Skip to main content

الفصل الحادي عشر: ماذا يعني أن تكون مسيحياً - مسؤوليات أولاد الله

الصفحة 3 من 3: مسؤوليات أولاد الله

2ـ مسؤوليات أولاد الله

يا له من امتياز عظيم عجيب أن تكون ابناً لله، إلا أن هذه البنوّة تتضمن التزامات أيضاً، ويقول الرسول بطرس "وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به" (1 بطرس 2: 2) وإن امتياز الابن لله هو صلة انتسابه كما أن مسؤوليته العظيمة هي النمو ولئن أحب كل إنسان الأطفال، لكن ما من عاقل يتمنى أن يظل في دور المهد والطفولة، وإنها لمأساة أن كثيرين من المسيحيين ممن ولدوا في المسيح لا ينمون.. بينما البعض يعاني من تضعضع الروح وتقهقره، ومن ناحية أخرى فإن قصد أبينا السماوي بأن "الأطفال في المسيح" يُحضرون إلى "إنسان كامل في المسيح" (1 كورنثوس 3: 1، كولوسي 1: 28) إذ يجب أن يتبع ولادتنا نمو وأن يقودنا التبرير الذي هو قبولنا قدام الله إلى عملية التقديس أي نمونا في القداسة.

هناك دائرتان رئيسيتان لنمو المسيحي، أولاهما هي دائرة الفهم وثانيتهما هي دائرة القداسة، فعندما يبدأ المسيحي حياته المسيحية تكون معرفته عادة قليلة محصورة ولم يعرف إلا القليل عن الله، ونرى لزاماً عليه أن ينمو في معرفة الله ومعرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح (كولوسي 1: 10، 2 بطرس 3: 18) وهي معرفة عقلية جزئياً كما أنها شخصية.. وللازدياد في المعرفة العقلية يقتضي لا أن نقرأ الكتاب المقدس فقط بل الكتب المسيحية السليمة، وإن إهمال النمو في الفهم هو بمثابة التعرض للرزايا واللعب بالنار، وكم في الطريق المسيحي من قتلى الجهل وعدم الفهم.

كما يلزم أن ننمو في القداسة في الحياة، ويتحدث كتبة العهد الجديد عن نمو إيماننا بالله ومحبتنا للناس، وتشابهنا للمسيح وكل واحد من أولاد الله يشتاق أن يكون مشابهاً أكثر فأكثر في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته لابن الله الوحيد نفسه، فالحياة المسيحية حياة البر، ويجب أن نسعى لإطاعة وصية الله وعمل إرادة الله، وقد أُعطي لنا الروح القدس لهذه الغاية، وقد جعل أجسادنا هياكل لسكناه، وبقدر ما نسمح له أن يملأنا بقوته فإنه يخضع ويزيل رغائبنا الشريرة ويجعل أثماره تظهر فينا وهي: "محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعطف" (غلاطية 5: 16، 22، 23).

ولكن كيف ننمو؟ ما هي أسرار النجاح؟

هناك ثلاث مسؤوليات عظمى تقع على كاهل أولاد الله وهي:

1ـ واجبنا نحو الله:

مع أن صلتنا وانتسابنا للأب السماوي مضمونة مأمونة لكنها ليست مستقرة ثابتة، فإنه يطلب من أولاده أن ينمو في معرفته أكثر فأكثر، فقد اكتشفت أجيال المسيحيين بأن الطريق الوحيد إلى ذلك هو تعيين وقت خاص نصرفه أمام الله كل يوم وعساه ما يسميه البعض "تأملات هادئة" وهو أول شيء نقوم به في الصباح، وآخر شيء نعمله في المساء. وهي ضرورة لازمة لكل مسيحي يرغب في التقدم والنمو.. ومع أن أشغالنا كثيرة في هذا العصر إلا أنه يجب إعادة ترتيبها بحسب الأفضلية والأهمية بدرجة معها نعطي وقتاً لتأملاتنا الروحية، وهذا يعني التدقيق في تدريب النفس وترويضها وإن كتاباً مقدساً جميلاً وساعة منبه نستعين بها لتقودنا إلى طريق النصرة والنجاح.

وتشمل فترة الهدوء المنظمة قراءة الكتاب المقدس والصلاة وأقول قراءة الكتاب لأن الله يتكلم لنا فيه.. وأقول الصلاة لأننا بها نتكلم نحن مع الله، ومن الأهمية بمكان أن نقرأ الكتاب قراءة منتظمة، وهناك طرق كثيرة لقراءته منها أن نصلي قبل أن نقرأه طالبين من الروح القدس أن يفتح أبصارنا وبصائرنا، ثم أن نقرأ بعد ذلك ببطء وتأمل وتفكير.. اقرأ النص ثم أعد قراءته وتعلم كيف تصول وتجول في مراعي كلمة الله! كافح وصارع معها حتى تستوعب معناها! وقد يحتاج الأمر إلى ضرورة الاستعانة ببعض الترجمات أو التفاسير للكتاب، ومن ثم طبق على نفسك وظروفك، الرسالة التي جاءت في الأعداد التي قرأتها.. ابحث عن الوعود التي تتمسك بها وعن الوصايا التي يجب أن تطيعها وعن المُثل التي تتبعها وعن الخطايا التي ينبغي تجنبها.. ومما يساعدك على هذا أن تمسك بدفتر وقلم لتكتب ما تتعلمه في وقته وفوق الكل فتش عن الرب يسوع المسيح فهو الموضوع الرئيسي في الكتاب، فلا يكفي أن نجده معلناً هناك بل يجب أن نقابله شخصياً ونحن نقلب صفحات الكتاب.

وبديهي أن تأتي الصلاة بعد قراءة الكتاب أيضاً، وابدأها بالكلام مع الله عن نفس الموضوع الذي كلمك الله عنه! لا تغيّر الحديث، فإن كان قد كلمك عن شخصه ومجده، فاعبده وتمسك به وإن كان قد حدثك عن شخصك وخطاياك، فاعترف بها وارجع عنها.. اشكره من أجل أي – أو كلّ – بركة أعلنها لك في الجزء الذي قرأته، ثم صلِّ أن يعلمّك وأصحابك الدروس التي فيه! وعندما تصلي طالباً بركة الرب على الفصول الكتابية التي قرأتها، تجد نفسك مشتاقاً أن تتبعها بصلوات أخرى، وإذا كان كتابك المقدس هو معينك الأول في الصلاة، فإن مذكراتك وملاحظاتك اليومية معينك الثاني، وعليك أن تسلمه في الصباح كل أعمالك اليومية، وتراجع في المساء معه كل ما تم أثناء النهار معترفاً بخطاياك التي ارتكبتها، شاكراً من أجل البركات التي أخذتها، مصلياً من أجل الناس الذين قابلتهم.. واعلم أن الله هو أبوك فكن طبيعياً معه، واثقاً منه جريئاً أمامه، إنه يلتذ بكل شيء عن حياتك كبيراً كان أم صغيراً، ولن يمضي وقت طويل حتى ترى نفسك ملزماً أن تعمل لائحة بأسماء الأقارب والأصحاب الذين تحسب نفسك مسؤولاً عن الصلاة من أجلهم! ومن الحكمة أن تجعل هذه اللائحة مرنة يسهل زيادتها أو إنقاصها!

2ـ واجبنا نحو الكنيسة:

ليست الحياة المسيحية مراعاة مصالحنا الشخصية، فإن كنا قد ولدنا من فوق، ودخلنا ضمن أسرة الله فلن يكون الله أباً لنا فحسب ولكن يصير كل مؤمن مسيحي في العالم، مهما كان لونه أو جنسه أو مذهبه، أخاً أو أختاً لنا في المسيح.. ومن أهم أسماء المسيحيين وأعمقها في العهد الجديد، اسم "الأخوة".. يا له من حق مجيد! ولا فائدة في أن يظن أحد أن العضوية في كنيسة المسيح العامة كافية، بل يجب أن ننضم فعلاً إلى كنيسة معينة في البلد الذي فيه نقيم، وإن المكان لكل مسيحي هو أن يكون عضواً في كنيسته المحلية، يساهم في عبادتها وشركتها وشهادتها.. والمعمودية هي طريق الدخول إلى المجتمع المسيحي المنظور، وللمعمودية معانٍ أخرى أيضاً.. فإن كنت لم تتعمد بعد، أرجو أن تطلب من راعيك أن يعمدك، ثم اندمج في الشركة المسيحية حيث ترى الكثير هناك، مما يبدو غريباً عليك في أول الأمر، ولكن لا تقف متفرجاً بل واظب على حضور اجتماعات الكنيسة لأن هذا واجب مقدس، كما أن كل مذهب وكل كنيسة مسيحية تتفق على أن العشاء الرباني أو الشركة المقدسة خدمة رئيسية في الكنيسة لأننا بها نحيي موت مخلصنا في الشركة مع بعضنا البعض، وأرجو ألا يفهم من قولي أن الشركة هي مجرد حفلة في يوم الأحد، وقد أضيفت كلمة " فيلادلفيا" التي تعني "محبة الأخوة" من جديد في قاموس الأخوة المسيحية، وسيكتشف المسيحي أعماقاً جديدة في ميدان الأخوة المسيحية، حيث يكون ألصق أصدقاءه من المسيحيين، وفوق الكل يكون شريك الحياة مسيحياً أيضاً (2 كورنثوس 6: 14).

3ـ واجبنا نحو العالم:

إن الحياة المسيحية هي عمل عائلي، حيث يتمتع الأولاد بشركة حلوة مع أبيهم ومع بعضهم البعض، ولكن لا يخطر على البال أن هذا يخليهم من مسؤولياتهم، فما كان المسيحيون – ولن يكونوا – جماعة ممن يغترون في أنفسهم ويهتمون بمصالحهم النفسانية الذاتية وممن يهتمون بأمورهم الشخصية فقط، ولكن بالعكس، لأن كل مسيحي حقيقي يهتم في قرارة نفسه بأقرانه الذين هم خارج الكنيسة ويسميهم الكتاب "بالعالم" لأنهم لم يدخلوا بعد ضمن أسرة الله. وقد يدعوك الله إلى خدمة الإنجيل في بلادك أو يرسلك إلى حقل تبشيري.. ولا امتياز على الأرض أعظم من امتياز الخدمة.. فإن العالم متعطش إلى البشارة والكرازة.. وكم من ملايين من الناس لم يسمعوا بعد عن يسوع المسيح وعن خلاصه، وقد غطت الكنيسة في نوم عميق قروناً طويلة، فهل جاء الوقت لكي يستيقظ المسيحي ويربح العالم للمسيح؟ وربما يكون الله قد أعد لك عملاً خاصاً تعمله، فإن كنت طالباً تسير في غمرة الحياة نحو هدفك ومستقبلك، فمن الخطأ الفاحش أن تتسرع في شيء.. ولكن اطلب أولاً أن يكشف لك الله إرادته في حياتك ثم اخضع لها.

ومع أنه ليس بالطبع أن يُدعى كل مسيحي لكي يصير قسيساً أو مرسلاً، إلا أن الله يقصد أن يكون كل مسيحي شاهداً ليسوع المسيح وأن عليه مسؤولية خطيرة في السعي لربح النفوس، سواء أكان في بيته أم في كليته أم مع رفاقه أم في عمله! ولو أن المسيحي دمث الأخلاق كريم النفس أديب، ولكنه مستقر ثابت لا يتزعزع! وخير وسيلة تبدأ بها ربح النفوس هي الصلاة، فاطلب من الله أن يعطيك اهتماماً خاصاً بواحد أو اثنين من أصحابك، ومن الحكمة أن تحصر عملك في شخص أو اثنين من جنسك، ذكراً أم أنثى وفي مثل عمرك وصلِّ بانتظام وتحديد، لتغييرهما وتجديدهما مستفيداً بصداقتك لهما، ولا تبخل بوقتك عليهما وأحببهما من كل قلبك محبة خالصة.. وسيأتي الوقت الذي يمكنك فيه أن تصحبهما معك إلى خدمة أو اجتماع حيث يسمعان رسالة الإنجيل أو أن تعطيهما نبذات مسيحية للقراءة، أو أن تحدثهما ببساطة عما فعله يسوع من أجلك وعما تشعر به نحوه وكيف وجدته.. ولا حاجة لي إلى القول، إن أبلغ شهادة نؤديها، تصبح عديمة التأثير أو الفائدة، إذا ناقضتها حياتنا وقدوتنا، ولا شهادة أعمق أثراً وأبعد مدى من شهادة حياة جددها المسيح وغيَّرها.

هذه هي امتيازات ومسؤوليات أولاد الله الذين إذ يولدون ضمن الأسرة المقدسة أسرة الله، ويتمتعون بالآب السماوي في علاقة وثيقة وصلة متينة بكل تأكيد وضمان واطمئنان، يتدربون في ساعات تأملاتهم اليومية الهادئة، مخلصين في عضوية كنائسهم ونشيطين في سعيهم وجهادهم، جادّين في صلاتهم وشهادتهم الشخصية لربح نفوس أصدقائهم للمسيح..

ولكنهم يعرفون دائماً بأنهم ليسوا من هذا العالم، ومع أن عليهم كمواطنين مسيحيين، واجبات مقدسة نحو بلادهم وأوطانهم، فإنهم في الوقت نفسه غرباء ونزلاء على الأرض، سائحين وسائرين إلى البيت الأبدي في السماء، ولذلك لا تغمرهم المصالح الشخصية والمطامع العالمية والملذات الجسدية، كما لا تثقل كاهلهم التجارب والأحزان في الحياة الحاضرة، متذكرين بأننا "إن كنا نتألم مع المسيح فلكي نتمجد معه" (رومية 8: 17) وإن عيني المسيحي تتجهان دائماً نحو الأفق، منتظرة مجيء الرب الذي قال: "أنا آتي سريعاً" قائلة: "نعم تعال أيها الرب يسوع".

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10122