اتساع الكنيسة
هناك حق هام آخر خاص بالكنيسة يجب أن يطبقه الاجتماع, وهو
و-إن المواهب أعطيت لبنيان الكنيسة
1-وبما أن البنيان يعني النمو والاتساع فيهمنا هنا أن نعرف برنامج الله لاتساع الكنيسة.
فالكنيسة على الأرض هي الوحدة التي سُر الله أن ينشر الإيمان المسيحي بواسطتها اليوم. ويجب أن تهتم كل كنيسة بنشر الإيمان, والوصول إلى مناطق جديدة, وتكثير نفسها, وإقامة اجتماعات أخرى.
وكما سبقت الإشارة إليه فإن رأس الكنيسة المقام قد أعطاها مواهب, وكلما استُخدمت هذه المواهب استخداماً حسناً, نمت الكنيسة وترعرعت.
2-ذكرنا آنفاً أن في الكنيسة خمس مواهب وهي الرسل والأنبياء والوعاظ والرعاة والمعلمون. وقلنا أن الاثنين الأولَيْن يتعلقان بصفة خاصة بأساس الكنيسة, وأن الحاجة إليهما بصفة عامة قد انتهت حيث أن كلمة الله قد أعطيت لنا كتابةً.
ومعنى ذلك أن لدينا اليوم ثلاث مواهب وهي الوعاظ والرعاة والمعلمون. ولنستعرض الآن الغرض من هذه المواهب وكيفية عملها.
3-أما الغرض من هذه المواهب فمذكور في اف4: 12و 13 "لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله, إلى إنسان كامل, إلى قياس قامة ملء المسيح".
ويبدو لأول وهلة أن هذه ثلاث أسباب مستقلة لأجلها أعطيت المواهب, وأعني بها
أ-تكميل القديسين
ب-لعمل الخدمة
ج-لبنيان جسد المسيح
ولكن هناك سبب واحد, لا ثلاثة مستقلة, هو بنيان القديسين في الإيمان حتى يستطيعوا بدورهم أن يعملوا الخدمة حتى يبنى جسد المسيح في العدد والروح, فالقديسون هم الذين يقومون بالخدمة.
ويمكننا أن نوضح هذا الحق عن طريق الرسم الآتي: فالدائرة الوسطى مثلاً تشير إلى موهبة المعلم, الذي يخدم من هم في الدائرة التي تحيط به حتى يكملوا (أي يبنوا في الإيمان) ثم هم يذهبون ليخدموا الآخرون. بهذه الطريقة تنمو الكنيسة وتتسع, وهي الطريق الإلهية للوصول إلى أكبر عدد من الناس في أقصر وقت ممكن.
ومن هذا النظام يتضح أن الوعاظ والرعاة والمعلمين يضعون نصب أعينهم فكرة تبشير الآخرين وتدريبهم وإعدادهم للخدمة.
ومع أنه ليست لكل واحد موهبة الوعظ وتدريب الآخرين وإعدادهم إلا أنه ينتظر من كل واحد أن يشترك في الخدمة المسيحية. فكل عضو عليه أن يكون عابداً, ورابح نفوس, ومتدرباً في معرفة كلمة الله, وناشراً للإيمان.
وهذا الواجب الهام موضح أيضاً في 2تي2: 2 "وما سمعته مني بشهودٍ كثيرين أودِعْهُ أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً".
وهذا أيضاً يمكن توضيحه عن طريق الرسم الآتي:
4-وتتضح فائدة هذه الطريقة لأول وهلة, وتؤدي إلى سرعة انتشار الإيمان المسيحي, وتساعد الأفراد المؤمنين على النضوج نتيجة استخدامهم ما أعطاهم الله من مواهب. وإذ يصبحون ناضجين يقل تأثرهم بالتعاليم الكاذبة الشائعة في العالم اليوم. وإذ تنمو الكنيسة وتنضج تعطي صورة صادقة لجسد المسيح على الأرض.
5-لاحظ الفرق بين هذا وبين النظام المتبع في العالم المسيحي اليوم حيث يختارون رجلاً يسمونه راعياً للكنيسة يلقي المواعظ, ويعمد المتجددين, ويقود خدمات العشاء الرباني, ويقوم بكل الواجبات الدينية الخاصة بالجماعة. أما الناس فيصغون بكل إخلاص إلى المواعظ أسبوعاً بعد أسبوع, ولكنهم في معظم الأحيان مع الأسف لا رغبة لهم في الاشتراك في أي نشاط, وحجتهم في ذلك أنهم يدفعون راتباً لشخص يقوم بهذا النشاط عنهم. ومجمل القول أنهم يصبحون مستمعين لمواعظ ليس لهم إلا القليل من المعرفة الشخصية بالحق المعلن في كلمة الله. والخطر الماثل دائماً هو أن أولئك الناس, الذين تربّوا في بيئة إنجيلية, يبقون "أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال" (اف4: 14)
ويمكن تلخيص هذا النظام الذي نتحدث عنه بالرسم الآتي:
فالخادم له شعبه الذين يقومون بواجبهم في حضور الخدمات الدينية ولكنهم بعد الانصراف يذهبون إلى أعمالهم دون شعور بالمسئولية من جهة ما سمعوه. وليس من شك في أن عمل الراعي في مثل هذه الحال محدود جداً. ومن ناحية أخرى لو كان كل هؤلاء الناس مجتهدين في خدمة الرب لكان النجاح ممتازاً. ولقد دفعت ظروف كهذه السيد ألكسندر ماكلارين إلى أن يكتب ما يلي:
"لا يسعني إلا الاعتقاد بأن النظام الحالي الذي يحصر التعليم الكنسي العام في فئة خاصة قد أضر فعلاً. فلماذا يكون شخص واحد هو المتكلم دائماً, بينما يجلس المئات ممن يستطيعون التعليم صامتين يصغون أو يدّعون الإصغاء. إنني أمقت الثورة بالقوة, ولا أؤمن أن أي نظام ديني يحتاج في التخلص منه إلى القوة يمكن الخلاص منه بسهولة, ولكني أؤمن بأنه لو رُفع مستوى الحياة الروحية عالياً بيننا فلا بد أن تنشأ حالات جديدة يُعترف فيها بالمبدأ العظيم الذي تقوم عليه الديمقراطية المسيحية, ألا وهو: "اسكب من روحي على كل البشر... وعلى عبيدي أيضاً وإمائي اسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون"[1].
6-وهذا البحث في خدمة الرجل الواحد يثير السؤالين الآتيين:
ما قولكم في نظام الكهنوت ورجال الدين؟ أهو نظام كتابي؟
ولنحاول الآن أن نجد الجواب عن هذين السؤالين الهامين.
والمقصود بالقول رجال الدين هو فئة خاصة أقامهم الناس لخدمة الله ولهم سلطة منفردة لتأدية الطقوس والواجبات الكنسية.
ونود بادئ ذي بدء أن نقرر بسرور أن الكثيرين من رجال الدين كانوا خداماً بارزين للمسيح وقد استخدمهم المسيح استخداماً عجيباً. ونحن مدينون لكثيرين منهم ولخدمتهم بالقول والكتابة ويسرنا أن نعترف بجميلهم هذا. ونحن نحتضن كل المؤمنين منهم بالرب يسوع كأخوة لنا.
ولكننا نرى لزاماً علينا أن نواجه بأمانة وصراحة أن كلمة "رجال الدين" لا وجود لها في العهد الجديد, فلا نجد أن هناك رجلاً مسئولاً عن كنيسة ما.
وفكرة وجود رجال الدين ليست فقط بدون سند من العهد الجديد بل إننا نعتقد أنها مضادة لتعليمه.
أ-فهي أولاً تنقض مبدأ كهنوت جميع المؤمنين (1بط2: 5و 9) ففي العهد القديم كانت هناك فئة من الناس يتوسطون بين الله والناس. أما في المسيحية فكل المؤمنين كهنة, لهم كل الامتيازات وعليهم كل المسئوليات التي تلازم الكهنوت. ومن الناحية العملية فإن فكرة وجود رجل واحد للخدمة تُسكت العبادة وتعطل خدمة الكهنة المسيحيين.
ب-ثم إن نظام رجال الدين أو نظام الإكليروس يمنع استخدام المواهب في الكنيسة (1كو12: 14) وذلك يجعل الخدمة وقفاً على شخص واحد أو على جماعة من الأشخاص الرسميين.
د-وكذلك فهي تجعل إقامة الفرائض وقفاً على فئة من الإكليروس, الأمر الذي لا يقره الكتاب المقدس.
ج-إن مبدأ الخدمة مقابل راتب معين, وهو ما يصاحب نظام الإكليروس دائماً, يعني حتماً أن يكون هؤلاء مسئولين أمام شخص أو أشخاص أعلى منهم. هذه السلطة العليا قد تضغط على الخادم فتفرض أنظمة بشرية وغير كتابية. فمثلاً جرت العادة على الحكم على صلاحية إنسان بعدد الأشخاص الذين انضموا إلى دفتر عضوية الكنيسة خلال العام. وهذا لا يمكن أن ينهض دليلاً على صلاحية الخدمة, وليس ذلك فحسب بل إنه يخلق تجربة للخادم تجعله أن ينزل لمستوى قبول الأشخاص الجدد حتى يكثر عدد المقبولين. وخادم المسيح لا يجب أن يقيّد هكذا ويربط ويعطل, بل يجب أن يكون دائماً خادم الرب الحر (غل1: 10).
هـ-إن نظام الإكليروس يشكل خطراً أكيداً إذ يجمع الناس حول الإنسان بدلاً من أن يجمعهم حول اسم الرب. فإذا ما تركزت الجاذبية نحو إنسان ما في كنيسة محلية فإن هذه الجاذبية سوف تزول بانسحاب ذلك الإنسان. أما إذا اجتمع القديسون لأن الرب هناك فسوف يكونون أمناء بسببه.
و-ولقد ساعد نظام الإكليروس, عملياً إن لم يكن نظرياً, على حجب الحق الأكيد باعتبار المسيح هو الرأس (اف1: 22) بل إنه في بعض الأحيان ينكره تماماً.
ز-ولئن قيل أن الأساقفة المذكورين في العهد الجديد هم أنفسهم رجال الإكليروس في يومنا هذا فإننا نقول إن العهد الجديد يقول بأساقفة عديدين في كنيسة واحدة (في1: 1) وليس بأسقف واحد للنظارة على كنيسة واحدة أو عدة كنائس.
ح-ولسنا ننكر أن كثيرين من رجال الدين خدام موهوبون من المسيح للكنيسة, إلا أننا نقول إن هؤلاء لم يصبحوا مواهب بتعيين بشري بل بعمل الرب يسوع نفسه. وهم مسئولون أن يجعلوا خدمتهم لبنيان القديسين للخدمة العاملة, وليس لكي يكونوا متكلين دائماً على رجال الدين.
ط-أما عن المساوئ التي نجمت عن رسالة أناس لم يدعهم الله فهذه واضحة جلية ولا تحتاج إلى تعليق هنا.
ي-وفي الختام نقول أنه إذا ما انفرد واحد بخدمة التعليم في الكنيسة انعدمت وسائل المقارنة والحكم, ونشأ خطر التفسير ذي الناحية الواحدة أو قل التعليم الكاذب. أما إذا ما كانت للروح القدس الحرية في الكلام بطريق المواهب المختلفة في الكنيسة فإن أوجهاً كثيرة للحق تصبح معلنة وتتوفر حصانة أكثر ضد الضلالات إذ يجد القديسون ويجتهدون قارنين الروحيات بالروحيات.
وهكذا نرى أنه مع أن بركات كثيرة قد فاضت من خدمة أناس يمثلون نظام رجال الدين إلا أننا نعتقد أنه ليس فقط نظاماً بعيداً عن الأحسن بحسب فكر الله بل هو أيضاً ضار بأفضل مصالح الكنيسة.
إن طريق الله هي أن تخدم المواهب القديسين, وهؤلاء بدورهم يذهبون لعمل الخدمة. وعلى الاجتماع المحلي أن يقرّ هذا المبدأ الهام وألا يعمل شيئاً يعرقل سيره بحرية. وهكذا إذ يقوم القديسون بالخدمة يخلص غير المؤمنين ويبنى القديسون وتتأسس اجتماعات أخرى.
(12) "كولوسي وفليمون" Exposilor,s Bible ص 328-330
- عدد الزيارات: 3980