماً كل ما في أعماق ذواتنا إن كنا نريد أن نصبح أواني للروح القدس.
[وليس معنى هذا أن لا يكون هناك مثابرة واجتهاد في دراسة كلمة الله. وفي دراسة الاختبارات والتجارب والصراعات والصعوبات المتنوعة التي تتعرض لها النفوس؟ بل على العكس تماماً. فنحن واثقون بأنه كلما ازداد استنادنا على قوة الروح القدس المطلقة، وازداد تفرغنا من ذواتنا، كلما ازداد في الوقت نفسه حماسنا واجتهادنا في دراسة الكلمة ودراسة النفوس. وإنه لخطأ قاتل أن يتخذ شخص من الاتكال الظاهري على الروح ذريعة لكي يهمل الدراسة بروح الصلاة والتأمل "اهتم بهذا. كن فيه. لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيء" (1 تيموثاوس 4: 15).
[وبعد كل هذا لنتذكر دائماً أن الروح القدس هو نبع الخدمة الحي دائماً، والذي لا يفشل مطلقاً. إنه وحده القادر أن يخرج من كلمة الله ما فيها من درر ويظهرها في نضارتها الإلهية وملئها، ويطبقها في قوتها السماوية على حاجة النفوس الحاضرة. فليست المسألة استحضار حق جديد، بل هي ببساطة إظهار الكلمة ذاتها، واستحضارها لتتقابل مع حالة شعب الله الأدبية والروحية. وهذه هي الخدمة الحقيقية].
ليت الرب يساعد كل خدامه الأعزاء لكي يؤدوا خدمتهم دائماً بقوة الروح القدس.
- عدد الزيارات: 5036