Skip to main content

سيد واحد

سبق أن ذكرنا أن الخدمة الروحية الجهارية سواء كانت تبشيرية أو تعليمية، يجب أن يؤديها فقط الذين أُعطوا مواهب، والذين دعاهم المسيح لمثل هذه الخدمة، ولا يهم في ذلك سواء كانوا يخدمون جزءاً من الوقت أو متفرغين الوقت كله. ولذلك فلا مجال في عمل الخدمة المقدس للتعيينات البشرية أو الاختيار الشخصي. وإنه لأمر عظيم أن يتذكر خادم المسيح دائماً من هو هذا الذي دعاه وزوده بالمواهب لخدمته، وهو في حاجة دائماً أن يضع أمامه هذه الحقيقة، أن المسيح هو رأسه الحي في السماء، فعليه أن يخدمه وأن يسترشد به وحده.

قال الرب "لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعاً إخوة" (متى 23: 8). لذلك فمن الأهمية القصوى أن يحفظ خادم الله نفسه حراً ليخدم سيده الوحيد ورأسه، ولا يرتبك بنير عبودية لأي سلطات أو مذاهب دينية، لأنه غالباً لا يستطيع الخادم في هذه الحالة أن يعمل ما يريده سيده ومخلصه، ويعطينا الرسول مثالاً حسناً لذلك، فهو لا يدين لأي سيد أو سلطة سوى المسيح، إذ قال إنه لم يتسلم خدمة من إنسان بل من الرب (غلاطية 11: 10 – 20).

وعندما أرسل الرب سله بالإنجيل إلى العالم أجمع، قال لهم "دُفع إلىّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، ولم يُفوّضَهُ لأي شخص آخر على الأرض، مهما كان مركزه الديني، أو مهما كانت الألقاب التي يدّعيها هو لنفسه. فالمسيح يعمل هنا على الأرض بواسطة الروح القدس، الذي هو وكيله الصحيح ونائبه. ويرى ذلك بوضوح في كتابات العهد الجديد، حيث لا يوجد أساس لمذاهب دينية يقام فيها رئاسة لها سلطان على خدام المسيح، حيث يجد هؤلاء الخدام أنفسهم في مركز الخنوع والتبعية، كما هو الحال في كنائس العالم في الوقت الحاضر. إن مثل هذا السلطان البشري يعتبر اغتصاباً لسلطان المسيح واختلاساً لمركزه كرأس الكنيسة.

نحن جميعاً نخضع بعضنا لبعض، والأصغر للأكبر كما يحرّض بطرس على ذلك (1 بطرس 5: 5)، وعلينا أن نعمل في شركة الواحد مع الآخر. كما يجب أن يكون هناك تأديب كنسي لردع كل نشاط للجسد، ولكن مع كل ذلك فالمسيح وحده له السلطان على خدامه لكي يقودهم في الأنشطة المتنوعة للخدمة التي يعطيهم إياها. إنه هو الذي يدعوهم لخدمته ويمنحهم المواهب ويؤهلهم ويدربهم في خدمته، وهو وحده الذي يستطيع أن يوجههم متى وأين يخدمونه، وأيضاً ماهي الرسائل التي يقدمونها للنفوس. وليس لأحد الحق بأن يتدخل بين رب الحصاد وبين خدامه، أو أن يفرض سلطانه عليهم. وحتى الرسول بولس الذي كان له السلطان الرسولي – والذي لا يمتلكه أي شخص في الكنيسة اليوم - ، والذي استطاع أن يُرسل تيموثاوس وتيطس، اللذين دعيا من الرب للعمل معه هنا وهناك، ليقوما بخدمة معينة. إلا أن الرسول بولس لم تكن له السيادة على بولس، ولم يستطع أن يأمره بالذهاب إلى كورنثوس. فقد كانت إرادة بولس أن يذهب بولس إلى هناك ليساعدهم، أما بولس فلم يرد إطلاقاً أن يذهب في ذلك الوقت، فتركه الرسول حراً لكي يتصرف كما يوجهه سيده (1 كورنثوس 16: 12).

إن خادم المسيح الذي يتحقق أن الرب هو سيده ورأسه الوحيد لا بد وأن يسعى دائماً كيف "يرضي من جنّده" (2 تيموثاوس 2: 4)، وأن يكون خادماً للمخلص المصلوب، وأن يفعل إرادة سيده. فإذا دعا واحد لكي يكون خادماً للرب، كيف يسمح لنفسه بعد ذلك أن يكون أجيراً في خدمة طائفية أو جماعة معينة ليفعل ما يريده الناس منه؟. فإذا ما استأجر شخص فإنه يصير خادماً لأولئك الذين استأجروه، ويجب عليه أن يرضيهم. ألا يجب إذاً على خادم المسيح أن يحفظ نفسه حراً لكي يخدمه حيثما وكيفما يوجهه سيده يوماً فيوماً؟. ومرة أخرى فإن الرسول بولس مثال نبيل لنا، فقد كتب للغلاطيين "أم أطلب أن أُرضي الناس. فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبداً للمسيح " (غلاطية 1: 10). ويشير الرسل أنفسهم كعبيد ليسوع المسيح (رومية 1: 1 ،2 بطرس 1: 1، يهوذا 1). وإذا اشترينا بدمه الثمين، نسمع ذلك التحريض : "لا تكونوا عبيداً للناس" (1 كورنثوس 7: 23). علينا إذا أن نخدم الناس خدمة المحبة ولكن المسيح هو سيدنا.

  • عدد الزيارات: 3317