Skip to main content

التأديب في الكنيسة

إذا ما كان الاجتماع المحلي صورة طبق الأصل من كنيسة الله فيجب عليه إذن أن يشهد لحق خاص هو أن

ه-كنيسة الله مقدسة

ولكن كيف يمكن الاجتماع أن يظهر ذلك بطريقة علمية؟

1-يمكنه ذلك, أولاً, عن طريق حياة التقوى لكل أولئك الذين ينتمون إليه. وهذا أمر جوهري أساسي. فالله يطلب منا القداسة العملية (1تس4: 3). ولذلك فإن حقائق الكنيسة لا تُعطى على أنها بيان مستقل متميز في قسم خاص من العهد الجديد, بل هي موجودة في أماكن كثيرة مختلفة وهي منتشرة بين الوصايا العملية التي تحض ّعلى شؤون كنسية المقدسة. والرب لا يطلب فقط أناساً أصحاء من الخارج في حياتهم الكنسية, بل هو يريد أناساً تشهد حياتهم للحق.

2-لهذا السبب يجب على الكنيسة المحلية أن توفر للأعضاء غذاءً جيداً من التعليم الكتابي, لا يتكون من مقتطفات من هنا وهناك من تعليم منتظم من كلمة الله. وبهذه الطريقة وحدها يحصل كل القديسين على كل الكلمة بالتوازن الذي أعطاها الله به.

3-ومع أن التعليم الصحيح المنتظم له أثر فعّال في وقاية الاجتماع من الخطية إلا أنه لا مندوحة من أن على كل كنيسة محلية أن تتخذ خطوات تأديبية تنظيمية. فحيثما دخلت الخطية لتعكر سلام الاجتماع أو شهادته في المجتمع يجب أن يتخذ في الأمر إجراء. "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله". (1بط4: 17)

4-والإجراء التأديبي له غرضان أساسيان:

أ-فضح الذين يقولون أنهم مسيحيون ولكنهم غير متجددين فعلاً, أي كالوارد ذكرهم في 1يو2: 19, وإقصاؤهم عن الشركة.

ب-إنزال القصاص بكل مؤمن يخطئ, بطريقة تؤدي إلى رجوعه للرب وللكنيسة المحلية. وتأديب المسيحيين لم يقصد به قط أن يكون غاية في حد ذاته بل هو دائماً وسيلة للحصول على الشفاء الروحي.

5-ولقد وردت في العهد الجديد درجات مختلفة من الإجراءات التأديبية, كما يلي:

أ-في حالة الأخ الذي يخطئ ضد أخيه-يجب أن يعالج هذا الأخ على انفراد. فإن لم يسمع فيجب أن يذهب إليه واحد أو اثنان. فإن لم يسمع لهذه الشهادة الجماعية فيجب عليه أن يمثل أمام الكنيسة, فإن لم يجدِ هذا الإجراء الأخير نفعاً فيجب أن يعامل كالوثني والعشار (مت18: 15- 17).

ب-وهناك إجراء تأديبي آخر في شكل إنذار (1تس5: 14) وهذا يُتّبع في حالة الأخ الذي يسلك بدون ترتيب, أي الذي يأبى أن يخضع لمن لهم السلطان عليه في الرب.

ج-ثم نقرأ أيضاً عن صنفين من الناس يجب أن نتجنبهما واعني بهما الرجل الذي يسلك بلا ترتيب (2تس3: 11و 14و 15), وكذلك الذي يسبب الشقاقات (رو16: 17). أما الذي يسلك بلا ترتيب فهو الذي يرفض أن يشتغل, وأما الآخر فهو الذي يخلق المشاكل والشقاق بين شعب الله لكي يجذب وراءه اتباعاً بغية الكسب المادي.

د-يجب رفض الشخص الهرطوقي بعد إنذاره مرة ومرتين (تي3: 10). يتساءل البعض عما إذا كان المقصود هنا فرزه من الجماعة أو أن هذا التأديب أقل من الفرز.

ه-ثم هناك التأديب الصارم ألا وهو الفرز من الكنيسة (1كو5: 11و 13). وهو تأديب خاص للزاني والطماع وعابد الوثن والشتّام والسكير والخاطف.

6-ومن الضروري في أمر التأديب التأكد من أن المحاكمة عادلة وتقوم على بينات موثوق بها. أما المبادئ العامة التي تُطبق في هذا الشأن فنوضحها في الموجز الآتي:

يجب ألا نسمح لنفوسنا بتكوين رأي, وبالأحرى ألا نقول شيئاً أو نعمل شيئاً بدون أن يكون هناك شاهدان أو ثلاثة شهود. ومهما كانت شهادة الفرد موثوقاً بها وجديرة بالاعتماد عليها فهي غير كافية كأساس يقوم عليه الحكم. وقد نقتنع في نفوسنا بصحة الأمر لأنه مؤيد بشهادة شخص لنا فيه كل الثقة, ولكن الله أحكم منا جميعاً. وقد يكون ذلك الشاهد الواحد مستقيماً وصادقاً ولن يُقدِم على قول الكذب أو الشهادة الزور ولو أعطيته كل ما في العالم من ثروة, قد يكون كل ذلك حقاً وصدقاً, ولكن يجب علينا أن نتمسك بالأمر الإلهي "على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل كلمة".

ألا ليت ذلك كان مرعياً بدقة في كنيسة الله, إذن لعمت فائدته التي لا تعد ولا تحصى في كل حالة من حالات التأديب كما في كل حالة تتعلق بسلوك أي فرد وبسمعته. فقبل أن يتخذ الاجتماع أي قرار أو ينفذ حكماً في حالة ما, يجب عليه أن يتحقق من كفاية البيّنات. فإن لم تتوفر هذه فيجب أن ينتظر الجميع الرب. يجب أن ينتظروا انتظاراً بثقة ولسوف يظهر الرب حقاً ما تدعو إليه الحاجة.

فلنفترض أن هناك فساداً أخلاقياً أو تعليماً خاطئاً في اجتماع المسيحيين, إلا أن الأمر معروف لشخص واحد, وهذا الشخص يعلمه علم اليقين, فما هو العمل إذن؟ انتظروا الرب واطلبوا منه شهادة أخرى. وكل تصرف دون ذلك هو كسر لمبدأ إلهي مدوّن بكل وضوح في كلمة الله المرة تلو الأخرى. فهل يحرج الشاهد الوحيد ويشعر أنه أُهين لأن شهادته لم تؤدِّ إلى إجراء ما؟ كلا. يجب فعلاً ألا ينتظر شيئاً من ذلك بل عليه ألا ينهض شاهداً حتى يدعم شهادته بشهادة شخص آخر. وهل يُرمَى الاجتماع بعدم المبالاة أو التراخي لأنه رفض اتخاذ إجراء بناء على شهادة شاهد واحد؟ كلا. فلو أنه عمل ذلك لكان عاصياً للأمر الإلهي.

ولا يغرب عن الذهن أن ذلك المبدأ العملي العظيم ليس قاصراً في تطبيقه على حالات التأديب أو على الموضوعات التي تتصل باجتماع شعب الله بل هو مبدأ عام يطبق في جميع الحالات. فلا يجب أن نسمح لأنفسنا أن نصدر أحكاماً أو نكّون رأياً بدون أن تتوفر لنا البينات التي رسمها الله في قانونه. فإذا لم تتوفر هذه البينات وكان علينا أن نحكم في الحالة التي أمامنا, فالله سوف يعطينا البيّنة اللازمة في حينه. ونحن على علم بحالةٍ ما أتهم فيها شخص زوراً وبهتاناً إذ أن الشخص الذي اتهمه بنى اتهامه على إحدى حواسه, ولو أنه كلف نفسه مشقة تجنيد حاسة أخرى أو حاستين من حواسه لما ألقى باتهامه جزافاً[1].

7-وهناك وجه آخر لهذا الموضوع يستحق منا عناية خاصة ألا وهو الطريقة التي يوقع بها التأديب.

أ-يجب أن يكون بروح الوداعة, إذ ينظر الإنسان إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضاً (غل6: 1).

ب-يجب أن يكون حيادياً حياداً تاماً. فإذا ما كان المخطئ يمت إلينا بصلة القرابة مثلاً فلا يجب أن تؤثر قرابته في قرارنا في هذا الأمر. فلا يجب أن تكون هناك محاباة بالوجوه (تث1: 17 ويع2: 1).

ج-وفي حالة الفرز من الشركة يجب أن يكون ذلك بقرار من الاجتماع وليس بقرار شخص واحد (2كو2: 6). ولنقتبس مرة أخرى ما قاله س. هـ. ماكنتوش عن الروح الذي يطبق به هذا النوع من التأديب:

"لا يوجد ما هو أخطر وأقسى من قطع شخص من مائدة الرب فذلك آخر قرار وأخطر قرار يتخذه الاجتماع كله إذا لم يكن منه مفر, ويجب أن يتخذ بقلوب كسيرة وعيون دامعة. ولكن يا للأسف كم من المرات اتخذ هذا القرار بروح مخالفة. كم من المرات أُنجز هذا الواجب الخطير المقدس في شكل إنذار رسمي, لا أكثر, بأن الشخص الفلاني مقطوع من الشركة. فهل نعجب بعد ذلك أن تأديباً هذه طريقته يفقد أهميته عند الشخص المخطئ وعند الاجتماع أيضاً؟

فكيف إذن يجب أن يكون التأديب؟ يجب أن يكون كما رسمه الوحي في 1كو5. عندما تكون الحالة واضحة ظاهرة, وبعد الانتهاء من كل بحث وتمحيص فيجب أن يدعى كل الاجتماع بجد وخطورة لهذا الغرض بالذات, فإن خطورة هذا الأمر تستدعي بكل أن تأكيد أن يعقد اجتماع خاص له. ويجب على جميع الأعضاء بقدر المستطاع أن يحضروا وأن يطلبوا نعمة من الرب حتى يضعوا أنفسهم في مكان المخطئ, وأن يفحصوا أنفسهم في حضرة الرب, وأن يأكلوا ذبيحة الخطيئة. وليس الغرض من دعوة الاجتماع هو البحث والتمحيص, فقد تم ذلك فعلاً وجمع كل المختصين المعلومات لمجد المسيح وصالح كنيسته. وعندما يستقر الرأي وتتضح البيّنات تماماً يدعى الاجتماع للعمل باتضاح وحزن لكي يعزلوا المخطئ بينهم. وذلك طاعة مقدسة لأمر الرب"[2].

8-وأخيراً فغنّي عن البيان أنه لا يجب على المؤمنين أن ينشروا خطية أخوتهم, بل عليهم أن يسدلوا عليها وعلى الإجراء التأديبي ستاراً من السريّة الحبيّة (تك9: 23) بالنسبة للعالم الخارجي.

وعندما يتخذ الاجتماع إجراءات حاسمة حينما تكشف الخطية يستطيع أن يحتفظ بطابعه كصورة مصغرة لهيكل الله المقدس.

وربما كان من الواجب أن نقول هنا أن العهد الجديد يفترض أن يكون كل مؤمن عضواً في كنيسة محلية, وإلاّ لكان حراً من تأديب أي اجتماع, وهذه الحرية تحمل أكبر الأخطار للفرد.


(10) مذكرات في شرح سفر التثنية, لماكنتوش, الجزء الثاني.

(11) "التأديب في الاجتماع" –شذرات متفرقة.

  • عدد الزيارات: 4151