Skip to main content

الإعالة المادية

كيف تسدد الأعواز المادية التي يحتاج إليها خادم الرب أثناء خدمته للسيد؟ إن هذا سؤال عملي جداً يمتحن به كل خادم حقيقي للمسيح في وقت أو آخر. وعلينا أن نتحقق من أن كلمة الله قد أعطيتنا أيضاً المبادئ والقواعد الأساسية فيما يتعلق بهذا الوجه الهام في عمل الخدمة.

أولاً وقبل كل شيء، لنتذكر ما نبّرنا عليه مراراً بخصوص الخدمة في الكنيسة، أن المسيح هو رأسنا الحي، وأن موهبة الخدمة هي منه، وأنه قد دعا الخادم لخدمته، وهو وحده سيده الذي يجب أن تؤدي الخدمة أمامه ولأجله. وأن الرب نفسه هو الذي يستخدم خدامه ويرسلهم إلى كرمه، وأنهم "خدام يسوع المسيح" كما رأينا.

انظر للسيد ....

حينما يدرك الخادم هذه الحقائق بوضوح في نفسه، فإنه يختبر الرفعة في كرامة الإيمان، إذ يكون محمولاً بقوة الفكر والإحساس بأنه خادم الرب يسوع المسيح.

من هنا يصبح موضوع الإعالة المادية في عمل الله بسيطاً وواضحاً تماماً. إنه يفعل سائر الخدام، فهم ينظرون للسيد الذي يخدمونه لكي يعطيهم الأجرة، والسيد يستخدم من يشاء، كالصراف الذي يصرف الرواتب والأجور. وهكذا فإن كان شخص خادماً للمسيح بحق فعليه أن ينظر للمسيح في تسديد كل أعوازه. إن عمله هو خدمة الرب، وأما الرب فعمله هو الاعتناء بخادمه. نعم لقد وعد أن يفعل ذلك بالتحديد، وهو يستخدم من يريد لكي يقوم بالعناية بخدامه ومكافأتهم على تعبهم في كرمه.

إذاً فطريق الخادم. هو الاتكال على ربه وسيده والثقة فيه من جهة الإعالة المادية. وليس على الخادم أن يعتمد حتى على شعب الرب، فكم بالأقل على غير المؤمنين. ومع أن الرب يستخدم شعبه كأدواته في تسديد أعواز خادمه، غلا أن الخادم يجب أن يتطلع دائماً إلى الرب فقط. وموقف الإيمان الحقيقي دائماً هو "إنما لله انتظري يا نفسي لأن من قبله رجائي" (مزمور 62: 5) إنه قال "لي الفضة ولي الذهب" (حجي 2: 8). وأيضاً "لأن لي حيوان الوعر والبهائم على الجبال الألوف ... لأن لي المسكونة وملأها" (مزمور 50: 10 و 12). لذلك فإنه أمر يسير بالنسبة لله أن يسدد احتياجات خدامه. ولقد اختبر كثيرون ذلك بفرح ولسنوات طويلة.

وقال الرب لتلاميذه "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا الجسد بما تلبسون .. ولا تقلقوا ... فأبوكم يعلم إنكم تحتاجون إلى هذه. بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم" (لوقا 12: 22 – 30). فإذا انفق شخص وقته وقوته في خدمة أمينة للرب، فإن السيد سيبرهن لذلك الشخص، أن كل وعد خرج من فمه هو وعد حقيقي، ويمكن الاستناد عليه. وهذا هو الاختبار المبارك لكل خادم قد خرج بإيمان بسيط مستنداً على الرب في كل شيء.

وعندما قال بطرس "ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فماذا يكون لنا؟"، أجابه يسوع "كل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاد أو حقولاً من أجل اسمي، يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (متى 19: 27 – 29). والرب لا يكون مديوناً لأحد، إنه سيد أمين ومنعم، ولا ينسى حتى كأس ماء بارد باسمه. ولم يخدمه أحد قط بدون أن يعوضه.

تعب المحبة والإيمان

إن تعب الخدمة التي تُقدم يجب أن تكون دائماً "تعب المحبة" (1 تسالونيكي 1: 3) "ولا لربح قبيح بل بنشاط" (1 بطرس 5: 2). ولقد استطاع الرسول بولس أن يقول "فضة أو ذهب أو لباس أحد لم أشته، أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أعمال 20: 33 و 34) وقال أيضاً "لست أطلب ما هو لكم بل إياكم"، "ولكن الكل أيها الأحباء لأجل بنيانكم" (2 كورنثوس 12: 14 و 19). فالخادم الحقيقي للمسيح لا يخدم لأجل الحصول على المال أو لكي يعيش، هو يعمل ويتعب بسبب محبته للرب وللنفوس الغالية، طالباً بركة هذه النفوس وليس ممتلكاتهم. واثقاً في الرب من جهة حاجاته حاجات أسرته ومهما يُقدم له يقبله بشكر كما من الرب الذي يخدمه. إن شخصاً كهذا، قلبه مملوء بالمحبة والإيمان، لن يكون في حاجة لأن يستأجره أحد من الناس أو يتعاد معه على مرتب متفق عليه ليؤدي خدمات معينة مقابلة، إن محبة المسيح سوف تحصره حتى يكثر في عمل الرب كل حين، عينه على المخلص والسيد الذي وعد أن يسدد كل احتياج.

ومن المهم أيضاً أن نلاحظ ما كتبه بولس لأهل كورنثوس بشأن خدمته. "فويل لي ن كنت لا أبشر. فإنه إن كنت افعل هذا طوعاً فلي أجر .. فما هو اجري إذ وأنا أبشر. أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة؟" (1كورنثوس 9: 16 – 18). وهذا ما يجب أن يكون عليه غرض كل مبشر بالإنجيل، أن يقدم عطية الله المجانية الحياة الأبدية في المسيح يسوع بدون مقابل أيضاً. فإنه إذا مَرّ صندوق جمع العطاء على الناس بعد الخدمة مع تحريضهم على السخاء في تقديم العطاء، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، أفلا يعني هذا الإنجيل لم يصبح مجاناً؟. وفي أيام يوحنا كان الأخوة يخرجون لأجل إسم المسيح "وهم لا يأخذون شيئاً من الأمم" ( 3 يوحنا 7). لأنه ليس من المتوقع أن غير المؤمنين يعطون لأجل خدمة الرب، ولكن المؤمنين يفعلون ذلك بفرح من تلقاء أنفسهم.

مسئولية المسيحيين

لقد تحدثنا بإسهاب عن طريق لخادم – طريق إيمانه وثقته ي الرب للحصول على إعالته المادية. لكن هناك، على أية حال، جانب آخر من الأمر، وهو مسئولية (بل بالحري) وامتياز شعب الرب أن يعطوا من معيشتهم لعمل الرب، وأن يعتنوا بخدامه، وكذلك أن يخدموا هؤلاء الذين يخدمونهم. فالخادم ينظر للرب لأجل حاجاته، والرب ينظر لشعبه لكي يقوما بتسديد هذه الحاجات بطريقة طبيعية وعملية. وفيما يلي بعض الأمثلة الكتابية التي توضح لنا هذا الجانب من المسئولية.

ففي العهد لقديم يتكرر التحريض مرات كثيرة لبني إسرائيل لكي يقدموا عشورهم وتقدماتهم الحرة للرب وأن يتذكروا اللاوي الذي يخدم الرب تماماً انظر تثنية 12. وفي 1 كورنثوس 9: 7 – 14 يتحدث الرسول عن حق خادم الرب في الحصول على الأشياء المادية. "إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات؟ ... ألستم تعلمون أن اللذين يعملون في الأشياء المقدسة من الهيكل يأكلون؟ والذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح؟ هكذا أيضاً أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون". وأيضاً في غلاطية 6: 6 يحرض الرسول "ليشارك الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات". وفي لوقا 10: 7 قال الرب لتلاميذه "وأقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم لأن الفاعل مستحق أجرته"، ويورد الرسول ذات النص في (1 تيموثاوس 5: 18)* فخدام المسيح مستحقون أن يأخذوا ما يقدم لم. وفي (1 كورنثوس 16: 12) يخبرنا "في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر" ** . لذلك يحرض الكتاب شعب الرب على العطاء بصفة دورية وشخصية وبطريقة تتناسب مع الاحتياجات والأعواز.


* ترد في لوقا كلمة " أجرته"، وفي تيموثاوس الأولى "مكافأته" (المعرب)

** رغم أن النص مأخوذ من فصل يدور حول الجمع للفقراء، لكن المبدأ يمكن تعميمه. والكاتب هنا لم يطبق هذا النص على أعواز الخادم، بل ذكر مبدأ العطاء عموماً (المعرب)

  • عدد الزيارات: 4409