الفصل الحادي عشر: ماذا يعني أن تكون مسيحياً - امتيازات أولاد الله
1ـ امتيازات أولاد الله
إن الامتياز العظيم والفريد من نوعه لأولاد الله الذين وُلدوا من الله، هو أنهم ينتسبون إلى الله.. ودعونا نتأمل هذه العلاقة.
1ـ أنها علاقة وثيقة:
رأينا فيما سلف كيف انفصلنا عن الله، فقد أبعدتنا خطايانا عنه وصارت فاصلة بيننا وبينه، ولكن هذا الفاصل قد تلاشى بعد أن كانت الخطايا أشبه بالغيوم التي تحجب نور وجهه أما الآن فقد انقشعت الغيوم وأشرقت الشمس.. ويمكننا أن نستخدم تشبيهاً آخر ورد كثيراً في رسائل بولس الرسول بأننا كنا تحت الدينونة العادلة لديان كل الأرض، ولكن الآن قد تبررنا في المسيح يسوع (الذي حمل إدانتنا والذي فيه اتحدنا بالإيمان).. أي أننا صرنا مقبولين لدى الله وأصبحنا أبراراً، وقد أصبح الدّيان أباً لنا.
"انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يوحنا 3: 1) "الآب" و "الابن" هما اللقبان المميزان اللذان أعطاهما المسيح لله ولنفسه؛ وهما اللقبان اللذان يسمح لنا باستخدامهما.. وبالاتحاد معه، يخوّل لنا أن نشاركه علاقته الوثيقة بالآب، ولقد أوضح أسقف قرطاجنة في منتصف القرن الثالث الميلادي في نبذته المسماة: "الصلاة الربانية" أوضح امتيازنا بقوله: "ما أعظم تسامح الرب! ما أعظم تنازله، وما أعظم جوده نحونا، كما يبدو من رغبته لنا في أن نصلي أمام لله بطريقة بها ندعوه "الله الآب" وأن ندعو أنفسنا "أولاد الله" كما أن المسيح هو ابن الله، الاسم الذي لم يكن أحد منا يتجاسر أن ينطق به في صلاة، لو لم يسمح لنا هو باستخدامه في صلواتنا".
والآن، أخيراً، نستطيع أن نتلو الصلاة الربانية بدون رياء فقد كانت قبلاً كلمات خرقاء جوفاء، أما الآن فإنها فياضة بالمعاني السامية الجديدة، وحقاً أن الله هو أبونا في السماوات الذي يعرف ما نحتاج إليه قبل أن نسأله، وهو الذي يعطي لأولاده عطايا جيدة (متى 6: 32، 7: 11) وقد تدعوه الضرورة إلى تأديبنا وإخلاصنا "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يسر به" (عبرانيين 12: 6، قابل أمثال 3: 12) ولكن مما يطمئننا هو أن عصا التأديب في يد الآب المحب، ولا شك أننا مع مثل هذا الآب الرحيم والحكيم القوي نتخلص من كل مخاوفنا.
2ـ علاقة أكيدة:
إن علاقة المسيحي بالله مثل علاقة الابن بأبيه أي أنها ليست علاقة وثيقة فحسب، بل أيضاً علاقة أكيدة فكيف نعرف أنها توطدت؟ إن عدداً كبيراً من الناس يعيشون في الآمال، وهم يرجون الأفضل ولكن هل يمكن التأكد من ذلك؟ نعم لأنها إرادة الله المعلنة لنا. فينبغي أن نتأكد من علاقتنا بالله، ليس فقط حباً في راحة الفكر وروح مساعدة الآخرين، ولكن لأن الله يريدنا أن نكون متأكدين، ويصرح يوحنا الرسول بأن هذه كانت غايته في كتابة رسالته الأولى، كما يقول: "كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية" (1 يوحنا 5: 13).
إلا أن الطريقة للتأكد، ليست أن نشعر بالتأكيد، فإن معظم المسيحيين الحديثي الإيمان، يقعون في هذه الغلطة في بدء حياتهم المسيحية، إذ يعولون كثيراً على احساساتهم السطحية الخارجية ففي يوم يشعرون بقربهم لله وفي يوم آخر يشعرون أنهم غرباء عنه وبعيدون ثانية، ويظنون أن مشاعرهم وأحاسيسهم تعبّر تعبيراً صادقاً عن حالتهم الروحية ولذلك يقعون في حالة مرعبة من عدم التأكد وتصبح حياتهم المسيحية كأنها أرجوحة ترتفع بهم تارة إلى أعلى عليين من السمو وتهبط بهم طوراً إلى أعماق الانقباض والكآبة، وليس هذا بالأمر المستحب، ويجب أن يتعلم الإنسان عدم الاستسلام لأحاسيسه ومشاعره لأنها تتغير وتتبدل مع تغير الأحوال وتبدل الصحة ونحن خلائق متقلبون في طبائعنا وميولنا وليس هناك من علاقة بين إحساساتنا المتقلبة وتقدمنا الروحي.
إن مشاعرنا لم تكن أساساً لمعرفتنا بأننا في علاقة مع الله، ولكن الأساس الصحيح هو ما قاله لنا بهذا الصدد، فالمحك الذي نطبعه على أنفسنا يأتي من الخارج وليس من الداخل، ولسنا في حاجة أن نبحث في داخلنا عن دليل الحياة الروحية، بل لنمد أبصارنا إلى فوق وإلى الفضاء، إلى الله وإلى كلمته، ولكن أين نجد كلمة الله التي تؤكد لنا بأننا أولاده؟
(أ) كلمة الله مكتوبة في كتبنا المقدسة:
إن الله يعد في كلمته المكتوبة، أن يعطي حياة أبدية لجميع الذين قبلوا المسيح "وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن له الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1 يوحنا 5: 11، 12) ولا يعتبر حدساً وغطرسة، أن نؤمن متواضعين بأن لنا حياة أبدية، بل بالعكس فإن الإيمان بكلمة الله هو التواضع لا الكبرياء، والحكمة وليست الغطرسة، وأن الشك هو عين الغباء والخطية لأنه يقول: "من لا يصدق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي شهدها الله عن ابنه" (ا يوحنا 5: 10) والكتاب مليء بمواعيد الله التي لا يألو المسيحيون المعقولون جهداً في حفظها واستيعابها في الذاكرة فإذا ما أصابه سوء وسقط في هوة الانقباض والشك يتمسك بحبال مواعيد الله.. وهاكم بعض الوعود التي تستحق الحفظ (يوحنا 6: 37، 10: 28 ، 1 كورنثوس 10: 13 ، عبرانيين 13: 5، 6 ، أشعيا 41: 10 ، يعقوب 1: 5 ، 1 يوحنا 1: 9).
(ب) كلمة الله مسموعة في قلوبنا:
اسمع هذه الأقوال: "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" وأيضاً "عندما نصرخ يا أبا الآب.. فإن الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رومية 5: 5، 8: 15، 16) ويعرف كل مسيحي معنى هذه، فإن شهادة الروح القدس في الخارج – كما تعلمنا الكتب المقدسة – تثبتها وتؤيدها شهادة الروح القدس في الداخل في اختبارنا، ولا أقصد بذلك أن نولي أية ثقة لإحساسنا السطحي ولكن أن ننتظر اقتناعاً عميقاً في قلوبنا حينما يؤكد لنا الروح القدس محبة الله ويدفعنا لأن نصرخ قائلين: "أبانا" ونحن نطلب وجه الله في الصلاة.
(ت) كلمة الله تظهر في حياتنا:
إن الروح الذي يشهد في الكتاب المقدس وفي الاختبار بأننا أولاد الله، يتمم شهادته بحياتنا وسلوكنا، فإن كنا قد ولدنا من فوق في عائلة الله فإن روح الله يسكن فينا، وسرعان ما يسكن فينا حتى يبدأ عمله في تغيير حياتنا ومنهاجها، ويستعمل يوحنا الرسول هذا المحك، فالإنسان الذي لا يطيع وصايا الله ويهمل واجباته نحو إخوانه ورفاقه لا يعتبر مسيحياً مهما كانت وظيفته، وإن العلامات المميزة لأولاد الله هي قداسة الحياة والمحبة العملية للقريب لا سيما للإخوة المسيحيين.
3ـ علاقة مضمونة:
لنفرض أننا دخلنا في العلاقة الوثيقة مع الله وتأكدنا منها بواسطة كلمة الله، فهل هي علاقة مضمونة، أم هل ممكن أن نولد في أسرة الله بعض الوقت، ونُرفَض منها في وقت آخر؟ إن الكتاب يؤكد لنا أنها علاقة دائمة، فيقول بولس الرسول: "فإن كنا أبناء فنحن ورثة أيضاً ووارثون مع المسيح" (رومية 8: 17) ورب سائل يقول: "ولكن ماذا يحدث حين أخطىء؟ ألا أزيف بنوتي وأتوقف عن أن أكون ابناً لله؟. كلا.. ويمكنك أن تفكر فيما يماثل ذلك في الأسرة البشرية، لنفرض أن شاباً تنكر لوالديه وأخذ يقسو عليهما حتى خيّمت على البيت سحابة من التوتر، فيمتنع الأب والابن عن الكلام مع بعضهما البعض فماذا يحدث؟ هل يكفّ الولد عن أن يكون ابناً؟ كلا.. فإن علاقتهما لم تتغير ولكن شركتهما هي التي فسدت فالعلاقة تتوقف على الولادة، بينما تتوقف الشركة على التصرف والسلوك، فسرعان ما يعتذر الشاب حتى يصفح عنه الأب فيستعيد الصفح الشركة وفي نفس الوقت تبقى علاقته كما هي فإن بدا الولد متمرداً أو عقوقاً، لكنه سيبقى ابناً لا يتغير.
وهكذا هو الحال مع أولاد الله، فعندما نخطىء لا نقطع أو نخسر علاقتنا معه كأولاد، مع أن شركتنا معه تفسد إلى أن نعترف بخطايانا ونتوب عنها، وحالما نعترف بخطايانا "فإنه أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 9) "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا.." (1 يوحنا 2: 1، 2) فعندما تسقط في الخطية اركع على ركبتيك واطلب باتضاع غفران أبيك في الحال واجتهد أن تحفظ ضميرك بلا عثرة أمام الله والناس.
وبعبارة أخرى يمكننا أن نتبرر مرة، ولكن نحتاج إلى غفران كل يوم، وعندما غسل المسيح أرجل التلاميذ أوضح لهم ذلك تماماً.. سأله بطرس أن يغسل يديه ورأسه كما يغسل قدميه، ولكن يسوع أجاب "الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله" وإذا دُعي إنسان إلى وليمة عشاء في أورشليم، كان يغتسل قبل الذهاب إلى الوليمة، كما كانت العادة آنذاك، وعندما يصل إلى بيت صاحبه لا يحتاج إلى اغتسال آخر ولكن خادماً يلاقيه عند الباب ويغسل رجليه، وهكذا عندما نأتي إلى المسيح في توبة وإيمان نحن نقبل "الاغتسال" (الذي هو التبرير والذي يرمز إليه ظاهرياً بالمعمودية) ولا حاجة أبداً إلى تكرارها ولكن ونحن سائرون في الشوارع المليئة بالأقذار في هذا العالم نحتاج دوماً إلى غسل أرجلنا (أي الغفران اليومي).
- عدد الزيارات: 10123